|
تراســـيم.. ووزير الماليه
|
في يونيو الماضي فوجئ المواطنون بأن وزير المالية ينقل لهم خبراً ساراً.. الوزير علي محمود في حوار صحفي أعلن أن محافظ بنك السودان الجديد تنازل عن 40% من مخصصاته المالية.. وفي إجابة عن سؤال عن فوائد ما بعد الخدمة للمحافظ السابق استبعد الوزير بسخرية أن تكون أربعة مليار جنيه سوداني.. بمعنى أن الوزير لم يحدد لدافع الضرائب كم يتقاضى محافظ بنك السودان تحديداً من مخصصات حتى يشكره الشعب السوداني أو يطالب بعزله. أمس مضى وزير المالية للبرلمان يحمل ظلامة ويطلب الإنصاف.. وزير المالية اشتكى كبار الموظفين الذين يسافرون للعلاج بالخارج، وقال بالحرف: "لو ارتفع السكري لموظف كبير يسافر مع زوجته وأولاده للعلاج على نفقة الدولة".. ورمى الوزير بعض هؤلاء الكبار بالفساد ببيعهم الدولار في السوق الأسود.. وعرج وزير المالية الذي ارتدى يوم أمس ثياب المعارضينا.. يبين للشعب السوداني كيف تضيع موارده.. في إحدى الدول العربية مدرسة بها ثلاثة طلاب يتقاضى كل معلم فيها سبعة آلاف دولار أمريكي.. والسؤال كم يتقاضى السادة السفراء وكبار رجالات الدولة الذين من كثرة تسفارهم بات أمر وصولهم للسودان يثير الاستغراب. المشكلة ليست في موظفينا الكبار الذين يمارسون سرقة موارد الشعب عبر بند العلاج بالخارج.. المشكلة أن التصريح صادر من وزير المالية الذي عالج فلذة كبده في أمريكا ومن أموال سفارتنا هنالك.. ابن الوزير لم يمر بإجراءات القومسيون الطبي المتعارف عليها.. الوزير لم يرد مالنا العام أو يعتذر عن هذا الخطأ الشنيع حتى هذه اللحظة.. وذات الوزير الذي يحتج على مخصصات كبار الموظفين مهر ببراعه على العقد الملياري لمدير سوق الأوراق المالية. ليت الأمر وقف على تجاوزات صغار الأفندية.. حكومتنا تغدق على كبار المسؤولين.. بعض الكبار يتمتع بكثير من مخصصاته حتى بعد تقاعده عن المنصب العام.. رئيس البرلمان مثلاً ينال راتب ستة أشهر بدل مراجع علمية.. حتى أساتذة الجامعات والعاملون فيها جعلوا لأنفسهم استثناءات في ولوج أبنائهم ونسائهم للجامعات. مشكلتنا ليست في مخصصات الكبار ولا ارتفاع مرتبات المسؤولين.. نحن نفتقد أسلوب القدوة الصالحة.. رئيس إيران ما زال يحتفظ بعربة بيجو موديل عام 1977.. ويأكل في إفطاره (سندوتش) من الجبن.. ويعيش في أفقر أحياء طهران في بيت ورثه من والده قبل أربعين عاماً. أول قرار يتخذه الوزير بعد اختياره في المنصب العام شراء بدلة أنيقة.. وأول خطوة يخطوها بعد أداء القسم البحث عن منزل جديد يليق بوضعه الجديد.. المفارقة تبدو في الإحساس بأن المنصب العام ينقل صاحبه إلى (سوبر مواطن).. من هذا الإحساس الصغير تكبر مشاكلنا.. المسؤول يرى أنه ولد ليموت وهو على الناس سيد.. الفساد يبتدئ بغياب المنظار العادي الذي يفرق بين الخطأ والصواب وما بينهما من مشتبهات. كنا يمكن أن نصفق لوزير المالية إن كان قد كون لجنة محاسبة للأفندية الذين رسموا سيناريو علاج ابنه بالخارج.. كنا يمكن أن نضم صوتنا إليه إن اعترف صراحة أنه أخطأ في تصرفه ذاك.
|
|
|
|
|
|
|
|
|