|
أحزابنا
|
الأحزاب.. أجسام زرعت في جسد السودان في النصف الأول من القرن الماضي..حينذاك، لم تتعد عدد أصابع اليد اليمنى.. ولم تكن أحزاب اليسار قد حان ميلادها بعد.. أما اليوم، يقترب عدد الأحزاب من حافة المائة حزب مسجل.. وشهدت حقبة التسعينيات أكثف تناسل هستيري في البلاد.. اتخذت مسميات مترادفة،هياكل متطابقة وعكفت تقدم نفس البرامج المحنطة منذ أمد .. برامج صدأت في كهوف السياسة تجاوزتها المستجدادت.. فلماذا كل يوم تنفجر الساحة السياسية ويخرج منها حزب جديد ؟.. سؤال حاول العديد من المراقبين لحالنا السياسي البائس الإجابة عليه.. أما البعض أعياه اللهث وراء جواب ناجع .. يروي ظمأ فضولنا.. فجرب من جرب كل النظريات السياسية لقياس هذه الحالة الخطرة.. فأعراضها متنوعة، ولكن في الختام تؤدي نفس الفعل الضار بجسد البلاد، تمزق حاد، التهابات ساخنة في بعض المواضع.. وبتر دون تخدير.. وكل ذلك بفعل الانشطارات والانقسامات وأحياناً أخرى انسلاخات وانشقاقات بل وصلت إلى تحويل سحات النشاط الحزبي إلى حلبات مصارعة و اشتباك بالكراسي و الأيدي داخل الحزب الواحد .. فالصراعات الكيدية وغيرها داخلها ظلت صفة سائدة في جل أحزابنا يميناً ويساراً.. فجل منها أجساما معتلة بمرض الشمولية المزمن الذي يتطور إلى تفسخ في جسد الحزب و ضمور وفقدان التوازن السياسي ومن ثم الموت التنظيمي للكيان.. فقائد الحزب أو الكيان متربع على عرش الحزب لا يستطيع النزول منه لأن رجليه وأفكاره ويديه مقيدة بحبال العنكبوت.. فأي كائن يخاطر بمحاولة النفاذ بأفكار جديدة إلى عقل الكاهن الأكبر مصيره الجلد بسياط لعنة الكاهن.. فيصبح صيداً سهلاً للأحزاب الأخرى.. ففي الحزب الجديد يتسنى له فقط إرواء بعض من طموحه لحين.. فالنظرة في كيانه الجديد لن تكون غير أنه وافد جديد.. مطارد بمشاكل مادية أو عطش سلطوي.. فجلهم يدركون بجلاء أن ازدحامهم حول هذا الحزب أو ذلك ليس فكرياً أو انبهاراً بما يطرحه من برامج اسطورية لم يطرح قبلها على كوكب الأرض..!!! بل جل ما يدفعهم هو قوة وسرعة تحقيق التطلعات الشخصية والمكاسب المادية السريعة ، فأكثر الأحزاب ازدحاماً هي تلك التي تملك ما يلبي طموحات الطامحين والطامعين في شيء ما.. فلم تعد الأحزاب تلك المؤسسات الديمقراطية المناط بها حماية الوطن والمواطن وتحقيق تطلعات المجتمع وبناء دولة قوية مستندة على مجتمع قوي الأركان.. مجتمع رفاهية وثراء فكري وإبداعي متقد وضاء.. مجتمع معطاء في كافة مناحي الحياة .. مجتمع يحس كل أفراده بالاسنجام الروحي مع الآخرين من أفراد المجتمع لا الشحناء.. مجتمع يدرك كل فرد فيه بأنه جزء منه وليس بأنه فرد أعز من المجتمع ولا يكف عن تصعير خده للآخرين.. وينتشي أمام الجموع حينما تأخذه العزة بالأثم.. إثم اقتصادي كان أو أخلاقي.. فالأحزاب مسئولة عن الحفاظ على القيم الاجتماعية وضبط التوازن الأخلاقي لكل أفراد المجتمع من خلال مؤسساتها المختلفة.. فالاختلال البائن اليوم في مجتمعنا ويشكو منه جميعنا نتاج طبيعي للخلل البنيوي والمفاهيمي لأحزابنا.. فهي لم تطبق أدنى ما تنادي به أدبياتها وديباجاتها المزدانه بها دساتيرها ليس لكل الدولة والمجتمع فحسب بل حتى لمنسوبيها .. فإذا أردنا أن نصلح مجتمعنا ودولتنا فلنبدأ بأصلاح الأحزاب.
|
|
|
|
|
|