|
Re: حتى (الطيب) رحل ما طيب لى خاطر! وداعا ضميرنا الحى الذى أخرس الناطق وأنطق الأخرس!! (Re: jini)
|
Quote: محمد كعوش
ليلة سمر على شط النيل!! تقييم : 4.7 من 5 (27 صوت)
22/2/2009
الزمان: قبل الفجر بقليل.
المكان: ضفة النيل الهادئ الذي يجري بصمت وروية كي لا يزعج المدينة الناعسة التي لا تنام ولا تغفو .. وعلى وجه المياه الندية تتكسر الاضواء التي تغطيها احيانا نبتة سابحة, او زهرة فرعونية بيضاء خطفت لونها من ثوب عروس النيل...
النيل يوشوش العشاق المنتشرين على ضفتيه, يحمل اليهم البهجة والحلم والامل, فهو هبة المحبين كما كان منذ الازل, فجأة اسمع وقع اقدام, ألتفت نحو الجسر فأخال او اتذكر, خطى الاديب الكبير نجيب محفوظ يعبر الجسر الى الضفة الاخرى حيث مرقده على ضفة النهر او شاطئ النيل, لان قدامى المصريين سمّوه بحر النيل...
كان نجيب محفوظ يحب المشي لاعتقاده انه يطيل العمر, ولكنه كان يؤمن ان الكلمة خالدة أبد الدهر... او انها كما النيل الذي احبه هو وابطال رواياته الذين هم من بيئة النيل ومن طبقاته الاجتماعية, لذلك ارى النيل يتدفق على وقع دقات قلوب العشاق من الفقراء, او انه يتموج في سريانه, من الجنوب من اعماق السودان مهاجراً الى الشمال, يحمل قهقهات ذلك المبدع الذي رحل, الطيب صالح, الذي عاش طفولته في النيل كما صباه, وعشق النهر حتى قلده في هجرته الى الشمال في حياته وفي اروع ابداعاته التي تحمل عنوان: موسم الهجرة الى الشمال... وهو الذي عرف المقولة الاغريقية القديمة لا يمكن عبور النهر ذاته مرتين.
الطيب صالح عاش في حوض النيل ونقل تفاصيل حياته الى رواياته, حتى انه حملهم من بيئة النيل الى العالم الارحب والاوسع ووضعهم في حوار حضاري وصل الى درجة الصراع او التصادم, الا انه آمن بالحوار والتفاعل مع التفافات دون خوف لانه يؤمن ان الثقافة هوية ولا يمكن شطبها او تزويرها في ضوء النهار, كما يرفض خلعها, تماما كما كان المهاتما غاندي الذي قال: لا اريد لبيتي ان تحيط به الاسوار من كل جوانبه, او ان تسد نوافذه, اريد ثقافة العالم كله ان تهب على بيتي بحرية تامة, لكني ارفض ان تقتلعني احداها من الارضي...
هكذا كان الطيب صالح الذي نهل من ثقافات الدنيا, ولكنه انحاز الى هويته الثقافية والى بيئته وتقاليد شعبه وتراثه فأدهش العالم بجرأته وابداعه وغوصه في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما غص في النيل, ذلك النهر الذي رافق الزمن وحمل ملامح الخلود والذي يصعد الى الاعلى من عمق الجنوب متراقصاً هناك حيث عاش على ضفافه الطيب صالح حتى العشق وفي الشمال حيث عاش نجيب محفوظ على ضفته في القاهرة, فكان النيل هو حبل السر والمسرة الذي يربط بين قمتين في الابداع لذلك اراه حزينا على فراق الاحبة...
وكما قلنا لنجيب محفوظ في وداعه نقول للروائي العربي السوداني في هجرته الاخيرة: وداعاً ايها الطيب...
والان, انظر من حولي فلا ارى احداً, فقد تفرق السمار قبل حلول الفجر, وبقيت القاهرة ناعسة ولكنها لا تنام, فلا تزال تستمع بشوق الى همسات النيل, فهي رفيقته الازلية...0
|
|
|
|
|
|
|