الفاتح جبرا .. في ذمة الله
نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب د. الفاتح يوسف جبرا فى رحمه الله
|
من الطاحونة للطابونة – حكاوي العيش (7 - I): قرمشة في "الانقاذ" (Re: Adil Al Badawi)
|
قال المغنّي: "يا الخرطوم يا العندي جمالك جنّة رضوان، طول عمري ما شفت مثالك في أي مكان" لكنّ المغنّي المجيد رحل ربّما قبل أن يشهد تمدّد طبقات بصلة الخرطوم دوائر دوائر حتى طالت أماكن يمكن للصحراء فيها أن تشويها من غيرما وسيط؛ كما وربّما إنّه لم يشهدها تتشرّط مثل ذلك التشرّط المشاتر. والتشرّط المشاتر مصطلح نجرته إثر قصّة سمعتها عن أحد المريدين كان قد طلب من شيخه أن "يدّيهم الفاتحة" لكي يغنيهم الله بحلاله عن حرامه. قيل أنّ الشيخ أخد ليه "صنفة" ثمّ قال: ما تقعد تتشرّط ساكت آلفقير، الزمن العلينا دا إن بقيت مارق تَبْ لي حرامو فيها تلقى الجماعة خَلّوا ليك مِنّو شي وفيها ما تلقى!
وفضلاً عن التشرّط المشاتر الذي حكينا بعض حكاويه سابقاً بهذا البوست وتشرّط الخرطوم ممّا شهدنا سابقاً ونشهد لاحقاً بهذا البوست، فإنّني وجدت بالذاكرة والخيال شواهد على حالات من التشرّط المشاتر ممّا يصب في دكّة حكاوي العيش. من ذلك أنّ جدّي اللمين ود عبّاس ما انتقل إلى رحمة مولاه إلاّ وهو يناهز المائة عام قضاها كلّها ولمّا يتجاوز طعامه فيها الكسرة بالملاح أو باللا ملاح اللهمّ إلاّ في الأعياد والمناسبات (الأفراح والأتراح) "القوميّة"، وعلى الرغم من ذلك لم يتردّد طبيبه المعالج في أن يكتب له قائمة بالمأكولات الممنوع عليه تناولها. الواقع أنّ القائمة هي قائمة جينيريك تجدها منسوخة في عدّة نسخ لدى سكرتير ذاك الطبيب لكنّ الطبيب تلاها على جدّي اللمين ود عبّاس ليضفي عليها دراما هدفها أن تقنعه بالتخلّي عن أطعمته المفضّلة رغم ما يعتري ذلك من كرب: السمك المحمّر ما تاكلو، ولا الجداد المحمّر وما تاكل اللحم السمين؛ الكُشن المسبّكة والصِلَص أختاهن وأبعد من المنقة والبطيخ والتحليات الدسمة وما تاكل دا ولا تاكل داك وعيييك. وما أن انتهى الطبيب من تلك التلاوة إلا وكانت قولة "أحسنت" الصادرة عن جدّي اللمين مجرّد تهكّمٍ من شاكلة: هَيْ نان آولدي خلّيت لي شنو آكلو أنا هسّي!
ثمّ إنّني فكّرت أن أتشرّط، أنا ذاتي، تشرّطاً مشاتراً وابتزازياً وذلك بأن أجرّب أقول لطبيبي المعالج أنّني أفكّر جديّاً في الرجوع لادراج السمن البلدي ضمن محسّنات طعامي لعلّه يعوّض ما أفقد من مذاق الأطعمة جرّاء التخفيف (القسري) لكميّة الملح بطعامي لكنّني تخيّلته يقتبس لي نحواً من قولٍ لكمال الجزولي منقولاً عن القائد المسيري محمد عبد الله ود أبوك: تعرف سواتك دي زي سواة زولاً داير يغطّي النار بالعويش؛ دا أكان ما جاب لي قصّة الدَحَش العاير مع قرن الشطّة! وبما إن ذلك كذلك فقد رأيت أن آخذها من قاصرها فعدلت عن الفكرة. لكنّ سواة طبيبي هذا ما ماتت إلاّ وقد ولدت فكرة أخرى ظافرة محورها تبرير التِشهّي عبر سواة زميل ماليزي فلسفته في تناول الأطعمة الدسمة والحلويّات والمشروبات الغازيّة والروحيّة والحراقروحيّة وتعاطي السهر والتدخين والسبعة وذمّتها تتلخّص في إنّو ما دام الزول بموت بموت أحسن يموت وليس في نفسه شيء من حتّى هذه "الحادات".
وسنتر الخرطوم، سنتر هذه البصلة، ما تشرّط إلاّ وقد بلغ من الجمال مبلغاً جعله يفتح المدارس ويستقطب الطهاة العالميين يعلّمون الناس السحر فيتعلّمون منهم ما يفرّقون به بين الدقيق متعدّد الأغراض ودقيق الكيك والحلويات ودقيق الكسرة والقرّاصة في مدنيّة مفرطة كاذبة خافضة رافعة ولا مبالية بأثر ذلك على أنماط عيش الناس ممّن هم بداخل طبقات بصلة الخرطوم أو أولئك المنتشرين بما حولها من ريف أو جموع المبعثرين بريف السودان المركّب. فكان أن رجّت الأرض رجّاً ممّا شهِد هذا البلد من أهوال فيها أنّ أجزاء منه تترنّح شبعاااانة عيش فيما أجزاء منه ما زالت تستخدم حجري المرحاكة على مرمى حجر (205كيلومتر تحديداً) من المنفذ الذي تدخل عبره هذه "العيوش" إلى حيث يتم فرزها إلى مختلف أنواع الاستخدامات وليس في ذلك ما يثير الدهشة بقدر ما فيه ممّا يثير الغيظ إثر ما شهدنا من شكوى هذه المرحاكة من قلّة، وربّما عدم، ما يوضع بين حجري رحاها من "عيوش". لكن ما أن بلغت الأرض في رجّها ما بلغت إلاّ وجاءت "الانقاذ" تسعى للشعب السوداني لينقذها بأن "يدّيها الفاتحة" وهي تتشرّط، الرازّة ونطّاحة، أن يغنيها الله بحلال الكسرة عن حرام الرغيف بدون أدنى حساسية (قول، يا زول، مسئولية أخلاقية) تجاه ما فعل العبث الذي مارسته بأنماط عيش الناس حتى أصبح المارق لحرام الكسرة في عرض: والله إنتَ وحظّك فيها تلقى الجماعة خَلّوا ليك مِنّو شي وفيها ما تلقى.
ليس الحسد ولا الحقد (الطبقي؟)، بالطبع، هو ما دفعني إلى حديث المدنيّة المفرطة الكاذبة الخافضة الرافعة اللا المبالية وإنّما ما ذكرت من خرابٍ لحق بأنماط العيش ودمارٍ نتج عن تبعات ذلك. هذا الخراب يجعل الخلل الأوّلي الذي ألمسه في دعاء الرجوع للعواسة والكسرة يرتبط ارتباطاً جوهريّاً بما لحق بأنماط العيش. وذلك خلل يتمثّل في مصيبة الاحلال والازاحة التي لا محالة تحل بطبقات السودانيين حين يحين وقت تكالبهم على قصعة العيش فيحتلّ من ما زالت فيهم رقَشَة خانة الفقراء فيما ينزوي الفقراء في خانة الجوعى.
أقول قولي هذا وقد أكون افتريت وعمّمت ودمدمت وبالغيب رجمت فدمّمت وقمطت الناس حقّهم وبالغت ذاتو لكنّ ذلك يبقى من التطفيف المحمود الذي تهون فيه كلّ الوسائل ما دامت الغاية هي حسن التعبير عمّا يعتمل بذهن المرء من تفكير. من ذلك أنّني أحاول أن أؤسّس في هذا المقال الأخير إلى أنّ قضيّة العيش قضيّة مسئولية أخلاقية فالضرر الذي لحق بأنماط العيش والخراب الذي طال الادراك الأخلاقي المتمحور (بطريقة أو بأخرى) حول منظومة العيش يؤكّد أنّ تلك قضيّة لا يستقيم أن تحلَّ ببدائل من غلال وإنّما تحلّ ببدائل من أخلاق أقلّها اعتراف كافّة المتورّطين فيها (تصحيح الادراك الأخلاقي؟) بما وقع من خراب وقيامهم إلى جبر الضرر والتزامهم التكفير عما ارتبط به من آثام! لكن كيف؟
أقول لكم كيف لاحقاً إن شاء الله.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
"بان دور"؛ إدمانُ العيش! | Adil Al Badawi | 10-22-10, 06:59 AM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | عبدالمحمود محمد عبدالرحمن | 10-22-10, 09:48 AM |
حامض حلو (وقيل حلومر) | Adil Al Badawi | 10-23-10, 07:13 PM |
من الطاحونة للطابونة – حكاوي العيش (1): الهارلي في القرّاش | Adil Al Badawi | 10-25-10, 07:45 PM |
من الطاحونة للطابونة – حكاوي العيش (2): تشييط العالم | Adil Al Badawi | 10-26-10, 10:00 PM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | عزاز شامي | 10-27-10, 10:39 AM |
كرامة بليلة "حمراء" وآخرين | Adil Al Badawi | 10-27-10, 10:16 PM |
من الطاحونة للطابونة – حكاوي العيش (3): حار من نارو يسكّت جهالو | Adil Al Badawi | 10-28-10, 06:18 PM |
من الطاحونة للطابونة – حكاوي العيش (4 - أ): طلّقْ زِفتة أم تكشو أم تكشو | Adil Al Badawi | 10-29-10, 12:24 PM |
من الطاحونة للطابونة – حكاوي العيش (4 - ب): طلّقْ زِفتة أم تكشو أم تكشو | Adil Al Badawi | 10-29-10, 06:20 PM |
من الطاحونة للطابونة – حكاوي العيش (5): شهوات العمير وشهوات الغير والمنفعة الحجيّة | Adil Al Badawi | 11-04-10, 05:38 PM |
من الطاحونة للطابونة – حكاوي العيش (6): قرمشة في "كوبر" | Adil Al Badawi | 11-06-10, 09:37 PM |
Re: من الطاحونة للطابونة – حكاوي العيش (6): قرمشة في "كوبر" | عبدالمحمود محمد عبدالرحمن | 11-07-10, 08:34 AM |
Re: من الطاحونة للطابونة – حكاوي العيش (6): قرمشة في "كوبر" | الجندرية | 11-07-10, 09:12 AM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | نهال كرار | 11-07-10, 02:07 PM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | Adil Al Badawi | 11-07-10, 09:55 PM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | Shinteer | 11-08-10, 00:36 AM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | الجندرية | 11-08-10, 08:20 PM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | محسن خالد | 11-09-10, 10:37 PM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | Rihab Khalifa | 11-09-10, 10:38 PM |
التذمّر حيال العيش والتشرّط المشاتر | Adil Al Badawi | 11-09-10, 10:43 PM |
يا محسن ويا رحاب...ظنّيتنا اتعاقبنا. | Adil Al Badawi | 11-09-10, 11:55 PM |
من الطاحونة للطابونة – حكاوي العيش (7 - I): قرمشة في "الانقاذ" | Adil Al Badawi | 11-11-10, 02:22 PM |
من الطاحونة للطابونة – حكاوي العيش (7 - II): قرمشة في "الانقاذ" | Adil Al Badawi | 11-12-10, 08:49 AM |
من الطاحونة للطابونة – حكاوي العيش (7 - III): قرمشة في "الانقاذ" | Adil Al Badawi | 11-12-10, 09:46 PM |
Re: من الطاحونة للطابونة – حكاوي العيش (7 - III): قرمشة في "الانقاذ" | علي الكرار هاشم | 11-13-10, 09:54 AM |
Re: من الطاحونة للطابونة – حكاوي العيش (7 - III): قرمشة في "الانقاذ" | Adil Al Badawi | 11-27-10, 07:03 PM |
ملحقٌ Potluck : قوتُ الأفكارِ وأفكارُ القوت | Adil Al Badawi | 12-06-10, 06:15 PM |
Re: ملحقٌ Potluck : قوتُ الأفكارِ وأفكارُ القوت | Adil Al Badawi | 12-09-10, 05:23 PM |
إلى حين عودة، دعوا الفكرة تتزيّن عند مرآتها | Adil Al Badawi | 12-19-10, 06:51 PM |
Re: إلى حين عودة: ظَالَمَة نَفْسَ اللَبَاهِنْ، منذ دغدغة تلك الجمعة البعيدة! | Adil Al Badawi | 12-24-10, 09:15 AM |
قيقراوي! مين قيقراوي دا! | Adil Al Badawi | 01-03-11, 03:13 PM |
Re: قيقراوي! مين قيقراوي دا! | محمد عبد الماجد الصايم | 01-04-11, 07:48 AM |
Re: قيقراوي! مين قيقراوي دا! | قيقراوي | 01-06-11, 01:40 PM |
العجين الخمّر | Adil Al Badawi | 01-07-11, 07:08 PM |
Re: العجين الخمّر | قيقراوي | 01-08-11, 02:07 PM |
Re: العجين الخمّر | قيقراوي | 01-12-11, 09:31 AM |
Re: العجين الخمّر | عمران حسن صالح | 01-12-11, 09:54 AM |
Re: العجين الخمّر | عمران حسن صالح | 01-12-11, 10:13 AM |
Re: العجين الخمّر | محمد عبد الماجد الصايم | 01-12-11, 11:05 AM |
"بان دور"؛ إدمانُ العيش! | قيقراوي | 01-12-11, 11:41 AM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | عمران حسن صالح | 01-12-11, 11:49 AM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | قيقراوي | 01-12-11, 12:04 PM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | Adil Al Badawi | 01-13-11, 06:16 PM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | عمران حسن صالح | 01-14-11, 01:07 PM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | محسن خالد | 01-15-11, 01:20 AM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | قيقراوي | 01-15-11, 12:03 PM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | Adil Al Badawi | 01-15-11, 10:18 PM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | قيقراوي | 01-16-11, 10:48 AM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | Adil Al Badawi | 01-19-11, 11:10 AM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | هواري نمر | 01-19-11, 11:43 AM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | ممدوح أبارو | 01-19-11, 11:57 AM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | هواري نمر | 01-20-11, 04:09 AM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | Adil Al Badawi | 01-21-11, 08:17 AM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | محمد عبد الماجد الصايم | 01-22-11, 08:21 AM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | Adil Al Badawi | 01-27-11, 10:06 AM |
Re: "بان دور"؛ إدمانُ العيش! | هواري نمر | 01-27-11, 10:21 AM |
|
|
|