|
Re: الخروج من أمدرمان .. تأليف : فييلب زيقلر .. ترجمة: بدر الدين الهاش (Re: Ridhaa)
|
إنقضت إلى الآن نحو أريع ساعات منذ أن غادر الخليفة ساحة المعركة، وكان أول عمل قام به هو التوجه نحو قبة المهدى للصلاة. أكانت الصلاة طلباً للهداية والرشد أم رغبة فى الاستغفار وطلب الصفح؟ من يدرى؟ من بمقدوره معرفة ما دار بخلد الرجل وهو يرى – رأى العين- كل ما بناه وعاش من أجله يتهاوى أمام ناظريه... صرف الخليفة من كان معه من أفراد عائلته أسرته، وتخلص من غالب متاعه، وأمر بزوجاته فرحلوا فى موكب متجهين جنوباً. إنصرف الخليفة بكلياته نحو تركيز الجهود لمعركته الدامية المقبلة. وقف في مصلاه و أصدر أوامره بضرب الطبول و"دق النحاس" ليتجمع حوله المحاربون، وانتظر بصبر المؤمن الصادق التآم شمل مناصريه. جال بخاطره أن الموت فى انتظاره؛ وزاده ذلك تصميماً على أنه إذا لم يكن من الموت بد فإنه - على الاقل- لن يموت إلا بشرف وسط أتباعه وحوله جثث الكفار وأشلاؤهم. مرت نصف ساعة قبل أن يقنع نفسه بأن أنصاره قد انفضوا من حوله وأن أتباعه قد هجروه. تسلل بعضهم هربا من ساحة الوغى ورمقوه بأعين اختلط فيها الخجل بخيبة الأمل... زحفوا عائدين من حيث أتوا، بينما وجد بعضهم فى نفسه الشجاعة ليصيح فى وجه الخليفة متسائلاً: " لماذا لا تجلس على فروة صلاتك تنتظر الموت الآتي؟"... والجلوس على فروة الصلاة عند قادة العرب رمز للاستسلام و الرضاء بقدر الموت الآتي. أصاب الإحباط الخليفة فاستدعى أبا القاسم سكرتيره الخاص وسأله النصح عما يمكن الآن فعله، فأجابه أبو القاسم ساخراً أن عليه مواصلة الصلاة وسينصره الله دون ريب. لم تقع تلك الإجابة موقعا حسنا عند الخليفة، فأمر أبا القاسم بالذهاب لقصره وجلب من يجده هنالك من أفراد أسرته. أظهر أبو القاسم الطاعة، و لكنه ذهب ولم يعد! وبقي حول الخليفة قليل من أنصاره الأوفياء المخلصين. قام بإرسال أثنين منهم للاستطلاع ومعرفة مدى تقدم الجيش الغازي المتجه نحو المدينة. لم يستغرق الأمر إلا نحوا من عشر دقائق عاد بعدها الرسولان ليبلغا سيدهما أنهما شاهدا جنود القائد الإنجليزى (إسميث دورين) وهم يتقدمون نحو بيت المال. كان واضحا أنه لن تنقضي دقائق يسيرة حتى يكون جنود العدو على مقربة من قصر الخليفة. كانت تلك هى لحظات الحسم. أيبقى الرجل ويقتل مع حفنة من حراسه فى معركة خاسرة، أم ينسحب (فى الأصل: يهرب) و يحيا ليقاتل في يوم آخر؟ تلزم أعراف الحرب عند العرب القائد بالصمود فى موقعه ولقاء الموت، بيد أن الخليفة لم يكن قد أفلح في الحفاظ على حكمه لسنين (رغم ما واجهه) بالالتفات إلى "أعراف العرب". أعمل فكره على عجل وأمر بعض حراسه بمقاومة طلائع جنود الفتح ريثما يكسب دقائق قليلة ثمينة، بدل خلالها الخليفة ملابسه وانسل خارجا عبر ممر سري فى القصر. عندما بدأ الجنود السودانيون فى جيش الغزو (الفرقة 13) يمطرون بوابة القصر الرئيسة بنيران أسلحتهم ويقتحمونها، كان الخليفة قد انسحب بسلام وهو على صهوة حصانه (مع نفر قليل من أتباعه الأوفياء) ينهب الأرض نهباً بحثا عن فلول جيشه المهزوم.
|
|
|
|
|
|
|
|
|