د. عمر القراي: الدستور؟!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-09-2024, 05:18 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-17-2011, 02:48 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
د. عمر القراي: الدستور؟!

    الدستور؟! (1)
    تواجه البلاد بعد إنفصال الجنوب، وقيام دولته المستقلة، واقعاً سياسياً جديداً، يثير تساؤلات، وإشكاليات جديدة، تحتاج الى معالجات تتسم بالصدق، والجرأة، وتقديم مصلحة الوطن، وتنأى عن الخطب الجوفاء، والتهديد بالحروب، والبطش والقهر. ولقد طرح بعض أعضاء الحزب الحاكم، ضرورة تغيير الدستور الإنتقالي الحالي، بسبب إنتهاء فترة حكومة الوحدة الوطنية.. وتحدثوا عن إبعاد أعضاء الحركة الشعبية، بإعتباره فرصة مواتية، لملأ الفراغ بالمزيد من أعضاء الحزب الحاكم، أو الموالين لهم من عضوية الأحزاب الأخرى، ثم إدعاء أن الحكومة أصبحت قومية وممثلة للشعب!! ولقد ذكرت قوى التحالف المعارضة، إن مبرر تغيير الدستور، وهو نهاية فترة حكومة الوحدة الوطنية، ينبغي أن يسقط الشرعية عن الحكومة التي تكونت بموجب ذلك الدستور، فلا يمكن ان يصبح الدستور غير مناسب، ثم تظل الحكومة التي تكونت تحته مناسبة للمرحلة الجديدة، التي تغير فيها وضع السودان الجغرافي، والإثني، والإقتصادي، والإجتماعي. كما أن ذهاب الجنوب لا يعني نهاية التنوع الثقافي، الذي يقتضي دستور منفتح، متقبل لكافة مصالح وتطلعات المواطنين، في شمال البلاد النوبي، وغربها الفوري، وشرقها البجاوي، وجنوبها الجديد من تخوم جبال النوبة، إلى عمق جبال جنوب النيل الأزرق، حيث يقطن الإنقسنا والوطاويط.
    ولقد سمعنا بأن هنالك لجان، كونها الحزب الحاكم، لتقوم بتدارس وصناعة الدستور المقبل.. وأن هذه اللجان، مطلوب منها ان تتشاور مع عدد من المختصين، والناشطين، خارج المؤتمر الوطني، حتى يجئ الدستور معبراً عن الشعب السوداني، بمختلف مكوناته الفكرية والسياسية. ولكن هذه اللجان تعمل في سرّية تامة، وكأنها تحيك مؤامرة ضد الشعب، لا دستور لمصلحته، مع أنها لو كانت تملك حجة منطقية تدعم مفهومها للدستور، لدعت له كافة القوى السياسية، ولأذاعت جلسات الحوار في الإذاعة والتلفزيون. ولا أعتقد أن القانونين من أعضاء المؤتمر الوطني، لو إختلفوا مع كبار القانونيين السودانيين سياسياً، يستطيعون إنكار معرفتهم وخبرتهم القانونية، فلماذا لم يدع د. أمين مكي مدني، والأستاذ فاروق أبو عيسى، والأستاذ علي محمود حسنين، والاستاذ مصطفى عبد القادر، والأستاذ كمال الجزولي، والأستاذ طه ابراهيم وغيرهم، من كبار القانونيين، لهذه اللجان؟! لعل هؤلاء الأساتذة لو دعوا لهذه اللجان السرّية، التي لا تضم كافة السياسيين والناشطين في المجتمع المدني، لرفضوا هذه الدعوة!!
    جاء عن رفض أحد المحامين البارزين (رفض الأستاذ جلال الدين محمد السيد المحامي المعروف دعوة المجلس الوطني للمشاركة في اجتماعات لجنته عن الدستور ووجه خطاباً مفتوحا بذلك ننشره أدناه:
    خطاب مفتوح من/ جلال الدين محمد السيد /المحامي إلى السيد/ رئيس لجنة حقوق الإنسان بالمجلس الوطني
    تحية طيبة
    تسلمت دعوتكم لمناقشة قضية حقوق الإنسان في الدستور المقبل. وفي رأي أن الدعوة وبالطريقة التي تمت بها لا تساعد في وضع دستور جديد يقنن الحريات والتي ظلت مطلوبة عبر كل الفترات السابقة، والوجود الإسمى لبعض الشخصيات والهيئات القصد منه وضع ديكور وزينات لعمل هذه اللجنة ويستغل ذلك فى الإدعاء بأن اللجنة قد شارك بها هيئات وشخصيات قانونية وفي رأي أن قضية الدستور القادم بما فيه من حريات يتطلب الأتي:
    أن تقوم بوضع ذلك الدستور هيئة قومية تشارك فيها كل الأحزاب والمؤسسات القومية والشخصيات الوطنية والنقابات والنقابيين ومنظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان، أي أن الدستور القادم لا تقوم به جهة واحدة ذات لون واحد وفقاً لما جاء في برنامج ذلك اللقاء من حيث المتحدثين والمعقبين هذا أن كنا نريد دستوراً يتراضى ويتوافق عليه الجميع.
    الدستور ليس لجنة للحريات فحسب دائماً ينطلق من دولة المواطنة والحريات والمساواة القانونية والقضائية، يتساوى فيه المواطن في كل الحقوق والواجبات منطلقاٍ في ذلك من مناقشة كل بنود الدستور بدءً من رئاسة الدولة رئاسية كانت أم برلمانية رأساً واحداً أم مجلساً للسيادة يريح الناس من مطالبات الأقاليم، دولة للقانون أم دولة للحزب، دستور يقنن التعددية الحزبية والديمقراطية منهجاً وحيداً للدولة القانونية ويمنع ويُحظر فيه التمايز العرقي والديني، يحتكم فيه الحاكم والمحكومين لحكم القانون كما تطبق المحاكم ينصاع له الجميع من رأس الدولة إلى أصغر موظف في الحكومة، دستور ينظر في استقلال حقيقي للقضاء إدارياً ومالياً ووظيفياً ليس فيه تدخل ولا يقبل فيه ذلك، قضاة مستقلون فعلاً وبلا أدنى ارتباط بالحزب الحاكم أياً كان، دستور ينظر للقوانين المنظمة بإعتبارها قوانين مكملة ومنظمة للحريات والحقوق لا يبتسر فيها الحق الدستوري ولا يهدر، وإنما قانون ينظم الحقوق فقط لا يتغول عليها ولا يصادرها حيث لا يتعدى المشرع القانوني حدود الدستور ويحتكم في معاييره للمبادئ والأسس التي قننتها المواثيق الدولية والأعراف الدولية هذه هي الأسس لوضع دستور قادم أن كنا جادون فى وضع دستور يتراضى عليه كل الناس فإذا كنتم ترون ذلك فعليكم أن تعلنوا وتعلن السلطة الحاكمة أن الدستور القادم حق لكل الناس وأن تشرعوا بالتوافق مع الأحزاب والهيئات المشار إليها سابقاً لاختيار لجنة قومية لوضع دستور جديد تجيزه هيئة تأسيسية، حينذاك سنشارك في هذه اللجنة القومية.
    والسلام
    18 يونيو 2011م)(حريات 22/6/2011م)
    ولقد شرعت بعض الأحزاب، في وضع تصورها للدستور الذي يجب ان يحكم السودان، في المرحلة المقبلة.. وقام تحالف الأحزاب المعارضة، بعقد عدة لقاءات، جرت فيها نقاشات ثرة حول الدستور المقبل، في محاولة لتوحيد الأحزاب، ومنظمات المجتمع المدني، وحركات الشباب حول مفاهيم عامة، يجب ان يحويها الدستور، حتى يقبل من جانب هذه القوى، التي تمثل معظم الشعب السوداني. ولقد رأت هذه الأحزاب والمنظمات، أن الوقت ضيق لوضع دستور، وهنالك خلاف بينها على الاقل حول مصادر التشريع ومرجعيات الدستور، ولهذا كان الرأي الغالب في إجتماعاتهم هو وضع مؤشرات عامة، توجه إنشاء دستور مؤقت، ليحكم الفترة المقبلة الحرجة، إلى أن يوضع دستور دائم بعد قيام إنتخابات نزيهة.
    لقد ثارت ثائرة (علماء) السودان، ومتعصبي المؤتمر الوطني، بسبب عبارة اللواء حسب الله عضو مستشارية الأمن المكلف من الحكومة بالحوار مع الأحزاب السياسية، وذلك حيث قال ان الاحزاب إذا لم ترد الشريعة، فلتذهب الشريعة، فأمروه بالتوبة، وأشاروا الى خروجه من الدين!! وصرّح ناطق باسم المؤتمر الوطني، بأن جميع السودانيين، باختلاف أحزابهم يريدون الشريعة، وتحدى الأحزاب أن تقول أنها لا تريد الشريعة!! وأدى ذلك الإرهاب الفكري، المعتمد على التعبئة الشعبية، الى ان يصرح ناطق باسم الحزب الشيوعي السوداني، بأن الحزب لا يعترض على تطبيق الشريعة!! حدث ذلك كله على خلفية من حديث السيد رئيس الجمهورية، بأن حكومته ستطبق الشريعة بمجرد إنفصال الجنوب.. وأنها ستكون شريعة ليست مثل الشريعة (المدغمسة) التي كانت مطبقة قبل الإنفصال، إذ سيكون بها القطع والقتل والجلد!! ومع ان في هذا القول تخويف بالشريعة، وكأنها أداة قمع وبطش وإرهاب، إلا أن الأخطر فيه هو التلويح بفرض هذا الفهم الخاطئ بالقوة، وهذا ما يهزم الديمقراطية، ويحول النظام المنسوب للإسلام، الى دكتاتورية بغيضة، تستبيح الظلم والقهر باسم الدين.. ومن هنا، تجب معارضتها تبرئة للدين مما لحق به من تشويه، وحفاظاً على حقوق المواطنين، من ان تذبح على عتبة الهوس الديني. ولا يملك المؤتمر الوطني أي دليل على أن تجربته في تطبيق الشريعة (غير المدغمسة)، ستكون أحسن حالاً، إذ لو كان يعرف السبيل للأحسن لفعله من أول مرة، ولما ترك المشروع الحضاري، يسقط هذا السقوط المدوي!! كما أن الشعب السوداني بالإضافة الى تجربة الإنقاذ الماثلة، والتي بلغ فشلها حد ضياع جزء عزيز من الوطن، وإشعال الحرب فيما تبقى من الهوامش- وكأن مهمة الخرطوم الرئيسية هي أن تقتل بقية أهل السودان- حتى وضع الوطن تحت الوصاية الدولية، بتسليم أبيي لآلاف الجنود الاثيوبيين التابعين للأمم المتحدة تحت الفصل السابع!! ثم ما لا ينكر من إستشراء الفساد، وتدمير المشاريع الزراعية الكبرى، والغلاء، والبطالة، وتدهور التعليم، والصحة، والخدمة المدنية، وتسيس الجيش، واستغلاله في ضرب المواطنين السودانيين، بينما أراضي السودان قد سلبت عنوة في "حلايب" وفي "الفشقة" وغيرها، ولم يطلق جيشنا طلقة واحدة ليستردها!! بالإضافة الى فشل تجربة "الإنقاذ"، فإن الشعب السوداني لا يزال يذكر فشل تجربة الشريعة التي طبقها نميري، فجلد، وقطع من خلاف، وقتل، وصلب، والبلد في حالة مجاعة، حتى ثار عليه الشعب وأطاح به.. هذه تجارب مريرة، وهي كافية لتعصم الشعب، من أن يضلل مرة أخرى، بدعاوى تطبيق الشريعة، فإن كل تجربة لا تورث حكمة تكرر نفسها.

    أي دستور نريد؟!
    نحن السودانيين، شعب محب للدين، ولهذا يسهل تضليلنا باسمه، وسوقنا ضد مصلحتنا، تحت رايات شعاراته.. ولقد عانينا الأمرين من الحكومات التي إستغلت هذا الأمر، وزعمت أنها تحكم فينا الإسلام، وبعد التجربة، عرف الناس حتى البسطاء منهم أن تلك الحكومات لم تكن تمثل الإسلام، الذي رفعت شعاراته، ثم أظهر واقع فسادهم، وثراءهم، وتجويعهم للآخرين، أنهم ابعد الناس عن دين الله، ولكن الإشكالية تظل قائمة ما لم نعرف أصل الداء.. فحين زعم نميري أن قوانين سبتمبر 1983 هي الشريعة، أيدته الحركة الإسلامية السودانية التي كانت تسمي نفسها الجبهة الإسلامية القومية، وأخرجت لهذا لغرض ما أسموه "المسيرة المليونية"، ثم إختلفت الجبهة بسبب مطامعها مع نميري في أخريات أيامه، وقالت أنه لم يطبق الشريعة على وجهها الصحيح!! وأشار زعيمها الى جهل النميري بالدين، فقام بإعتقالهم، واصبحوا بين عشية وضحاها من ضمن المعارضة.. حتى جاءوا مرة أخرى، على جناح إنقلاب جديد في يونيو 1989، وأعلنوا تطبيق الشريعة مرة أخرى، وبشرونا بالمشروع الحضاري، الذي سيجعلنا نقضي على الكفار في الجنوب، وفي جبال النوبة، ويحقق لنا الرخاء فنأكل مما نزرع، ونلبس مما نصنع!! ويجعلنا قوة ضاربة، يمكن ان تهزم أمريكا وروسيا، ألم يكونوا يهتفون (أمريكا روسيا قد دنا عذابها علي إن لاقيتها ضرابها)؟! ثم فشل المشروع الحضاري، وكان أكبر آيات فشله تقسيم البلاد، بل وتقسيم الحركة الإسلامية نفسها، فخرج علينا زعيمها مرة أخرى، يخبرنا بأن ما يطبقه تلاميذه لا علاقة له بشرع الله!! بل يخبرنا انهم أفسد وأسوأ الأنظمة التي حكمت هذا البلد!! وكأنه يقول ضمنياً، لو أعطي الفرصة مرة أخرى، لحكمنا بالشريعة بصورة صحيحة، بناء على وعود جديدة، يمكن ان يحققها مشروع ديني جديد!! ولعل هنالك مجموعات أخرى من الوهابية، أو حزب التحرير، أو التكفير والهجرة أو غيرهم، تعترض على النظام الحاضر، وتقول إنما يطبقه لا يمثل الشريعة.. وإنهم لو اعطوا الفرصة سيطبقون الشريعة، وسيكون الوضع أفضل!! ولا يستبعد أن يكون بعضهم يفكرون في إنقلاب عسكري جديد يعينهم على الدولة الدينية الجديدة!! بل إن من متعصبي المؤتمر الوطني نفسه، من يرى إن ما قاموا بتطبيقه حتى الآن لا يمثل الشريعة، وأن قروض التنمية ربوية، وإنهم لو وجدوا الفرصة لأبعدوا شريعتهم (المدغمسة)، وجاءوا بأخرى تقوم على الحرب والقتل، في كل أنحاء السودان، كما تنعق "الإنتباهة" يومياً!!
    إننا لا نحتاج الآن الى دستور دائم، لأننا كشعب لم تتوحد رؤيتنا، أو تقرب من التوحد، بحيث نقيم قوانينا على رؤية متكاملة للدستور.. ولكننا نحتاج الى دستور مرحلي، أو قل مؤقت، يحقق لنا الآن، ما نحتاجه من سلام وتوافق، يساوي بيننا في السلطة والثروة، فيوقف أسباب الحروب، ثم يبسط الديمقراطية كآلية للحوار الفكري الجاد، الذي يجيء في نهاية المطاف برؤية كاملة، تنتظم معظم الشعب، يتم من خلالها وضع الدستور الدائم للبلاد. أما الملامح العامة للدستور المرحلي، فهي الى حد كبير تتفق مع ما ذكره الاستاذ جلال السيد المحامي، في خطابه الذي أشرنا إليه أعلاه، من ضرورة قيام الدستور على الديمقراطية التعددية، وسيادة حكم القانون، واستقلال القضاء، واعتماده على مرجعية القوانين، والمعاهدات، والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مع وضع آليات، تضمن عدم تناقض أي قانون يشرع مع الدستور، حتى لا تسلب القوانين بالشمال ما أعطاه الدستور باليمين. تحت ظل هذا الدستور، تكون الحكومة مدنية ديمقراطية، تشبه الحكومات التي حكمت السودان منذ الإستقلال، بخلاف الحكومات العسكرية، مع بعض التغييرات التي يقتضيها الواقع الجديد، الحافل بالتحديات العديدة.
    أما الدستور الدائم لهذه البلاد، والذي قلنا إنه يحتاج الى ان تسبقه توعية كبيرة، وحوار فكري مكثف، فسنعرض لملامحه أيضاً في هذه المقالات.. ولكن قبل ذلك، يجب ان نناقش بعض المفاهيم الأساسية، التي نرى أنها تهم كل الناس، المنشغلين بالدستور، وغيرهم.. وإذا كنا نتوقع أن الخطر الذي يهدد البلاد، الآن، هو دستور متخلف يلتحف قداسة الإسلام، ويكرر التجارب الفاشلة التي جرت من قبل، فأدت الى ما نحن فيه من تمزق، وفرقة، واحتراب، فإن هذه المقالات ستواجه ما تنطوي عليه خدعة الدستور الإسلامي، من مفارقة للإسلام، وللقوانين الدولية.. وحتى تتضح الصورة، لا بد لنا أن نجيب على هذه الأسئلة الجوهرية: ما هو الدستور؟! ما هي الشريعة؟! هل يمكن أن يكون في الشريعة الإسلامية دستور؟! من أين يجب أن نستمد الدستور؟!
    د. عمر القراي
                  

07-24-2011, 03:29 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: الدستور؟! (Re: Omer Abdalla)

    الدستور؟! (2)
    ما هو الدستور؟!
    الدستور هو آمال، وتطلعات، وأحلام، كافة أفراد الشعب، معبر عنها بصياغة قانونية.. وهو المبادئ العامة، التي ترسم صورة العلاقة بين المواطن والدولة، وبين مؤسسات الحكومة المختلفة مع بعضها البعض، حين تحدد القوانين، المتنزلة عن الدستور، على هدى قيمه، اسس المعاملة بين المواطن والمواطن. والدستور هو القانون الأساسي، الذي يوفر لكل مواطن الحق الأساسي، وهو حق الحياة وحق الحرية.. والقوانين الدستورية، هي التي تفصل تشاريعها، في تمديد ما يتفرع من هذه الحقوق، دون معارضتها، أو التناقض معها. وكل قانون يصادر حياة المواطن، أو حريته، قانون غير دستوري. وكل دستور لا ينص على رعاية حق الحياة، وحق الحرية، ليس بدستور!!
    ولقد قامت كليات القانون، في بلداننا عموماً، على خطأ شائع، اسس له كبار القانونيين، من أمثال د. السنهوري العالم المصري الشهير، حيث تحدث في كتبه، عن أنواع الدساتير، وذكر منها: الدستور الملكي، والدستور الدكتاتوري، والدستور الثيوقراطي!! وليست هذه دساتير، لأنها لا توفر الحقوق الأساسية، وإنما هي نظم حكم جائرة، لا علاقة لها بالدستور.. فالدستور إذن لازمة من لوازم الحكم الديمقراطي، فلا يقوم إلا في نظام ديمقراطي، تعتمد فلسفته على حرية المواطنين، والمساواة بينهم أمام القانون، رغم إختلافهم في العرق، واللون، والدين، ووالوضع الإجتماعي، والجنس من رجل وامرأة. وإذا كانت المساواة التامة في الحقوق والواجبات، بين جميع المواطنين، من أبرز سمات الدستور، فإن عناية خاصة تنصرف في الدستور، للمساوة التامة بين الرجال والنساء، وذلك من ناحية، لطول ما عانت المرأة عبر التاريخ من الظلم والإضطهاد، في سائر الاعراف، ومختلف المجتمعات، ومن ناحية اخرى، للدور الاساسي الذي تقوم به المرأة في المجتمع الحديث.
    والدستور لا تضعه جماعة، ولا تصنعه جمعية تأسيسية أو برلمان، وإنما قصاراها أن تقره، وتؤكد عليه.. وإنما تضع تلك المؤسسات التشاريع، المتنزلة عن الدستور، وذلك لأن حق الحياة، وحق الحرية، حقان طبيعيان، لا تسطيع الجماعة ان تمنحهما، ولا يجوز لها ان تسلبهما.. والدستور، لا يوضع ليحقق مصلحة الأغلبية، أو يعبر عن مصالحها.. وإنما يجب ان يضمن مصالح، وحقوق الأغلبية والأقلية معاً، فلا يستثني أحداً.. لهذا فإن العبارة الشائعة (أن غالبية الشعب مسلم ولهذا يجب ان نحكم بدستور إسلامي) عبارة سطحية، وممعنة في الخطأ. فالدستور لا يقوم على الأغلبية، ولكن السلطة تقوم عليها، لذلك عرفت الديمقراطية، بأنها حكم الأغلبية مع مراعاة حقوق الأقلية، وفي مقدمتها حق الحياة، وحق الحرية، وهذا ما يقوم عليه الدستور.. فكأن الأغلبية في ظل النظام الديمقراطي، تباشر السلطة، وتحقق من خلالها اهدافها، ومصالحها، ولكنها لا تملك أن تقيم الدستور على معتقداتها، أو مصالحها، لو كانت هذه المعتقدات، أو المصالح، تحرم الاقلية من حياتها، أو حريتها، وما يتفرع منهما من حقوق.
    إن من المسائل الواقعية، التي يمكن ان توضح هذا الأمر في تاريخنا السياسي، معركة حل الحزب الشيوعي السوداني، وطرد نوابه المنتخبين، من الجمعية التأسيسية، في ظل نظام ديمقراطي، في عام 1965م. فعلى إثر حديث طالب يدعى شوقي في معهد المعلمين العالي، معرضاً بالبيت النبوي الكريم، قادت جبهة الميثاق الإسلامي، حملة من داخل المساجد، نادت بحل الحزب الشيوعي، بدعوى ان ذلك الشاب شيوعي. ورغم أن الحزب نفى ان يكون الشاب شيوعياً، إلا ان الحملة استمرت، واصبحت موجة عارمة، لم يستطع المثقفون الوقوف في وجهها.. فحين ناقشت الجمعية هذا الأمر، لم يعترض أحد على هذا العمل المشين، بل ان رجلاً مثل محمد أحمد محجوب، كاتب كتاب "الديمقراطية في الميزان" الشهير، تحدث عن ضرورة حل الحزب الشيوعي لحماية المجتمع. ورجل مثل بروفسير محمد ابراهيم خليل، ذكر ان كون الشاب شيوعي او غير شيوعي لا يهم، ويجب ان نتخذ الحادث مناسبة، ونطهر مجتمعنا من الشيوعية أو عبارات في هذا المعنى. وحين خرجت المظاهرات، التي حركها الأخوان المسلمون، وطافت بمدينة أمدرمان، مرت بقرب منزل الزعيم الأزهري، فخطب فيهم الأزهري، رئيس مجلس السيادة آنذاك، من أعلى منزله، قائلاً أنه سينزل الشارع، ويقود المظاهرات، إذا لم يتم طرد الشيوعيين من الجمعية التأسيسية. ولقد أجازت الجمعية التأسيسية بالإجماع قراراً بتعديل المادة 5 (2) من الدستور، التي كانت تقرأ (لجميع الأشخاص الحق في حرية التعبير عن آرائهم والحق في تأليف الجمعيات والإتحادات في حدود القانون) بما يستثني الشيوعيين، باعتبارهم من الأفكار الضالة، ويجيز مصادرة حقهم في التعبير عن فكرهم، وتم بناء على ذلك، طردهم من الجمعية التأسيسة والأمر بإغلاق دورهم ومصادرة صحفهم. ولقد رفع الحزب الشيوعي شكوى تقوم على عدم دستورية حله، وطرد نوابه الذين انتخبهم الشعب. وحكمت المحكمة العليا ببطلان تعديل الدستور، وحل الحزب الشيوعي.. وذكر السيد بابكر عوض الله، رئيس القضاء آنذاك، في كلمة ضافية، أن ما تم في الجمعية التاسيسية، مؤامرة ضد الديمقراطية، وان الغالبية العظمى، إذا أجمعت على مصادرة حقوق أي مجموعة فإن إجماعها باطل وغير دستوري، في ظل النظام الديمقراطي، وأن جوهر الدستور، وهو الحرية، لا يمكن تعديله أو إلغاؤه. ومع ذلك تمت مؤامرة حل الحزب الشيوعي إذ لم تلتزم الحكومة بقرار المحكمة العليا بل ان السيد الصادق المهدي الذي كان رئيساً للوزراء آنذاك قال (إن الحكومة غير ملزمة بأن تأخذ بالحكم القضائي الخاص بالقضية الدستورية). ونتيجة لعدم إلتزام السلطة التنفيذية بقرار المحكمة العليا، إستقال السيد بابكر عوض الله رئيس القضاء، ومما جاء في استقالته قوله (إنني لم اشهد في حياتي القضائية اتجاهاً نحو التحقير من شأن القضاء، والنيل من استقلاله كما أرى اليوم... إنني أعلم بكل اسف تلك الاتجاهات الخطيرة عند قادة الحكم اليوم، لا للحد من سلطات القضاء في الدستور فحسب بل لوضعه تحت إشراف السلطة التنفيذية).
    قام الأستاذ محمود محمد طه، والحزب الجمهوري، بمقاومة حل الحزب الشيوعي، واقام أسبوعاً من المحاضرات بدار الحزب الجمهوري بأمدرمان، تحت عنوان "أسبوع مناهضة حل الحزب الشيوعي السوداني".. ولقد كان الأستاذ، في تلك المحاضرات، يقدم مقدمة قصيرة، ثم يفتح الفرصة للحوار الواسع. ولقد كان الحديث، يدور حول محورين اساسيين: أولهما ان الشيوعية فكرة، وأن الأفكار لا تحارب بمنعها، والتضييق عليها، وإنما تحارب بمواجهتها بالفكر المستنير.. والمنع، انما يكسب الافكار بريقاً، ويغري بها، ويدلل على ان مانعييها اضعف منها.. وثانيهما أن حادثة حل الحزب الشيوعي مؤامرة سياسية، للتخلص من الخصوم، عدّل فيها الدستور، بما يلغي حقيقة وجوده، لأن مادة حرية الرأي هي روح الدستور، وتعديلها يقوض الدستور من أساسه، ويحول الحكم الديمقراطي الى دكتاتورية مدنية، تصادر فيها الحريات.. وأن الأحزاب الطائفية قامت بهذه المؤامرة، لعجزها عن مواجهة الشيوعية فكرياً، وهي بهذا العجز، وبسعيها لتقويض الديمقراطية، واستغلالها الكثرة العددية، لمصادرة حقوق الآخرين، تمثل الخطر الماثل الأضر على الشعب من الشيوعية.
    وبجانب الإثارة، والتضليل، والشغب، إتجهت الحركة الإسلامية، الى نشر دعم فكري، وقانوني لحل الحزب الشيوعي، تمثل في كتيب أصدره د. حسن الترابي، بعنوان"أضواء على المشكلة الدستورية"، قام الأستاذ محمود بالرد عليه، بكتيب صغير بعنوان "زعيم جبهة الميثاق الإسلامي في ميزان: 1- الثقافة الغربية 2- الإسلام".. ولعل أهم ما ورد في ذلك الكتاب، مما يحتاجه الناس اليوم، وهم يناقشون أمر الدستور، هو خطأ فهم د. الترابي لمسألة جوهرية في أمر الدستور، فقد كان يظن ان الجمعية التأسيسية من حقها تغيير الدستور، بما في ذلك فصل الحقوق الاساسية، وأن فصول الدستور كلها متساوية في قيمتها، ولا يصح التفضيل بينها، ولو صح التفضيل فإن فصل الحريات من أضعفها، لأنه يخضع للتشريع!! جاء عن هذا الامر (ومفتاح عقلية الترابي ومفتاح ثقافته، في هذا الباب، يمكن ان يلتمس في فقرات كثيرات من كتابه هذا الغريب، ولكننا نرشح هنا لهذا الغرض قوله في صفحة 16 "وليس في متن الدستور ولا في مبادئ التفسير بالطبع ما يعول عليه للتفريق بين نص ونص على أساس ان هذا قابل للتعديل، والآخر غير قابل، ولا ما يسند الزعم بأن لفصل الحقوق الأساسية خاصية تميزه في هذا الصدد عن سائر الفصول، فكلها تستوي في قوة مفعولها، وايما قانوني تعلل بمجرد الاهمية النسبية لهذا الفصل أو ذاك في تقديره الشخصي، فإنما هو متكلف لا شاهد له من الدستور، ومغالط لا حجة له من القانون، ومتعبط يتجنى على القانون. ولو صحت المفاضلة بين فصول الدستور لكان فصل الحريات من أضعفها لأنه يخضع للتشريع" هذا ما قاله الدكتور الترابي في ذلك الموضع من كتابه، والتماس فتون الدكتور بثقافته الغربية في هذه الفقرة لا يعيي أحداً من القراء، ولذلك فإنا سنمضي في تبين ضحالة الثقافة وسطحية التفكير).... (والدستور الذي هو لازمة من لوازم الحكم الديمقراطي: هو القانون الأساسي، وهو إنما سمي قانونا أساسيا لأنه ينصص على هذه الحقوق الأساسية، وإنما سميت الهيئة التي تضع الدستور جمعية تأسيسية لأنها تضع القانون الأساسي، وواضح أن الحقوق الأساسية إنما سميت حقوقا أساسية لأنها تولد مع الإنسان.. الحياة والحرية، هي حقوق لأنها لا تمنح ولا تسلب في شرعة العدل.. وهي أساسية لأنها كالغذاء وكالهواء والماء..
    ويمكن إذن أن يقال أن الدستور هو ((حق حرية الرأي))، وأن كل مواد الدستور الأخرى، بل وكل مواد القانون، موجودة في هذه العبارة الموجزة كما توجد الشجرة في البذرة.. فإن النخلة، بكل عروقها، وفروعها، وساقها، موجودة في ((الحصاية)) تراها عين العقل فإذا وجدت ((الحصاية)) الظرف المناسب: من التربة والماء، خرجت منها النخلة بكل مقوماتها، وأصبحت ماثلة تراها عين الرأس أيضاً بعد أن كانت معدومة في حقها.. وكذلك الدستور هو موجود بالجرثومة في الحق الأساسي - ((حق حرية الرأي))، وما الجمعية التأسيسية إلا الظرف المناسب الذي يجعل شجرة الدستور، بفروعها، وعروقها، وساقها تنطلق من تلك البذرة الصغيرة، كما انطلقت النخلة من ((الحصاية)).
    هذا فهم للديمقراطية وللدستور وللحقوق الأساسية يفهمه كل مثقف استطاع أن ينفذ من قشور الثقافة الغربية إلى اللباب، ولكن الدكتور الترابي وقف مع القشور حين ظن أن ((ليس في متن الدستور ولا في مبادئ التفسير بالطبع ما يعول عليه في التفريق بين نص ونص على أساس إن هذا قابل للتعديل والآخر غير قابل))
    ولو كان الدكتور الترابي قد نفذ إلى لباب الثقافة الغربية لعلم أن المادة 5 (2) من دستور السودان المؤقت غير قابلة للتعديل. وهذه المادة تقول ((لجميع الأشخاص الحق في حرية التعبير عن آرائهم والحق في تأليف الجمعيات والاتحادات في حدود القانون)) وهي غير قابلة للتعديل لأنها هي جرثومة الدستور، التي إنما يكون عليها التفريع.. وهي الدستور، فإذا عدلت تعديلا يمكن من قيام تشريعات تصادر حرية التعبير عن الرأي فإن الدستور قد تقوض تقوضا تاما.. ولا يستقيم بعد ذلك الحديث عن الحكم الديمقراطي إلا على أساس الديمقراطية المزيفة.. وهي ما يبدو أن الدكتور الترابي قد تورط في تضليلها.
    المادة 5 (2) هي دستور السودان المؤقت، وهي دستور السودان المستديم، وهي دستور كل حكم ديمقراطي، حيث وجد هذا الحكم الديمقراطي، وعمل الجمعية التأسيسية في وضع الدستور إنما هو تفريع عليها، ليجعل تحقيقها اكمل وأتم. وهناك قولة قالها الدكتور الترابي هي إحدى الكبر في شرعة العقل المفكر، والثقافة الصحيحة، وتلك هي قوله ((ولو صحت المفاضلة القانونية بين فصول الدستور لكان فصل الحريات من أضعفها لأنه يخضع للتشريع)) فعبارة ((لأنه يخضع للتشريع)) تدل دلالة قوية على أن الدكتور يجهل أموراً ما ينبغي أن تجهل في أمر الحرية، وفي أمر التشريع.. وأول هذه الأمور أن الحرية لا تضار بالتشريع، وإنما تزدهر بالتشريع، اللهم إلا إن كان هذا التشريع يقوم على نزوات الحكم المطلق، الذي يسمي نفسه ديمقراطية، زوراً وبهتاناً.. وهذا ما يبدو أن الدكتور يعنيه.. وهذه إحدى مشاكل تفكير الدكتور.. وعبارة ((في حدود القانون)) التي وردت في عجز المادة 5 (2) هي روح المادة.. لأن القانون هو الذي يعطي الحرية معناها، ويميزها عن الفوضى.. فالتشريع صديق الحرية وليس عدوها، وكل تشريع غير ذلك لا يسمى تشريعا، إلا من قبيل تضليل الناس.. فالتشريع في النظام الديمقراطي طرف من الدستور وهذا هو المعنى بدستورية القوانين.. فكل تشريع يعارض الحرية ليس تشريعا دستوريا.).
    لقد وضح من هذه السابقة القانونية والسياسية، أن أغلبية النواب، لا يمكنها أن تغير جوهر الدستور، وهي مادة حرية الرأي، بما يصادر ذلك الحق، من أي فرد أو جماعة في المجتمع. وإن إجماع النواب، وإن كان الآلية المناسبة لتعديل مواد الدستور، وإجازة القوانين، فإنه غير مناسب إذا كان التعديل موضوع الجدل، يصادر حق الحياة أو حق الحرية، وهو ما يقوم عليه الدستور.
    فإذا وضح أن الدستور كما وصفنا أعلاه، فهل يمكن، أو يصح، أن يستمد الدستور الذي ننشده من الشريعة الإسلامية؟! قبل الإجابة على هذا السؤال لا بد لنا من النظر الى الشريعة ماهي؟! وكيف طبقت؟! وما نوع النظام الذي حكمت فيه؟!
    د. عمر القراي
                  

09-03-2011, 02:04 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: الدستور؟! (Re: Omer Abdalla)

    الدستور؟! (3)

    ماهي الشريعة؟!
    جاء عن معنى كلمة شريعة (شرع يشرع شرعاً وشروعاً: تناول الماء بفيه. وشرعت الدواب في الماء أي دخلت. والشريعة والشراع والمشرعة المواضع التي ينحدر الى الماء منها... والشريعة في كلام العرب مشرع الماء وهو مورد الشاربة). فالشريعة لغة، تعني المدخل أما من حيث المصطلح، فهي تعني الأحكام المتعلقة بالعبادات، والمعاملات، والعقوبات، التي بممارستها يدخل الإنسان الى الدين.. فهي إذن قاعدته، والمدخل إليه.. والعبادات والحدود، أقرب الى روح الدين، التي يمثلها التوحيد، وهي، من ثم، موظفة لتهذيب نفس الفرد.. والنفس البشرية قديمة، وسابقة لنشأة المجتمعات، ومأثرة فيها، ولم يكد يجري تغير في جوهرها.. ومن هنا، كانت العبادات- ما عدا الزكاة ذات المقادير – والحدود، ثابتة في مبناها، لا تتغير، وإن تم تطور الافراد في مضمار العبادات بفهم مراميها، أو المجتمعات في مضمار الحدود، بدرئها بتطور العلم واتساع دائرة الشبهات.. أما تشاريع المعاملات، فإنها متغيرة، متطورة، لانها تعتمد على النظم التي تقوم على العقل البشري، وهو في حركة دائبة، بفضل الله، ثم بفضل العلم المادي التجريبي.. ولما كانت شرائع الأديان، قد جاءت لتنظيم المجتمعات، فإنها قد تأثرت بمستوى حاجة، وطاقة تلك المجتمعات، وإختلفت باختلافها، الذي جرى في الزمن.. قال تبارك وتعالى (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ). هذا بينما ظل التوحيد باق على مر الزمن لا يختلف، وإن تفاوت الناس في فهم أبعاده، وتحقيقه.. وإلى ذلك إشارة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (خير ما جئت به أنا والنبيون من قبلي لا اله إلا الله).
    ولقد تنزلت شرائع الاديان، الى الأفراد والمجتمعات، من كلمة التوحيد، وجعلت موظفة لتحقيق هذه الكلمة في سلوك الأفراد، وفي تنظيم المجتمع.. وفي هذا المضمار، فإن العبادات وقيم الأخلاق أقرب الى كلمة التوحيد، من قوانين المعاملات في المجتمع، على نحو ما ذكرنا أعلاه.. وعندنا في الإسلام، نجد ان بعض تشاريع المعاملات أقرب للتوحيد من غيرها.. ولهذا أعتبرت أصول. ومن هذه الأصول تنزلت تشاريع أخرى، كانت أبعد من التوحيد، فاعتبرت فروع. والميزان لذلك هو الحرية.. لأن المعنى الحقيقي لكلمة "لا اله الا الله"، هو: لا فاعل لكبير الأشياء ولا صغيرها إلا الله.. فإذا استقر هذا المعنى في القلوب، تحرر صاحبه من الخوف والطمع، فأصبح بذلك حراً.. ولا تتأتى الحرية للأفراد، عموما، إلا بقيام نظم المجتمعات على تشاريع توقف الظلم، وتحقق العدل، بالقضاء على أسباب الصراع حول الثروة، والسلطة، بتوفير المساواة الإقتصادية، والمساواة السياسية.. فالتشاريع التي حوت الحرية هي الأصول، لأن غاية كلمة التوحيد هي تحرير الإنسان من رق الأشياء، وإخلاص عبوديته لله.. والتشاريع التي لم تحو الحرية، بل صادرتها عن طريق الوصاية، هي الفروع. وإنما اعتبرت فروع متنزلة عن الأصل، لأنها حكيمة في وقتها، وبها تدرجت المجتمعات نحو الأصول.. ولقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة في مكة، يدعو الى التوحيد، وماتنزل عنه من أصول من عبادات، ومكارم أخلاق، دون أن يفرض وصاية على القرشيين، الذين كانوا يعبدون الصنم، ويقطعون الرحم، ويئدون البنات. بل كان يدعوهم الى الإسلام بالتي هي احسن، ويعطيهم الحق في قبول الدين أو الكفر به، هاديه في ذلك قوله تعالى (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) وقوله (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) وقوله (إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) وقوله (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) وقوله (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ) والكثير مما ورد في القرآن المكي، وطبقه النبي الكريم بالاصرار على الدعوة وتوصيلها للناس- وفيها خير معاشهم ومعادهم- دون أذى، بل كان يتحمل أذاهم، دون ان يدافع عن نفسه، أو عن اصحابه، الذين يمر بهم وهم يعذبون، فيقول: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة)!! هذه المرحلة، التي بدأت بالبعثة، واستمرت على مدى ثلاثة عشر عاماً، أرست جوهر الإسلام، الذي يقوم على المسئولية، والحرية، والمساواة بين جميع البشر.. في تلك المرحلة، قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).. وفيها كانت الدعوة بالحسنى، إتباعاً للامر الإلهي (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ). ورغم ان الدولة لم تقم في تلك المرحلة المكية، فإن القرآن قد حوى تعاليم عامة، يمكن ان تعتبر دستوراً، وتستمد منها تشاريع الديمقراطية والإشتراكية والمساواة الإجتماعية، والحرية، والسلام، وقبول الإختلاف، والتعدد في الوطن الواحد.. ولكن علماء المسلمين السابقين واللاحقين، لم يعتبروا المرحلة المكية مرحلة تشريع، وإنما اعتبروها مرحلة ترسيخ الإيمان، والأخلاق الرفيعة.. ولعل السبب في ذلك، هو ان المسلمين كانوا قلة مستضعفين، ولم تقم لهم دولة، ومن ناحية أخرى، كان سائر القرآن المكي، يوجه بصور عامة لا تحوي التفصيل الذي يقتضيه التشريع.. وفات على سائرهم، ان القرآن المكي، حوى ثلثي القرآن، وان التركيز عليه، كان بسبب انه الأصل، وأن فيه جوهر الدين، وأصل التشريع. ومن ابرز علامات القرآن المكي، ان الخطاب وقع فيه بلفظ "يا أيها الناس" أو "يا بني آدم" ما عدا سورة البقرة والنساء.. في حين يقع الخطاب بلفظ "يا أيها الذين آمنوا" في عموم القرآن المدني، ما عدا سورة الحج.. ومن علاماته أيضاً انه لم يرد فيه خبر عن المنافقين، لأن الدعوة للدين قد كانت بالحسنى، ولم يعلن الجهاد بالسيف، حتى يدخل البعض الإسلام خوفاً، فيظهروا الإسلام ويبطنوا الكفر..

    نسخ الأصول وإحكام الفروع:
    على ان المستوى الرفيع الذي جاء به القرآن المكي لم يُقبل من كفار قريش بل انهم تآمروا على النبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه فدلوا بهذه الفعلة الشنعاء إنهم دون المستوى الذي قُدّم لهم، وأنهم لا يستحقون المعاملة الإنسانية الكريمة.. فأُمر النبي الكريم بالهجرة وبدأ التدرج في نسخ القرآن المكي العظيم والتمهيد لقتال غير المسلمين بالاستعدادا للمواجهة، ثم أذن له في القتال بعد تدرج وئيد، كان من وجوه الحكمة فيه إنضاج الرعيل الأول من الأصحاب.. فهم بعد أن جاهدوا أنفسهم بالصبر والإحسان في مقابلة الأذى، وتحمل الظلم والقهر، واتقنوا العبادة واللجأ إلى الله، امتحنوا بالهجرة عن أرضهم، وترك أهلهم وذويهم، وكل ما يملكون ورائهم، فرارا إلى الله بالتجرد له، وتفريغ البال مما سواه. وبعد أن نجحوا في الاستفادة من هذه التربية العظيمة في التوكل على الله، والصبر والتواضع، أصبحوا مأذونين في ترشيد غيرهم وحملهم على مصلحتهم بالقوة، ولهذا أعطوا حق الوصاية على الكافرين، وفرض عليهم جهادهم.
    و لعل أول ما ورد به الخطاب الإلهي في أمر الجهاد هو عدم موالاة الكافرين، من قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ).. ولم يقصد المشرع بهذه المعاملة، كل الذين كفروا، وإنما عنى بالتحديد، الذين قاموا بإخراج المؤمنين من ديارهم واضطروهم للهجرة.. و لذلك يقول من نفس السورة (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).. ويجدر بالملاحظة إن هذه الآيات، لم تأمر بقتال الكافرين، رغم إخراجهم للمؤمنين وذلك لأن الإذن بالقتال لم يجيء إلا بعد ذلك في قوله تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
    و لقد استمر التمهيد لقتال المشركين، حتى نزلت الآية المشهورة عند المفسرين بآية السيف، من سورة براءة، وهي قوله تبارك تعالى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). لقد حددت هذه الآية الكريمة، زمان قتال المشركين بمجرد انقضاء الأشهر الحرم، وحددت مكان القتال بأنه حيث وجد المشركون، وحددت إيقاف القتال معهم، بأن يتوبوا ويقيموا هذه الشعائر!! ولقد نسخت هذه الآية، حسب رأي معظم المفسرين، آيات الاسماح والحسنى والصبر على الكافرين.. وعلى هذه الآية جاء حديث النبي صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإن فعلوا عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وأمرهم إلى الله) أما في حق أهل الكتاب، فقد جاء في سورة التوبة قوله تعالى (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ).. وبناء على هذا التوجيه الواضح، كانت تتوجه رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الفرس والروم (أسلموا تسلموا يكن لكم ما لنا وعليكم ما علينا فإن أبيتم فأدوا الجزية وإلا فاستعدوا للقتال)!! هذه هي خيارات الإسلام، في مستوى فروعه، لأهل الكتاب: إما الإسلام أوالجزية أو القتال..أما بالنسبة للمشركين، فهما خياران لا ثالث لهما: الإسلام أو القتال.. ويجدر بالقول أن الجزية ليست ضريبة دفاع، يدفعها أهل الذمة من يهود ونصارى للمسلمين، لأنهم يقومون بحمايتهم، كما ذكر بعض الدعاة الإسلاميين. ولكنها إقرار بالخضوع لسلطان دولة المسلمين، وإشعار بالمهانة والمذلة، حتى يضطر الذمي إلى الدخول في الإسلام. ولذلك جاء في كتب التفسير في شرح قوله تعالى (وهم صاغرون): "أي ذليلون حقيرون مهانون ولذلك لا يجوز إعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين، بل هم أذلاء صغرة أشقياء كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه)" ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك الشروط المعروفة في إذلالهم وتصغيرهم وتحقيرهم، ذلك مما رواه الأئمة الحفاظ من رواية عبد الرحمن بن غنم الأشعري، قال: "كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى من أهل الشام (بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب لعبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين من نصارى كذا وكذا، أننا لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا على أنفسنا ألا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب منها ولا نحي منها ما كان خططا للمسلمين. وأن لا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد المسلمين ثلاثة أيام نطعمهم، ولا نأوي في كنائسنا جاسوسا ولا نكتم غشا للمسلمين، ولا نعلم أولادنا القرآن ولا نظهر شركا، ولا ندع إليه أحدا. ولا نمنع احداً من ذوي قرابتنا الدخول في الإسلام إن أراده. وأن نوقر المسلمين وأن نقوم لهم من مجالسنا، إن أرادوا الجلوس ولا نتشبه بهم في شيء من ملابسهم، في قلنسوة ولا عمامة ولا فرق شعر، ولا نتكلم بكلامهم ولا نتكنى بكناهم. ولا نركب السروج ولا نتقلد السيوف ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله معنا. ولا ننقش خواتيمنا بالعربية، ولا نبيع الخمور. وأن نجز مقاديم رؤوسنا، وأن نلزم زينا حيث كنا وأن نشد الزنانير على أوساطنا وألا نظهر الصليب في كنائسنا. وأن لا نظهر حلينا ولا كتبنا في شيء من طريق المسلمين، ولا أسواقهم ولا نضرب نواقيسنا في كنائسنا إلا ضربا خفيفا، وان لا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا، في شيء من حضرة المسلمين ولا نرسل شعانين ولا بعوثا ولا نرفع أصواتنا مع موتانا ولا نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم ولا نجاورهم بموتانا. ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهم من سهام المسلمين، وأن نرشد المسلمين ولا نطلع عليهم في منازلهم)" قال: "فلما أتيت عمر بالكتاب زاد فيه (ولا نضرب أحدا من المسلمين شرطنا لكم ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا، وقبلنا عليه الأمان، فإن نحن خالفنا في شيء مما شرطناه لكم ووظفنا أنفسنا فلا ذمة لنا وقد حل لكم منا ما يحل من أهل المعاندة والشقاق) .. هذه المعاهدة لا تحتاج إلى تعليق، ولقد أوردتها كاملة، كما جاءت في تفسير ابن كثير، حتى لا نخدع أنفسنا بأن الإسلام في مستوى فروعه، يمكن أن يحقق الكرامة لمواطن غير مسلم في الدولة الإسلامية. وهكذا قامت الدولة الإسلامية الأولى في المدينة، على الوصاية، فصادرت حق المشركين في الحياة بموجب آية السيف، وحق غيرالمسلمين في المساواة بموجب آية الجزية. كما فرضت وصاية الفرد على الجماعة بموجب الخلافة، وفرضت وصاية الرجال على النساء في داخل المجتمع المسلم، بموجب القوامة.. ولم يكن من الممكن ان يتم ذلك، لو لا أن الآيات المدنية الفرعية -والأقل درجة- قد نسخت الآيات المكية -الأرفع درجة- بسبب عجز مجتمع القرن السابع الميلادي، عن ان يطيق الأصول.
    د. عمر القراي
                  

09-03-2011, 07:16 AM

بدر الدين احمد موسى
<aبدر الدين احمد موسى
تاريخ التسجيل: 10-03-2010
مجموع المشاركات: 4858

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: الدستور؟! (Re: Omer Abdalla)

    الاخ عمر عبدالله

    شكرا على المقال و ادناه نقاط اريد تاكيدها توطئة لنقاش ما جاء في المقال

    Quote: أي دستور نريد؟!
    نحن السودانيين، شعب محب للدين، ولهذا يسهل تضليلنا باسمه، وسوقنا ضد مصلحتنا، تحت رايات شعاراته.. ولقد عانينا الأمرين من الحكومات التي إستغلت هذا الأمر، وزعمت أنها تحكم فينا الإسلام، وبعد التجربة، عرف الناس حتى البسطاء منهم أن تلك الحكومات لم تكن تمثل الإسلام، الذي رفعت شعاراته، ثم أظهر واقع فسادهم، وثراءهم، وتجويعهم للآخرين، أنهم ابعد الناس عن دين الله، ولكن الإشكالية تظل قائمة ما لم نعرف أصل الداء.. فحين زعم نميري أن قوانين سبتمبر 1983 هي الشريعة، أيدته الحركة الإسلامية السودانية التي كانت تسمي نفسها الجبهة الإسلامية القومية، وأخرجت لهذا لغرض ما أسموه "المسيرة المليونية"، ثم إختلفت الجبهة بسبب مطامعها مع نميري في أخريات أيامه، وقالت أنه لم يطبق الشريعة على وجهها الصحيح!! وأشار زعيمها الى جهل النميري بالدين، فقام بإعتقالهم، واصبحوا بين عشية وضحاها من ضمن المعارضة.. حتى جاءوا مرة أخرى، على جناح إنقلاب جديد في يونيو 1989، وأعلنوا تطبيق الشريعة مرة أخرى، وبشرونا بالمشروع الحضاري، الذي سيجعلنا نقضي على الكفار في الجنوب، وفي جبال النوبة، ويحقق لنا الرخاء فنأكل مما نزرع، ونلبس مما نصنع!! ويجعلنا قوة ضاربة، يمكن ان تهزم أمريكا وروسيا، ألم يكونوا يهتفون (أمريكا روسيا قد دنا عذابها علي إن لاقيتها ضرابها)؟! ثم فشل المشروع الحضاري، وكان أكبر آيات فشله تقسيم البلاد، بل وتقسيم الحركة الإسلامية نفسها، فخرج علينا زعيمها مرة أخرى، يخبرنا بأن ما يطبقه تلاميذه لا علاقة له بشرع الله!! بل يخبرنا انهم أفسد وأسوأ الأنظمة التي حكمت هذا البلد!! وكأنه يقول ضمنياً، لو أعطي الفرصة مرة أخرى، لحكمنا بالشريعة بصورة صحيحة، بناء على وعود جديدة، يمكن ان يحققها مشروع ديني جديد!! ولعل هنالك مجموعات أخرى من الوهابية، أو حزب التحرير، أو التكفير والهجرة أو غيرهم، تعترض على النظام الحاضر، وتقول إنما يطبقه لا يمثل الشريعة.. وإنهم لو اعطوا الفرصة سيطبقون الشريعة، وسيكون الوضع أفضل!! ولا يستبعد أن يكون بعضهم يفكرون في إنقلاب عسكري جديد يعينهم على الدولة الدينية الجديدة!! بل إن من متعصبي المؤتمر الوطني نفسه، من يرى إن ما قاموا بتطبيقه حتى الآن لا يمثل الشريعة، وأن قروض التنمية ربوية، وإنهم لو وجدوا الفرصة لأبعدوا شريعتهم (المدغمسة)، وجاءوا بأخرى تقوم على الحرب والقتل، في كل أنحاء السودان، كما تنعق "الإنتباهة" يومياً!!
    إننا لا نحتاج الآن الى دستور دائم، لأننا كشعب لم تتوحد رؤيتنا، أو تقرب من التوحد، بحيث نقيم قوانينا على رؤية متكاملة للدستور.. ولكننا نحتاج الى دستور مرحلي، أو قل مؤقت، يحقق لنا الآن، ما نحتاجه من سلام وتوافق، يساوي بيننا في السلطة والثروة، فيوقف أسباب الحروب، ثم يبسط الديمقراطية كآلية للحوار الفكري الجاد، الذي يجيء في نهاية المطاف برؤية كاملة، تنتظم معظم الشعب، يتم من خلالها وضع الدستور الدائم للبلاد. أما الملامح العامة للدستور المرحلي، فهي الى حد كبير تتفق مع ما ذكره الاستاذ جلال السيد المحامي، في خطابه الذي أشرنا إليه أعلاه، من ضرورة قيام الدستور على الديمقراطية التعددية، وسيادة حكم القانون، واستقلال القضاء، واعتماده على مرجعية القوانين، والمعاهدات، والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مع وضع آليات، تضمن عدم تناقض أي قانون يشرع مع الدستور، حتى لا تسلب القوانين بالشمال ما أعطاه الدستور باليمين. تحت ظل هذا الدستور، تكون الحكومة مدنية ديمقراطية، تشبه الحكومات التي حكمت السودان منذ الإستقلال، بخلاف الحكومات العسكرية، مع بعض التغييرات التي يقتضيها الواقع الجديد، الحافل بالتحديات العديدة.
    أما الدستور الدائم لهذه البلاد، والذي قلنا إنه يحتاج الى ان تسبقه توعية كبيرة، وحوار فكري مكثف، فسنعرض لملامحه أيضاً في هذه المقالات.. ولكن قبل ذلك، يجب ان نناقش بعض المفاهيم الأساسية، التي نرى أنها تهم كل الناس، المنشغلين بالدستور، وغيرهم.. وإذا كنا نتوقع أن الخطر الذي يهدد البلاد، الآن، هو دستور متخلف يلتحف قداسة الإسلام، ويكرر التجارب الفاشلة التي جرت من قبل، فأدت الى ما نحن فيه من تمزق، وفرقة، واحتراب، فإن هذه المقالات ستواجه ما تنطوي عليه خدعة الدستور الإسلامي، من مفارقة للإسلام، وللقوانين الدولية.. وحتى تتضح الصورة، لا بد لنا أن نجيب على هذه الأسئلة الجوهرية: ما هو الدستور؟! ما هي الشريعة؟! هل يمكن أن يكون في الشريعة الإسلامية دستور؟! من أين يجب أن نستمد الدستور؟!
    د. عمر القراي



    Quote: أما الملامح العامة للدستور المرحلي، فهي الى حد كبير تتفق مع ما ذكره الاستاذ جلال السيد المحامي، في خطابه الذي أشرنا إليه أعلاه، من ضرورة قيام الدستور على الديمقراطية التعددية، وسيادة حكم القانون، واستقلال القضاء، واعتماده على مرجعية القوانين، والمعاهدات، والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مع وضع آليات، تضمن عدم تناقض أي قانون يشرع مع الدستور، حتى لا تسلب القوانين بالشمال ما أعطاه الدستور باليمين. تحت ظل هذا الدستور، تكون الحكومة مدنية ديمقراطية، تشبه الحكومات التي حكمت السودان منذ الإستقلال، بخلاف الحكومات العسكرية، مع بعض التغييرات التي يقتضيها الواقع الجديد، الحافل بالتحديات العديدة



    تحت ظل هذا الدستور، تكون الحكومة مدنية ديمقراطية


    اعلاه ما كتب بروفيسور القراي!
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de