|
Re: مقالات لـ : الطيب صالح – خالد المبارك – محمد إبراهيم الشوش حول دارفــور (Re: أحمد أمين)
|
الشراگة في الحگم هل تعني التوقف عن مساندة التمرد؟
محمد ابراهيم الشوش
قبل أن يدخل المحللون في كل الأطراف حلقة الرقص حول اتفاقية السلام - مؤيدين ومعارضين - لابد أن نحدد طبيعة هذا الاتفاق وصفته ومداه، كل الذين احتفلوا به لأنه أنهى حرباً أهلية شرسة استمرت أكثر من عشرين عاماً عوّقت التنمية في البلاد وتسببت في هلاك العباد، ولكن أي حرب أنهتها هذه الإتفاقية؟
الحركة الشعبية أشعلت النار في أكثر من موقع في الجنوب أصلاً ثم في الحلال المجاورة جبال النوبة، وجنوب النيل الأزرق، وأبيي، وامتدت يدها - بمساندة عناصر شمالىة - الى أرض البجا في الشرق ودارفور في الغرب . فهل يعني توقيع الحركة على اتفاقية السلام إحلال السلام في كل هذه المناطق أم إحلاله في الجنوب فقط والاستمرار في إشعالها في كل المناطق الأخرى؟ وماذا تعني المشاركة في السلطة هل تعني توقف الحركة عن النفخ في نار الفتنة في الشرق والغرب أم الجلوس مع الحكومة في القصر والجري مع المتمردين في الميدان؟ وهل تعني المشاركة الحديث بصوت واحد أم تجاذب الحديث الأخوي بين شريكين في الخرطوم، وترويج الإتهامات الخطيرة ضد الحكومة وراء الأبواب المغلقة في واشنطن ولندن وكوبنهاجن؟
الاتفاقية لا تشير الى أي من ذلك، ولا تلزم الحركة الشعبية بشيء فما الذي نتوقعه من قرنق كنائب أول وشريك في الحكم؟ هل سيكون شريكاً في المسؤولية كما هو شريك في الحكم؟ ومسؤولية الحكم الرئىسية هي حفظ الأمن والسلام في كل ربوع السودان وإخماد نار الفتنة والتمرد في كل ركن فيه، ولنضع جانباً رغبة قرنق وطموحاته هل هو حقاً في وضع يسمح له بالوقوف في وجه قوى التمرد في الشرق والغرب التي نصب نفسه لها حليفاً ونصيراً؟ إن ذلك يعني التخلي عن حلمه في بناء السودان الجديد كما يعني فقدان المبرر الأساسي لحركته والتخلي عن تطلعات الذين انضموا الىه من غير أبناء الجنوب باعتبار أنه يمثل حركة قومية لا تقصر جهودها ولا تنزع خيمتها بمجرد حل قضية الجنوب.
المصالح الأجنبية
ومن ناحية اخرى فإن قرنق لا يعمل منفرداً بل يرتبط بمصالح متشابكة مع قوى لها مصالحها وأهدافها، فأمريكا لم تقم وتقعد وترسل مناديبها وتهدد وتتوعد وتدفع مصروفات الإقامة والأكل حباً في سواد عيني قرنق وحتى ينعم السودان بقديمه العربي الاسلامي بالأمن والسلام. والىمين الكنسي المتطرف لم يشرع أسلحته ويمد أظافره وأنيابه لتظل الأغلبية المسلمة آمنة تتحكم في مصير أكبر دول افريقيا مساحة وأكثرها وعياً سياسياً وإسرائىل وحلفاؤها في الكونغرس الأمريكي لا يجتمعون وينفضون ويدبجون القوانين الصارمة لتخويف السودان من أجل أن يعم السلام ويتفرغ السودان للتنمية وأسياس أفورقي وموسيفيني لا يتركان شأنهما وينشغلان بشأن السودان رغبة في إسعاده.
هؤلاء جميعاً يعملون وفق مصالح قد تفترق في بعض التفاصيل ولكنها تجتمع في النهاية في أن يشهد السودان ولادة أفريقية لا مكان فيها للعروبة والاسلام. وقرنق مدين لهذه القوى إذا لم يكن أسيراً لها. فلولاها ما تحقق له ما حققه. ولولاها لن يستطيع أن يحقق طموحات كثيرة تتراقص أمام عينيه ليست الرحلة الى القصر الجمهوري إلا خطوة واحدة في طريق طويل.
الإخلال بالمعادلة
سيكون الإغراء عظيماً للاستفادة مما تحققه الإتفاقية ومساعدة قوى التمرد لتحقيق المخطط الأكبر وخدمة المصالح الأجنبية في نفس الوقت. وفي سبيل ذلك سيعمد قرنق الى تأويلات ومماحكات وتفسيرات لنصوص الاتفاقية تتيح له السيطرة الكاملة على الجنوب كثمن لإيقاف الحرب في الجنوب فقط محتفظاً بكامل حقوقه في الحكومة المركزية والتي تعني السلطة في الشمال مع إطلاق يده في مساندة قوى التمرد هذه المرة من موقع السلطة وخدمة مخططات الدول التي ساندته أيضاً من موضع السلطة.
وقد يبدو منطقياً لو أن قرنق قد انصرف في هذه المرحلة لبناء الجنوب بدل تشتيت قواه في مخططات قد تدمر كل شيء بما في ذلك المكاسب التي حصل علىها من هذه الاتفاقية. ولكنه في ذلك مكره لا بطل فهو يعرف أن أية خطة لا يقحم فيها الشمال ستضعه في مواجهة مع القوى المختلفة في الجنوب مما يفتح الباب لصراع جنوبي جنوبي يمكن تأجيله اذا ما انشغلت الحركة بمخططات ترمي للسيطرة على الشمال. جون قرنق يعرف أن خروج الشمال من المعادلة السياسية سيقلب الطاولة علىه وأن إزالة القش الذي يحيط بالزجاجات سيؤدي الى تحطيمها كما عبّر سياسي جنوبي من قبل.
استمرار الحرب
إن التفكير السائد في أوساط المتمردين الذين يقفون الآن في مقدمة الصفوف في دارفور والذين ينتظرون دورهم التالى في شرق السودان ان موقف الحركة الشعبية منهم لن يتغير برغم توقيعها على اتفاقية السلام وأن الذي حدث في نيفاشا ليس إلا خطوة أولى لتحقيق مزيد من الإنتصارات.
وقد أصدر مؤتمر البجا بياناً يؤكد هذه الحقيقة. يقول البيان: «نحن في مؤتمر البجا لا يسعنا إلا أن نهنيء الأخوة في الحركة الشعبية بإحرازهم مكاسب تاريخية في ظل الصراع الدائر بين المركز والقوميات المهمشة والمقصية من أطراف السودان كافة. ولكن يظل هذا الاتفاق اتفاقاً جزئىاً وثنائىاً لا يحقق الصيغة المثلى لاتفاق سلام شامل ودائم يعم كل أطراف النزاع في السودان، إننا في مؤتمر البجا بنفس القوة والحماس التي نهنيء بها الأخوة في الحركة الشعبية، وندعو لها فيها بتحقيق المزيد من الانتصارات في هذا الإتجاه نحذر نظام الخرطوم بأن محاولات تجاوز الواقع وطمس الحقائق وتزويرها لن يفضي الى تحقيق أي مكاسب حقيقية له». ويختتم البيان قوله: «إن كفاحنا ونضالنا الشعبي المسلح سوف يستمر حتى نحقق أهدافنا في الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة من أجل سودان جديد».
موقف الحركة الشعبية
بقى أن يعرف السودان أين تقف حركة قرنق. هل تقف مع السلام الشامل الذي وقعت علىه ونالت بفضله مكاسب أم هي مع حركات التمرد الأخرى حتى تحقق أهدافها عن طريق الصراع المسلح؟
الاستاذ الدكتور حسن مكي بفطنته المعهودة وبصيرته النافذة يجيب عن هذا السؤال بأن اتفاقية السلام ليست إلا خطوة أولى في مخطط واسع المدى. يقول الدكتور حسن مكي إن الخطاب الافتتاحي للحركة الشعبية قد ركز على أن حريق الجنوب مجرد مقدمة لحريق سيمتد لمناطق أخرى. وتم تقسيم المناطق الى منطقة أولى هي الجنوب وثانية هي جبال النوبة وثالثة النيل الأزرق ورابعة دارفور وخامسة مناطق البجا حتى يتم الإطباق على المركز وتحريره من قبضة المجموعات العربية الاسلامية الحاكمة وإقامة السودان الجديد المتحالف مع النظام الدوليوإسرائىل والكنيسة العالمية.
وحقيقة الأمر ان الدكتور حسن مكي قد غلب الآخرين بصراحته. فالكل يعرف ولكنهم جميعاً يتغابون ويتعاملون مثل الضبع الذي انقض علىه الأسد وبدأ يلتهمه وهو مغمض العينين يصيح: «إن شاء الله حلم».
سياسة الردع
وبرغم ذلك قد يكسر خاطر الآلاف بل الملايين التي خرجت تعلن عن فرحها بالسلام فإن الحقيقة ان استمرار الحركة الشعبية في مساندة قوى التمرد في أية بقعة في السودان وبأية صورة من الصور في السر أو في العلن يجعل التوقيع على معاهدة السلام غرماً لا كسباً، لأن ورقة الجنوب كان يمكن أن تكون ورقة الضغط الوحيدة لدفع الحركة الشعبية لمساندة السلام الشامل والالتزام بالمشاركة الصادقة مع بقية القوى لاعداد السودان لمرحلة التحول الديموقراطي الذى يفتح الباب للتنمية ويغلق كل الثغرات والجحور التي تنفذ منها التدخلات الاجنبية بكل شرورها واهدافها ومراميها الخبيثة.
وحتى يتحقق سلام حقيقي لابد أن تكون هناك ملاحق قانونية توضح المعاني المقصودة بالسلام ووقف العدائيات وإطلاق النار بحيث يشمل ذلك كل أجزاء القطر.
والركون الى الثقة المطلقة في شخص أو حركة ليس من سمات السياسة الرشيدة التي تعتمد على أسباب موضوعية تمنع الآخر من تسديد سهم لا يرتد الى صدره. ولقد كانت سياسة الردع وخوف الدمار المشترك هو الذي انقذ البشرية من مغامرة نووية تمحو العالم من الوجود.
إن اتفاقية السلام لا تمنع الحركة صراحة أو نصاً من مساندة حركات التمرد في مناطق أخرى إن هي شاءت وسوف تشاء، ولكن أي تفسير لهذه الاتفاقية يبيح للحركة الشعبية ذلك العمل يبيح للحكومة أيضاً أن تفعل نفس الشيء في المناطق التي ستكون تحت سيطرة الحركة الشعبية، ماداما متلزمين بنفس الاتفاق. وقابلية مناطق الجنوب للإشتعال في الاستوائىة وأعالى النيل وبحر الغزال ومناطق التماس لا تقل بحال عن قابلية دارفور ودار البجا.
ومن أجل خاطر السودان وعيون أهله الطيبين في الجنوب والشمال نرجو ألا تضطر الحركة الشعبية الحكومة أو أي طرف آخر الى إنتهاج سبيل الردع والمعاملة بالمثل الذي يؤدي الى تخريب السودان كله.
جريدة الرأي العام السودانية
|
|
|
|
|
|
|
|
|