|
Re: بشري الفاضل في حوار مع «الصحافة»: (Re: Nazar Yousif)
|
أنا لست عضواً في الحركة الشعبية، ولا اوافق على كل طرحها، ولدي تحفظات على الكثير من ذلك الطرح، لكنني اعتبر الحركة الشعبية حركة مستنيرة وحية، ويمكنها ان تصحح مسار عملها دون نصائح من أحد، كما إنها اهدت الشعب السوداني القائد الفذ جون قرنق، وهو واحد من فلتات تاريخنا المعاصر التي لمعت كالشهاب وخبت، لقد جاء جون قرنق في حياته وبفكرته وفي طريقة موته مباشرة، من الاساطير التي تشبه الاساطير الإغريقية، لقد جاء من جبل الاولمب ومات في جبل الاماتونج. * دومة ود حامد.. نخلة على الجدول.. عرس الزين وموسم الهجرة الى الشمال.. تمثل فواصل واضحة جدا في اعمال الأديب الطيب صالح، استطاع فيها ان يستدرج القارئ والناقد من موقف الاعتقاد في الأسطورة الى الوعي الخلاق الذي يقترح مشاريع رؤية المستقبل، ولم يترك مرحلة لم يلق عليها الضوء.. لكن لا زال الناقد يرى حكاية (البنت التي طارت عصافيرها) لاتزال تشكل مركزية مغلقة للقاص بشرى الفاضل.؟ - أنا أقرا الطيب صالح باعتباره ربما الكاتب السوداني الوحيد الذي يمتلك ملكة إبداعية، اتاحت له ان يكتب رواية الاصوات المتعددة حسب مفهوم ميخائيل باختين لتعددية الاصوات (البوليفوني) لقد شيدت مخيلة الطيب صالح قرية في الخيال هي ود حامد، وهي ليست ود حامد التي بالقرب من شندي كما ذكر الكاتب في ثنايا رواياته اللاحقة، حين أدرك ان الواقع السوداني يلاحق الخيال لدى الكاتب، هذه الود حامد المتخيلة عند منحنى النيل خبرت اهلها عن ان اهلى ينحدرون من قرية أرقي عند منحنى النيل، وتقع أرقي شرق كرمكول. وأخيلة ود حامد محددة بإنسان تلك المناطق والتركيبة السكانية لتلك المناطق، وحتى أسماء الشخصيات.. لكن الطيب صالح بخياله وقدرته على صياغة افكاره الروائية بشاعرية، قدم لنا تعددية أصوات تعكس واقع السودان ككل ومشكلاته كلها في اكثر من نصف قرن. وشخصيات روايات الطيب صالح قائمة بذاتها تتحدث وتكون لها موقفا من الآخرين حتى من الراوي نفسه، بطريقة تجعلك تحس بأن صوتها مجسم وفي حالة حوار مع الأصوات الاخرى مع الشخصيات الأخرى في أعمال الطيب صالح الإبداعية.. تأمل شخصيات مصطفى سعيد، محجوب، سعيد عشا البايتات، الزين، نعمة، ود مفتاح الجنة، ود الريس، بت مجذوب وغيرها.. كل شخصية لها حياتها التي تنمو خلال نسيج مجمل الاعمال في الزمان، وتتحدث بصوتها هي لا صوت الراوي، وتتحاور مع الآخرين.. سأكتب يوماً مقالاً عن تعددية الاصوات في روايات الطيب صالح بتوسع اكبر عن قصصي لا مقارنة، فالتجريب طالها في الإصدارتين اللتين رآهما القارئ، لكنني اعد القارئ بروايتين ومجموعة جديدة لا زالت تنتظر النشر، وعنها يمكن الحديث عن مشروعي الذي عاقت مصاعب شتى دون تحققه، للاسف من بينها ما تعرضت له من إزاحات. * على خلفية ما اشرت اليه في السؤال السابق (ازاحة) وفي قصة - ذيل هاهينا مخزن احزان - قلت على لسان الكلبة لحبيبها (اه ايها الكلب الجميل هواهي حبيبي ايها الللا إنسان .... قتلوك؟) ثم قلت في قصة حملة عبد القيوم الانتقامية.. (اقتربت سمكة بلا زعانف وفيما بعد حكت لصويحباتها عن جمجمة مثقوبة تقول . بغ بغ وكيف حين ولجت لم تلق لحما ينبت لها زعانفها) هذه الإحالات العميقة اهي تشير الى حالة الإحباط التي تحيط بالمثقف في العالم الثالث؟ - من الصعب حتى لو تحدثت عن قصصي ان أتحدث عن الرمز فيها، ذلك لان مدخل الرمز ليس هو المدخل الصحيح للتعامل مع عالم الشخصيات الحيوانية في مثل هذه القصص عموما اي عندي وعند غيري من الكتاب انا اجنح إن شئت إلى رسم عالم موازٍ للبشر في قصصي التي استخدم فيها شخصيات كائنات أخرى.. وهذا العالم الموازي لعالم البشر فيه كل ما يتم في عالم البشر من احزان وافراح وإخفاقات ونجاحات.. وباختصار هو عالم كامل، ويمكن عن طريق النظر فيه التأمل في حياتنا ايضا لكن بالمضاهاة وليس الرمز. * وقف الأستاذ / على المك (بنكهته الخاصة) وقليلون وحدهم داخل تلفزيون مايو، ليبرهنوا ان المثقف يجب ان ينتحر من أجل الآخرين، ثم تماها بعضهم في مشروع السلطة بسيئاته، واغلبهم انكفأ على ذاته .. هل يرى الدكتور بشرى ان المثقف الآن قد ادرك ان هروبه من الإذاعة والتلفزيون افسح مجالاً لثقافة الموت التي هددت ولا زالت تهدد كل احتمالات الوحدة الوطنية مع التطرف لحالة الالتهاب الراهنة؟ - علاقة المثقفين بالأجهزة الإعلامية المملوكة للدولة مرت بفترات مختلفة صعوداً وهبوطا.. وكانت في اغلب تلك الفترات علاقة متوترة.. مايو بعد المصالحة أتاحت الفرصة لبعض المثقفين والكتاب كي يطلوا من الشاشة. وعن شخصي فإن إطلالتي الوحيدة في تلفزيون السودان كانت بعد الانتفاضة، حين جاء الكاتب المصري صنع الله إبراهيم وطلب مقابلتي. وإشتركت معه في برنامج قدمه عبد الله بولا، واشترك بالغناء فيه محمد الأمين، ولا اعتقد انه من المناسب حين تكون الانظمة الشمولية تضيق الخناق على غالبية ابناء شعبنا، وحين تطارد بعض المثقفين وتقدم حتى الملايين لم يعثروا عليهم كما في حالة الراحل النابه الخاتم عدلان، أن يجيء مثقف ليقدم مادة للتسلية أو يقرأ بعض إبداعاته في مثل هذه الحالات فهو سيستخدم باعتباره ديكوراً. وحين يضيق الخناق يبحث الناس عن الخلاص ولقمة العيش وتفادي الأسر، بدلا عن السعي لهذه الاجهزة. ومن ناحية اخرى فهذه الاجهزة لا ترحب بالكل، وقد قال لي مذيع شهير في الإذاعة السودانية في حضور الاستاذ عيسى الحلو، إن ظهور شخصيات من امثالكم في حوش الاذاعة يخلي التلفونات تتضارب. كان تصريحه الصريح هذا لي بعد الانتفاضة. ومن ناحية اخرى فإنه من الأفضل ان تكون مثل هذه الاجهزة بعيدة عن هيمنة الحكومات كما في بلدان الديمقراطيات كلها.
|
|
|
|
|
|
|
|
|