|
لسنا بعد الفيديو كما كنا قبله
|
Quote: ومع ذلك
دين الحكومة وبوليس تلودي
مسني قرح عظيم بعد مشاهدتي تعذيب الفتاة المعلوم. وقد مسني قرح مثله بعد مشاهدتي لفيديو استتابة الجمهوريين عام 1985. فرأيت ما لا يخطر على بال من إبدال للفكر والعقيدة جبراً. دخل علينا المستتابون في الفديو بعقيدة وخرجوا ليس خلواً منها فحسب بل وقد أشبعوها إدانة. أرقني ذلك الشحن الفكري فاتصلت بعطيات الأبنودي التي عرفت أنها نوت أن توثق للاستتابة بفيلم. ولم نوفق إلى شيء بعد جهد. ولكني لم أبرح قرح ذلك الفديو. فخصصت للاستتابة باباً كبيراً كتابي»هذيان مانوي» (2008). قلت فيه إن إجراءات الاستتابة ودراماها صفعة لمفهوم الشخص ككيان مستحق للرأي والعقيدة. فالدين نفسه كاستحقاق إنساني لاغي بعد الاستتابة. فالرب نفسه الذي كرم الإنسان بالرشد موجود قبل الاستتابة لا بعدها. فبعد الاستتابة لا شيء. الكون ضرير بعدها. سيظل صدى صرخ فتاة الفديو المعذبة : «واي يايمة» يؤذينا جميعاً. فتلك عودة غير منتظمة للرحم الأول هرباً من عالم السياط الغراء. فلا يجرؤ ابن أنثى ليقول بأنه سيغمض عيناً بعد عودة الفتاة القهقري إلى الكهف الأول تلعق جراحها. فحتى الزبانية الجلادين توسلوا لها أن تعينهم على إنهاء المهمة بسرعة من فرط وجلهم من نداءات الفطرة التي أثخنتهم بها. وأعادني هذا إلى جلاديّ مشهد الاستتابة. فقد لاحظت أنهم كانوا يودون أن يسارع المستتاب إلى لفظ عقيدته حتى يخلصهم مما تورطوا فيه من بؤس الفطرة. ولا أعتقد أن من سمع الاية التي جاءت ممن كان في المشهد «فلتشهد عذابهما طائفة من المؤمنين» سيخر لها من خشية الله. فقد اتخذ الاية قناعاً (مكاء وتصدية) يتجمل به هرباً من الشناعة التي اقترفها. إن ما رأيناه في فديو الفتاة هو عرض للسطوة. ومن أراد ان يقول إنه الدين فهذا شأنه. ولكنه هو «دين الحكومة وبوليس تلودي». وقال هذه العبارة مسلم كردفاني لم يرض بقرار محكمة شرعية ما. ففي فديو الفتاة، كما في مشهد استتابة الجمهوريين، قرّحت الدولة وشم سلطانها على جسد (جثة وعقل) المذنبين جدلاً. ووجدت عند الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو معيناً على فهم علاقة السلطان بالجسد. فمتى ما جلد السلطان الجسد فكأنه ينشر حقيقة الجريمة عليه. فاستغاثات الفتاة البدائية «قول الروب» هي اعتراف الجسد بالذنب. فالمذنب، متى استغاث، لعب دوراً في تثبيت الحقيقة الشرعية. طالت حكاية قانون النظام العام وشرطته. فإذا انفصل الجنوب فبسببه. فقد أصبح القانون بينتهم الكبرى على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية. فنساؤهم من يسرف القانون في تعقبهن وجلدهن. وهذا شيء محرج لا يرضونه ولكنهم لم يتربصوا به كما ينبغي لشريك في الحكم لخمس سنوات. أما المعارضة فينبغي أن تخطو باستنكارها بشاعة الواقعة لأبعد من البرهان مجدداً على سوء الحكومة. فمراكمة إدانات الإنقاذ عقيم. وقال ريموند وليامز إن تحدي طالب التغيير أن يجعل من الأمل شيئاً عملياً لا أن يجعل لليأس من النظم القائمة مصداقية. وقد استبشرنا أملاً يوم انتدبت السيدة لبني حسين نفسها لمواجهة القانون بالظفر والناب. ولكن هي وين ونحن وين! من جهة الدولة فقد آن أوان جهتين بها. الأولى هي المجلس الوطني ليفل تشريع النظام العام بتشريع مدروس يردنا إلى الآدمية. وسيقوم المجلس بذلك في شرط ضغط عال على نوابه بخاصة من النساء في الدوائر المختلفة وعن طريق نواب «الكوتا» النسائية. أما الجهة الأخرى فوالي الخرطوم الذي تقتضيه ولايته على الشرطة أن يحقق في هذه الواقعة المخصوصة ويطلع الملأ بشفافية وسرعة إلى ما وصل اليه. لسنا بعد الفديو كما كنا قبله.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|