|
|
 بوعزيزي ومعنى الموت
|
بوعزيزي ومعنى الموت
تناول عديد من المهتمين مسألة انتحار الشاب التونسي بوعزيزي بالتحليل و ربطه بما يمكن ان يحدث في العالم العربي ,لكن الموضوع الذي اثار انتباهي هو اتفاق الجميع على ان مافعله محمد بوعزيزي هو نوع من قتل النفس الذى يورد صاحبه مورد الهلاك , لذلك لايستحق الاعجاب والتقدير. وان كنت استثني احدا فهو الشيخ الجليل يوسف القرضاوي الذي رغم تأكيده لعملية انتحار محمد بوعزيزي الا انه دعا له وطلب من المسلمين جميعا ان يدعو الله ان يغفر له وذلك لأن ما فعله حسب رأي الشيخ الجليل انه ايقظ امة كاملة من الموت واحياها, وهذا في نظري رؤية بها كثير من الموضوعية من الشيخ القرضاوي وما يمثله من قامه دينية.
ولكن هيئه علماء السودان واحدى كاتبات الرأي في جريدة التيار الأستاذة مني أبو زيد (هذا ما قرأته فقط) ذهبوا الى ان هذا الامر انتحار وان الدين ينهانا عن فعله.
لم يخطر في خاطري ولو للحظه ان السيد بو عزيزي كافر يستحق عذاب الله وذلك لعده اسباب اوردها هنا.
لقد كرم الله الانسان وخلقه في احسن تقويم واعطاه الارض والسماء ليعيش ويبدع فيها وكيف لهذا الانسان ان يعيش ويبدع اذا لم يكن حرا ومسؤلا وعليه فقد خلقه الله ليكون حرا ومسؤلا وليعيش في عالم من الحرية تتوفر فيها كل وسائل الحياة والامن "لك ان لا تجوع فيها ولا تعرى","وامنهم من خوف" وبذلك يحقق الانساندرجة الخلافة ومقام الحرية الاصلي الذي اراده له سبحانه وتعالى وفي مثل هذا العالم لا يقتل فيه الانسان اخاه الانسان ولايقتل الانسان نفسه. وفي هذا الاطار نحتاج لفهم دقيق للقران الكريم لكي ندرك ان الحكمة من التشريع هي الاهم والتي هي الحكمة من خلق الانسان وتكريمه. ففي الحديث عن الموت والحياة تحدث القران ببلاغه مدهشة تجعلنا نرى الحياة والموت رؤيتين فمرة يتحدث عن الموت الحسي (الجسدي) ومرات اخرى يتحدث عن الموت والحياة كـأنه يعني الموت الروحي والحياة الروحية. (( أفمن كان ميتا وأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به بين الناس كمن نثله في الظلمات-------)) (( انما يستجيب الذين يسمعون والموتى يكلمهم الله)) وتكثر الايات التي توحي بتلكم المعاني.
ثم ينتقل القرأن ويتحدث عن موات الارض وانها ميتةه وان الماء هي التي تعيد اليها الحياه وهذا نوع اخر من الموت والحياة.
((حتى اذا أقلت سحابا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجن به من كل الثمرات ---------)). ((فسقناه الى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها ----)).
ودعنا ننتقل الى موقف اخر لانه" من قتل نفس بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعا" فقتل نفس بغير نفس او فساد في الارض يشرح انه قتل كل الناس, و احياء النفس فيها احياء للناس جميعا,افلم يقتل ابو عزيزي جسده المادي من اجل ان تحيى روحه ومن ثم يحيى الشعب التونسي كله.
والجانب الثاني من القتل الذي يمكن أن يقدم عليه شخص مختار من الله كما فعل سيدنا موسى عندما قتل المصري ولكن انجاه الله من بطش المصريين رغم انه قتل نفسا ولكن اليس في قتل المصريين اشارة واضحة الى بني اسرائيل بأن هذا الرجل الذي ترعرع في قصر الفرعون وعاش حياه الفراعنة ولم يفقد ايمانه بالله وانهأي سيدنا موسى هو نصير للشعب داخل البلاط الفرعوني, اليس في قتل هذه النفس حياه لبني اسرائيل باجملها (سبحان الله تعالى). ثم نواصل في قصة موسى وفتاه وكيف قتل قتى موسى الغلام حتى قال موسى قتلت نقسا ذكية بغير نفس,لقد فعلت ذنب عظيم. ولكن استطاع فتى موسى ان يشرح دافع القتل وسببه رغم عدم موضوعيته لحيثيات اي موضوع جنائي في زمننا هذا, ولكن نثق ان العدالة الالهية فوق كل قانون.
ومن كل هذه الامثلة نستخلص ان الحكمة من العمل هي الاهم, فالعمل لا يتضح مدى خيره او شره الا ان عرفنا الهدف منه وهو ما حاول الدين شرحه فاذا كان الفعل يتفق ويتسق مع الارادة الالهية للبشر فهذا بالقطع خير والا كان شرا.
ونقطة ثالثه تعطي الانتحار معنى تقديري , فقائد الجيش الذي لا يملك من سلاح مايدفع به العدو قد يضطر الي خوض غمار الحرب دافعه في ذلك حماية ظهر بلاده حسب رؤيته للوقائع ثم ليضرب للأخرين مثالا للشجاعه والمثابرة ولكن لا يتورع الممؤرخون ان يقولوا بأن هذا القائد قد انتحر ودفع جنوده للانتحار في معركة خاسرة منذ بدايتها.
والموضوع الاخير والاكثر اهمية هو تعمدنا وخاصة علماء الدين النظر للاحداث وفقا للمنطق السياسي الذي يدافع عنه أو الذي يراه, ولو شئنا الدقة اكثر لقلنا المنطق العاطفي من المسألة متجنبا الموضوعية. فعندما كانت الحركات الاسلامية تدافع بشبابها بالاحزمة الناسفة ليقتلوا بها اكبر عدد من الافراد –في غالبتهم ابرياء- كان النظر الى هولاء (لابسو الاحزمة) على انهم شهداء يدافعون عن قضية حقيقية حتى شيخنا القرضاوي وصفهم بهذا الوصف ولم يشذ عنهم غير شيخ الازهر, فلتنظر نظرة مقاربة بين الحزام الناسف وانتحار بو عزيزي...صاحب الحزام الناسف له قصية عادلة ووصل به اليأس من ايجاد حل لقضاياه وقضايا مجتمعه حدا جعله يحمل حزامه الناسف ويقتل املا في ان ينبه الناس الى قضيته ومن جانب اخر يدفع الاخرين الى الرضوخ خوفا من الموت و الشهيد بو عزيزي وصل به اليأس من امكانية حل مشاكله ومشاكل مجتمعه عبر الوسائل المعروفه, كان يمكن ان يحمل حزاما ناسفا ويقتل نفسه مع رجال المحلية ولكنه فضل لفت انتباه الناس والعالم اليه بقتل نفسه فقط, اي يتحمل مسؤوليه قتل نفسه مقابل تعريف العالم بمشكلته ومشاكل شعبه. فاستجاب له الله لأنه كان صادقا.
وما أحب أن انبه له أن مثل هذه التجربة التي صاغها الشهيد بوعزيزي ليس بتجربة علمية يمكن تطبيقها على كل المجتمعات , انما هي تجربة انسانية روحية لا تأتي ثمارها الا بنضج ظروفها الانسانية والروحية لأن حركة التأريخ كما أسلفنا لاتحددها الظروف المادية انما تتحكم فيها القوانين الروحية. فاحياء النفوس والأمم الميتة يأخذ وسائل شتى قد تكون التضحية بالنفس أكثرها قيمة لأن فيها هزيمة لفكرة الموت وعليه تكون وسيلة لاحياء الناس جميعا.
اضافة الى ان كثير من الدول تمر بلحظات مفصلية تحتاج فيها من يضحي بنفسه راضيا من اجلها, وقد تكون التضحية هنا حرباضروسا ولكن اذا برز فردا راضيا مختارا صادقا ليضحي بنفسه, فانه قد يقى هذه الامة الكثير من الشرور والموت مثل ما فعله الاستاذ محمود محمد طه عام 1983, عندما ذهب الى الموت راضيا, فكانت انتفاضة مارس ابريل باقل الخسائر.
يذكر ايضا رومابيا شاوسيسكو والقهر والاستبداد الذي كان يمارسه, ولم يكن لهذا النظام ان ينهار الا بظهور ذلك الشاب الذي احرق نفسف في ميدان عام وتلاه عده من الشباب ففتحوا الطريق لانهيار شاوسيسكو في رومانيا.
هل يعتبر مثل هذا الفرد شهيدا؟!!...على كل لا نريد ان نعطي كلمة شهادة لمن نريد ولكن الهدف والنتيجه تعطي الانسان الذي ضحى بنفسه قيمته ومعنى عمله .
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست