ليبيا... عراق جديد جوار السودان

Quote: ٢ الشعب الليبي ينهي عقودا من القهر والإستبداد بقلم محمد مراد الميدان من كان يصدق أن الطاغية المستبد والمتغطرس معمر القذافى سيسقط بهذه السرعة المذهلة وأن نظامه المدجج بالسلاح سيتهاوى تحت ضربات الثوار الشباب الذين عقدوا العزم على انهاء المسرحية الهزلية التى دامت أكثر من أربعين عاماً. والعالم خاصة العالم العربى يشهد ويراقب العبث الذى يمارسه الطاغية وأفراد أسرته ومرتزقته والذى كاد أن يقول أنا ربكم الأعلى فأعيدونى وأطيعونى. معمر القذافى استعبد شعبه وأساء الى سمعته وشكك فى تاريخه النضالى ضد الاستعمار الاستيطانى الإيطالى والتركى العثمانى. زور التاريخ وعمل جاهداً على محو آثاره المادية والفكرية وأتى بنظرية وهمية من صنع خياله المريض أطلق عليها اسم النظرية العالمية الثالثة التى تحقر وتدين كل الموروث الفكرى والنظرى الذى أفرزته العقول البشرية النيرة الفريدة والذى جعلت منه الشعوب المناضلة الثائرة سلاحاً بدد ظلمات القرون وأنار الطريق وفتح الآفاق الرحبة لنضال الانسان ضد كل ما يحيط به من قوى تحول دون تحقيق رغباته وتطلعاته فى بناء مجتمع حر خالى من القهر والاستبداد ينعم فيه الانسان بالحرية والكرامة، مجتمع تسوده قيم العدالة والمساواة. القذافى يقدم نظريته التى أسماها النظرية العالمية الثالثة بوصفها البديل لكل النظريات السائدة فى العالم وبالتحديد النظرية الليبرالية الرأسمالية والاشتراكية الشيوعية، كما أنه يرفض الهياكل والآليات التنظيمية التى تستخدم لتنظيم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تستخدمها الجماهير لتحقيق ما تصبو اليه. النظرية العالمية الثالثة لا تقر ولا تعترف بالانقسام الطبقى الذى يسود اﻟﻤﺠتمعات والانظمة السياسية التى تتكون منها منظومة الدول الموجودة فى عالم اليوم. بناء عليه يتم التأكيد على مقولة (الحزب خيانة) والاجتماعات عبارة عن تزوير لإرادة الناس وبالتالى البرلمانات والمؤسسات لا تعبر عن رغبات وأهداف ومصالح الجماهير كل ذلك مرفوض ومدان لأنه لا وجود له خارج العصر الذى حددته النظرية العالمية الثالثة بعصر الجماهير. وعليه فالسلطة والثروة والسلاح يجب أن يوضع فى يد الجماهير وفقاً لتلك المقولة فإن إطار السلطة ينحصر فى اللجان والمؤتمرات الشعبية التى يقف على رأسها مؤتمر الشعب العام الذى يمثل قمة الهرم فى النظام الجماهيرى أما فيما يتعلق بالمؤسسات التنفيذية سواء كان وزارات او غيرها تعتبر مكاتب تنسيقية. ما تجدر الا شارة اليه هناك نوع خاص من اللجان الثورية التى تتصل مباشرة بالعقيد وتنفذ تعليماته بما فيها التصفيات التى تنفذ دون حسيب أو رقيب فى الميادين العامة والمؤسسات التعليمية خاصة الجامعات فى حضور الجماهير. للتأكيد والتعبير عن عالمية وشمولية نظرية القذافى جرى وصف العصر الذى تعيشه شعوب العالم بأنه عصر الجماهير التى دعيت الى الزحف على مراكز السلطة والاستيلاء عليها وبناء سلطتها كما دعيت الجماهير الى الزحف الأخضر حتى على اللجان الثورية واقتحامها فى حالة وجود انحراف او خلل فى الاداء او التوجه. على أساس تلك النظرية تكون النظام الفريد من نوعه فى ليبيا واعلن عن الجمهورية الليبية التى اطلق عليها اسم الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى. من الطبيعى ان يتوافق الاسم مع الشعارات والافكار السياسية التى كانت سائدة فى العالم العربى فى ذلك التاريخ خاصة وأن تأثير الثورة المصرية بزعامة جمال عبد الناصر والضباط الأحرار كان غالباً ومنتشراً على نطاق المنطقة العربية وأن الضباط الأحرار الذين استولوا على السلطة فى ليبيا أعلنوا عن انتماءهم للثورة المصرية واعتبروا ثورتهم امتداداً لها. اللافت للنظر أن الكتاب الأخضر الذى يحمل بين طياته مقولات النظرية التى يراد تطبيقها على واقع اﻟﻤﺠتمع الجماهير يشير الى أن ما حدث فى ليبيا عام ١٩٦٩ ثورة اسلامية فى حين أن الثورة المصرية على عهد عبد الناصر لم ترفع شعاراً إسلامياً واحداً بل حصرت توجهها فى عروبيتها وقوميتها الاشتراكية. كما أنها دخلت فى صراعات دموية مع الاسلاميين وبالتحديد الاخوان المسلمين الذين ناصبوا الثورة العداء منذ ميلادها. على مدار الأيام والسنين العجاف الطويلة اكثر من اربعين عاماً امتحنت النظرية العالمية الثالثة على أرض الواقع المحلى والعالمى وكانت النتيجة الفشل الذريع والمأساة التى عاشها الشعب الليبى. اتضح للعيان أن الجماهيرية الليبية لم تكن إسلامية ولا اشتراكية ولا شعبية. أما فيما يتعلق بالعروبة والقومية يصح القول أن العرب شعوباً وقبائل كانوا ولازالوا أكثر المتضررين من أقوال وأفعال القذافى الاجرامية. تمادى القذافى فى غيه وتحديه للأمة العربية وقام بفصل الشرق الأوسط عن الخارطة الجغرافية للعالم العربى حاصراً وجوده فقط فى الشمال الأفريقى وذلك تعبيراً عن التوجه الى أفريقيا على أن يصبح القذافى ملك ملوكها وقائداً ورئيساً لاتحاد حكامها. توجه القذافى الى افريقيا بعد أن فشلت مساعيه ومخططاته الهادفة الى ايجاد موطئ قدم فى العالم العربى. لم تجد النظرية قبولاً والكتاب الاخضر كان نصيبه الاهمال وفى الكثير من الحالات التقريع. الغريب فى الأمر أن النخب العربية التقدمية وغيرها لم تولى قدراً من الاهتمام بالنظرية العالمية الثالثة سواء كان ذلك على المحيط النظرى البحت أو الجانب العملى. يستحضرنى فى هذا المقام مناظرة نظمتها الفضائية الليبية بين معمر القذافى وعدد من المفكرين المصريين فى مصر ومعمر من طرابلس. كان من بين المشاركين المفكر فهمى هويدى. المناظرة كانت مختصرة من ناحية الفترة الزمنية المتاحة. علق معمر القذافى على ما قاله فهمى هويدى وكعادته قال معمر وبصلف وغرور مخاطباً فهمى هويدى: يا ابنى فهمى كنت اعتقد أنك قرأت الكتاب الاخضر وفهمت ما فيه. الاستاذ فهمى أجاب بنبرة هادئة وحازمة قائلاً: أنا لست بابنك واننى اكبر منك سناً. اننى قد قرأت الكتاب الاخضر ستة مرات وكل ما علمته وأفهمه هو ان اللجان الشعبية تجتمع وتنفض دون نتيجة. مسألة اخرى تستحق الذكر وهى ان معمر القذافى مباشرة بعد انهيار النظام فى الاتحاد السوفيتى دعا ممثلين للأحزاب الشيوعية والعمالية العربية للقاء معه فى طرابلس وذلك للحوار والتشاور حول الاوضاع بعد انهيار المنظومة الاشتراكية. فى تقديرى أن الهدف الذى كان يسعى معمر القذافى لتحقيقه كان واضحاً وهو احتواء الحركة الشيوعية والتقدمية وتولى امر شئونها خدمة لتطلعاته واغراضه ومشاريعه المستقبلية. بعد ترحيبه بالحضور تساءل عن عدم حضور ممثل للحزب الشيوعى السودانى ثم اجاب بالقول: نحن نعلم أن الشيوعيين السودانيين زعلانين منا لأننا سلمنا المقدم بابكر النور والرائد فاروق حمد الله للنميرى. كما قال: نحن كنا صغار السن وتجربتنا قاصرة. لا مجال هنا للحديث بتفصيل عما دار فى ذاك اللقاء وربما تسمح الظروف فى المستقبل للكشف عن الافكار والمواقف التى عبر عنها واتخذها الذين شاركوا فى اللقاء وذلك بالارتباط بأهمية الظرف التاريخى الذى عقد فيه الاجتماع والانعطاف التاريخى الذى شهده العالم بعد انهيار منظومة الدول الاشتراكية. حسب تقديرى اعتقد ان القوى التقدمية فى العالم العربى من مفكرين وسياسيين لم يتعاملوا بالمستوى المطلوب مع النظرية العالمية الثالثة وماقدمته من اطروحات ومقولات البعض استهان بها وآخرين اعتبروها تجربة ليبية لا علاقة لها بالواقع الذى يعيشونه ونتج عن ذلك اهمال وغض الطرف عن الممارسات والسلوكيات التى انتهجها معمر القذافى حتى أن الأمر وصل الى مستوى انكاره لتقلد السلطة أو أية مسئولية فى هرم النظام ولخص الأمر فى أنه مناضل ثورى أتى من الباديه يحمل بندقيته وخيمته. اليوم وبعد خراب مالطه يجرى البحث والتنقيب فى مكونات شخصية القذافى الذى صال وجال وعربد متحدياً ومتجاوزاً كل الأعراف والتقاليد العربية والقوانين الدولية وأزهق أرواح الآلاف من المواطنين الليبيين وسرق أموالهم وهتك أعراضهم. هذا لا يجوز استمراره فى أى مكان فى العالم العربى ويمثل عار وخيانة لكل من يعيش فى هذا العالم. فى الختام أقول الشعب الليبى الذى ملك زمام أمره واشعل ثورة جديرة بالاحترام والتقدير سيتمكن ومن دون شك فى استخلاص الدروس والعبر من تجربته القاسيه مع نظام الظلم والطغيان والاستبداد الذى جثم على صدره اكثر من اربعين عاماً وسيبنى بما يملك من إرادة حرة وثروة هائلة دولة حديثة ذات استقلال وسيادة يتمتع فيها المواطن الليبى بالحرية والكرامة ويمارس حقوقه فى ظل الديمقراطية وحماية القانون. كما سيتبوأ الشعب الليبى المكانة التى تليق به بين شعوب العالم الحر المتحضر.