أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-08-2024, 11:55 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-11-2011, 11:22 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... (Re: احمد ضحية)

    (9) الزمكان / المكان .. السرد:

    نصوص لمنال حمد النيل أحمد الفحل عبد السلام (السودان)

    منال حمد النيل قاصة ذات ايقاع خاص . تفيض قصصها بعذوبة الأنثى . ولاتزيد بعض قصصها, عن أسطر قليلة , نلحظ فيها قدرة عالية على التكثيف , حتى لا نعد نميز, سوى أصداء لصوت بعيد , هو صوت الشخصية, التي تتحرك خلف هذه الأسطر ..فسرديات منال تقع في المنطقة الوسط, بين الشعر والنثر والقص , حيث تضج في هذه المنطقة بالغربة واللوعة , الناهضتين في عالم أشد إلتياعا وعذاب .. حيث لا راوي سوى الإيحاء الدال عليه .. هكذا , دون تحديد إجتماعي أو نفسي - أقصد هنا قصصها القصيرة - مجهول تماما , إلا من فيض المشاعر والأحاسيس , المحملة بالأسى والضعف, والتحدي كذلك ...
    نعتمد في هذه القراءة - إلى جانب قصصها المنشورة في دورية كتابات سودانية التي يصدرها مركز الدراسات السودانية -الخرطوم, ومجلة الثقافة الجديدةالتي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية - على قصص اخرى , قمنا باستخراجها من الشبكة الدولية للمعلومات * (69) .. حيث نلاحظ على قصصها القصيرة بصورة عامة, التحرر من الشكل الصارم للقصة القصيرة الذي تقابله في قصصها المطولة مثل" غربة " و" حبيبات مطر " بشكل الحكاية المفتوح, المتحرر من الحيل الفنية المألوفة , ومزج الشعر بالنثر , ونجدها بذلك قد مالت في كل من القصة القصيرة ,والقصيرة جدا إلى الغنائية, لتخلق إسلوبها الذي يميزها. إذا إتفقنا أن شكل التعبير ,هو ما يحدد نوع النص , لأن العرف الجمالي الذي يشاركه فيه , هو الذي يصوغ شخصيته , إلى الشكل الخارجي والشكل الداخلي - وهذا النوع هو ما وضعه( جان كوهين) بين طرفي الخط الواصل بين الشعر والنثر , بمعنى التفاوت في درجة شعريته كما ونوعا - تحديدا هنا , اعني قصصها القصيرة جدا - والذي هو موضوع الشعرية اليوم في السرد , اذ لم يعد موضوعها الشعر بشكله المعروف تقليديا , بل الأدب كله (70) ومن هنا يمكننا إستهلال هذه القراءة بقصصها القصيرة جدا , المنشورة ب ( كتابات سودانية - سبتمبر 2004 ).. (71) قصص قصيرة: في قصتها ( مدينة بوح ) نلمح أثرا لإثنين : فتى وفتاة . رجل وأمراة , قطعا .. إنسان وإنسانة .. في مكان ما .. زمان ما . يبوحان لبعضهما " إتفقا على تكوين مدينة للبوح خاصة بهما , لا يعبآا فيها بقوادم الأيام , يلحقا بها هناءتهما , متكررة الهروب (..) وليصبح الخليط المتكون في الكأس عصارة قلب وقلب(72)" .. وهكذا يحاولان أن ينسجا من بوحهما معنى لوجودهما : فقط هذا كل شيء .. لكنه كل شيء , حقا !..
    وفي قصتها ( تفاؤل ) نجدها تحكي عن أمرأة لكل العصور . ذات حضور طاغ في المواسم . ورجل متأفف متذمر . بسبب حياته التي وسمها الشقاء . يلتقيان وعندما يعرفها عميقا , يكتشف انها أكثر الناس ألما , على الرغم من تفاؤلها " تمتد منها شعاعات التفاؤل , دوافق لتشمل مجالسيها (73)" فيتغلب على أحاسيسه الرمادية .. لقد علمته معنى أن يبتسم ...
    وفي قصتها (هزيمة ) التي تنطلق من الحاضر, للتعبير عن فكرة ما فيه . تشمل المستقبل "(كنت) أعلم أنك ( ستكون ) هازمي أمام نفسي, وأمام كل شيء (74)" تتبدى الإستمرارية بفعل الهزيمة , ورغم هذه الإستمرارية, تقرر بطلة القصة عدم التراجع . فهزيمتها تتمثل في إنقيادها لقلبها. وعواطفها. وبإنحيازها لعقلها, تقرر خطا آخر في حياتها " لأنني أصر دائما أن أكون (أنا) قررت أن اطرح القلب شلوا . أن أدفنه لأدفن هزيمتي " ونلمح هنا التحدي الإنساني , في محاولة قهر ثرثرات القلب ..
    وفي قصتها (حب) نجد أنثى تتحدث عن أول شخص أحبته , وأجمل الأيام التي صنعها هذا الحب , بعد جدب طويل . لكنه لم يدرك مدى صدق هذا الحب الذي ربطهما , فتخلى عنها يخامره, ما يخامر الرجل الشرقي, من أحاسيس وأوهام تاريخية" ظن أن رجلا غيره حرث هذه الأرض , وهيأها للعطاء .. تخلى عنها (75) " .. تنهض هذه القصة, في العلاقة المعقدة بين الرجل والمرأة, في المجتمع الشرقي ..
    وفي قصتها ( إنحناءة ) نجد إمرأة اخرى, تحني رأسها للعاصفة ذات مرة . لكنها منذ تلك المرة, لم تحنه أبدا فقد إتخذت قامتها شكل الإنحناء . وهي قصة في السياق العام للقصص السابقة . إذ تمكنت فيها منال حمد النيل من تكثيف المعنى, بإختصار الألفاظ والدلالات الفائضة, إلى أقصى حد ممكن . لتعبر عن معنى التحدي " أحنت رأسها يوما تتقي شر عاصفة (..) كانت قامتها, قد إتخذت شكل الإنحناء, منذ تلك المرة (76)" ..
    وفي قصتها ( إمرأة لفكرة أخرى ) . نجد إمرأة .. محض إمرأة مقهورة , حد الوجع . حتى أن قهرها نفسه يلوذ .. فحاولت أن تحيا كإمرأة - رغم كونها إمرأة - بألا تحب . فالآخرين يرونها إمرأة , لكنها كالنعامة . لا ترى ذلك " قررت أن تخرج عنقها من الرمل (77) لكن ما ان أحبت , حتى " أصبح ضوءه نشازا في داخلها .. أنها قصة حرمان المرأة من الحب .. فهو ليس من(حقها) . فقد تم تقييده بترسانة الفكر الجبري, وسلطة العادات والتقاليد والعرف فالحب في مجتمعها قضية ليست ثمة من إستعداد للدفاع عنها !.. وعندما تنتزع هذا الحق ( حقها في أن تحب), تتصور أنه ربما يحدث لها مثل ما حدث لهذه المرأة. التي يضج في حقيبتها: ألف عام من الوجع " كانت قد أدركت, أنها أخطات رجلها الهلام (78)" ..
    وفي قصتها ( وحين أحبت ) نجد تلك العلاقة المعقدة, بين المرأة وذكور عائلتها الكبيرة .. المتسلطين على نساء العائلة . ما يجعل الشعور بالحاجة للقهر متأصلا فيها " وحين أحبت, تمنته قويا يخضعها لإرادته (79)" ..
    وفي قصتها ( كان هناك في وجوه المارة ) . نجد أنثى تكرّه المجتمع والناس , ولا تؤمن بالحب . لكن عندما أحبت. تغيرت مشاعرها تجاه كل ذلك " لم تعد ترى في المارة بشاعتهم , ليس لأنهم صححوا فكرتها القديمة , بل لأنها باتت تراه في وجوه المارة (80)" فالحب لخص لها كل الحياة في حالتها الشعورية - بحيث صارت ترى كل شيء, خلال هذه الحالة .. هذا الحب - غير نظرتها للعالم والناس والأشياء ...
    وفي قصتها (رحيل ) نجد إثنين , رجل وامرأة ربما .. " لم يكن يعني لها - منذ الوهلة الأولى - أكثر من كونه رجلا يضاف, إلي بقية معارفها من الرجال (81) .. وفي اللقاء الثاني تدرك أنه ليس رجلها المنشود " أنه رجل لا تكفيه إمرأة واحدة , من أولئك الرجال, الذين يردمون هوة فراغهم بكثير من النساء . بدأت تلملم أشياءها إستعدادا للرحيل (82)" فمن خلال لقائين فقط . أدركت( بغريزة الأنثى) , أنه ليس رجلها . رحيل هي قصة الغريزة الأنثوية, كأداة تحليل لجوهر فكرة الرجل عن المرأة ..
    ونلاحظ على القصص السابقة , التي وسمتها منال ب " قصص قصيرة جدا مع أنها ليست كذلك" .. أكبر قدر ممكن من الكثافة - كما أشرنا من قبل - التي تنطوي - فقط تنطوي - على صوت مقابل صوت - غالبا صوت ذكوري مقابل صوت أنثوي - أو هو صوت أنثى تتداعى في خيباتها أو إنتصاراتها , في وحدتها القاتلة - تسفر هذه الأصوات عن هاجس محدد ( هو هاجس الحب / الحياة ) .. ولا نلمح سوى هذه الاصوات, التي تبدو كأصداء متلاشية ..
    الأزمة العاطفية في الواقع الفعلي , لا تنفصل عن الأزمات الإجتماعية, بل هي تستمد تأزمها من: الإجتماعي الثقافي والنفسي والإقتصادي , إلخ .. كل ذلك عبر أصداء بعيدة, حتى لتبدو متلاشية عند مصدر الصوت الأصلي , لدرجة أننا لا نميز ملامح محددة ( في بناء الشخصية).. فشخصيات منال في هذه القصص , هم مجردون من كل شيء _ إلا من دفقات مشاعرهم الدافئة أو الأسيانة - حتى الأسماء ...
    القصة عند منال حالة تعبير عن إنسان , كل ما يملكه ويميزه هو كونه إنسان . هكذا دون حاجة لإسم أو لقب أو وضع إنساني...
    وفي قصتها ( قبلك .. كان ) تعبر منال عن لحظة انسانية مكثفة الحزن واللوعة , بمثابة القانون الذي يحكم حياة أنثى لوقت طويل . قبل أن تلتقي بمن تحب , فتتغير حياتها " تسكن العتمة أرجاء روحي , كما الليلة . تحاصرني الوحشة من كل حدب وصوب . لم أستطع فكاكا من سجن شعوري الحلزوني , رغم محاولاتي الجادة " وتجاهد هذه الأنثى المحزونة ,في التحرر من العوامل , التي أدت بها إلى هذا الإحساس الفاجع بحياتها . فلا تجد ملاذا يحررها سوى البكاء .. سوى الضعف الإنساني , الذي يعبر - أيضا عن منتهى قوة الإنسان - منتهى قوتنا "أبكي .. أبكي , ايتها المرأة الأكذوبة . إبكي أيتها المرأة اللاموجودة (..) هيا مارسي إنهيارك . إحترمي ضعفك (..) وفي الصباح لا أرى في الضؤ غير كائن متطفل . يدخل عيني . دون إستئذان . أرى بقاياي مكوّمة على السرير , فأجرجر جسدي لأبدأ يومي . قبلك هكذا كانت أيامي (*)" ...
    ما سبق بمثابة المدخل لعالم القاصة السودانية منال حمد النيل .. المدخل لقراءة قصتيها (غربة) و(حبيبات مطر) ,حيث تخطر على أذهاننا هنا بعض المفاهيم المنهجية, التي تتعلق بالسرد , الذي يمكن تمييزه - السرد - بين نمطين : سرد موضوعي وسرد ذاتي . ففي نظام السرد الموضوعي, يكون الكاتب مطلعا على كل شيء . حتى الأفكار السرِّية للأبطال . أما في نظام السرد الذاتي, فأننا نتتبع الحكي من خلال عيني الراوي او ( طرف مستمع ) متوفرين على تفسير كل خبر : متى وكيف عرفه الراوي أو المستمع نفسه ؟
    ففي الحالة الأولى (السرد الموضوعي ) يكون الكاتب مقابلا للراوي "المحايد" الذي لا يتدخل ليفسر الأحداث, وإنما يصفها وصفا محايدا كما يراها, أو كما يستنبطها في أذهان الأبطال . ولذلك يسمى هذا السرد موضوعيا . لأنه يترك الحرِّية للقاريء, ليفسر ما يُحكى له ويؤوله (83).. وفي الحالة الثانية لا تُقدم الأحداث, إلا من زاوية نظر الراوي , فهو يخبر بها ويعطيها تأويلا معينا , يفرضه على القاريء , ويدعوه إلى الإعتقاد به .. والحالة الثانية هى التى نحن معنيون بها في( غربة) و(حبيبات مطر) لأن منال في قصصها المطولة تلجأ للسرد الذاتي ...
    غربة :
    في غربة يحدد الراوي بصوت- ضمير الغائب- إبتداء: الزمان والمكان "غرفتها في تلك البلاد التي أغتربت إليها " " تشير الساعة إلى الواحدة بعد منتصف النهار من ظهيرة الثلاثاء (..) منذ قدمت إلى هذه البلاد , التي تشبه الحياة فيها الوقوف على قنبلة مضغوطة (..) كثيرا ما تصبح أكثر غربة من الطير في بلادك , حين توصد فيها الأبواب ".. وهكذا يأخذ المكان بعدا جغرافيا نفسيا معقدا - غربة - فالإحساس به ليس مجرد إسقاط للغربة فحسب , بل هو علاقة بطلة القصة بذاتها المشروخة أيضا - أبناء وطنها في المهجر - ذاتها التي تتمثل في أبناء وطنها والذين وجدتهم ليسوا ( ذاتا ) بل (آخرا) .. وهي محض (موضوع ) للمساءلات الأخلاقية لهذا ( الآخر ) الذي لا يريد أن ينظر إليها ك(ذات) مثله . .
    من جهة أخرى هي (ذات ) بالنسبة ل(الآخر ) الغريب عنها , في هذه البلاد - الآخر بمعنى الساكن الأصلي لهذه البلاد - وبين هذا الآخر وذاك , ( في مكان آخر ليس وطنها ) ينفجر الصراع وتجري أحداث القصة القصيرة (غربة ) فهي قصة عن الذات أو الآخر بما هو نقيضي, وشرط وجودي أو العكس . فقد يكون الآخر شريكا أو غريبا . وقد يكون صديقا أو عدوا . وهذه الثنائية قد تخفت حدتها أو تزداد , وقد تبدو ظاهرة للعيان, أو قد تكمن فتبدو خافية, غير مرئية أو محسوسة . تبعا لعوامل كثيرة: داخلية وخارجية.. وتبعا لشروط إجتماعية وتاريخية متعددة (84)" ..
    والقصة غربة , تهيمن عليها في هذا السياق ,أجواء ومناخات الغربة –قدر كتابنا المهاجرين - منذ الإستهلال وحتى الخاتمة . فبطلة القصة تصحو من نومها, على سريرها في غرفتها ذات يوم , وتبدأ في إسترجاع تجربتها المريرة, بهذه البلاد الغريبة عنها .. حيث تشاركها هذه الغرفة, إستشعار الغربة بصورة أكثر حدة . بل تعمق فيها هذا الإحساس بالغربة.. بفوضى أشياءها الأنثوية المبعثرة في كل مكان , وبالفوضى التي عبر عنها شعرها الغاضب, والأغنية المنبعثة من الريكوردر .. كل شيء رمادي وكئيب, وينطوي على غضب مكبوت !!.. تركت بطلة القصة بلادها, بعد أن أوصدت في وجهها كل أبواب العمل , وجاءت (مغتربة) لتعمل (جليسة أطفال) , حتى تستطيع سداد فواتير إيجار منزل أسرتها, حتى لا يتعرضوا للضرب مثل مرات راسخة في الذاكرة , وحتى تستطيع سداد فواتير الحياة الكريمة .. ولكن بني جلدتها (الآخر ) العاملين في هذه الغربة , يستنكرون عليها الخروج للعمل خارج بلادها ( وطنهم –الأسير تحت وطء الثقافة السائدة,التي لا تسمح للمرأة بمغادرة بلادها دون محرم) ويشككون في أخلاقها , بل وينفون إنتمائها لبلادهم التي يكوّنون عنها - بلادهم - صورة مثالية –غير واقعية أو حقيقية – صورة لا توجد سوى في أذهانهم كنوع من التعويض النفسي المرضي , لمجابهة قصورهم الأخلاقي - كما حددته الثقافة التي ينتمون إليها بمعناها الشمولي " يغلِّظون الإيمان ويحلفون الطلاق , ويراهنون على جنسيتها في تبرؤ واضح , وينسبونها الى أقطار أخرى , فتزداد غربتها ..
    وتبدأ في الكشف عن عوامل إغترابها " أما غربة طفولتها فهي وعيها المبكر , بمعنى الحرمان. وأما غربة مراهقتها , فهي الإحساس بمدى الفجوة, والتفريق في المعاملة بينها وبين نديدها الذكر , وأما غربة شبابها فهي الإصطدام بأرض مليئة بالوعورة والأشواك (..) فتقرر السفر " لمواجهة إحتياجات الحياة المعيشية لأسرتها, ولمواجهة إحتياجاتها كذلك . بعد أن فشلت في إيجاد عمل ببلادها ,على الرغم من أنها خريجة جامعية من إحدى الكليات الحديثة في تخصص عملي مرغوب . " تذكرت معاينات العمل التعجيزية التي دخلتها , يوم طلب منها تلاوة (سورة النور ) للحصول على وظيفة مدنية (..) صورة صديقتها ورفيقة طفولتها دامعة . تحكي لها كيف أن مسئول عرض عليها الحصول على وظيفة, لقاء تغوله على جسدها (..) كانت قد حادثتها منذ يومين فقط, لتطمئن على حالها .. علمت أنها لم تتوظف بعد . رغم أنه مر على تخرجها ستة سنوات(*) .".. وتستمر بطلة القصة بتعابير ملؤها الأسى واللوعة, في إسترجاع محطات فارقة في حياتها , وهي تحادث نفسها , أو تحادث صورة والدها المتوفي, منذ أكثر من عشرين عاما . وكيف أنها تلجأ إلى الصمت في الواقع , كسلاح.. تتحدى بهذا الإسترجاع بؤس حياتها . تعوض في أحاديثها مع نفسها , ومع صورة والدها .. أنها قصة الغربة والوحدة - كذلك - مثلما هي قصة الذات / الآخر - الغربة والوحدة, اللتين تعيشهما هذه الفتاة, بمواجهة الآخر الغريب, في البلاد الغريبة والآخر الرجل . والآخر ( ذاتها المتشظية ) وهي قصة تسعى بحق, لفتح الحوار واسعا بين ( الذات) و( الآخر ) بغرض الكشف عمن يكون هو الآخر ,وعمن تكون هي الذات؟!! وكيفية تشكلهما وأسباب ذلك .. مع ملاحظة أن الإطار الموحد, من الفكر والسلوك والثقافة الموروثة , كل ذلك بمثابة الشرط لإنتاج المفاهيم المتعلقة بالذات والآخر . وهو الشرط الذي إنطلق منه بني جلدتها في الحكم عليها, والتبرؤ منها ونسبتها إلى أقطار أخرى !! .. كيف كانوا يرون انفسهم؟! . ذاك هو السؤال الذي يعري جهاز القيم في الثقافة الجبرية السائدة !.. فعلى أساس الإجابة, نظروا إليها. وهم يرونها بطريقة معينة , تحدد هويتها في نظرهم. وتميز هويتهم - ثقافتهم المتعالية - عنها !! .. فمن خلال الإنعكاس المفترض, لهاتين الهويتين , يتفجر الصراع داخل هذا النص - النص يطرح أيضا السؤال حول: العوامل التي أدت في الأصل إلى إغتراب الناس أو هجرتهم .. للحصول على فرصة للحياة, يفتقرون إليها في بلدانهم ! ففي هذا السياق تجري الأحداث " إن الخبرات المشتركة , التي يحصلها الإنسان –الفرد- ومن ثم الجماعة. تكوّن في النهاية بنية تصوغ رؤية الإنسان لنفسه, والجماعة لذاتها , وللكون والحاجات والعلاقات الإنسانية من ناحية . كما تشكل أيضا - في الوقت ذاته - مرجعا للتفسير ودليلا للسلوك , وإطارا للإنتماء . بمعنى أنها هي التي تكون وعيا إجتماعيا ثقافيا ديناميا , ويمكن تسميته مجازا بعقل الجماعة (85)"..
    حبيبات مطر : القص كظاهرة أدبية يتميز بنوع من التعقيد , يأتي من تعدد مستويات التوصيل . التي أحدها تفويض القاص لراوي تخييلي, يأخذ على عاتقه عملية القص ويتوجه إلى مستمع تخييلي أيضا, يقابله في هذا العالم . فالقاص يتقمص شخصية تخييلية . تتولى عملية القص . وسميت هذه الشخصية " الأنا الثانية للكاتب " . وقد يكون هذا الراوي غير ظاهر في النص القصصي, وقد يكون شخصية من شخصيات القصة . ودراسة مظاهر حضور الراوي, تعني إقتفاء أثر صوت الراوي داخل الحكي(86)"
    وللتطبيق العملي لهذه المفاهيم على القصة( حبيبات مطر) . نجد أنها تبدأ بضمير المتكلم , الذي يتخذ منه الراوي وسيلة لتعبيره في المضارع المستمر " ( أراقب) حبيبات المطر المتكورة علي زجاج نافذه السيارة ,وهي تنزلق بسرعة ... في طريقها إلي أسفل النافذة.. ثم تقف فجأة بطريقه لا تتناسب وسرعتها الأولي...وكأنها تتردد في الإنزلاق منتحرة ...لتمتصها الحافة السوداء(*) ".. فنلمح نوعا من الضجر يدفع راوية القصة لفعل المراقبة .. و مسترجعة لأفعال أخرى قامت بها هذا الصباح , بالغوص عميقا في ذاكرتها تحلم بحبيب غائب .. "حين وقفت أمام المرآة عارية إلا من إمتلائي بك...أتفقد نعومتي وإلتفافاتي - كما لم أفعل قط - وكأني أخشي أن تكون البلادة والتجمد ,اللتان تحيطان بي ههنا قد إلتهمتا منهما شيئا...وهرعت أتغطي - قبل أن أتأكد - حين ألتقت عيناي بعينيك... فقد كانت صورتك قبالتي بالتسريحة...فأدرتها علي ظهرها هل تغار؟! (*) ..
    و هكذا يمضى الراوي - الأنثى - مستعيدا إلتياعاته, في هذا البعد المضن عن الحبيب البعيد .. ليس لها سوى الوحدة ,وصورته التي تمثل عالمها . كل عالمها فتحادث هذه الصورة , ويمضي الحوار بينهما (الراوي - الصورة).. ليكشف عن عالم هذه الأنثى الحلمي اللذيذ , بجرأة وترقب "أنت الرجل الذى يترك فى فمى طعمين : هزيمة ونصر .. ويحىّ فىّ كل ضعفى .. يوقظ فى إمرأة غجرية.. تقدم من أدغال ذات طقوس إستوائية ..إمرأة لم أعهدها فىّ قبلا .. أو بالأحرى ما أفرجت عنها قط ,كما تحرضها أنت الآن فتية ويانعة.. تملى علىّ نضج حاجاتها .. إمرأة تترنح زهوا .. يعج فى أعطافها , جنون قبيلة من النساء (*)" ثم لا تلبث أن تخرج من عالمها الحلمي اللذيذ ,إلى عالم اللحظة الحاضرة, التي انطلق منها السرد في إستهلال القصة "..أراقب حبيبات المطر المتكورة, على زجاج نافذة السيارة , المتردد فى الإنتحار عند الحافة السوداء..وأخرج من تأملاتى على صوت مكتوم جراء كبح جماح الإطارات ..وكأنه يذكرنى بضرورة ممارستي لهواية كبح مشاعرى (*)" لتتبدى لنا شيئا فشيئا خلفية هذه الأنثى التي تعوض في إستدعائها لطيف الحبيب الغائب ,ومناجاتها لصورته.. وحدتها وحرمانها في الواقع.. إلى أن تنتزع بصوت "أيقظنى للمرة الثانية صوت زميلتى ,تؤكد لى أنا قد وصلنا ..ألقيت نظرة أخيرة على حبيبات المطر المتكورة على زجاج نافذة السيارة, والمترددة فى الإنتحار على الحافة السوداء ..وكأننى إرتبطت بها لإمتزاجها بأفكارى (*) " ..
    إرتباط تداع هذه الأنثى بتداع حبيبات المطر ,على نافذة السيارة التي تقلها هي وزميلتها, يشكلان هنا - حبيبات المطر وحالتها الشعورية - رمزية الخصب بدلالة المطر والشوق , وبدلالة إستدعاء هذا الحبيب الغائب , ومناجاة الذات في حوار مشحون بالظمأ والإشتياق . ومحاولة التحرر من كبح . الذات " ترجلت ..ورغم أنى أرتدى فستانا أنثويا بسيطا , معرّى الصدر , والجو بارد نسبيا , إلا أننى , تمنيت أن تلامس زخات المطر , جسدى .. عله يخفف من زخم مشاعرى ويغسل غربتى ووحشتى(*)" وهكذا تعود مرة أخرى للغوص في داخلها ومناجاة حبيبها وذاتها " وأنت ؟.. أنت .. طفلى الأروع.. طفلي الرجل.. الذى يعيد إلىّ الدماء ,ويشعل ساحاتى أملا ووعدا , غنى الإخضرار(..).. وأشعر بشوق دافق لأن ألامس تلك الحبيبات كطفلة .. تنتابنى أحاسيس شتى , أوضحها حلمى بك , وإفتقادي لك .
    علمت دوما أنى أمتلك ينابيع مشاعر .. عاطفة دافقة .. إختزنتها لرجل إحتل روحى منذ ملايين السنين .. يفترسنى بحب إلتهامى الطبع و النزعة , جعل رضاي وإنسجامى مستحيلا .. كلما أطل فى الأفق طارح غرام.. فرغم عدم وضوح معالمه وملامحه داخلى , إلا أننى شعرت به دوما , كلما أقتربت من شفافيتى ورهافتى ..
    وأتوغل أنا بعدا , كلما ولجت عتمة حزنى ومادية تفاصيلى ..إلا أنه كان دوما هناك ..يرقبنى , ويسكننى ..رجل لم ألتقه قط ..ولم أنتظر هبوطه هكذا على حين غرّة , ودون سابق انذار(*)" وهكذا تستمر هذه القصة, التي هي مزيج من لغة الشعر والقص , مستخدمة تقنية إنعكاس المرايا, لبث تجربتها الذاتية في إنتظار هذا الرجل الذي يملأ كيانها ,ويشعل فيها الحرائق والجنون ..
    إذن هناك حالتان إما أن يكون الراوي خارجا عن نطاق الحكي . أو أن يكون شخصية حكائية موجودة داخل الحكي , فهو راو ممثل داخل الحكي . وهذا التمثيل له مستويات ( فأما أن يكون الراوي مجرد شاهد متتبع لمسار الحكي . ينتقل عبر الأمكنة ولكنه مع ذلك لا يشارك في الأحداث . وأما أن يكون شخصية رئيسية في القصة (87) كما هو الحال عند راوي منال في غربة وحبيبات مطر .
    نواصل-
                  

العنوان الكاتب Date
أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-08-11, 09:51 PM
  Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-08-11, 09:53 PM
    Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-08-11, 09:56 PM
      Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-09-11, 03:49 AM
        Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-09-11, 04:45 PM
          Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-09-11, 10:48 PM
            Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-10-11, 04:45 PM
              Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-10-11, 10:58 PM
                Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-11-11, 09:42 AM
                  Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-11-11, 06:32 PM
                    Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-11-11, 11:22 PM
                      Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-12-11, 05:20 AM
                        Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-14-11, 07:46 PM
                          Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-15-11, 05:30 AM
                            Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... Bashasha02-15-11, 05:55 AM
                              Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... Sinnary02-15-11, 06:30 AM
                                Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-15-11, 02:40 PM
                              Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-15-11, 04:18 PM
                                Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-16-11, 00:13 AM
            Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-19-11, 03:03 PM
          Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-18-11, 03:58 AM
  Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-16-11, 06:25 AM
    Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-16-11, 05:16 PM
  Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-17-11, 06:01 AM
  Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-17-11, 09:44 PM
  Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-17-11, 09:44 PM
  Re: أبعاد في القصة القصيرة العربية المعاصرة(1-3)... احمد ضحية02-18-11, 04:16 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de