هل سرق أقدم حزب سوداني اتفاقية (نداء الخرطوم) وتبناها باسم نداء الوطن؟

Quote: قدم الحزب الإتحادى الديمقراطي مسودة اتفاق سياسي للقوى السياسية لدراستها تحت مسمى (مبادرة الميرغني للتوافق السياسى) وأعتقد ان مقترحات المبادرات السياسي ة من أجل البحث عن حلول للمشكل السودانى هي بادرة طيبة من حيث المبدأ ان يكون هناك سعي من قبل القيادات السياسية لحل الأزمة السياسية الضاربة جذورها في أعماق المجتمع السوداني الذي تدحرجت عجلة السياسة فيه حتى وصلت الى مشاكل كانت النخبة السياسية قد بدأت تتجاوزها من حيث الرؤية التحديثية وهي ان الاحزاب السياسية كانت تمثل نقلة تحديثية في المجتمع السياسي السوداني كبديل موضوعي للبناء الجهوي والقبلي ولكن الأزمة السياسية التي يعاني منها السودان منذ الاستقلال حتى اليوم قد جعلت العجلة السياسية تتدحرج مرة أخرى الى الجهوية والقبلية كأساس لا يمكن تجاوزه في المشكل السوداني ومن هنا جاءت حيرة القيادات السياسية في كيفية علاج الأزمة التي تؤثر عليهم شخصياً باعتبار انهم هم الذين يديرون عملية الصراع السياسي فيما بينهم فخرجت إلينا القوى السياسية بعدد من المبادرات السياسية ومن هذا المنطلق اريد فقط ادارة حوار هادىء مع الاخوة الاتحاديين حول مبادرتهم قبل ان تقول القوى السياسية آراءها فيها. اولاً : الحزب الاتحادي الديمقراطي كان ومايزال يقود التجمع الوطني الديمقراطي وقد وصلت القوى السياسية في التجمع الى اتفاقية القضايا المصيرية لحل الأزمة السياسية السودانية واعتبرتها انجازاً سياسياً كبيراً في التوافق بين القوى السياسية ثم جاءت المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية التي وصلت الى اتفاقية نيفاشا التي تجاوزت اتفاقية القضايا المصيرية ومن ثم تؤسس الى واقع جديد بعد أن أيدت كل القوى السياسية الاتفاقية التي جاءت بقبول دولي ورعاية دولية ولكن كان للقوى السياسية في التجمع بعض التحفظ في بعض البنود واعتقادهم بانها اتفاقية ثنائية لذلك كان الحوار بين التجمع الوطني الديمقراطي والمؤتمر الوطني الذي نتج عنه نداء القاهرة ليكمل النواقص التي يرى التجمع اضافتها والاتفاقيتان تكملان بعضهما البعض من أجل ارساء قواعد التحول الديمقراطي وإلغاء قوانين الطوارىء ورفع الظلم من الذين وقع عليهم من جراء ممارسات النظام وتشكيل حكومة وحدة وطنية وبرلمان تشارك فيه القوى السياسية من أجل صياغة دستور انتقالي للبلاد… الخ. ثانياً: الاتفاقيات التي حدثت بين التجمع والحركة ومن ثم الحركة والحكومة واخيراً بين الحكومة والتجمع كافية جداً اذا وجدت طريقها الى التنفيذ ان تنشل البلاد من وهدتها وان القضية ليست في اتفاقيات جديدة انما الإرادة في تنفيذ هذه الاتفاقيات حتى لا تكون الدعوة للاتفاقيات هي للتسويف فقط أو المكايدات السياسية التى ادخلتنا في هذه الازمة. ثالثاً: حزب الأمة عندما سعى الى اتفاقية التراضي مع المؤتمر الوطني كان يبحث عن موطىء قدم حيث انه انسحب من التجمع الوطني ولم يكن له علاقة بنداء القاهرة ولا اتفاقية نيفاشا وبالتالى هو يبحث عن علاقة تحالفية مع أحد الشريكين في الحكومة وعلى ضوء اتفاقية التراضي اختار حزب الأمة طريق التحالف الذي بموجبه يستشرف به مستقبل وضعه السياسي في ظل الانتخابات القادمة كما ان حزب الأمة يعتقد ان هذه الاتفاقية تكمل النواقص التي يراها الحزب فى الاتفاقيتين (نيفاشا - نداء القاهرة) وهي المخرج للأزمة السودانية كما رأى الحزب الاتحادي ان نداء القاهرة مكمل لنيفاشا ويؤسس للدولة الديمقراطية. رابعاً: اذا كان الحزب الاتحادى الديمقراطى وهو يقود التجمع الوطنى الديمقراطي يرى ان اتفاقية نداء القاهرة لم تجد طريقها الى التنفيذ ذلك لا يعني ان نداء القاهرة كان غير صائب أو ناقص انما كان على الحزب الاتحادي ان يبحث عن الأسباب التي أدت الى عدم تنفيذ الاتفاقية حيث ان الاتفاقية تتطلب نضالاً يومياً متواصلاً وحضوراً يومياً مع الحركة السياسية ولكن النضال بالوكالة والغياب عن ساحة الجماهير لا يحقق المقاصد وبالتالي كان على القيادات الاتحادية ان تنقد ذاتها وتقصيرها في اهمال نداء القاهرة والحكومة من حقها ان تماطل وتسوف لان الحقوق المترتبة في نداء القاهرة منقوصة من نفوذها وسلطتها ولكن على الآخرين ان يراعوا حقوقهم ويبحثوا عن الطرق التى تجعل النداء يجد طريقه الى التنفيذ ولكن الهروب الى الأمام يضر بالحقوق. خامساً ان اهمال نداء القاهرة من قبل الحكومة كما ترى القوى السياسية فى التجمع وعلى رأسهم الحزب الاتحادي لا يعنى ان الوضع يحتاج الى مبادرات واتفاقيات جديدة انما يحتاج الى قيادات تعرف كيف تدير الصراع السياسي ومبادىء التكتيك لتحقيق الاهداف. سادساً: يعتقد الحزب الاتحادي الديمقراطي انه في ظل قيادته للتجمع قد حقق المقصد بعد اتفاقية نداء القاهرة والتي بموجبها قد رجعت بعض قيادات القوى السياسية المنتمية الى التجمع للداخل وتمت المشاركة في البرلمان وحكومة الوحدة الوطنية ولكن هذا الاعتقاد ربما يحمل الاتحادي الفشل السياسي اذا قدم الآن مبادرة جديدة للتوافق الوطني لان ذلك يوضح ان نداء القاهرة كان بحثاً عن أية اتفاق من أجل مشاركة التجمع وحفظ ماء الوجه اضافة للبحث عن سبب للرجوع فقط ولكن التمسك بالنداء يعني انها اتفاقية سياسية تهدف من أجل البحث عن حل لمشكلة الازمة السياسية السودانية وبناء الدولة الديمقراطية وان الامر لا يحتاج الى مبادرات بقدر ما يحتاج الى تفعيل هذه الاتفاقيات القديمة واذا كان الحزب الاتحادي مصراً على تقديم مبادرة جديدة يتجاوز بها نداء القاهرة يجب عليه قبل ان يشرع في تقديم المبادرة ان يبين لقاعدته اولاً ومن ثم للشعب السوداني نقداً موضوعياً لنداء القاهرة والقصور الذي يكتنفه باعتبار انها اتفاقية قد تجاوزها التاريخ ولكن السعي الى مبادرة جديدة ـ لان حزب الأمة قام بعمل مبادرة مع المؤتمر الوطني ويجب على غريمه السياسي ان يقدم مبادرة جديدة ـ يوضح تماماً ان القوى السياسية لا تستفيد من اخطائها الأمر الذى يعمق الأزمة السياسية وعلاجها هو ثورة من التمرد الطليعي لتتجاوز به قياداتها. سابعاً: اعتقد انه قد حان الآن ان نتجاوز تاريخ صراعاتنا السياسية الملىء بالمكايدات والمؤامرات والعداوات القديمة التى أثرت سلباً على مسيرتنا السياسية واورثت النخب السياسية السودانية الفشل تلو الآخر وان نبحث عن حلول حقيقية وعن جوهر الاشياء وليس البحث حول من قدم هذه المبادرة أو تلك اذا كانت المبادرة تقدم حلولاً منطقية أو ننقدها اذا كانت تحمل نواقص فى صلبها. ثامناً: الغريب في الامر ان بعض النخب السياسية لا تقدم الاستشارات المنطقية الى القيادة اذا اخطأت طريقها انما تحاول البحث عن شتى الطرق التي تقربها من القيادة لذلك تتحول الى أدوات تنفيذية غائبة الوعى وكان من المنطقي ان تبصر القيادة وتقدم لها الحلول المنطقية وتوضح لها ان التمسك بنداء القاهرة وما جاء فيه يبين مبدئية الحزب في اختياراته والتزاماته التحالفية وليس من العيب بناء تحالفات جديدة اذا اقتضى الامر لأن الاحداث السياسية وحركة الواقع متغيرة باستمرار ولكن يجب الذهاب الى التحالفات الجديدة كذلك بمبادىء واضحة مع تبيان الاسباب التي فرضت التحالف الجديد لان من حق جماهير الحزب ان تعرف ومن حق الشعب السوداني ان يعرف ومن حق الحلفاء القدامى كذلك ان يعرفوا. ان المبادرة التى شرع الحزب الاتحادي في تقديمها للقوى السياسية سوف تقدم حرجاً اخلاقياً للحزب اذا لم تتدخل الصفوة فى الحزب لحسم الأمر في ادارة الحوار مع القوى السياسية وفقاً للاتفاقيات السابقة التي كان الحزب عنصراً فاعلاً فيها لان تقديم مبادرة جديدة تعني ان الحزب مازال يتعامل في الشأن السياسي بعقلية الخمسينات والستينات فقط وان الصفوة بدلاً من معالجة الوضع الحالي وتصحيحه وصناعة الشروط التي تؤدي الى تفعيل الاتفاقيات السابقة التي وقعها أرادت الهروب منها باتفاقيات ومبادرات جديدة حتى لا تحرج نفسها اذا وضعت في موقف مسألة حول عدم تنفيذ اتفاقية نداء القاهرة ثم تكسب وقتاً جديداً بمبادرة جديدة. أليس هذا هو الهروب الى الأمام؟ ويبين ان الصفوة الاتحادية قد فقدت القدرة على ادارة الصراع السياسي وسلمت زمام أمرها لسياسة ردود الأفعال التي لا تصنع حدثاً وتقيم موقفاً انما تجمد العقل الذي يتعامل مع تفكيك الاحداث وتقييمها وترتيبها من جديد وهي تتطلب قدرات تتعامل مع الفكر وليس أدوات تنفيذية.