|
Re: من إرشيفى الخاص... قديم متجدد للطيب صالح ... مهداة إلى عجب الفيا والشلة (Re: WadalBalad)
|
صحيفة الإتحاد الأماراتية العدد 9223 5 أكتوبر 2000م صور الأشياء عن الشعر والدّهشة (2) الطيب صالح منذ البداية، كان الشعر العربي عامراً بهذه السّمات التي تدهش السامع وتنعش روحه، وتشحذ ذهنه، وهي كما ذكرت، السمات في الشعر التي يسميها الانجليز Wit· ولعلي أذهب أبعد فأقول ان الشعر العربي قام أصلاً على تلك السمات قبل اي شيء آخر· المتمعّن في الشعر الجاهلي مثلاً، يعجب من خفّة الروح ورشاقة التعبير وطرافة الصور الشعريّة· الشاعر ينثر المعاني نثراً، كما كان بعض الخلفاء ينثرون دنانير الذهب· كأنما دون أي جهد· كأنما المعاني جاهزة تحيط به في الهواء، فيمد يده ويأخذ منها ما يشاء· أنظر الى زهير بن أبي سلمى مثلاً، ونحن نعلم أنه كان يمضي العام بأكمله يُبدي ويعيد في القصيدة، لكنه حين يفرغ منها فهي لطلاوتها وسلاستها كأنها أمليت عليه املاء· أنت تذكر لا بد، وصفه لرحلة النساء في معلقته العظيمة: تبصَّرْ خليلي هل ترى من ظعائنٍ عَلون بأنماطٍ عِتاق وكِلَّةٍ وورَّكْن بالسُّوبان يعلون متْنَه وفيهن ملهى للطيف ومنظرٌ بكرن بكوراً واستحرْن بسُحرة تحمّلْن بالعلياء من فوق جُرثُم ورادِ حواشيها مشاكهةِ الدّم عليهن دلّ الناعم المتنعّم أنيقٌ لعين الناظر المتوسّم فهنّ ووادي الرسّ كاليد للفم· ويتابع الشاعر رحلة النسوة واصفاً إياها بدقة عظيمة، متلذّذاً بالوصف، فكأنه فنّان يرسم بالألوان على لوحة فنية· يظل يلاحقهن بعين خياله حتى يصلن الماء زُرقاً جِمامُه فينزلن وتُضرب لهن الخيام، ويقمن فترة دهن عابرات، كأنهن ينوين الاقامة· ولك ان تتخيل كيف تصنع نساء منعّمات مرفّهات كاللاّئي وصفهن حين يلقين عصيَّ الحاضر المتخيّم · هذا كله صنعه الشاعر عمداً، وهو وثيق الصّلة بجوهر القصيدة، وهي الحرب· والابيات كلها تحرك الدهشة وتجلب المتعة الذهنية لعين الناظر المتوسّم ، كما قال الشاعر· وثمة بيت عجيب حقّاً يجيء بعد هذه الابيات مباشرة اذ يقول الشاعر: كأن فتات العِهن في كل منزل نزلن به، حَبُّ الفنا لم يُحطَّم· الصوف الذي يتناثر حين تضرب الخيام، يتكوّر في كور صغيرة شبّهها الشاعر بحبّ الفنا· وهو كما قال الشرّاح يسمّى عنب الثعلب ويكون احمر او أسود· لكنني أكاد أجزم ان فتات الصوف الذي عناه زهير، انما هو احمر اللون· وقد ذكر قبلاً ان الخيام ذات حواشي حُمر في لون الدم مشاكهة الدم وهكذا تكون النسوة قد تركن في رحلتهن، في حلّهن وترحالهن، أثراً واضحاً من الدم· الشاعر في ظني، لم يفعل ذلك جزافاً، لأن خيط الدم هذا سوف يدخل في نسيج القصيدة وينظمها من اولها الى آخرها· والشاعر لا يلبث حين يأتي الى موضوعه الاساسي، وهو موضوع الحرب التي اوقفها هرِم بن سنان والحارث بن عوف ان يقول: سعى ساعياً غيْظ بن مُرّة بعدما تبزّل ما بين العشيرة بالدّم· ويقول في بيت آخر مليء بالسخرية والمرارة: ينجّمها قومٌ لقوم غرامةً ولم يُهريقوا بينهم مِلْء مِحْجم· عني بالطبع، ملء محجم من الدم· القصيدة كلّها تنضح بالدّم· الدم يتفجر من أبياتها، والشاعر العبقري فتح مجرى الدم منذ البداية، بينما هو يجر السامع الى عالم فيه ملهى للطيف ومنظرٌ أنيقٌ لعين الناظر المتوسّم · حين نصل الى نهاية القصيدة، ونستوعب ما فيها من اهوال ومرارات واحزان، ثم نعود الى أولها ملطخين بالدماء، نجد ان كلمات (ملهى) و(لطيف) و(أنيق)، كانت شراكاً نصبها الشاعر للناظر الغافل غير المتوسم هذا ما أعنيه بالدهشة وألـ Wit· الشاعر لم يبرك على المعنى - وهو معنى جسيم فادح - كما يبرك الجمل· لكنه وصل اليه بأيّما خفة وأيما رشاقة كأنه يلعب وهو جادّ كل الجد·
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
من إرشيفى الخاص... قديم متجدد للطيب صالح ... مهداة إلى عجب الفيا والشلة | WadalBalad | 12-27-03, 12:37 PM |
Re: من إرشيفى الخاص... قديم متجدد للطيب صالح ... مهداة إلى عجب الفيا والشلة | الجندرية | 12-27-03, 04:38 PM |
Re: من إرشيفى الخاص... قديم متجدد للطيب صالح ... مهداة إلى عجب الفيا والشلة | Agab Alfaya | 12-27-03, 08:57 PM |
Re: من إرشيفى الخاص... قديم متجدد للطيب صالح ... مهداة إلى عجب الفيا والشلة | WadalBalad | 12-27-03, 09:59 PM |
Re: من إرشيفى الخاص... قديم متجدد للطيب صالح ... مهداة إلى عجب الفيا والشلة | haleem | 12-28-03, 09:57 AM |
Re: من إرشيفى الخاص... قديم متجدد للطيب صالح ... مهداة إلى عجب الفيا والشلة | Tabaldina | 12-28-03, 12:20 PM |
Re: من إرشيفى الخاص... قديم متجدد للطيب صالح ... مهداة إلى عجب الفيا والشلة | WadalBalad | 12-28-03, 11:55 PM |
Re: من إرشيفى الخاص... قديم متجدد للطيب صالح ... مهداة إلى عجب الفيا والشلة | WadalBalad | 12-30-03, 10:32 PM |
Re: من إرشيفى الخاص... قديم متجدد للطيب صالح ... مهداة إلى عجب الفيا والشلة | الجندرية | 12-31-03, 11:53 AM |
Re: من إرشيفى الخاص... قديم متجدد للطيب صالح ... مهداة إلى عجب الفيا والشلة | WadalBalad | 01-02-04, 11:46 PM |
Re: من إرشيفى الخاص... قديم متجدد للطيب صالح ... مهداة إلى عجب الفيا والشلة | انا بنت النيل | 01-04-04, 09:53 AM |
Re: من إرشيفى الخاص... قديم متجدد للطيب صالح ... مهداة إلى عجب الفيا والشلة | خالد الحاج | 01-05-04, 03:23 PM |
Re: من إرشيفى الخاص... قديم متجدد للطيب صالح ... مهداة إلى عجب الفيا والشلة | خالد الحاج | 01-08-04, 01:45 PM |
Re: من إرشيفى الخاص... قديم متجدد للطيب صالح ... مهداة إلى عجب الفيا والشلة | WadalBalad | 01-09-04, 06:37 AM |
|
|
|