|
Re: قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ... عبر و دروس (Re: احمد حامد صالح)
|
Quote: من يؤتي الملك ويهيئ أسبابه لمن يريد ؟ هو الذي يمنعه عمن شاء ولو طلبه، وينزعه ممن يشاء ولو تشبث به؛ فالملك لله تعالى وبيده (قُلِّ الْلَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) [آل عمران:26].
وكما أن لإيتاء الملك وثباته أسبابا فإن لنزعه وزلزلته أسبابا أيضا، وأعظم أسباب نزعه الظلم بأنواعه كلها، فسنة الله تعالى ماضية في أنه لا بقاء للملك مع الظلم (فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الْظَّالِمِيْنَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ) [إبراهيم:13-14]. فصلاح الدنيا يكون بالعدل، كما أن صلاح الآخرة يكون بالإيمان والعمل الصالح؛ ولذا قيل: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام. وكتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز إليه: أما بعد؛ فإن مدينتنا قد خربت، فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لنا مالا نرمها به. فرد عليه: أما بعد؛ فحصنها بالعدل، ونق طرقها من الظلم؛ فإنه مَرَمَّتُها. والسلام.
إن للملك غنما وغرما في الدنيا وفي الآخرة؛ فغنمه في الدنيا الرفعة والشهرة والرياسة وخضوع الناس، وغرمه في الدنيا لمن قام به السهر على مصالح الرعية، والتعب في إدارة شئون الدولة، وإحاطتها بأسباب القوة والهيبة والمنعة.
وأما غنمه في الآخرة فأجر عظيم لمن قام بحقه، وأول السبعة الذين يستظلون في ظل الرحمن يوم القيامة: إمام عادل، والمقسطون من الحكام على منابر من نور عن يمين الرحمن، وهم الذين يعدلون في حكمهم. وأما غرمه في الآخرة فطول الحبس بكثرة المظالم، وغش الرعية يوجب الحرمان من الجنة.
ومن أراد غنم الملك في الدنيا لكنه لم يتحمل غرمه صار إلى الظلم، وسلط أعوانه الظلمة على الناس، فينزع الله تعالى منه الملك، وقد عبر الله تعالى عن ذهاب الملك بنزعه (وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) لأن من اتخذوا الملك غنما لا يتخلون عنه بسهولة، ويتشبثون به تشبثا شديدا؛ لأجل غنمه، فينزعون منه نزعا، والنزع هو شدة القلع وهي مقابلة لشدة تمسكهم به.
ومن قرأ التاريخ القديم والمعاصر وجد فيه أعاجيب من أنواع تقدير الرب سبحانه في نزع الملك؛ فمن الملوك من ينزع الملك منه أبوه أو أخوه أو ابنه أو قريبه أو صديقه الحميم، وما درى وهو يقربه أنه ينزع ملكه منه.. ومنهم من ينزع ملكه منه عدوه بقوة قاهرة.. ومنهم من يفقد حياته وحياة المقربين منه أثناء نزع ملكه منه، ومنهم من يسلم جسده لكن يعتل قلبه بنزع ملكه، ولله تعالى شؤون كثيرة في خلقه (يَسْأَلُهُ مَنْ فِيْ الْسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِيْ شَأْنٍ) [الرحمن:29]. |
|
|
|
|
|
|
|
|
|