|
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح (Re: aba)
|
(6) كامل حكيم من دنقلا العرضي حين جاء الي لندن كان يقترب من الأربعين طويلآ غير متناسق الأعضاء كل عضو في جسمه كأنه يتحرك بإرادة منفصلة ,ويسير في طريق مستقل,لكنه كان إنسانا ودودآ محبا للناس ضحكاته تجلجل في ردهات الإذاعة ونظراته تدخل الهلع في نفوس السكرتيرات الإنجليزيات, عمل ردحا من الزمن في إدارة السكك الحديدية بالسودان ثم فجأخطر له خاطر,كما يحدث للشعراء والفنانين,ولم يكن شاعرا ولا فنانا,رمي عهدته في وجوه رؤسائه علي حد قوله,وذهب دون أن يقول لهم مع السلامة,ساح في الأرض من كينيا إلي زنجبار إلي أندونيسيا إلي الهند ثم عاد إلي بلدته أقام بها عاما كاملآ لا يفعل شيئا(يتونس) ويأكل ويشرب وينام,علي حد قوله,ثم ألقت به المقادير عندنا في لندن في أواخر الخمسينات ,وسرعان ما إكتشف المسؤلون خطأهم فإن حكيم لم يكن يفهم في الإزاعة ولم يكن عنده إستعداد لكي يتعلم,فتركوه طيلة ثلاث سنوات وهي مدة عقده,لا يفعل أكثر من الربط بين البرامج حين تذاع علي الهواء يقول (سيداتي وسادتي تستمعون الي كذا,وإستمعتم إلي كذا) ذات يوم ذهب حكيم الي مستر ووترفيلد مدير الإذاعة وقال له باللغة العربية وباللهجة السودانية (يا مستر ووترفيلد الحكاي شنو؟ الناس كلهم رقيتوهم الأخد ترقية ال أخد علاوة.بس مستر حكيم رابط في محله,لايذيد ولا ينقص,يا مستر ووترفيلد الكلام ده أعوج منكم,مافيش ولا شلن عشان مستر حكيم؟ دخل لندن وخرج منها مثل الشعرة من العجين يأتي في الصباح ومعه طعامه يعده بنفسه في داره في (شذك) ويعود مباشرة بعد إنتهاء العمل وقد حول المطبخ الواسع في داره الي (تكل) علي الطريقة السودانية وضع فيه سريرا وطيئا مثل (العنقريب) السوداني وجهاز الراديو والتلفزيون, وأول ما يصل داره يخلع سترته الأفرنجية ويلبس جلابية سودانية, ويعد طعامه ثم يستلقي علي قفاه علي السرير,يستمع إلي الراديو ويتفرج علي التلفزيون إلي أن يحل موعد النوم, وتزوج من السودان بالتوكيل وهو في لندن أناب أخاه ليقوم بإجراءات العقد,فأرسلوا له عروسه ولم يكن قد رأها من قبل ومعها كميات كبيرة من العطور السودانية والبخور ذادت كثيرا عن الوزن المسموح به واحتارت الإدارة الإنجليزية ماذا تفعل فقال لهم حكيم إنها أدوات تجميل فأعجبهم ذلك المخرج فقبلوه,وكان حكيم يذهب إلي الدلالات ويشتري قطع الأساس القديم بأثمان بخسة وجمع منها قدرا كبيرا وحين أراد العودة وجد أن تكاليف شحنها الي السودان أكبر بكثير من ثمنها فتركها حيث هي,كنا نذهب الي داره من أن الي أن صلاح أحمد محمد صالح وعبد الرحيم الرفاعي وأكرم صالح وأنا,فيستقبلنا في المطبخ ويطعمنا الطعام السوداني الكسرة والويكة والكمونية وحتي المرارة الكبدة النيئة كأنك في أمدرمان ومستر حكيم في تلك الضاحية من تلك المدينة الأوروبية النائية في جلبابه السوداني وصدره مفتوح مغطي بشعر أشيب كثيف والروائح الأليفة العطر السوداني وروائح الكمونية والويكة والشاي بالنعناع والقرفة وغناء أحمد المصطفي من المسجل كأنه في أم درمان,ولندن ,كأنك سافرت من دنقلا العرضي إلي الخرطوم يا سبحان الله أقول في نفسي وقد كنت منذ تلك الأيام أراقب الناس والحياة مثل الكاتب ولا أكتب بل أدع الأفكار تضيع مع سحب دخان السجائر الذي تعلمته بين نغائض أخري في تلك الظروف والأحوال, يا سبحان الله , هذا الإنسان العجيب لماذا لا يحزن ويعاني كما نعني ونحزن ؟ لماذا لا يحس هول الأمواج التي تتلاطم حوله؟ لماذا لا ينفعل لهذه الأصوات الغريبة والروائح الغامضة المثيرة,الأمر واضح عنده هنا مثل هناك, ليس أحسن ولا أسوأ, لكنه مختلف وحدود العالم معروفة,القطار الذي يحمله إلي مكان العمل ويعود به,ودكاكين البقال والجزار وبائع الخضار لا أكثر لم يكن طائرا مهاجرا بل كان طائرا صحراويا خلا له الجو وطاب له التحليق فطار وطار وحملته ريح الي بلد نائي أقصي الشمال,أقام ما شاء له أن يقيم,ثم حملته ريح ثانية من حيث جاء لايدري كيف جاء وكيف عاد,كنا نحبه لأجل ذلك,وكان هو يعاملنا كأننا أطفال لا ندري ما نفعل,وأحيانا كنا نستدرجه إلي ما كنا نأخذ به من طيش فيقضي السهرة كلها يضحك علينا ويسخر من أفعالنا كل فتاة يجد فيها مأخذا التي نحسبها فارعة يقول أنها طويلة مثل الجمل,أو الزرافة, وهذه مثل (عود السلك) وهذه وجهها مثل الحصان,وهذه مثل القملة, وهذه أسنانها مثل أسنان الحمار,وكنت تلك الأيام أميل إلي ممرضة من ليفربول,أظنها آية في الجمال والظرف, فيقول لي (التمرجية الكريهة دي أيه عاجبك فيها؟ عاد كما جاء لما انتهي عقده لم يحاول أن يبقي أطول,قال لي (يا خوي شغلانة الإذاعة دي ماها نافعة كفاية ثلاثة سنين حوشنا فيها قرشين تنفعنا هناك في بلدنا. نتوكل علي الله نرجع بلدنا.وعاد كما كان من السكة حديد الي السكة حديد.عاد مديرا لسكك حديد الجزيرة. تذكرت كامل الحكيم منذ اسابيع في الرياض قابلت ضابطا شابا في الحرس الوطني السعودي , قضي عامين يتدرب في أميركا وقضي فترة في باريس.مثل حكيم غطس في الماء ولم يبتل,سألته عن باريس فقال لي(والله ما رأيت فيها أكثر مما رأيته في الملز)
أكرم صالح خاصة,كان طائرا من نوع أخر مثل عصفور حط علي غصن شجرة عارية من الأوراق,والثلج ينهمر,والأرض مكسوة بالجليد,تحسبه قد يسقط في أية لحظة,وقد يموت من البرد,ولكن قدرته علي الإحتمال كانت تدعو للعجب جاء أواخر الخمسينات من أذاعة الشرق الأدني التي كانت واسعة الإنتشار في تلك الأيام ولم يكن معروفا إنها تمول مباشرة من وزارة الخارجية البريطانية أنكشفت تلك العلاقة عام 56 أثناء العدوان الثلاثي علي مصر,فقد إستولت عليها حكومة المحافظين بقيادة سيرأنتوني إيدن ,وحولتها إلي إذاعة صوت بريطانيا,فاستقال معظم موظفيها من العرب,جاء أكرم إلي لندن,إذاعيا ناضجا متمرسا,كان دون الثلاثين,فخورا بزوجته المالطية,التي كانت ملكة جمال,وبصوته المصقول بين الشامي والمصري,لأنه تربي في لبنان,وتعلم في مصر,يقول لك بلا حرج بالله مش صوتي حلو؟ دهشت أول مرة سمعت منه ذلك,ثم أدركت أن السؤال لا ينم عن غرور أو نرجسية,بقدر ما ينم عن براءة كانت من مكونات جاذبيته نعم صوتك حلو أحلي صوتي ولا صوت عبد؟ صوت عبد الرحيم أعمق من صوتك لكن صوتك جميل جدا وصوت صلاح؟ صوت صلاح أعمق من صوتك وصوت عبد الرحيم بس صوتي أحلي كل واحد فيكم صوته جميل بصورة مختلفة العجيب أنه لم يكن يكترث لجمال صورته,كان وسيما ذا عينين واسعتين بين الزرقة والخضرة,له لمة فاحمة السواد فقدها تدريجيا مع تقدم السن,أمه درزية من جبل لبنان,فيما حدثنا,أحبها أبوه الشيخ عبد القادر شبل,فخطفها وبني بها,وأنجب منها ولدين,زهير وأكرم,وماتت وهما بعد صغيران,تلك كانت عقدة حياته,فقد حكي لنا القصة مرارا بصيغ مختلفة ربما لأنه كان فلسطينيا ولأن أباه كان سنيا وأمه درزية,ولأن أمه ماتت عنه وهو بعد طفل,,ولأنه نشأ في لبنان وتعلم في مصر,فقد كان سريع الإنفعال مضطرب النفس,يفرح بسهولة ويحزن بسهولة,متهورا رغم حيائه,لازع اللسان رغم أدبه الجم,وكانت النساء الإنجليزيات يجدن في كل ذلك جاذبية لا تقاوم هل كنت تجرك مشاعر الأمومة فيهن عن عمد؟ إنما هو لم يكن يفعل أي شئ عن عمد, كل شئ يجيئ عفو الخاطر أو بمحض الصدفة,فقط أمام المايكرفون يصبح كل شئ واضحا ومنتظما.حينئذ يتحول الي شخص آخر.تنزل عليه سكينة عجيبة, ويصبح صوته مثل ألة موسيقية في يد عازف خبير
يتبع
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | aba | 08-14-03, 03:06 AM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | WadalBalad | 08-14-03, 08:14 AM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | aba | 08-14-03, 10:43 AM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | ود العجمى | 08-14-03, 12:52 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | aba | 08-14-03, 01:03 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | aba | 08-15-03, 02:21 AM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | aba | 08-17-03, 00:56 AM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | aba | 08-17-03, 10:32 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | aba | 08-18-03, 10:25 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | aba | 08-19-03, 11:33 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | aba | 08-21-03, 05:36 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | aba | 08-25-03, 03:43 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | aba | 08-28-03, 04:21 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | aba | 08-31-03, 06:40 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | haleem | 08-16-03, 01:10 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | maia | 08-16-03, 01:20 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | WadalBalad | 08-16-03, 01:33 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | haleem | 08-16-03, 01:59 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | الرايق | 08-17-03, 02:36 AM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | aba | 08-17-03, 03:19 AM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | Agab Alfaya | 08-17-03, 01:01 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | aba | 08-17-03, 01:41 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | Agab Alfaya | 08-17-03, 06:53 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | nadus2000 | 08-17-03, 08:01 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | aba | 08-17-03, 09:19 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | Remo | 08-17-03, 08:26 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | aba | 08-17-03, 08:40 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | WadalBalad | 08-17-03, 09:19 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | الرايق | 08-20-03, 01:25 AM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | aba | 08-20-03, 03:55 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | الرايق | 08-21-03, 12:58 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | Optimist | 08-26-03, 08:15 AM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | Optimist | 08-26-03, 09:42 AM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | Optimist | 08-26-03, 09:48 AM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | Optimist | 08-26-03, 09:55 AM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | aba | 08-26-03, 01:57 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | WadalBalad | 08-27-03, 00:27 AM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | nazar hussien | 08-27-03, 11:12 AM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | aba | 08-27-03, 02:19 PM |
Re: الطيب صالح والعالم المفتوح في تذكر أكرم صالح | aba | 08-31-03, 03:20 PM |
|
|