أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-18-2024, 07:08 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-17-2011, 02:04 AM

عاطف مكاوى
<aعاطف مكاوى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 18633

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ (Re: رؤوف جميل)

    Quote:

    سلسلة محاضرات للكادر (3) اكتوبر 2010م

    الحزب الشيوعي السوداني

    اللجنة المركزية

    مكتب التثقيف المركزي

    سلسلة محاضرات للكادر (3)

    اكتوبر 2010م



    المحتويات

    الموضوع رقم الصفحة

    1- مقطع من دراسة المجتمع المدني: تجربة السودان 4

    2- الدولة المدنية الديمقراطية 12

    3- الاسلام السياسي. 16



    تقديم

    يسرنا أن تقدم الكتيب رقم(3) من سلسلة محاضرات للكادر، والذي يضم في دفتيه المحاضرات الآتية:

    - مقطع من دراسة المجتمع المدني: تجربة السودان، وهي في الاصل ورقة اعدها الزميل الخير، وتمت مناقشة لها في حلقة دراسية للكادر نظمها مكتب التثقيف المركزي في المركز العام في أغسطس 2010م الماضي، ولتعميم الفائدة نعيد نشر الورقة لمناقشتها واثرائها في المناطق والمكاتب وفروع الحزب، وخاصة أن عددا كبيرا من الزملاء اتصلوا بنا في المركز العام يطلبون نسخ من الورقة والتي تمت طباعتها في تسخ محدودة، تم توزيعها في الحلقة الدراسية.

    - الدولة المدنية الديمقراطية، والاسلام السياسي، وهما في الأصل محاضرتان قدمهما الزميل صلاح للكادر الطلابي ، ويساعد نشرهما في تعميم الفائدة علي الكادر في المناطق والفروع ، اضافة للاستجابة لطلب عدد من الدارسين في دورات الكادر بضرورة تقديم محاضرة عن الاسلام السياسي مع التركيز علي التجربة السودانية، كما ورد ايضا في خطة مكتب التقيف للعام 2010م تقديم محاضرة عن الاسلام السياسي.

    - وتامل أن تصلنا المزيد من المساهمات.

    مكتب التثقيف المركزي

    5/10/2010م

    أولا:

    الدولة المدنية:-

    ورقة للمناقشة:-

    مقطع من دراسة المجتمع المدني:

    تجربة السودان.

    - 1 –

    طرحنا مصطلح وتصور الدولة المدنية لأول مرة عام 1988م خلال المشاورات التي اجراها مجلس رأس الدولة مع الكتل البرلمانية بعد أن أقال السيد الصادق حكومته الثانية ، تمهيدا لتوسيع الائتلاف باشراك الجبهة الاسلامية في الوزارة ، وفق شروطها باجازة قوانين الشريعة خلال شهرين.

    استقبل هيئتنا البرلمانية السيد باسفيكو لادو عضو مجلس رأس الدولة بمكتبه في القصر الجمهوري ، وخلال المناقشة حول مصطلح دولة دينية / دولة علمانية – دستور اسلامي / دستور علماني ، أكدنا للسيد لادو الحقائق التالية لينقلها لمجلس رأس الدولة: -

    1- أننا لانتقيد بحرفية المصطلحات وعما اذا كان مصطلح علمانية بكسر العين أو فتحها ، وأننا تعطي الأسبقية للديمقراطية كحقوق وحريات وكنظام حكم ومؤسسات. وأننا نعارض الدولة العلمانية عندما تصادر الديمقراطية مثال: معارضتنا لديكتاتورية عبود . ومن جانب آخر ، دخلنا في صراع وصدام مع نظام مايو الذي بدأ يساريا وعلمانيا ، وواصلنا مواقفنا ضده عندما أعلن قوانين سبتمبر 1983م ونصب نميري نفسه اماما حتي اطاحت به الانتفاضة.

    لانوافق علي مشروع حكومة الوفاق ، ليس رفضا لمبدأ الوفاق ، انما لكون المشروع يلتف حول شعار الانتفاضة الداعي لالغاء قوانين سبتمبر بدعوي الالتزام بقوانين بديلة تقدمها الجبهة الاسلامية لن تختلف عن قوانين سبتمبر . نقدر حرص وجهود رأس الدولة لحل الأزمة الوزارية ، وتقريب وجهات النظر لتزع فتيل الأشتعال عن استقطاب دولة علمانية ، دولة دينية …. ونقترح مصطلح دولة مدنية علي اعتبار تعامل المجتمع السوداني في الشمال والجنوب مع القانون المدني والمعاملات المدنية ، والقانون الشرعي والمحاكم الشرعية. لم تسفر جهود مجلس رأس الدولة عن تقارب أو توافق في وجهات النظر ، وشاركت الجبهة الاسلامية في الحكومة وقدمت قانون الترابي، وتداعت الأحداث حتي انقلاب يونيو 1989م.

    - 2-

    بعد توقيع الميثاق وتكوين التجمع – اكتوبر 1989م- وبعد انضمام الحركة الشعبية للتجمع 1990م، عقدت قيادة التجمع في الخارج ، الدورة الثانية من اجتماعها في لندن من 26 يناير الي 3 فبراير 1992م بمشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي ، حزب الأمة ، الحزب الشيوعي السوداني ، المؤتمر السوداني الأفريقي ، النقابات، الحركة الشعبية ، القيادة الشرعية للقوات المسلحة، شخصيات وطنية.

    أجاز ذلك الاجتماع الدستور الانتقالي الذي يحكم به السودان عقب الاطاحة بحكومة الجبهة لفترة انتقالية وتقوم بمقتضاه هيئة تشريعية لوضع الدستور الدائم . كما أمن الاجتماع علي بنود ميثاق التجمع التي تلزم الحكومة الانتقالية بعقد المؤتمر الدستوري لحسم قضايا الهوّية وتحديد العلاقة بين الدين والدولة واقتسام السلطة والثروة….الخ.

    وردت في مواد الدستور الانتقالي مواد وفقرات حول علاقة الدين والدولة والدين والسياسة ، تعبر عن الحد الأدني لاتفاق وجهات نظر الأطراف التي شاركت في الاجتماع :-

    المادة( 10) تعامل الدولة معتنقي الأديان السماوية وكريم المعتقدات الروحية دون تمييز بينهم فيما يخص حقوقهم وحرياتهم المكفولة لهم في هذا الدستور كمواطنين ولايحق فرض أي قيود علي المواطنين أو علي مجموعات منهم علي أساس العقيدة أو الدين.

    يهتدي المسلمون بالاسلام ويسعون للتعبير عنه.

    يهتدي المسيحيون بالمسيحية ويسعون للتعبير عنها.

    يحظر الاستخدام المسئ للاديان وكريم المعتقدات الروحية بقصد الاستغلال السياسي.

    - 3 –

    في 17 /ابريل 1993م صدر اعلان نيروبي حول علاقة الدين بالسياسة:-

    1- تعتبر المواثيق الدولية المعنية بحقوق الانسان جزء لايتجزأ من القوانين السودانية ، ويبطل أي قانون يصدر مخالفا لها ويعتبر غير دستوري.

    2- يكفل القانون المساواة الكاملة بين المواطنين تأسيسا علي حق المواطنة واحترام المعتقدات وعدم التمييز بين المواطنين بسسبب الدين أو العرق أو الجنس أو الثقافة، ويبطل أي قانون يصدر مخالفا لذلك ويعنبر غير دستوري.

    3- لايجوز لأي حزب سياسي أن يؤسس علي أساس ديني.

    4- تعترف الدولة وتحترم تعدد الأديان وكريم المعتقدات وتلزم نفسها بالعمل علي تحقيق التعايش والتفاعل السلمي والمساواة والتسامح بين الأديان وكريم المعتقدات ، وتسمح بحرية الدعوة السلمية للاديان وتمنع الاكراه أو أي فعل أو اجراء يحرض علي اثارة المعتقدات الدينية والكراهية العتصرية في أي مكان أو منبر أو موقع في السودان.

    5- يلتزم التجمع الوطني الديمقراطي بصيانة كرامة المرأة السودانية ويؤكد دورها في الحركة الوطنية السودانية ويعترف لها بالحقوق والواجبات المضمنة في المواثيق والعهود الدولية بما لايتعارض مع الأديان.

    - 4 –

    في يونيو 1995م – أسمرا- مؤتمر القضايا المصيرية أجاز المؤتمر قرارا حول الدين والسياسة في السودان :-

    - اعترافا بأن العلاقة بين الدين والسياسة تؤثر مباشرة علي عملية بناء الأمة السودانية ، وادراكا لحقيقة التعدد الديني والثقافي والقومي في السودان، واعترافا بدور الأديان السماوية وكريم المعتقدات كمصادر للقيم الروحية والأخلاقية التي تؤسس التسامح والأخوة والتعايش السلمي والعدل ، وادراكا لفظاعة انتهاكات نظام الجبهة الاسلامية لحقوق الانسان، والابادة الجماعية والتطهير العرقي باستغلالها للدين وباسم الجهاد زورا، وتضمينا لاقامة سلام عادل ودائم ووحدة وطنية مؤسسة علي العدل والارادة الحرة لشعب السودان، والتزاما بمبدأ عدم استغلال الدين في السياسة، يقر التجمع الوطني الديمقراطي التدابير الدستورية الآتية:-

    1- كل المبادئ والمعايير المعنية بحقوق الانسان والمضمنة في المواثيق والعهود الاقليمية والدولية لحقوق الانسان تشكل جزءا لايتجزأ من دستور السودان ، وأي قانون أو مرسوم أو قرار أو اجراء مخالف لذلك يعتبر باطلا وغير دستوري.

    2- يكفل القانون المساواة الكاملة بين المواطنين تأسيسا علي حق المواطنة واحترام المعتقدات والتقاليد وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو الثقافة ، ويبطل أي قانون يصدر مخالفا لذلك ويعتبر باطلا وغير دستوري.

    3- لايجوز لأي حزب سياسي أن يؤسس علي أساس ديني .

    4- تعترف الدولة وتحترم تعدد الأديان وكريم المعتقدات وتلزم نفسها بالعمل علي تحقيق التعايش والتفاعل السلمي والمساواة بين الأديان وكريم المعتقدات وتسمح بحرية الدعوة السلمية للاديان وتمنع الاكراه أو أي فعل أو اجراء يحرض علي اثارة النعرات الدينية أو الكراهية العنصرية في أي مكان أو منبر أو موقع في السودان.

    5- يلتزم التجمع الوطني الديمقراطي بصيانة كرامة المرأة السودانية ويؤكد علي دورها في الحركة الوطنية السودانية ويعترف لها بكل الحقوق والواجبات المضمنة في المواثيق والعهود الدولية بما لايتعارض مع الأديان.

    6- تؤسس البرامج الاعلامية والتعليمية والثقافية القومية علي الالتزام بمواثيق وعهود حقوق الانسان الاقليمية والدولية.

    - 5 –

    دولة مدنية – نظام مدني ديمقراطي تعددي:

    في مايو 1999م أصدر مندوبو الحزب في التجمع في الخارج ورقة بعنوان ( قضايا استراتيجية) عالجت عدة قضايا ومن بينها فصل الدين عن السياسة:-

    أ‌- السودان متعدد الديانات والمعتقدات ، أغلبية مسلمة ومسيحيون ومعتقدات افريقية ، ومن هنا شرط التسامح والاحترام في المعتقد الديني كمقومة للمساواة في المواطنة حيث لاتخضع المعتقدات لمعيار وعلاقة الأغلبية والأقلية ، ومن هنا اقرار حقيقة أن الدين يشكل مكونا من مكونات فكر ووجدان شعب السودان، ومن ثم رفض كل دعوة اوالأخلاقية وثقافته وحضارته.

    ب‌- السودان علي تعدد أديانه ومعتقداته سادته روح التعايش والتسامح الديني الي أن فرض الديكتاتور نميري قوانين سبتمبر ونصب نفسه اماما جائرا علي بيعة زائفة. وما تبع ذلك من ترسيح لدولة الارهاب والفاشية تحت حكم الجبهة الاسلامية الراهن . هذا الواقع الموضوعي وتأسيسا عليه تستند الديمقراطية السياسية السودانية في علاقتها بالدين علي مبادئ النظام السياسي المدني التعددي، والتي هي في الوقت نفسه تشكل فهمنا لمعني العلمانية. فمصطلح النظام المدني أقرب لواقعنا من مصطلح النظام العلماني ذي الدلالات الأكثر ارتباطا بالتجربة الاوربية.

    مبادئ النظام السياسي المدني الديمقراطي التعددي هي:-

    أ‌- المساواة في المواطنة وحرية العقيدة والضمير بصرف النظر عن المعتقد الديني.

    ب‌- المساواة في الاديان.

    ج – الشعب مصدر السلطات ويستمد شرعيته من الدستور.

    د- سيادة حكم القانون واستقلال القضاء ومساواة المواطنين أمام القانون بصرف النظر عن المعتقد أو العنصر أو الجنس.

    ه – كفالة حرية البحث العلمي والفلسفي وحق الاجتهاد الديني.

    و- ضمان الحقوق والحريات الأساسية ، السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وضمان حقوق الانسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية.

    ز- الالتزام التام بما أجمعت عليه الحركة السياسية السودانية في اعلان نيروبي بالنسبة للتشريع.

    ووفق هذه المبادئ يمكن أن تتسع الاجتهادات لكي تشمل مصادر التشريع الدين وعطاء الفكر الانساني وسوابق القضاء السوداني.

    -6 –

    مدخل للمناقشة: -

    في السرد التوثيقي 1- 5 فقرتان محوريتان هما: -

    أ – ومن هنا ايضا شرط اقرار حقيقة أن الدين يشكل مكونا من مكونات فكر ووجدان شعب السودان، ومن ثم رفض كل دعوة تنسخ أو تستصغر دور الدين في حياة الفرد وفي تماسك لحمة المجتمع وقيمه الروحية والأخلاقية وثقافته وحضارته.

    ب- وعلي خلفية هذا الواقع الموضوعي وتأسيسا عليه تستند الديمقراطية السياسية السودانية في علاقتها بالدين علي مبادئ النظام السياسي المدني الديمقراطي التعددي ، والتي هي في الوقت نفسه تشكل فهمنا لمعني العلمانية ، فمصطلح النظام المدني أقرب لواقعنا من مصطلح النظام العلماني ذي الدلالات الأكثر ارتباطا بالتجربة الاوربية.

    اكتمل تصورنا لهذا المفهوم ومحتواه خلال الجهد الجماعي المشترك للحركة السياسية السودانية ومعاناتها للانعتاق من الاستقطاب العقيم المغلق( دولة دينية – دولة علمانية) وكانت اللحظات الفارقة في ذلك الجهد مؤتمر لندن فبراير 1992م، واعلان نيروبي ابريل 1993 ، ومؤتمر القضايا المصيرية – أسمرا يونيو 1995م.

    يمكن أن نطرح عناصر ومكونات تصورنا لمفهوم الدولة المدنية علي النحو التالي:-

    أ – لسنا ملزمين بنماذج العلمانية في انجلترا أو امريكا أو فرنسا أو نموذج العلمانية من فوهة البندقية في تركيا، انما نتعامل معها من حيث التعامل مع تجارب شعوب العالم ، فضلا عن أن الترجمة العربية لمصطلح العلمانية، ملتبسة بفتح العين ، غيرها بكسرها.

    ب- نركز في طرحنا لتصورنا علي اسبقية الديمقراطية، وتأكيد أن العلمانية ليست بالضرورة ديمقراطية – مثال دولة ستالين، هتلر، موسوليني، بينوشيه…الخ.

    ج – نركز علي تجربة الدولة السودانية ونماذجها الدينية أو التي اقحم عليها الدين: – الدولة المهدية وليدة ثورة وطنية استعادت للسودان سيادته ، لكن مذهبية التدين ، أقصت طرقا صوفية مؤثرة وقبائل ذات شوكة ، بسبب عدم اقتناعها بمهدية المهدي من منطلق فقهي محض وعن حمية قبلية أن تخضع لكيان قبلي آخر، دون أن تكون تلك الطرق وهاتيك القبائل موالية للتركية ابتداءا … تجربة مايو الامامية وقوانين سبتمبر والقطع والبتر والصلب والتشهير وأسلمة النظام المصرفي لاثراء الفئات الطفيلية، ونسف صرح الوحدة الوطنية والسلام المستعاد بعد حرب 18 عاما بخرق اتفاقية اديس ابابا، والتجريم والتكفير في ما أجاز فيه الشرع الاجتهاد: اعدام محمود محمد طه… تجربة الانقاذ وويلاتها الماثلة!!* ( * في الفكر العربي الاسلامي :- … الفارابي : بين السياسة المدنية والسياسة الشرعية …. وفي مقدمة ابن خلدون: .. بين العمران البشري والسياسة المدنية ، ثم السياسة المدنية والسياسة الشرعية. ويشرح ابن خلدون مقاصد الفارابي : تدبير المنزل أو المدينة بمقتضي الأخلاق والحكمة لتحمل الجهود لي مناهج يكون فيها حفظ النوع وبقاؤه…( المقدمة، ص 70)).

    د- لانتخذ من قضية الجنوب تكأة أو ذريعة – رغم الأهمية الحاسمة لوحدة الوطن واستعادة السلام. فالدولة العلمانية الفدرالية أو الكنفدرالية في الجنوب – كحل مفاصلة للوحدة مع دولة دينية في الشمال- ليست ضمانة للديمقراطية في الجنوب، بدليل دول افريقية المجاورة وجامع الديكتاتورية العلمانية في كل ، نواصل طرحنا للدولة المدنية الديمقراطية حتي ولو انتصر اتفاق فرانكفورت في الجنوب.

    ه – محصلة تجارب الحركة السياسية السودانية ، اثبتت ، وبأغلي التضحيات والزمن المهدر ، استحالة أن يفرض اتجاه فكري أو سياسي واحد تصوره للدستور ، حتي لو توفرت له الأغلبية البرلمانية أمام معادلة الفارق القومي والاثني والديني*(* تجربة تجميد قانون الترابي 88 – 89 بعد القراءة الثانية والأغلبية البرلمانية للاحزاب الثلاثة المؤتلفة : الأمة والاتحادي والجبهة الاسلامية) أو توفرت له السطوة العسكرية الشمولية(راجع مضابط لجنة الدستور الأولي 1957م – واللجنة الثانية 1968م …. ودستور مايو 1973 ودستور الانقاذ 1998 ).

    شهد السودان حالتين استثنائتين ، الأولي دستور ستانلي بيكر للحكم الذاتي ، والاجماع الوطني حوله امتدادا للاجماع الوطني حول الاستقلال من داخل البرلمان، والثانية في ثورة اكتوبر والاجماع حول تعديل ذلك الدستور.

    أما تجربة الانتفاضة فقد شابتها سلبيات تدخل المجلس العسكري الانتقالي، والتفافه علي ميثاق الانتفاضة الذي نص علي علي دستور 56 المعدل 64 ، وعيّن لجنة لوضع دستور انتقالي ، انتقاها من الأمة والاتحادي والقضاء العسكري وانتقي ميرغني النصري من التجمع النقابي ، وتحايل علي اختيار ممثل للجبهة الاسلامية بأن احتار حافظ الشيخ من مكتب النائب العام ، وكان الهدف من كل ذلك التحايل هو ضمان النص علي الشريعة في الدستور . واول مايفصح عن النوايا المبيتة الاهمال المتعمد لتمثيل الجنوب في اللجنة، التي مارست مهامها بعيدا عن الرأي العام ، حتي اجيز الدستور الانتقالي في القصر بحضور المجلس العسكري ومجلس الوزراء. أدخلت الجمعية التأسيسية تعديلات علي الدستور الانتقالي ، ثم اطاحت به الانقاذ.

    عينت الانقاذ لجنة قومية للدستور ، انجزت اللجنة مهمتها وسلمت المشروع للقصر ، فخرج منه علي سحنة غير التي دخل بها واجازه مجلس الشعب.

    أعد التجمع الوطني مشروعه لدستور الفترة الانتقالية في حالة انتصاره واقصاء الانقاذ ، ريثما تقوم بمقتضاه هيئة تشريعية لوضع الدستور الدائم (وثائق مؤتمر لندن).

    في حالة نجاح مساعي حل الأزمة الوطنية بالتفاوض أعلنت الانقاذ استعدادها لادخال تعديلات علي دستورها دون مساس بالثوابت. وافق حزب الأمة واقترح العمل بمسودة دستور الانقاذ التي اقرتها اللجنة القومية مع ادخال بعض التعديلات . اقترح التجمع وضع دستور تتفق عليه الأطراف المتفاوضة ، أي ليس دستور التجمع الانتقالي ولادستور الانقاذ.

    المبادرة المشتركة لها تصورها أو مقترحاتها للفترة الانتقالية وتعديلات لدستور الانقاذ…

    هكذا، مازالت قضية الدستور في قلب قضايا الصراع الاجتماعي حول حاضر ومستقبل السودان، وستظل حتي القضايا المصيرية ، والدستور الذي يقننها – لهذا علينا أن نواصل ونطور قدراتنا السياسية والفكرية في قضايا الدستور ، وان نحرص علي العطاء المسهم في الاجماع الوطني حول أساسيات الدستور ، وكسر حاجز الاستقطاب المطلق العقيم، الي الحوار الحر ، والقواسم المشتركة.

    نزيد تصورنا للدولة المدنية وضوحا وما يمايزها عن العلمانية المنبثقة عن عصر الاصلاح الديني اللوثري وعصر التنوير في غرب اوربا ، انها لاتصادر أو تمنع مادة الدين في مناهج التعليم ، مع مشروعية الاختلاف حول المنهج كيلا يتحول الي امتداد لبرنامج حزب سياسي بعينه الجبهة الاسلامية مثلا!.

    الدولة المدنية لاتتخذ موقف المبالاة تجاه مظاهر التفسخ والانحلال في المجتمع ، ولاتسمح أن يتحول المجتمع الي خمارة أو مأحور، أو أن ينحدر الشباب الي مهاوي الضياع. لكن اداتها ليس قانون ومحاكم وشرطة النظام العام ، انما واعز التربية السياسية والثقافية وواعز الدين والأخلاق ومثال القدوة الحسنة في الأسرة والمجتمع ، ومن بعد واعز القانون وعقوباته.

    لسنا ملزمين بالدفاع عن مجتمعات العلمانية الغربية، لكن بعض الحجج التي يسوقها دعاة الهوس الديني والتطرف والدولة الدينية تتمادي في تشويه الواقع وانكار الحقائق مثال ذلك: الادعاء حول طرد الدين عن الحياة والمجتمع، مع أنهم يعلمون أن ملكة بريطانيا تحتل منصب رأس الكنيسة، ويعلمون نفوذ وقوة اللوبي الكنسي في الولايات المتحدة الامريكية وصوتها الراجح في انتخابات الرئاسة والكونقرس ، وقد نشرت مجلة نيوزويك نتائج المسح الذي جري عام 1991م لمستوي التدين في امريكا حيث 42% من البالغين ينتمون الي كنيسة، 42% يؤدون صلاة الأحد في كنيسة. اما الأحزاب السياسية الاوربية ذات الطابع الديني مثل: الديمقراطي المسيحي في ايطاليا أو المانيا فقد شاركت هذه الأحزاب في وضع الدستور العلماني الديمقراطي والتزمت به ، وبما يتفرع عنه من تشريع في الممارسة ، ويعلمون أن فرنسا بكل زخم ثورتها 1789م فصلت الدولة عن الكنيسة، ثم تبنت دولتها الكنيسة، حتي نالت لقب طفل الكاثوليكية المدلل، ولم يصدر تشريع الفصل، الا في العقد الأول من القرن العشرين 1905م، بعد اكثر من قرن علي الثورة، وفي المقابل لم تعترف الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية بوثيقة حقوق الانسان الصادرة عن الثورة الفرنسية الا في عام 1966م – أي بعد 168عاما.

    فصل الدولة عن الكنيسة لايعني اقصائها عن المجتمع أو مصادرة دورها الروحي ، لكن مناخ الديمقراطية أجبر الكنيسة أن تحد من غلوائها وتتصالح مع التاريخ، وتصحح بعض أحكامها الجائرة مثال ذلك:في عام 1920 راجعت الكنيسة ادانتها لجان دارك بالهرطقة والسحر في القرن السادس عشر، وعمدتها قسيسة بعد 500 سنة، وفي عام 1992م راجع الفاتيكان ادانته للعالم غاليلو علي ضوء تأويل أو تفسير معاصر للكتاب المقدس، واقرار الحقيقة العلمية أن الأرض تدور حول الشمس ، وفي قبراير 2000 أصدرت الكنيسة الكاثوليكية اعتذارا عن حرق محاكم التفتيش للعالم جوردانو برونو..( تجدر الاشارة الي أن قائد الحركة الاسلامية التونسية، راشد الغنوشي ، اقترح في منتصف تسعينيات القرن الماضي رد الاعتبار للفكر المعتزلي ورواده، وهذه فكرة جديدة في الفكر السني الأشعري).

    لم يوفق السودان بعد في الوصول الي اجماع وطني حول دستور دائم ، يتطور ويتجدد من باطنه بالتعديلات الملحقة بمتنه. لكن ماتراكم من تجارب وجهد ومعاناة وعطاء لجان الدستور المتعاقبة، يشكل رصيدا لايستهان به، ولعل التعامل معه أفضل من الازدراء العدمي.

    دعاة التعصب والاقصاء يهابون الحوار ، لأن ديدنهم الاملاء ، ويسارعون لسد منافذ تجديد الفكر.. مهمتنا فتح منافذ الحوار لهزيمة التعصب في حلبة الصراع الفكري.

    لاديمقراطية مستدامة مع مظالم اجتماعية وقومية مستدامة، ولاديمقراطية مستدامة مع جماعات التطرف والارهاب، سواء من منطلقات دينية أو علمانية، يمينية أو يسارية.

    19- 11- 2001م

    ملحق:

    العلمانية: تلخيص وتركيز:

    قد يساعد المناقشة، سرد السمات العامة التي تواضع عليها العديد من الذين ساهموا في حوارات الدولة والمجتمع المدني:-

    تحرير السياسة من الدين وتحرير الدين من السياسة.
    حصيلة مسار تاريخي اجتماعي معرفي.
    نزع الاستلاب المقدس ، واقامة العالم الواقعي للانسان.
    حرية العقيدة والضمير ، حرية العبادة والشعائر ، المؤسسة الدينية باقية ومستقلة- ليس اخراج الدين أو طرده من العقل والمعرفة والمجتمع والتاريخ.
    تكامل مفاهيم: العقلانية ، العلمانية، الديمقراطية، في مواجهة العلمانية كغطاء للديكتاتورية.
    بشر يصوغون مجتمعهم وتاريخهم الدنيوي.
    Laicos : كلمة يونانية = الشعب ، عدا رجال الدين – حياة الشعب كما يريدها ويمارسها، دون تدخل رجال الدين.
    رجال الدين يحتكرون الكتابة – الشعب حضارته شفهية – الكتابة محاطة بهالة من قداسة وسحر – محصورة في الفئات العليا( رجال الدين + رجال الدولة).
    العلماء والمفكرون في مواجهة رجال الدين.
    خطأ تصور المواجهة الصدامية بين الدين والعلمانية – الصدامية نتاج صدام الالحاد الفوضوي الأجوف في مواجهة التعصب الديني المنافي للعقل.
    العلمانية تعترض علي سلطة رجال الدين، الدولة الدينية، لكن ليست ضد حقهم في المشاركة في الحياة السياسية أو في السلطة من موقع برنامج سياسي.
    رجال الدين يلبسون سلطانهم السياسي غطاء ديني ، غطاء الحقيقة المطلقة.
    الدين يحتل موقعا هاما ومركزيا في الوجدان الشعبي وثقافة الشعب ووعيه.
    العلمانية ضد سلطة النصوص وسلطة من يفسرونها علي هواهم ومصالحهم.، حتي لو كان النص غير ديني.
    العلمانية تعترض علي أن تصبح نظرية ما – الماركسية مثلا – نظرية للدولة.


    ثانيا:

    الدولة المدنية الديمقراطية ضمان لوحدة السودان

    أشار بيان المكتب السياسي للحركة الشعبية الصادر عن اجتماعه رقم(8) ، جوبا: 13- 16/8/2010م، الي أن الخيار المفضل الذي ظلت الحركة الشعبية تدعو له خلال ربع قرن من الزمان، وأكدته في مانفستو الحركة في عام 2008م، هو قيام سودان ديمقراطي وعلماني موحد طوعا في ظل التنوع، ولكن رؤية المؤتمر الوطني اصبحت حائلا دون ذلك. وبالتالي اصبحت الدولة العلمانية أو المدنية الديمقراطية مطروحة كضمان لوحدة السودان، ولابديل سواها.

    وهذا يقودنا الي أن نطرح علي طاولة البحث العلمانية كمفهوم ومصطلح، وسمات وخصوصية التجربة السودانية في علاقة الدين بالدولة:

    أولا: العلمانية المفهوم والمصطلح:

    كما هو معروف أن عصر النهضة في اوربا كان نقطة تحول من ظلمات العصور الوسطي التي اتسمت بالجمود ومصادرة حرية الفكر والابداع باسم الدين، علي سبيل المثال: محاكمة جاليليو لأنه اكتشف دوران الأرض حول الشمس ، عكس ماكانت تعتقد الكنيسة التي كانت تتدخل في كل العلوم السياسية والاجتماعية والطبيعية وتحتكر تفسيرها ، وتصادر حرية الفكر والابداع، وتعطي صكوك الغفران وغير ذلك من استغلال الدين لخدمة مصالح طبقية ودنيوية.

    في عصر النهضة استطاعت اوربا أن تنفتح علي حضارات العالم ، وبعثت وتمثلت منجزات الحضارات الاسلامية والآسيوية، واستطاعت أن تكتشف وسائل تقنية جديدة مثل: صناعة الطباعة(جوتنبرج)، وصناعة الورق ، واكتشاف السلاح الناري ، واختراع البوصلة، والاتجاه للخارج( الكشوفات الجغرافية) لتهب شعوب المستعمرات في الاراضي الجديدة والقديمة.

    وبدأت الثورة التجارية والتراكم البدائي لرأس المال الذي ادي الي تحسين الزراعة وتحقيق فائض من الانتاج الزراعي في انجلترا وفرتسا مهد للثورة الصناعية وانتصار نمط الانتاج الرأسمالي(ثورة في قوي الانتاج)، وتبع تلك الثورة في قوي الانتاج ثورات سياسية مثل: الثورة الفرنسية التي دكت حصون الاقطاع والجمود وحل النظام العلماني محل الدولة الدينية والحكم بالحق الالهي، وتم اعلان ميثاق حقوق الانسان.

    ولكن ماهو مفهوم العلمانية؟

    تعرض مفهوم العلمانية الي تشويه وتزييف من جماعات الاسلام السياسي السلفية، وصورته بمعني الكفر والالحاد والانحلال، ومؤامرة صهيونية تستهدف الاسلام ..الخ.

    ولكن هذا غير صحيح، فالعلمانية هي اجتهاد في ميدان التنظيم السياسي للمجتمع والابقاء علي هذا الميدان بشريا تتصارع فيه برامج البشر ومصالحهم الاجتماعية والاقتصادية.

    ومعلوم أن أصل لفظ علمانية في اللغة الانجليزية( Secular ) مشتق من كلمة لاتينية تعني القرن( Saeculum ) بمعني الزمانية. العلمانية اذن ترتبط في اللغات الأجنبية بالامور الزمنية، اي بما يحدث علي هذه الأرض.

    كما أن العلمانية لاتعني استبعاد الدين عن ميدان قيم الناس الروحية والأخلاقية، ولكنها تعني التمييز بين الدين والممارسات السياسية المتقلبة، باعتبار أن الممارسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية اجتهادات وممارسات بشر قابلة للتعديل والتطوير.

    وبالتالي ترتبط العلمانية بحرية العقيدة والضمير وحرية العبادة والشعائر ، وبصورة عامة ضد فرض ايديولوجية دينية أو نتاج فكر انساني كنظرية للدولة، كما لا تتعارض العلمانية مع قيام احزاب دينية تؤمن بالتعددية السياسية والفكرية، علي سبيل المثال النظام السياسي في المانيا نظام علماني وبه الحزب الديمقراطي المسيحي، اي ضد سلطة رجال الدين ولكنها لاتصادر حقهم في النشاط السياسي.

    وبهذا المعني ليس هناك فرق بين مصطلحي الدولة العلمانية الديمقراطية والدولة المدنية الديمقراطية، طالما لكل معتقده الديني والسياسي والفكري والفلسفي والدولة للجميع تعترف بسيادة حكم القانون واستقلال القضاء والمساواة بين المواطنين غض النظر عن المعتقد أو العرق او اللغة أو الثقافة، واتساع مصادر التشريع لتشمل عطاء الفكر الانساني والمصادر الدينية والعرفية وسوابق القضاء، واحترام التعددية السياسية الفكرية والدينية.

    ثانيا: التجربة السودانية في علاقة الدين بالدولة:

    ولكن من المهم في تناولنا للعلمانية أن لانكتفي بنسخ التجربة الاوربية واسقاطها علي الواقع السوداني دون دراسة باطنية لتطور علاقة الدين بالدولة السودانية.فالدولة السودانية عمرها حوالي 3000 سنة ق.م ، عندما قامت أول دولة سودانية(مملكة كرمة) والتي كان فيها الكهنة يشكلون عنصرا حاسما فيها، حيث كانوا يمتلكون الأراضي الزراعية والمعابد الواسعة، كما اوضحت آثار تلك الحقبة. كما عرفت ممالك (نبتة ومروي) حكم الملوك الآلهة، حيث كان الكهنة يتحكمون في الدولة والملوك من خلال انتخاب الملوك وعزلهم، اي كان حكما بالحق الالهي. علي سبيل المثال: صراع الملك (اركماني) ضد الكهنة الذي رفض أمر الكهنة بقتله طقسيا وثار عليهم واحرقهم وبدل في الديانة المروية القديمة.

    وفي ممالك النوبة المسيحية(نوباطيا، المقرة، علوة)، حدث تطور في علاقة الدين بالدولة، حيث جمع ملوك النوبة بين وظيفة رجال الدين والملك(كانوا حكام وقساوسة في الوقت نفسه).

    وفي سلطنة الفونج(السلطنة الزرقاء) كان شيوخ الطرق الصوفية مستقلين عن الملوك في سنار والحلفايا(عاصمتي الفونج والعبدلاب علي الترتيب)، وان كانت لهم روابطهم مع الحكام التي كانوا يعيدون بها انتاج النظام الاقطاعي الذي كان سائدا بها. ويمكن القول أن سلطنة الفونج شهدت البذور الأولي للدولة المدنية.

    ثم جاءت فترة الحكم التركي التي اتسعت فيها دائرة المدنية، حيث شهد السودان بذور التعليم المدني والقضاء المدني والتوسع في الدولة المدنية رغم أنها كانت استبدادية تقوم علي قهر المواطنين وجباية اكبر قدر من الضرائب منهم، ولكن الحكم التركي لم يستبعد الدين، بل وظفه لخدمة جهاز الدولة بانشاء القضاء الشرعي وفئة العلماء الذين كانوا يباركون ويدعمون سياسة النظام، كما شهد السودان غرس بذور الثقافة الحديثة( الطباعة، المسرح، الصحافة..الخ)، كما ارتبط السودان بالسوق الرأسمالي العالمي من خلال تصدير سلعتي (الصمغ والعاج) الي اوربا ، كما تم غرس بذور نمط الانتاج الرأسمالي من خلال التوسع في اقتصاد السلعة- النقد والعمل المأجور، وشهد السودان ايضا بدايات دخول منجزات الثورة الصناعية الاولي مثل: النقل النهري والتلغراف، والسكة حديد (جزئيا)…الخ، اضافة لحملات التبشير المسيحي في الجنوب وجنوب كردفان لنشر الدين المسيحي والتعليم والخدمات الصحية، اضافة لحملات اكتشاف منابع النيل.

    ثم جاءت دولة المهدية والتي كانت دولة دينية استمدت تعاليمها من ايديولوجية الامام المهدي، والتي الغت التعليم المدني والقضاء المدني ورفعت المذاهب الاربعة وحرقت الكتب(عدا القرآن وكتب السنة)، واصبحت ايديولوجية المهدية هي التفسير الوحيد والصحيح للاسلام وماعداها كفر، كما اتخذت قرارات اجتماعية مثل حجر وجلد النساء في حالة خروجهن ومنعت الغناء والتدخين والتنباك..الخ، وكانت دولة المهدية انتكاسة مؤقته في التطور الموضوعي للدولة المدنية في السودان.

    وجاءت دولة الحكم الثنائي(الانجليزي- المصري) التي اتسعت فيها دائرة المدنية وقامت المؤسسات الاقتصادية الحديثة مثل السكك الحديدية ومشروع الجزيرة وبقية المشاريع المروية وخزان سنار وميناء بورتسودان وكلية غردون والمستشفيات والنقل النهري ، وقامت الأسواق وتوسعت المدن وتطورت الحياة الاجتماعية والمدنية، كما تطور التعليم المدني والقضاء المدني والدولة المدنية وأن كانت تقوم علي قمع الحركة الوطنية ونهب خيرات البلاد ومواردها الاقتصادية لمصلحة الشركات والبنوك الأجنبية، كما تطورت وتوسعت منظمات المجتمع المدني السياسية والنقابية والخيرية والفنية والرياضية ، كما تطورت حركة تعليم ونهضة المرأة السودانية.

    وبعد الاستقلال حدثت تقلبات في انظمة الحكم، بدأت بفترة الديمقراطية الأولي(1956- 1958م)، والتي كانت فيها الدولة مدنية ديمقراطية تحكم بدستور 1956 الانتقالي الذي كفل الحقوق والحريات الأساسية والتعددية السياسية والفكرية، جاء بعدها نظام عبود(1958- 1964م) والذي كان مدنيا أو علمانيا ديكتاتوريا صادر كل الحقوق والحريات الديمقراطية.

    ثم جاءت ثورة اكتوبر 1964م والتي كان نتاجها دستور السودان الانتقالي المعدل الذي كفل الحقوق والحريات الديمقراطية واستقلال الجامعة والقضاء وحرية تكوين الأحزاب الانتقالية. وبعد اكتوبر برز الصراع حول: الدستورهل يكون مدنيا ديمقراطيا ام اسلاميا؟، الجمهورية الرئاسية ام البرلمانية؟ وكان خرق الدستور بمؤامرة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان، ومحكمة الردة للاستاذ محمود محمد طه، ومحاولات من ( الأخوان المسلمين والأمة والوطني الاتحادي) لاقامة دولة دينية تحكم بالشريعة الاسلامية، وحدثت أزمة، وتعمقت حرب الجنوب حتي قام انقلاب 25 مايو 1969م.

    استمر نظام مايو شموليا ومدنيا او علمانيا حتي اعلان قوانين سبتمبر 1983م لتقوم علي أساسها دولة دينية تستمد شرعيتها من قدسية السماء وبيعة الامام، وكانت النتيجة قطع الايادي في ظروف مجاعات وفقر ومعيشة ضنكا ومصادرة الحريات الشخصية واعدام الاستاذ محمود محمد طه الذي عارضها، وتعمقت حرب الجنوب بعد اعلان حركة تحرير السودان بقيادة العقيد جون قرنق. حتي قامت انتفاضة مارس – ابريل 1985م، وتمت استعادة الحقوق والحريات الديمقراطية والتعددية السياسية والفكرية التي كفلها الدستور الانتقالي لعام 1985م.

    وبعد الانتفاضة استمر الصراع: هل تبقي الدولة مدنية ديمقراطية ام دينية؟ ودافعت قوي الانتفاضة عن مدنية وعقلانية الحياة السياسية والدولة ضد اتجاه الجبهة الاسلامية لفرض قانون الترابي الذي يفضي للدولة الدينية، وتمت هزيمة قانون الترابي، واصلت قوي الانتفاضة مطالبتها بالغاء قوانين سبتمبر 1983م، حتي تم الوصول لاتفاقية الميرغني قرنق والتي علي اساسها تم تجميد قوانين سبتمبر وتم الاتفاق علي حل سلمي في اطار وحدة السودان بين الشمال والجنوب وتقرر عقد المؤتمر الدستوري في سبتمبر 1989م.

    ولكن جاء انقلاب 30 يونيو 1989م ليقطع الطريق امام الحل السلمي الديمقراطي، واضاف لحرب الجنوب بعدا دينيا عمق المشكلة وترك جروحا غائرة لن تندمل بسهولة، وفرض دولة فاشية باسم الدين، الغت المجتمع المدني وصادرت الحقوق والحريات الأساسية وتم تشريد واعتقال وتعذيب وقتل الالاف من المواطنين، وامتدت الحرب لتشمل دارفور والشرق. وعمق النظام الفوارق الطبقية ، من خلال اعتماد الخصخصة وتصفية القطاع العام واراضي الدولة والبيع باثمان بخسة للطفيلية الرأسمالية الاسلاموية، وتوقفت عجلة الانتاج الصناعي والزراعي، ورغم استخراج البترول وتصديره الا انه لم يتم تخصيص جزء من عائداته للتعليم والصحة والخدمات والزراعة والصناعة، وتعمق الفقر حتي اصبح 95% من شعب السودان يعيش تحت خط الفقر، اضافة للديون الخارجية التي بلغت 35 مليار دولار. وتوفرت فرصة تاريخية بعد توقيع اتفاقية نيفاشا لضمان وحدة السودان من خلال التنفيذ الجاد للاتفاقية وتحقيق التحول الديمقراطي وتحسين الاوضاع المعيشية والتنمية المتوازنة والحل الشامل لقضية دارفور وبقية الاقاليم الأخري من خلال التوزيع العادل للسلطة والثروة، ولكن نظام الانقاذ استمر في نقض العهود والمواثيق، مما كرس دعاوي الانفصال.

    ولابديل لدولة المواطنة الدولة المدنية الديمقراطية التي تحقق المساواة بين الناس غض النظر عن ادياتهم ولغاتهم واعراقهم، وهي مقدمة ضرورية لضمان وحدة السودان من خلال تنوعه.


    Quote:
    سلسلة محاضرات للكادر (3) اكتوبر 2010م


    Quote:
    وبهذا المعني ليس هناك فرق بين مصطلحي الدولة العلمانية الديمقراطية والدولة المدنية الديمقراطية، طالما لكل معتقده الديني والسياسي والفكري والفلسفي والدولة للجميع تعترف بسيادة حكم القانون واستقلال القضاء والمساواة بين المواطنين غض النظر عن المعتقد أو العرق او اللغة أو الثقافة، واتساع مصادر التشريع لتشمل عطاء الفكر الانساني والمصادر الدينية والعرفية وسوابق القضاء، واحترام التعددية السياسية الفكرية والدينية.



    Quote:
    مصطلحي الدولة العلمانية الديمقراطية والدولة المدنية الديمقراطية


    Quote:
    العلمانية الديمقراطية
                  

العنوان الكاتب Date
أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ تبارك شيخ الدين جبريل10-16-11, 07:04 PM
  Re: أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ تبارك شيخ الدين جبريل10-16-11, 07:09 PM
    Re: أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ سيف النصر محي الدين10-16-11, 08:02 PM
      Re: أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ عاطف مكاوى10-17-11, 00:30 AM
        Re: أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ عاطف مكاوى10-17-11, 00:37 AM
          Re: أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ عاطف مكاوى10-17-11, 00:42 AM
            Re: أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ elsharief10-17-11, 01:01 AM
              Re: أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ خالد العبيد10-17-11, 01:33 AM
              Re: أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ elsharief10-17-11, 01:33 AM
                Re: أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ رؤوف جميل10-17-11, 01:45 AM
                  Re: أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ عاطف مكاوى10-17-11, 02:04 AM
                    Re: أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ تبارك شيخ الدين جبريل10-17-11, 01:01 PM
                      Re: أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ بشير أحمد10-17-11, 01:20 PM
                        Re: أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ قيقراوي10-17-11, 02:20 PM
                          Re: أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ عاطف مكاوى10-17-11, 03:20 PM
                            Re: أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ Kostawi10-17-11, 03:26 PM
                            Re: أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ عمار محمد ادريس10-17-11, 03:32 PM
                              Re: أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ محمد على طه الملك10-17-11, 09:35 PM
                                Re: أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ تبارك شيخ الدين جبريل10-17-11, 09:51 PM
                                  Re: أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ محمد على طه الملك10-17-11, 10:06 PM
                                    Re: أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ تبارك شيخ الدين جبريل10-17-11, 10:26 PM
                                      Re: أها ... "الدولة المدنية" بتاعة الحزب الشيوعي كيف؟ Asim Fageary10-18-11, 06:23 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de