|
بصـــــمة الصـــــوت
|
Quote: هنا امدرمان غيب الموت بالأمس الزميل الأستاذ الإذاعي نجم الدين محمد أحمد - مدير التحرير بإدارة الأخبار والبرامج السياسية بالمملكة الأردنية إثر علة لم تمهله طويلاً ، تسلل (نجم ) باكرا وفى هدوء من ديار الهاشميين بلغنى نعيه والذى اختبرت معنى توصيف ان يكون شاقا على النفس بلغنى من اثير الاذاعة ، فقد انتبهت الى صوت يشبه النشيج ، وموسيقى حزينه تنساب الى المخارج فركزت لاجد ان النعاة والمتحدثون يبكون الرجل ، لا راد لقضاء الله ، والموت مورد كلنا ورادوه ، فما ملكت سوى التسليم بما نفذ . ولم تبقى فى نفسى سوى حزن يسيل على نفسى فيزيد ما هى فيه من بؤس ويأس . كان معى بعض اهلى ، من العامة قذفت بهم الى الخرطوم بعض مقاصدهم ، لمحت فى عين احدهم بعض حسرة وكثير دمع ، احتال عليه ليصرفه بمنديل ورقى فما انصرف ، فتعاون عليه بجزء من طرف اصبعه ، تتسلل الحركة من الاصبع الى مجرى الدمع لتحبسه فما استطاع ، فلم يجد بدا سوى الافتضاح باللجوء الى طرف عمامته ثم شاله فنزع الضعف عنه عينيه ولا ضعف هنا فهو شعور مباح وتعبير مجاز . سالت مرافقى ، اتعرفه ، فاجاب بصوت لم اتبين حتى مساقط الالفاظ منه ، لا اعرفه ولم التقيه لكنه يسكن اذنى ، وداخلى ، اذكره جيدا ، جيدا ، وكررها ثم انكفئ على صمته ، يتلقط معى حديث زملاء الراحل الاستاذ عبدالعظيم عوض ورهط من رفاق الاثير ، والمسير ، يعزون انفسهم والمستعمون من ورائهم جزعون وما عرفت (نجم الدين ) الا كزميل جمعتنى به مواطن اللقيا الاعلامية ، ومظان الحدث والوقائع ، تحادثنا لفترات ، حديث هو خليط من الاستفسارات العابرة او النقاش المهنى المتفرع من ورشة او لقاء عمل ، لكننى عرفته تماما كصوت وبصمة رسخت فى سمعى ، مثله مثل حال غالب المبدعين والنابهين الناشطون خلف اللواقط الصوتية ، حينما يبنون هؤلاء جسورا من الود والقربى قد لا يرونها مع المستعمين فتتالف حياة من التراحم والتواصل البناء بحيث يتحول المعد والمذيع وحتى الفنى منهم اسما يشيد له المستمع مواصفات وشخوصا يرسم بها فى المخيلة مقاما لانسان تقدره وتجله . ان هؤلاء المبدعون المتناثرون فى الحوش العريق المسمى (الاذاعة ) هم بعض ملامح هذا الوطن النبيل ، هم بعض سمته وصيته وهداه ، كان الراحل ، مثل كثيرين غيره اعطونا بصدى اصواتهم رائع الوصف والبيان والابانة ، وثقوا لحياتنا ، امالنا ، افراحنا ، احزاننا ، كانوا فى ساعات النصر حاضرين ، وكانوا فى ساعات الانتكاسات والتراجع حمالى الاسية ، يواسون ضعفنا ويمسحون دمعنا . سيفتقد كثير من اهلنا (نجم ) الذى مات وما هوى من افئدة السودانيين ، ولعمرى فان هذا الافتقاد تمام السلوى وحسن المواساة انه انبل مستويات التقدير الانسانى ، ان نحب بعضنا بعضا دونما مصالح ترسم خطوط الطول والعرض وامتدادات الوفاء المنصوبة على شواهد المصالح ولعاعات الدنيا الفانية .
|
|
|
|
|
|
|