|
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)
|
(7) الاستراتيجية النصية في صحراء الأربعين لسلوى الحمامصي(مصر)
من خلال راو متوار -jيقدم لنا من وراء الستار – بطلة قصة صحراء الأربعين , لسلوى الحمامصي (54) تتضافر اللحظة الزمنية , ولحظة المكان , لتقدمان معا عبر ذات واحدة , هي ذات الراوي – الذي يرصد تطور الزمن , بوساطة السرد ويضعه في مكانه , الذي يجري فيه – هذا الراوي الذي يقوم بتحويل لحظة الزمن والمكان والسرد إلى وصف , وفقا لآلية محددة تتمثل في هيمنة إحدى اللحظتين : الزمن – المكان . وطبيعة كل منهما في الخطاب السردي لصحراء الأربعين . بحيث نتمكن خلال ذلك من تحديد نوعية هذا الخطاب , الذي قدمته لنا سلوى الحمامصي عبر راويها المتواري , الذي ينقلنا بالسرد إلى عالم بطلة قصته , هذه القصة التي يرويها بدقة , راصدا الوقائع النفسية والإجتماعية التي تحيط بهذه البطلة . فما هي طبيعة خطاب صحراء الأربعين , كخطاب ينهض في بث التاريخ الذاتي لبطلة القصة ,والتحولات التي تمر بها . في محاولة الإجابة عن هذا السؤال , لابد لنا من البدء بمعالجة بنية النص (صحراء الأربعين) أولا , وذلك بتقطيع هذا النص إلى وحدات أساسية , تتمثل في : (أ) الأستاذة الجامعية (بطلة القصة ) تعاني من مخاوف العنوسة , والتي تحفز داخلها الانتظار . (ب) المجتمع يمارس عليها – بقصد أو بدون قصد – ضغوط كبيرة . (ج) تستجيب لهذه الضغوط بمقابلة مرشحين كثر للزواج منها , ولا تجدهم يناسبونها – أو لا يجدونها هم كذلك - (د) تحاول مقاومة المشاعر المعذبة للإحساس بالعنوسة , بالإنكباب والغرق في رسالتها العلمية , والأمل في لقاء فارس أحلامها المجهول ذات يوم . (ه) تلتقي فارس أحلامها , ومنذ أول لحظة تدرك أنه فارسها الوحيد . فيتضح لنا أن بطلة القصة , من خلال هواجس الانتظار الممض لفارس أحلامها . الذي ظلت تنتظره إلى أن شارفت على بلوغ سن الأربعين - بما لهذه السن من محتوى معرفي يتعلق ب"اليأس " على المستوى "الدلالي" – دون أن يظهر هذا الفارس , فتنطوي على المخاوف من مشاعر الأنوثة , هذه المشاعر التي تفتح النص (55)على رحلة حياة البطلة, المشحونة بالإختلاف والخلاف مع الواقع . يقدم لنا الراوي في هذه الرحلة بوحا أسيانا ,ينطوي على الحنين وشجن الإنتظار لفارس الأحلام المجهول , والتداعيات النفسية لهذا الإنتظار .. التداعيات التي تثيرها الأحداث والوقائع , التي تجري حول بطلة القصة ,في الواقع اليومي :" سمعت أمها تهمس لإحداهن : ليتها ما كانت دكتورة - تغمرها بدعواتها ونظرات الإعجاب : ذي القمر ! بالسلامة - تتذكر خاتمها الذهبي – كي لا يلحظ أحد الطلاب إنها ليست متزوجة – نظراتهن تحرقها , تثقب يديها الخاويتين إلا من خاتم مزيف – تتخابث عليها إحداهن: ربنا يعدلهالك يا دكتورة – تشعر بشعور عاجز مرير – أحاديث الزواج والطلاق المتكرر لزميلات, قليلات متزوجات منهن , حديث العريس الذي ذهب ولم يعد ,والخاطبة الجديدة , التي نجحت في تزويج إحدى قريباتهن – زفاف أصغر فتاة في العائلة , إبنة خالها - مهاتفة خاصة تعني مرشح جديد للزواج "عريس" , لا تذكر كم من عريس إلتقته – باتت تخشى من تلك المهاتفات وتتمناها – بعد المرشح الأخير أوصدت الباب جيدا أمام كل المهاتفات الخاصة . قالت : مش عاوزة أتجوز , إعتبروني تزوجت – هزّها الرحيل المفاجيء لأمها , صارت وحيدة حقا (56) " .. هذه الوقائع تشكل شبكة معقدة من الحصار النفسي و الضغوط ,تتخلل وتحيط عالم بطلة القصة , بحيث تتبدى كصورة مرعبة, ومروعة للخوف من العنوسة . وإذا اجتزأنا هذه الشبكة من عالم البطلة , وقمنا بتكبير مكوناتها من الضغوط النفسية والإجتماعية , بعد أن نحدث تغييرا محدودا , يخفي العالم الداخلي لبطلة القصة – وبطريقة تخفي صوت الراوي تماما – بحيث تروي هذه الجزئية – الضغوط – نفسها , بمعنى إخفاء الراوي المتكلم أو الفاعل ,والوضع الإجتماعي لبطل القصة – أستاذة جامعية- لديها تصور خاص للزواج ولفارس الأحلام , لا ترغب في أي تسوية أو تقديم أي نوع من التنازلات, تمس هذا التصور . إذا قمنا بإخفاء كل ذلك – الخطاب وبطله - (57) فماذا نرى في صحراء الأربعين ؟... نرى صحراء الأربعين ذاتها : العنوسة في عذابات وحدتها وظمأها ووحشتها ولوعتها , حيث يتلفت القلب بين آن وآخر, عله يرى صوّى ساري أو علامة من علامات الطريق ..أننا نتعرف لحظتها على طبيعة العنوسة في أفدح صورها : الجدب والإنتظار الظاميء والتمني والحلم ..بالتلاقي الإنساني .. إن النهاية السعيدة لبطلة القصة ,بلقاؤها أخيرا فارس أحلامها بعد كل سنوات إنتظارها ,والضغوط التي عاشتها , تمثل أحد القيم الأساسية التي تسفر عنها الإستراتيجية النصية لصحراء الأربعين :" أنا باستناك . أنا باستناك ,وليلي شمعة سهرانة في ليلة حب – تنصت إليها يوميا صباحا , وتتهيأ للذهاب إلى عملها ,متدثرة بأملها المثابر برجائها اليقيني , أنه سيأتي ذات يوم . تبحث عنه في كل الوجوه , لا يأتي . تنتظره في كل الأوقات لا يأتي , أمل عنيد وغد بعيد, وليل تمر بعده عشرات الليالي – حبيبي أنت فين أنت . متى يأتي ليخطف قلبها - يا ليل الوحدة متى غدك أقيام الساعة موعدك – توقفت منذ زمن من الإحتفال, بأعياد ميلادها بعد الخامسة والعشرين – لا تزال تنتظر فارسها على رصيف المحطة – مرايتي قولي لي يا مرايتي , حبيبي ما جاش ليه دلوقتي – تشعر به قربها . حولها تشعر أنه قريب – يا أجمل ليلة في عمري حبيبي جاي – لو أرادت الزواج فقط لكانت الآن أم لعشرة أبناء , لكنها أرادت شيئا آخر , أبعد من ذلك – تحتاج إليه , تدفن رأسها في صدره وتجهش بالبكاء , يصد عنها براثن الزمن, وألاعيب الحياة . الملاذ الوحيد كانت الرسالة العلمية , أخذت كل وقتها وقوتها (58) " .. هذه الحيرة التي تنطوي على الإحساس بالعجز والظنون والإستسلام بالإنكباب على العمل كضد للبيت . هذه المشاعر المتناقضة, التي ينهض فيها أمل يقيني , رافق سيرة حياة بطلة القصة ,بإصرارها العنيد على الإنتظار (باستناك) .. كل ذلك يحدد لنا الكيفية التي جرى بها رسم الاستراتيجية النصية لصحراء الأربعين . هذه الاستراتيجية, التي تتمخض عن لقاء بطلة القصة أخيرا بفارس أحلامها :" لولا إلحاح صديقتها لزيارتها ! خرجت بتثاقل متدثرة في ملابس الحداد (..) كان هناك جمعا في بيت الصديقة متجانسا , رغم جو المرح السائد وجدت نفسها بعيدة,تتحرج من عيون فضولية تلاحقها (..) مرت عدة أيام وكل شيء على رتابته (..) تذكرت أنها لمحت هذا الوجه في بيت صديقتها منذ أيام , لكنهما لم يتبادلا سوى التحية فقط (..) تحدث ولأول مرة يعقد لسانها . أخذت تنصت وتنصت . لم تدر بمن حولها في المكتب , وكأنها تعرفه جيدا , وكأنه يعرفها منذ زمن , وكأنهما إتفقا في كل شيء , وكان لا داع للكلام . لقد جاء . عرفته منذ أول كلمة نطق بها – استودعها للغد ,وقد عاودتها رومانسيتها الغائبة ,وترانيم الأغنية الحبيبة تعزف بداخلها ,وحولها أجمل الألحان (59)" .. إذن .. تتسم هذه صحراء الأربعين لسلوى الحمامصي, بنوع من السرد الإنسيابي , الذي لا نشعر إزاءه بتقليدية الشكل (بداية – ذروة – نهاية ) وتعاقبية الزمن بالضرورة . حيث تمثل العنوسة بنية مقومية مركزية , تتمفصل إلى شبكة من العلاقات الثنائية المتصارعة والمتضادة : ( العمل \ البيت – الرجل \ المراة – الزواج \ الطلاق – متزوجة \ عانس – صغيرة السن \ كبيرة السن ...) .. ولذلك تبدأ الحكاية بمشهد عفوي يصفه لنا الراوي :" إتكأت بمرفقيها على حافة النافذة , تتطلع من وراء الستار . تعبث بخصلات ليلها الحريري الأسود (والأسود هنا لفظة فائضة بسبب تكرار الدلالة : لا داع لها ؟!) تدندن : باستناك . أنا . أنا , باستناك (60)" .. تكشف العلاقات النصية حول فكرة صحراء الأربعين , أن العنوسة كوضعية يتحكم فيها عاملان : السن – عدم الزواج . لا يتوقف تغييرها كوضعية على عامل السن كشرط أساسي . بل على الزواج_ بمعنى إستقرار الوجدان والجسد - مهما كانت السن .. هنا يلعب الأمل اليقيني والصبر على الإنتظار ذاته , شرطا أساسيا للنهاية السعيدة . فالحضور القوي للأمل وتوطين النفس على الصبر, يشكل أحد أهم القيم الجمالية داخل الثقافة السائدة التي ينطلق هذا النص من أغوارها . كما أن الأسلوب الإسهابي في السرد, خلق نوعا من القواعد الخاصة بهذا النص , إذ تبعا لذلك رسم إستراتيجيته النصية الذاتية , التي تتمثل في الأمل اليقيني \ الصبر \النهاية السعيدة ...
|
|
|
|
|
|