|
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة (Re: عبد الحميد البرنس)
|
كان نصفه الأسفل عارياً إلا من سرواله الساقط عند كاحليه، جلبابه يتكوم ما بين الصدر والعنق، عيناه شاخصتان في البعيد، بينما ينغرس فكه في الظهر المائل لحمارة أمينة الفرَّاشة التي أغمضت عينيها نصف راقدة وأرخت أذنيها الكبيرتين وراحت تمضغ شيئاً ما ببطء وتمهل غريبين أثارا على ضوء القمر المنير وزادا من غضب الحاج محمود الذي سبق له وأن وطأ أثناء سيره الحذر داخل كومة الأوساخ المتراكمة على "جثة فأر متفسخة"، وبدا وكأن الحمارة قد تعودت على مثل هذه الممارسة الاستثنائية منذ زمان بعيد.
كانت المنازل الساجية و الموغلة في سباتها العميق قبالة سور المدرسة الأميرية شهود عيان، أوصدت الشماتة والخوف والدهشة آذانها، فبدت غير عابئة بضربات المسبحة المتساقطة على رأس أحمد حسن الذي انتزع نفسه وجذب السروال وأسدل الجلباب في ثانية متقهقراً نحو السور بما تبقى له من عقل. لكأن الحمارة التي لا تزال محافظة على هدوئها، لم تسمع بدورها كل ذلك النداء الخافت المستغيث الحار: "الستر.. الستر الستر.. يا مولانا.. وربَّ الكعبة الشريفة.. لم أفعل هذا الفجور بيدي.. و لم أرتكب.. يا مولانا.. هذا المنكر الشنيع بمزاجي.. و يشهد الله.. أني كنت في عز نومي.. عندما خطفني الشيطان من سريري خطفا.. ثم.. ثم... ثم أحضرني إلى هنا محمولاً على قرنه السابع". حالما أنهى أحمد حسن بشق الأنفس مرافعته الدامعة المنكسرة حدَّ اللوعة و الرثاء، زفرتْ الحمارة لأمر ما، وبدا أن الحاج، الذي أنساه هول ما رأى أن يؤذن لصلاة الفجر في ذلك اليوم، قد وجد في داخل كومة الأوساخ متسعاً للحوار، فأخذ يتفكر مليئا في وجه المراهق الملتصق بظهره إلى سور المدرسة الأميرية الحجري القصير بينما أخذ صوت الديكة ينطلق من أكثر من مكان قائلاً: "لماذا إذن يا ابن الناظر التربوي الرشيد نفسه!، لم يكن قرنه الرابع؟، أو حتى الخامس؟، لماذا قرنه السابع تحديداً؟، وإذا كان للشيطان الرجيم كما نعلم مائة رأس بالتمام والكمال، فإلى أي الرءوس كان ينتمي القرن الذي حملك يا فاسق إلى حمارة أمينة الفرَّاشة؟، أيها الفاجر، لماذا تصمت هكذا؟، ها أنت إذن تكذب أيضاً، خذ هذه، وقسما بالله العظيم ثلاثاً، لأنت سيد الفحش كله، لا لا، أنت الشيطان نفسه و قد اتخذ هيئة إنسان داعر، لا، بل ... أنت مُسيلمة الكذاب نفسه".
كان في إمكان هذا الحوار أن يستمر بين كر و فر من غير انقطاع إلى ما بعد بزوغ الشمس، لولا أن فطن ابن الناظر الذي دأب على ركل عجيزة الحمارة بقدمه خفية من آن لآن إلى مراجعة موقفه الحرج، فأطلق العنان لساقيه الخفيفتين كساقي جواد، تاركاً وراءه الحاج محمود وسط نهيق الحمارة الذي علا على حين غرة، ثم.. وبعد أن انغمسن في الصمت لدقائق، مضت "وكالة رويتر المحلية" بالحكاية القديمة نفسها باعثة نسمة أخرى من الضحك في خلايا ذلك النهار الذي بدا لغيظه بلا نهاية قائلة:
"يا بنات!.. سعيدة.. سعيدة حقا.. مَن تتزوج بمُسيلمة الكذاب.. فلو طلبني أنا شخصيا للزواج لوضعت ثوبي بين أسناني و ركضت نحوه بلا تردد... لا تتضاحكن هكذا... ها ها ها.. لابد أن مَن يفعل ذلك لديه مثل ما لدى الحمار"!.
كانت ذرات الغبار الدقيقة تمرح سابحة بتراخ على امتداد شريط الشمس العريض المتساقط عبر إحدى النافذتين، كن يرقبن ذلك في وقت واحد دونما سابق اتفاق راسمات على وجوههن بدرجات متفاوتة ذلك التعبير الأنثوي الحالم في حياة تكاد أن تخلو من متاعب، و كان ثمة سرب من الذباب يتنقل في كسل بين أكواب الشاي الفارغة أعلى طبلية الخشب وأطرافهن شبه العارية في لهيب ذلك النهار، وبدا بالفعل أن مثل تلك الحكايات القديمة لم يعد يحمل جديداً، حين بدأن في الاستغفار والتثاؤب تباعاً. عندئذ، ألقت "وكالة رويتر المحلية" بصوت ناعس لا يثير ريبة ما حرَّك بِركة الأنس الراكدة منذ فترة قائلة:
"يا بنات، بحق الله، مَن هو مطربكن المفضل"؟.
لو علمن ما يتبع ذلك السؤال، لاعتصمن بحبل الصمت، لما ألقت السائلة ما ألقت، بل لتبدلت مصائر إلى غير ما ذهبت إليه أقدام أصحابها طواعية من شقاء، ولست أدري حقاً يا أصدقائي إن كان ذلك ما يدعونه "الفخ"، أم سعي الضحية إلى حتفها راضية؟.
يتبع:
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
"تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-05-10, 04:58 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-05-10, 05:11 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-05-10, 06:15 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | ابو جهينة | 12-05-10, 06:37 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-06-10, 00:34 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-06-10, 07:43 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-06-10, 07:03 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | بله محمد الفاضل | 12-06-10, 07:11 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-07-10, 02:37 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | بله محمد الفاضل | 12-07-10, 08:00 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | بله محمد الفاضل | 12-07-10, 08:15 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-07-10, 10:58 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-07-10, 05:53 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-07-10, 11:47 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-08-10, 01:36 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-08-10, 09:57 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-08-10, 12:13 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-10-10, 00:08 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-10-10, 07:30 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-10-10, 02:20 PM |
|
|
|