|
Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط (Re: سمرية)
|
(4)
زمني الآخر ، حلمي الآخر ، جسمي الآخر كل شيء عندي آخر . لم يكن قط ، ولن يكون ابداً ، شيء هنا ، والآن . بل كل شيء إما منقض ، ولكنه - على دثوره - مائل غير بائد ، أو مسوًف ، مؤجل ، ولكنه - وإن لم يات غداً بعد - قائم - يضارعني ويشغل حيزي، الآن ، وكأنه مع ذلك وفي الآن نفسه قد مضى وانقضى . إلأ لحظة العشق . هذه لا زمن فيها ، لا زمن لها ، لا انقضاء ولا مآب ولا هناك مَقدِم آت .
(5)
اريد ان انقل اليك ما قراته في ( الاهرام ) بالامس ، في اليوم الاخير من هذا العام 1980 : ( انا بنت فقيرة الحال توفي والدي منذ مدة طويلة ، وتركني انا ووالدتي العجوز دون مورد رزق نعيش منه ، اريد ان اعمل بوظيفة فراشة ، علماً بأنني حاصلة الشهادة الابتدائية عام 1965 ، وإذا لم يمكن تعييني ممكناً ارجوكم أن تاخذوني انا ووالدتي نعيش في اي مصحة محكومية ، او حتى سجن ، ناكل ونشرب ، بدلا من عذابنا في هذه الدنيا )
نصرة كامل حسنين الكيلاني بحيرة - مركز ايتاي البارود ــــــــ
اوجعتني نصرة كامل كيلاني طبعاً فماذا فعلت ؟ ماذا فعلت بوجعي ، وغضبي ؟ أكتب رسالة لن تصل ابداً ؟
ولماذا اتصور - يعني - انه يجب عليً ان افعل شيئاً ، على أي حال ؟ اما زلت اظن نفسي أرفع سيف النار البتار ؟ مثل ملاكي ؟ في عالم نفيت عنه الملائكة ، من زمن بعيد ؟ قد أنطفأت جذوته . ألم تنطفيء ؟
في هذا العقد ، قال تقرير لمنظمة الاغذية العالمية والزراعة ، ان نحو 500 مليون في الدول النامية يعانون من الجوع ، ومثلهم في الدول المتقدمة يشكون أمراض التخمة والسمنة والاسراف في الاكل . اما الذين سقطوا في المجاعات ، مرضى او موتي ، فهم نحو 99 مليوناً في العقد الثامن فقط . قلت لنفسي وهأنذا اقول لكـ بلا خجل او بخجل قليل : كأن في ضخامة الارقام وحدها ما يحبط العزم ويثلم الحس ، 170 مليون طفل أفريقي مهددون بالموت من المجاعة والقحط ، 70% من أهل أفريقيا تحت مستوى الفقر ؟ ما مستوي الفقر عند المنظمات الدولية المحترمة ، حسنة النية بلا شك - مثل الفاو ؟ كأنما هي بالاحصاءات والدراسات والمشروعات تبريء ذمة الناعمين وافري النعمة ، كأنما تكفر عن حس بالاثم عرضي على كل حال سرعان ما ينجاب - 170 مليون طفل - كأنما الارقام الهائلة توقف دم الوجيعة وتحول الحكاية الى مجرد شهقة استغراب. ولماذا الارقام بالملايين ؟ ولماذا في افريقيا ؟ وهي كلها تعميمات وتجريدات احصائية ، وجغرافية ، ومصطلحات في التقارير ؟
تحت بيتنا رأيته ، هذا الصبي الفلاح الذي ما أوضح انه ياتي القاهرة لاول مرة ، كان يبتسم ويرى الاشياء وخاصة النسوان بانبهار ، وكان شاحب الوجه أبيض شحوباَ شمعياً وعلى جلد وجهه ويديه نقط سوداء دقيقة وعلى شفتيه قشرة قشف . وعيناه جافتان ، يلف رقبته بكوفية مغزولة في البيت ، قلت لنفسي : في مصر ، في القاهرة ، بعد ثمانية وعشرين سنة من الثورة ، فلاح عنده الاسقربوط ؟ أليس هذا مرضاًُ تاريخياً ، ما أسهل زواله ، شويه فيتامينات ؟ كم مثله لم يأتوا للقاهرة او لم يعرفوا حتى ؟ كم مثله لا ياكلون العيش لحاف كفاية ، في القرى والمدن ؟ ليس هذا تجريد ولا أرقاماً . 170 مليون طفل افريقيا يعدلون طفلا واحداً في اي مكان من الارض ، طفلا يموت من الجوع ، ، جلده الاسمر أو الاصفر الرقيق ناصل النسيج مشدود على بطنه المنتفخ المكور بسرته البارزة عيناه غائران لامعتان وصامتتان ، ساقاه كلاعصى المثنية ، يموت وشفتاه مشققتان ، قشره نبات يابس ، لم يعد ينتظر من العالم شيئاً ، كف عن نداء امه التي جفت ونضبت وسقطت . طفل واحد ، 170 مليون طفل ، من ذا الذي يمكل ان يغفر هذا ؟ لا غفران .. يا للسذاجة ، دائما يا للسذاجة ! هل تتوقف الحياة ، هل يتوقف أي شيء في أي مكان- لان الجرائم - لان 170 مليون جريمة في هذه الحالة - ترتكب كما شأنها ان ترتكب دائما ، وكما لا شك سوف تظل ترتكب دائما ؟ أورفيوس يظل ينوح . قلنا ألف مرة إن موسيقى النواح تظل مضحكة قليلاً ، ولا معنى لها ، على أي حال . كأنما لا بد أن يكون ثمً معنى . نظل نحتمل هذه الجرائم - او هذه الوقائع - ونعيش معها ، ونحب ان نحيا، ونعرف أن نمارس عشقنا . كأننا الى عالم سفلى سحيق ! كأننا تفر بجسدينا من رعب الجريمة الى رعب العشق ، وكأنما يصبح الجسم - جسمي وجسمك معاً - في هذا الرعب ، مجرد موضوع ، مجرد اداة ، مجرد شيء ، منفى بلا حياة ، بل دفعة آليه انحسرت عنه - انفصلت عنه - روح محيية ، واصبح وحده ، يحفزه ويحركه وينبض فيه مجرد دفق العصارات الفيزيقية ونكوصها .
الهذا كنا ننزل الى الارض ، على الموكيت الطوبي المحروق ، كانه نار منطفئة ، ونصنع الحب ، صناعة كانها تكريس للسقوط ، كانها نزول الى ما تحت الارض . وعندما تطبق اللحظة الاخيرة علينا كانما لها وقع الادانة ، ارتماء الجسم وهمود دون حس بالخلاص ، بل ظمأ من لا ري له الا ماء ملح زقوم .
ألم يحدث هذا ؟ اعلى هذه النغمة نودع العام ونستقبل العام الجديد ؟ كل سنة وانت طيبة ..
يتبع
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط | سمرية | 09-15-10, 07:50 AM |
Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط | سمرية | 09-15-10, 08:24 AM |
Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط | سمرية | 09-15-10, 09:07 AM |
Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط | سمرية | 09-15-10, 11:21 AM |
Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط | سمرية | 09-15-10, 12:04 PM |
Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط | عصام عبد الحفيظ | 09-15-10, 03:35 PM |
Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط | سمرية | 09-19-10, 07:45 AM |
Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط | سمرية | 09-19-10, 10:16 AM |
Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط | محمد يوسف الزين | 09-21-10, 12:00 PM |
Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط | سمرية | 09-21-10, 12:19 PM |
Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط | سمرية | 09-22-10, 10:28 AM |
Re: رسائل لن تصل - قصة - إدوار الخراط | سمرية | 09-26-10, 02:42 PM |
|
|
|