|
الله في مذكرات مُلحد ( مجموعة قصصية )( 1 )
|
الحقيقة ضاع النهار بكامله وأنا أدور على قدمي بحثاً عنها , لم أجدها بين أكياس القمامة , أو في مرافي الأحبة المنتشرة على ضفاف النيل , تلك المرافي التي لا يدخلها إلا من استطاع إليها سبيلا , قلبت جيبوي باحثاً عن شيء ما , أخرجت سيجارة مكسورة علقت بها بعض قشور الفول السوداني الذي أسكت به عواء بطني إلى أن أعود أدراجي إلى منزل أبي الكبير , فأأكل ملء معدتي فأشعر بعناية السماء تحيطيني برفق , وأن الرب وقف إلى جانبي في تلك اللحظة , فأخاف أن تتخلي عني عنايتها فأتسول كأطفال سيرلانكا والصومال , ثم أحمدها – من جديد - لأنها أخرجتي ذكراً لا أستطيع أن أأكل من لحم ثديّ , كما يأكل بعضهم – الآن - بطرق مختلفه في مجملها غير شرعية في الواقع . لكنها ستكون موجود في مكان ما من الكون , سيجارتي هذه خُلقت في مصانع حجار بالخرطوم بحري , وأنا خلقت من خطأ تقديري , لأ أدري الفكرة تبدو متناقضة بعض الشيء ؟ أحاسيس كثيرة تستر عورتي ثم تكشفها من جديد , خُلقت السيجارة ولا تستطيع ان تُعرّف خالقها , أو تتخيل وتفهم كيف خُلقت ؟ ولن تعلم أيضاً من هو خالقها ؟ بل ستكابر وتستنكر فكرة خلقها , لقد خُط على صندوقها : ( تحذير من وزارة الصحة – ثم في السطر الذي يليه - التدخين ضار بالصحة ) , لقد حدد الهدف منها واقعياً , أذن فهي خلقت لتضر بالصحة , بينما تأخذ منها الحكومة الضرائب كل عام , العم كافوري صاحب الدكان المجاور لمنزلنا , يجزم دائماً بحرمتها , لكنه يبيعها على مضض فهو يُبرر ذلك قائلاً : ( السجائر يُحرك الدكان ) والحكومة تثبت اقتصادياً ذلك . الرجل اعتاد أن يخرج كُرسية في الصباح , يتصيد أخبار الجيران المخفية بنهم , يحب النميمة وسيرة الناس لدرجة الأدمان , محمد أبو سن لديه بقايا عضلات مفتولة , يُقال : ( أنه كان همباتي في الزمان الماضي ) , لم أفهم مغزى الكلمة !! , لقد كانت – للأسف الشديد – غير مكتوبة في مقررات ( ملبسنا , مسكننا ) , ولسبب ما سقطت كلمة ( همبتة ) فلم أدرس , ماذا تعني ؟ حتى في لغة التاريخ العُرفي بالمدينة , لم أستطيع استخراج معناها ؟ فتشتت عنها في كل مكان , سألت جدتي ذات الأسنان الصناعية , التي تخلعها مساءاً , ثم ترتديها صباحاً , كانت تخاف أن تخرج أسنانها في مظاهرات احتجاجية عقب كل ثورة ضحك عارمة . قالت لي من غير تفكير , بل مباشرةً : ( همباتي يعني رباطي ) , لم اهضم أيضاً معنى ( رباطي ) هذه , بالتالي أُضيفت مفردة معقدة أخرى إلى كلماتي اصبحت ( همباتي , ثم رباطي ) , سألت مستفسراً محاولة تقريب المعلومة لأفهم محواها فسألت : ( هل الرباطية يعملون في الحكومة ؟ يا حبوبة ) أجابت بحسرة : ( في الحكومات الفاتت , كانوا بقولو الرباطية مجرمين !! , بس في الحكومة دي , والله ما عارفة ياولدي ؟!! , ما تكسر راسي بالكلام الكثير ؟؟ ) . أسرجت شكوكي وأبحرت عكس اتجاه الريح , فخرجت من الدار مخلفاً ورائي فراغ فيزيائي غامض , سألت عم كافوري أيضاً لم يجب ؟؟ , بل أشار خلسةً في اتجاه محمد أبو سن , فجأت تذكرت حتمية تفسيرها ضمن مفردات معجم د: عون الشريف قاسم , وتحديداً في طبعة ما قبل المقررات التعليمية الحديثة . الفكرة كانت غير منطقية , فكتب الرجل انعدمت في الأسواق والمكتبات العامة , لسبب مجهول , غير مفهوم , عجز عن تعليل ذلك مدير جهاز الأمن العام شخصياً , عندما سأله أحد الصحفيين المتطفلين مستفسراً , أثناء محاضرة ألقاها المذكور أعلاه حول : ( المؤمرات الدولية لتحطيم الأمة الإسلامية ودينها ) . سألت نفسي سؤال ثاني : ما هي الحقيقة ؟ أين هم الهمباتية ؟ , أو الرباطية ؟ على حد قول جدتي , أين أجد هؤلاء ؟ هل هم في المساكن , في الجوامع , في اطراف المدن , داخل البيوت ذات التكييف المركزي ؟؟؟ أين أقابلهم ؟ كانت البداية المتعثرة , بداية شك طويل الأمد والصراع , عن العدالة والسماء , الفقر والجوع والغنى , عن كنه الأشياء ونهاياتها , عن المعجزات وغيرها , أستاذ التربية الاسلامية يمتاز بشخصية صارمة حانقة على الجميع , كل شيء لديه حرام , قال ذات يوم : ( الاصل في الأشياء الاباحة , مالم يوجد نص يُحرم ذلك ) , أخرجت آلتي الحاسبة , واخذت أحصي المباحات والمحظورات , بدايةً من الخمر نهاية بإزال الأذى عن الطريق , مالت الآلة الحاسبة إلى اليسار فجأة , فلم أجد من المباحات الكثير , لكن عم كافوري يقول : ( النساء ناقصات عقل ودين ) لقد كان يقاتل إلى آخر رمق دفاعاً عن فكرته تلك , ثم يذكر عندما ينتشي : ( أن الحور العين منزهات عن النجاسة ) , بدت لي أن الفكرة بها اغواء جنسي فاضح , بطريقة ما ؟ لا أدري أين هي الحقيقة ؟ تناسيت الفكرة واخذت أنقب بطريقتي الخاصة عن معنى همباتي , وذلك الثقل الجديد الذي هبط على قلبي فجأة , إلا هو الرباطي , وبالصدفة لعبت فيها السماء دور المخرج الأول , قالت لي حبشية تبيع الشاي , في ركن منزو بالمدينة , يتكوّم العاطين عن العمل عند أطراف ثوبها الشهي , كانت جميلة جداً , خُيل لي أنها تشابه الغواني اللاتي يُحن لهن عم كافوري في نهايات كل صلاة . فسرت لي تلك الحبشية الفاتنة هذه الكلمة في كلمتين : ( همباتي هو قاطع الطريق ) , إلا هو كذلك , لقد ذكر أستاذ الدين أن هؤلاء يجب أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف , إن لم يتوبوا قبل أن يقبض عليهم متلبسين , العم كافوري كان له رأي محايد : ( الهمباتي مغلوب على أمره , من قلة التعليم والصحة والخدمات – صمت برهة , ثم أضاف متنهداً – والوظيفة ) , لم يحاول أن يدافع محمد أبوسن عن الفكرة , لكنه طرح موضوعاً لنقاش طويل : ( الهمبتة كانت لإثبات الرجالة والقوة آنذاك لكن اصبحت مهن الحكومات هذه الأيام ؟ ) سألت نفسي : ( أين الله ؟ لماذا لا يعقابهم ؟ ) أستاذ الدين يقول : ( يولى عليكم بإعمالكم ) ثم يعود بعد خطبة الجمعة , راكباً سيارة ألمانية الصُنع , ذات تكييف عال الجودة . لا أدري لماذا خُيل لي فجأة , أن كل شيء يودع في كهف من الزجاج النقي الناصع , يتلوّن بلون الذي يدخل فيه , ثم يعود شفاف ناصع كما كان , ليعود للتلوّن من جديد حاملاً صبقة الزائر الجديد , مثل أقوال استاذ التربية الأسلامية هذه .
|
|
|
|
|
|