|
Re: الأفندي يرفض اللجلجة ويتلجلج! (Re: مؤيد شريف)
|
هنا يبدو رافضا للجلجلة :
*** لم نكن نريد هنا أن نسهب في معالجة هذا الجانب من القضية التي كنا قتلناها بحثاً في مقالنا السابق، وبينا كيف أن مصارع الأنظمة قد تكون في تجاوزات الأجهزة. ولكن ما تواتر من أنباء واتهامات، لها صداها في أقاويل سابقة، يجعل من الصعب تجاوز هذه المسألة. وهذا بدوره يستدعي معالجات حاسمة لا تحتمل التأجيل ولا اللجلجة. فمجرد أن تكتسب اتهامات كهذه صدقية مبدئية في حق أي نظام، يشير إلى خلل أساسي في الممارسات. فالتهم لا تلصق بهذه السهولة ما لم يكن هناك مناخ عام يسهل تصديقها. ***
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الأفندي يرفض اللجلجة ويتلجلج! (Re: مؤيد شريف)
|
وهنا اللجلجلة بعينها وشعر رأسها:
*** وعليه فإننا نعتقد أن أمام النظام السوداني أياماً لا أسابيع ليحسم قراره، إما بأن يقود الإصلاح ويكون له دور في هندسة التغيير، أو أن يحزم حقائبه ويرحل كما فعل سابقوه، مع تعريض البلاد لمخاطر الصوملة والتفكك. ***
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الأفندي يرفض اللجلجة ويتلجلج! (Re: مؤيد شريف)
|
المقالة كاملة :
*** مطالب التغيير في السودان : أمام النظام أيام..
د. عبدالوهاب الأفندي
لم يكد الحبر يجف (أو إن شئنا الدقة، لم تكد النبضات الإلكترونية تخفت، فأين نحن من الحبر في هذا العصر؟) على سطور مقالي الأسبوع الماضي المحذر من الكلفة العالية التي يفرضها الموكلون بحرس الأنظمة على ما يحرسون، حتى تواترت أنباء مقلقة جوهرها اتهامات للأجهزة الأمنية السودانية بانتهاج ممارسات بشعة في حق بعض المعارضين، منها تعديات جنسية. ولسنا هنا في مقام الجزم بصحة هذه التهم، فهذا مكانه القضاء، ولكن هذه للأسف ليست أول مرة تصدر فيها مثل هذه التهم في حق أجهزة الأمن السودانية في هذا العهد. وهذا أمر مؤسف ومؤلم، خاصة وأن النظام القائم يدعي أنه يطبق تعاليم الدين الإسلامي.
ولكن المقلق أكثر هو ردة فعل الجهات الرسمية تجاه مثل هذه التهم، وهي في الغالب الاستخفاف والتجاهل، رغم خطورة هذه الاتهامات. ففي مطلع التسعينات قدم أحد المعتقلين، وهو ضابط سابق بالقوات المسلحة، شكوى ورد فيها أنه تعرض لاعتداء جنسي داخل المعتقل. وبخلاف الشكوى التي تقدمت بها الفتاة السودانية خلال الأيام القليلة الماضية ولم تستطع فيها تحديد هوية المتهمين بالاعتداء، فإن الضابط المعني قد سمى الشخص المتهم بالاعتداء، وهو ضابط أمن معروف. وقد خاطبت حينها الجهات المعنية طالباً الإفادة بنتائج التحقيق في هذه القضية، فتلقيت في أول الأمر إفادة بأن الاتهامات موضع الشكوى محل تحقيق قضائي. ثم جاءت ردود أخرى تقول بأن نتائج التحقيق أثبتت عدم صحة التهم. وكان ردنا في هذه الحالة يجب إحالة الأمر للقضاء، لأن هناك تسمية لشخص بعينه واتهام له بممارسات مخالفة للقانون والشرع، وهذا يعتبر من باب القذف. وعليه فلا بد لتحويل الأمر إلى القضاء لحسم هذا الموضوع. ولكن لم تتم الاستجابة لهذا الطلب، مما قد يخلق الشكوك بأن المعنيين لم يكونوا غير مطمئنين من موقفهم. وقد شهدنا مواقف مماثلة في دعاوى الاغتصاب المتواترة التي وردت في أحداث دارفور، حيث ظل الموقف الرسمي يؤكد باستمرار أن هذه التهم غير صحيحة، حتى قبل القيام بالتحريات اللازمة والإجراءات القانونية. وهذا بالرغم من أن الدعاوى المعنية في معظمها لم تسم تحديداً الأفراد او الجهات المحددة التي ارتكبت تلك الفظائع. وبنفس القدر كانت المبادرة بالنفي هي الموقف في القضية الأخيرة، رغم أن شهادة الفتاة لا تجزم بأن الأشخاص المتهمين بالاعتداء هم من منتسبي الأجهزة الأمنية، حيث أنها لم تتعرف عليهم، كما أنها لم تؤخذ إلى مقر معروف لتلك الأجهزة حسب إفادتها. وقد كان الأولى قبل إصدار النفي المبادرة إلى التحقيق في المسألة والسعي لتحديد هوية الجناة المفترضين.
في كل هذه المواقف، فإن المبادرة بالنفي تضع صاحبها في موقف المتهم الذي يجتهد في الدفع ببراءته، في حين كان الأولى المسارعة في التحقيق في القضية وكشف المتهم. وقد كنا أوردنا في مقالة سابقة تعليقاً مماثلاً حول مسارعة الجهات الرسمية إلى القدح في التقديرات المرتفعة لضحايا الحرب في دارفور، ودعاوى ضحايا الاغتصاب هناك، في اعتراف ضمني بالمسؤولية عن الجرائم المقصودة، تماماً كما كانت القوات الأمريكية والبريطانية في العراق تكرر رفض مجرد إحصاء ضحايا الحرب هناك، في اعتراف ضمني بأن الأعداد كبيرة وأن تلك القوات هي المسؤولة عن قتلهم، بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
ولعل ما يبعث على الريبة أكثر هو صمت القيادات الدينية وأهل العلم وحماة الشرع عن هذه الممارسات المزعومة. فهناك جماعات تدعي التشدد في أمر الدين، تسارع للدعوة إلى الجهاد إذا سمعت بأن مغنية تعتزم إقامة حفل، وتدعو بالويل والثبور إذا رأت انتشار الزي غير المحتشم عند بعض الفتيات. وأذكر أنني عندما كنت في الخرطوم العام الماضي، حضرت ثلاث جمع متتالية في ثلاث مناطق متباعدة من العاصمة السودانية، وفي كل منها كان موضوع الخطبة هو قصة الصحافية التي حوكمت بتهمة لبس الزي غير المحتشم. وتضمنت الخطب هجوماً قوياً على الصحفية والمدافعين عنها، وانتقادات للحكومة لتهاونها في فرض وتطبيق الشريعة. ولكنني لم أسمع بعد أن خطيباً اعتلى المنابر ليتناول قضية الاغتصاب وارتكاب الفاحشة من جهات محسوبة على الدولة. فهل تصبح شبهة لبس الزي غير المحتشم (وقد كان الأمر وما زال مجرد شبهة) أحق بالغضب لله من الاعتداء الفعلي على الشرف؟
لم نكن نريد هنا أن نسهب في معالجة هذا الجانب من القضية التي كنا قتلناها بحثاً في مقالنا السابق، وبينا كيف أن مصارع الأنظمة قد تكون في تجاوزات الأجهزة. ولكن ما تواتر من أنباء واتهامات، لها صداها في أقاويل سابقة، يجعل من الصعب تجاوز هذه المسألة. وهذا بدوره يستدعي معالجات حاسمة لا تحتمل التأجيل ولا اللجلجة. فمجرد أن تكتسب اتهامات كهذه صدقية مبدئية في حق أي نظام، يشير إلى خلل أساسي في الممارسات. فالتهم لا تلصق بهذه السهولة ما لم يكن هناك مناخ عام يسهل تصديقها. وقد كنت علقت من قبل على حادث مقتل الصحافي الراحل محمد طه محمد أحمد رحمه الله من قبل أشخاص اقتادوه من منزله ليلاً، مذكراً بأن مما سهل وقوعه في الفخ الذي نصب له اعتياد الناس، وخاصة الصحافيين، على حضور رجال أمن يقتادون البعض من منازلهم ليلاً. ولو لا وجود مثل هذه الممارسات لما قبل الراحل أن يخرج طوعاً من منزله في مثل تلك الساعة في صحبة أشخاص لا يعرفهم، ولكانت أسرته أطلقت الإنذار مبكراً عن اختطافه. وهذه ممارسات لا داعي لها إطلاقاً في بلاد متحضرة، حيث الأولى استدعاء المتهم نهاراً جهاراً، وعبر القضاء والشرطة، بعد اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة. إذن المسألة جد لا تحتمل الهزل ولا الاستخفاف، ولا بد كما أكدنا من معالجة حاسمة وجذرية. ولكن معالجة هذه الجزئية بفتح تحقيق عاجل ومحاسبة من يثبت تورطهم حساباً رادعاً وعاجلاً- لن يكفي لإنهاء الأزمة في البلاد، لأن جذور الأزمة تكمن في وجود نظام يحتاج للحماية من قبل أجهزة من طبيعتها التجاوز والتعدي على الحرمات. فالأصل في الأنظمة الشرعية هو أن آخر ما يخطر ببال مواطن حين يتعرض لاعتداء أن مصدر العدوان هو الدولة وأجهزتها، بينما ينبغي أن يكون أول ما يخطر بباله حين يتعرض لعدوان هو الاستنجاد بالشرطة وأجهزة العدالة، لا توجيه التهم لها. وعليه فإن أول شأن الإصلاح يبدأ بإصلاح أجهزة الدولة وتحويلها من عداوة الشعب إلى خدمة المواطن، وتأمين استقلالية أجهزة الأمن والشرطة والقضاء والقوات المسلحة والخدمة المدنية عن المؤسسات السياسية، والفصل الكامل بين الحزب والدولة من جهة، وبين الجهاز التنفيذي والمؤسسات العدلية من جهة أخرى. وهذا بدوره يمهد للتداول السلمي للسلطة، لأن كل المواطنين سيكونون آمنين على أنفسهم، وموقنين بأن تقلبات السلطة لن تؤثر في أمورهم الحياتية أو تهدد مصالحهم.
وقد كثر الحديث عن تطبيق الشريعة هذه الأيام، ولكن المعلوم أن أول شروط حكم الشرع هو خضوع الجميع له، وهذا بدوره يعني استقلال القضاء الذي يقضي بالشرع عن كل تأثير من خارجه. وبهذا الفهم فإن أكبر ما يعوق حكم الشرع هو وجود أفراد وقوى ومؤسسات تعتقد أنها فوق القانون وخارجه، تحكم الهوى والغرض وتسميه شرعاً.
الخطوة التالية بعد سن القوانين التي تحمي قومية واستقلالية المؤسسات المدنية والعسكرية، وتعزز الحكم اللامركزي، هي الإعلان عن انتخابات عامة جديدة خلال عام واحد، تقوم عليها لجنة انتخابات جديدة تامة الاستقلالية ترتضيها القوى السياسية الفاعلة وتتوافق على تشكيلها. وفي مثل هذه الخطوة غناء عن جولات الحوار غير المجدية بين الحكومة ومعارضيها، لأن الانتخابات ستحسم جدل الأحجام والأوزان، وتغني عن مماحكات المحاصصة، وتتيح للأقاليم انتخاب حكامها، وتساعد في إعادة تشكيل الخارطة السياسية بما يضمن التمثيل الأفضل والأمثل لكل القوى والأقاليم.
نعلم أن الحكومة تصر على دعواها بأن انتخابات أبريل الماضي كانت غاية في النزاهة والحرية، وهي دعوى تعلم الحكومة كذلك أن خصومها لا يسلمون بها. ولكن حتى بافتراض أن هذه الدعوى صحيحة، فما الضير إذن في إعادة الانتخابات تحت شروط يتم التوافق عليها، وتثبت بما لا يدع مجالاً للجدل صحة تلك الدعوى؟ وعلى كل فإنه حتى لو صح كما زعم البعض أن النظام يتمتع بدعم 90' من المواطنين (وهي دعوى لم تثبتها الانتخابات الأخيرة على ما شابها من عيوب) فإن العشرة بالمائة الباقين لا بد أن يمثلوا بدورهم في البرلمان ويكون لهم صوتهم.
ومهما يكن فإن انتخابات العام الماضي تمت حينما كان السودان ما يزال موحداً، وشارك في انتخاب النواب الحاليين ناخبون فقد كثير منهم الآن حق التصويت، فضلاً عن قيادة الحكومة الحالية للبلاد في تلك الحقبة المفصلية التي انتهت بتقسيم البلاد تستدعي اللجوء إلى انتخابات جديدة تتيح للناخبين الحاليين إصدار حكمهم على ما جرى وانتخاب من يمثلهم بصورة أفضل.
وبحسب تقديرنا فإن مثل هذا الاحتكام للشعب بهذه الصورة المنهجية والمنظمة، خاصة إذا اقترن بإصدار عفو عام في دارفور، والسماح لقيادات ومنتسبي الحركات المسلحة بالعودة إلى الوطن والمشاركة في العملية السياسية، هو أفضل البدائل المتاحة. فقد تغيرت الآن الخارطة السياسية للعالم بعد ثورة تونس التي قد يسجلها التاريخ مع الثورتين الأمريكية والفرنسية بأنها بداية حقبة جديدة في تاريخ العالم، وأصبحت كلمة الشعوب فيمن يحكمها هي المسموعة، لا كلمة البلطجية المسلحين من أي ملة وزي كانوا. وقد أثبت ما وقع في البحرين ثم ليبيا مؤخراً أنه لم تعد هناك حصانة لأكثر الأنظمة شراسة أو أوفرها حماية أجنبية. بل إن الصين نفسها لم تعد بمنجاة من رياح التغيير.
وعليه فإننا نعتقد أن أمام النظام السوداني أياماً لا أسابيع ليحسم قراره، إما بأن يقود الإصلاح ويكون له دور في هندسة التغيير، أو أن يحزم حقائبه ويرحل كما فعل سابقوه، مع تعريض البلاد لمخاطر الصوملة والتفكك. ألا فليشهد الشاهدون أننا قد بلغنا.
' كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن
القدس العربي
***
| |
|
|
|
|
|
|
|