|
Re: الملتقى السوداني الثقافي الاجتماعي الرياضي يتلقى العزاء في الفقيد الكبير الأديب الطيب صالح (Re: Mohamed Abdelgaleel)
|
•(لا أظن أنني أكتب لأقص على الناس قصة حياتي) هذه إجابتك عن السؤال الدائم حول (مصطفى سعيد) بطل روايتك (موسم الهجرة إلى الشمال). ولا جدال في أن النص الأدبي ليس سجلاً لسيرة الكاتب.. ولا ينبغي لها أن تكون. - ولكنه لدى التحليل الأخير هو محصلة لتفاعلات الكاتب الذاتية في جدله مع المحيط التاريخي والاجتماعي الذي يتحرك, ويكتب فيه. وتجارب الكاتب وذكرياته وعلاقاته الاجتماعية وميوله الفكرية والفنية تشكل المادة الخام التي يستمد منها الكاتب رؤاه, وعوالمه القصصية والروائية, وذلك في محاولة للرد على بعض النظريات الحداثية في الأدب التي تذهب في مسماها لعزل النص الأدبي عن كاتبه إلى حد التضحية بالكاتب والإعلان عن موت المؤلف إمعانا في نفي الغائية والقصدية, وكل ما هو مشترك عن الكتابة الأدبية كما ذهب إلى ذلك الأديب والناقد رولان بارت. •إلى أي مدى إذن يقترب منك (مصطفى سعيد), أم أنه بعيد تماما عن الطيب صالح? - لا ليس بعيدًا نهائيًا.. لأن كل شيء يكتبه الكاتب له صلة بنوع ما به.. ولكن أيضا وبتعبير الكاتب الإنجليزي العظيم (جراهام جرين) الكاتب يجب أن يقطع الحبل السري الذي يربطه بالتجربة ويتركه يختلط بأشياء كثيرة, و(مصطفى سعيد) له صلة بي, بقدر ما لـ (محيميد) في (ضو البيت) من صلة بي. •أهلك.. قالوا لك: (والله يا هو.. دا كلامنا ذاتو لكن فيهو شوية لَوْلَوَةْ) قلت لهم: (هذه اللولوه) هي التي يسمونها فنًا!! هل هذا هو الوجه الآخر لأنصاف الحقائق التي تحدثت عنها? - بالضبط.. وهذا الحديث الذي ذكرته صحيح.. فهذا قريب لي اسمه محبوب المبارك, شخصية ظريفة وهو لم يسمع بـ (الإبداع) أو شيء من هذا القبيل ولا يعرف القراءة ولكنه طلب من أحد الشباب المتعلمين بالقرية أن يقرأ له الرواية, فقرأها فوجده كأنه (كلامه) وهذا التعبير (دا كلامنا ذاتو, لكن فيهو شويه لولوه) على قدر بساطته فهو يشير إلى بساطة الناس وفطرتهم الذكية, وهؤلاء(ناس مش لعبة)!! وأنا أسميهم خبراء الحياة. • (السودان.. أحمله بين جوانحي أينما ذهبت, هذا هو الوجع الأول البدائي واللانهائي) هكذا قلت وكأنك تحمل السودان بين الجوانح, ولا نحس أنك فارقته ولا لحظة. ما موقع السودان على خريطة حياتك? - السودان.. (الهوية) ولدت في أرضه, فيه مهبط رأسي, ويقال إن مهبط رأس الإنسان يظل عالقًا به, ومازلت أرتبط بقريتي الدّبة في الشمال الأوسط من السودان, ولأنني اغتربت عن السودان فالغربة تؤكد إحساس الانتماء.. صحيح أنني أرى أن الوجود الجسدي بالمكان ليس مهمًا خصوصًا بالنسبة لكاتب أو لفنان, ولكن إحساس الغربة موجود عندي وأتعامل معه بطرق مختلفة.. تعاملاً لا يخلو من عنصر الوجع ولكن ليس وجعًا دائما أو مستمرًا في الـ 24 ساعة في اليوم.. أحيانًا أنساه!! • قلت: (هذه البيئة.. هي التي خلقت عالمي الروائي) هكذا يبدو أنك تعلق أهمية خاصة على مرحلة الطفولة والقرية.. فإلى أي مدى لعب هذان العنصران دورًا في صياغة عوالمك الإبداعية? - أعتقد أن الشخص الذي يطلق عليه كاتب أو مبدع يوجد طفل قابع في أعماقه, والإبداع نفسه ربما فيه البحث عن هذه الطفولة, والأدب برمته بحث عن فردوس ضائع.. وقد كان عالم الطفولة بالنسبة إلي فردوسًا, كان هو العالم الوحيد الذي أحببته دون تحفظ, وأحسست فيه بسعادة كاملة, والحسرة الكبرى في حياتي أن طفولتي في القرية لن تعود مرة ثانية!! فالقرية هي عالم مصغّر من السودان (الميكرو كوزم), العمل الأدبي الذي أبدعه, ولما أريد أن أقوله عن السودان وعن العالم العربي, هي المسرح.. المادة الخام.. هي النافذة على الكون. وهذا ما فعلته في (عرس الزين) فهي قريبة جدا من الواقع, ومرات أميته كما فعلت في قصة (ود حامد) وكنت ألعب بالشخصيات كما يلعب المخرج بالشخصيات في المسرح.غير أن في هذا العمل طبعًا عنصر الفن المتعمد. الفن المتعمد • ماذا تعني بتعبير (الفن المتعمد)؟ - الفن المتعمد..أي الدفع بالشخصية إلى أقصى مدى ممكن, وأقصى حدود تتحمَّلها. وهذا التعبير أي (الفن المتعمد) والدفع بالشخصية لأقصى درجات تحملها أول من قاله (بلزاك) الفرنسي, وأنا أحب بلزاك جدًا, ولي بعض الجهد الإبداعي في هذاالصدد. •هناك من يرى أن لديك اقتناعًا بأن أسلوب التوسل بالتراث لتلوين الرواية العربية بلون محلي هو السبيل إلى إظهار خصوصيتها, وإثبات انقطاع صلاتها بأنماط الرواية الغربية السائدة.. هل ذلك صحيح؟ -لا.. لا.. ليس أنا.. ولا يعجبني تعبير (التوسل) وتصورهم هذا خاطئ, فكأنهم يعتقدون أن التراث شيء موضوع عندنا في مخزن, وأحيانًا نفتح عليه ونأخذ منه مثلا.. وهذا خطأ وغير صحيح. فالتراث معجون فينا, والناس يحملون تراثا يمثل امتدادا لبعض الأشياء ولديهم إحساس بذلك, ولعلك لاحظت مثلا الأسماء نفسها في الروايات (عبدالقادر ولد محجوب) بحيث يصلح الاسم لمجموعة عوالم وليس لشخص معين ممتد لعشرات السنين, وليست حكاية التراث هذه التي يرونها, وأعتقد أن بعض إخواننا الأكاديميين هم من يقولون بهذا الرأي ولكن بالنسبة لي ليس لدي هذا الإحساس ولا أتعامل بهذه الآلية, أنا لدي عالم (مادة خام) موجودة وآنا آخذ منها.
يتواصل الحوار
|
|
|
|
|
|