|
Re: المثقف والعصاب الأيديولوجي (Re: عزالدين صغيرون)
|
المثقف وعقدة العصاب الأيديولوجي القهري (10/10) (أسئلة واضحة .. وإجابات مفخخة) يلاحظ أي دارس أو باحث في تاريخ السودان السياسي الحديث و المعاصر ، بأن هناك ثلاث قوى اجتماعية ظلت تتداول فيه "الفعل السياسي" بصورة مباشرة : • فهناك قوى التغيير والتحديث المتمثلة في منظمات المجتمع المدني ، والمهمشين اجتماعيا في المدن . • والأحزاب السياسية المختلفة. • والمؤسسة العسكرية. إلا أن الدور الأكبر في الحركة الوطنية كان ، كما هو متوقع ، يقع على هذه الشريحة (الطبقة الوسطى) ، في إقامة التوازن ، في حال تبلورها و تمظهرها الحزبي السياسي ، وفي التحريض ، وقيادة الانتفاضات والثورات ، في حال توزعها بين مختلف المنظمات المدنية . وفي كل الأحوال كان التعويل عليها هو حجر الزاوية كقوة محركة عظمى . وليس هنا ، فيما نظن، مقام دراسة وتشريح طبيعة هذه الطبقة وبنيتها . وما لم ينتبه إليه الأفندي ، أو قل – وللمرة الثالثة – ما (فاته) ، هو دراسة ، أو إمعان النظر ، في التجربة الثالثة للسيناريو الذي أشرنا إليه قبل قليل ، ونعني بها تجربة "الإنقاذ" ، التي ينتمي أيديولوجيا إليها. فبفعل التراكم المعرفي من التجارب السابقة تفرد "انقلاب" الإنقاذ الاسلاموي بمزايا اكتسبها من التجارب الانقلابية السابقة ، فقام بعملية إفراغ وتدمير منهجي في البنيات الثلاث المشار إليها سابقا ، وهي الخدمة المدنية والنقابات والاتحادات والإعلام ، فقام بأكبر عملية إفراغ وتبديل أحل فيها عناصره الاسلاموية الموالية ، ثم قام بنفس العملية في المؤسسة العسكرية ، بل واستحدث أجهزة أمنية ومليشيات مسلحة حزبية اسلاموية خاصة بالتنظيم "لصقها" لصقا بمؤسسات الدولة لتكتسب مشروعية دستورية بذلك ، أما الأحزاب التي لم تكن لتشكل هاجسا له ، فانه لم يدعها لشأنها ، وإنما قام باختراقها واصطياد عناصرها الرخوة ليكسبها إلى جانبه ، محدثا فيها انشقاقات كبيرة ، ويكفي أنه استطاع اختراق ، حتى حزب الأمة ، ليجند أبناء زعيم الحزب في أجهزته الأمنية . والآن ما هي النتيجة النهائية لهذا، على مستوى ما نناقشه في شأن تأجيل الثورة السودانية؟. النتيجة كانت هي : تمزق نسيج الطبقة الوسطى ، وهذا كما (فات) الأفندي الالتفات إليه ، وهو ما لم يحدث في الطبقات الوسطى في كل من مصر وتونس وفي غيرهما . فما حدث في تلك الدول كان في أسوأ الأحوال هو أن النظام استطاع أن يوجه لهذه الطبقة ضربات سياسية واقتصادية ، زحزحتها إلى الهامش ، ولكنها لم تخترقها من الداخل مثلما حدث في سودان الإنقاذ . ما حدث في تلك الدول إن النظام ، وعبر سياسات اقتصادية محددة استطاع أن يضعف نسيج هذه الطبقة ، وأن يضعف هياكلها المدنية (النقابات والأحزاب والاتحادات) ، ولكنها ظلت هناك حية وموجودة تمارس فعلها ، وتغلغل التيار الاسلاموي المصري بل وسيطرته على نقابات المحامين والأطباء ، بل وقدرته على العمل من خلال الجمعيات الخيرية خير مثال على هامش الفعل والمناورة الذي كان متاحا أمام القوى الاجتماعية المعارضة في مصر ، وهذا ما لم يتح لمثيلاتها في السودان . في الثورات السودانية السابقة كان بإمكان القوى الحديثة أن تلعب دورها في التغيير السياسي ،إلا أنها لم تسطع أن تطرح بديلها الديمقراطي التحديثي لأن الأحزاب كانت تستولي على ثمار التغيير ونظامها الانتخابي الديمقراطي الزائف ، ولا يستطيع إلا مكابر أن ينكر بأن ذلك الشكل من الديمقراطي وفي ظل مجتمعات تقليدية تتحكم في تحديد خياراتها السياسية الميول والانتماءات القبلية والطائفية ، إنما هو عبارة عن ديمقراطية زائفة. ويجب أن لا نغفل عاملا محوريا في نجاح تلكم الثورات ، ألا وهو إن السودان لم يخبر في تاريخه البعيد والوسيط صيغة الدولة المركزية ، ونعني السودان بشكله الإداري السياسي الذي تبلور واقعا منذ استقلال السودان في عام 1956م ، وبالتالي فان "مركزية السلطة" فيه – دع عنك "الديكتاتوريات الشمولية" – والتي جاءته متأخرة ، لم تترسخ بعد ، لا في وجدانه السياسي ، ولا في ثقافته الاجتماعية ، لذا كان من السهل عليه أن يشعلها ثورة على أي نظام فيه شبهة "مركزية" خانقة أو حتى شبهة "سلطة " متعالية تعلو على انتماءات "ما قبل الدولة " المتجذرة في عقله الجمعي . ولذا فان ثورات السودان ضد الشموليتين الديكتاتوريتين في أكتوبر وأبريل/ مارس كانت في جوهرها أقرب ما تكون إلى "ردة الفعل" على المركزية الخانقة للدولة ، وظلها الإداري الثقيل ، وهذا كما ترى حراك سياسي ، أو ثورة "ضد" ..وليست "ثورة "لـ.." . لهذا السبب – ضمن أسباب أخرى – كانت تنجح ثوراتنا ، وبسهولة تدهش الآخرين قبل أن تدهشنا نحن ، لهذا السبب ، لا لعبقرية سياسية أو وعي استثنائي يميزنا عن غيرنا من الشعوب ، كما نحب ندعي ونزعم لأنفسنا . فالثورات ، كما ينبغي أن نفهم جيدا ، هي مثل غيرها ، بنتائجها ، وليس لمجرد حدوثها دون أي نتائج تتمخض عنها ، تغييرا في معادلات الواقع وميزان القوى الاجتماعية ، وإلا فإنها مجرد نرجسية سياسية . وإذن ، ما هي آفاق الثورة السودانية الثالثة؟. ما هي القوى المرشحة لإشعال فتيلها وقيادتها ؟. وما هي الوسائل التي تملكها لإحداث ثورتها ؟. وما هي أجندتها ؟. وما هي المهمة التاريخية التي عليها انجازها؟. لا يسعك إلا أن تستشف بأن هذه أسئلة شائكة ومعقدة تحتاج إلى كتاب يتناول تفصيلاتها بتأن وترو ، إلا أن السؤال الملح والسابق قبل الخوض في تفصيلاتها والذي يؤطر الإجابات التي ستقترح كان بالحق هو السؤال الذي طرحه عبد الوهاب الأفندي كعنوان لمقاله " هل آن أوان استقالة الحكومة السودانية؟" (26) ، وهو يطرح سؤاله بعد مسوقات لا يمكنك إلا أن تتفق عليها معه عبر خطاب نقدي صادق وموضوعي وواقعي ، إلا أن السؤال بحد ذاته فخ محكم بإتقان ، وذلك عبر المسوقات والمبررات التي يجمع عليها الجميع . وهو يفصّل رؤيته على النحو التالي منطلقا من أزمة أبيي مؤكدا بأن ما حدث فيها يعكس النهج الإنقاذي " فشل سياسي يحاول البعض التغطية عليه بتحرك عسكري، ثم الانحدار إلى فشل سياسي آخر(..) لكل هذا لم يعد من الممكن التحدث هنا عن خلل جزئي هنا أو هناك، أو تقصير من مسؤول تصلح الأمور بإقالته. بل إن الخلل هو في النظام من قمته إلى قاعدته، وبالأخص في قمته(..) لم يعد هناك إذن من أمل في أن يؤدي إصلاح جزئي إلى تفادي الكارثة" . وتسأله بعد هذا : ما الحل إذن؟ ، فيجيبك (لا فض فوه) ، وفي إجابته الفخ : " لا بد عليه من تغيير جذري في أشخاص الحكم وأسلوبه معاً(..) فمن الحكمة أن يسارع الرئيس فوراً بإعلان موعد جديد قريب لانتخابات عامة رئاسية وبرلمانية، والتمهيد لذلك بإطلاق الحريات واتخاذ إجراءات لضمان حيادية ونزاهة المؤسسات القومية من قضاء وجيش وشرطة وأجهزة أمنية وخدمة مدنية، والفصل الكامل بين الحزب الحاكم والدولة. هذه الانتخابات ضرورية لإعادة دمج المعارضة في النظام السياسي، وبناء إجماع وطني متجدد تلح الحاجة إليه لمواجهة التحديات الماثلة " (27). يقول لك هذا ، رغم أن الحيثيات التي أوردها تؤكد بأن بداية الحل ، أو قل أن الإطار العام لحل المشكلة السودانية ، ينبغي أن يكون ، واقعيا ، هو إسقاط نظام الإنقاذ ، ثم تفكيك "النظام السوداني" الذي ظل قائما منذ ممالك وسلطنات سنار والفور وتقلي والمسبعات . أولا لأن المشاكل التي يعانيها السودان اليوم لم تجيء مع الاسلامويين تحديدا وإنما هي متوارثة قديمة ، وبالتالي فان حلها لا يكمن في حل هذه الحكومة ، سواء ترشح البشير أو لم يترشح للرئاسة . أرأيت كيف يعمل ويشتغل العقل المصاب بداء العصاب الأيديولوجي القهري؟!! .
هوامش (26) عبد الوهاب الأفندي : http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=8568 تأريخ الطباعة: 27 May 2011 at 6:12p
(27) : سابق .
[email protected]
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
المثقف والعصاب الأيديولوجي | عزالدين صغيرون | 05-27-11, 06:30 PM |
Re: المثقف والعصاب الأيديولوجي | عزالدين صغيرون | 05-27-11, 06:52 PM |
Re: المثقف والعصاب الأيديولوجي | عزالدين صغيرون | 05-28-11, 05:07 PM |
Re: المثقف والعصاب الأيديولوجي | عزالدين صغيرون | 05-28-11, 05:08 PM |
Re: المثقف والعصاب الأيديولوجي | عزالدين صغيرون | 05-28-11, 05:09 PM |
Re: المثقف والعصاب الأيديولوجي | صلاح شعيب | 05-28-11, 05:16 PM |
Re: المثقف والعصاب الأيديولوجي | عزالدين صغيرون | 05-28-11, 05:26 PM |
Re: المثقف والعصاب الأيديولوجي | عزالدين صغيرون | 05-28-11, 05:27 PM |
Re: المثقف والعصاب الأيديولوجي | عزالدين صغيرون | 05-29-11, 10:11 PM |
Re: المثقف والعصاب الأيديولوجي | عزالدين صغيرون | 05-31-11, 09:13 PM |
|
|
|