|
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة (Re: عبد الحميد البرنس)
|
هذا التحول في "ثقافة إناث الأسرة"، الذي أزعج عند بدايته "وكالة رويتر المحلية"، بل وجعلها بكلماته "العصّية في أغلب الأحيان" تنظر إلى نفسها مثل نظرتها إلى "هاتف بلا حرارة"، لم يكن وليد يوم وليلة، فما إن حلت إجازة ذلك العام الدراسي، حتى أرسلت أمي أختيَّ على عجل إلى العاصمة، حيث يعيش خالي الفنان التشكيلي وبناته المتحدرات من أمّ فرنسية، وحيث كانت عمليات "إزالة ما علق من كآبة الريف" تجري على قدم و ساق تحت شعار ورد أيضاً في رسالة أخرى رافقتهما إلى شقيقها الوحيد: "إنقاذ ما تبقى من شرف العائلة الكريمة"، بينما كاد مؤشر الراديو في غيابهما أن ينسى داخل البيت مثل أي جحود آخر في العالم ملامح "هنا.. أم درمان.. إذاعة جمهورية السودان الديمقراطية"، وقد أدمن التجوال حتى خلال الإجازات الدراسية اللاحقة بين الأقسام العربية لإذاعات "مونتي كارلو" و"صوت أميركا"، ولم يكن ميالاً على أية حال للوقوف طويلا ًعند الطابع الإخباري المتكرر لهيئة الإذاعة البريطانية. كانت أمّي تقول في تلك الأيام:
"ما فائدة الأنباء إذا لم تكن حضارية"؟.
كانت أختاي من الذكاء بمكان أن أجادتا الأكل بالشوكة والسكين في وقت وجيز، فضلاً عن ارتداء آخر موضات البناطيل الضيقة، مثل ذلك البنطال المدعو "لم يأخذ قلبي من قبل هيئة تفاحة"، إنها الملابس نفسها، تلك التي أدخلت أمّي لفترة من الوقت في دوامة من المتناقضات الداخلية العميقة، "يا الله، ما الفرق إذن ما بين العهر والحضارة"؟.
هكذا تساءلت ذات أصيل أعقب عودتهما الأولى من الخرطوم بأيام، وهي تراقب بقلق واضح ما بدا من ظهريهما في حيرة بينما تبتعدان عبر الفناء إلى زيارة ما كعارضتي أزياء هبطتا للتو من سياق أحد أخبار الموضة الأوروبية المتلفزة، لكن الرغبة في الانتقام من غريمتها فاطمة كانت تطغى آنذاك على كل احتمال آخر قد ينشأ داخل مركز تفكيرها المستثار منذ أن نطقتا باسم ذينيك المطربين الشعبيين تحت سمع وبصر "وكالة رويتر المحلية".
ما بدا في أول الأمر شاذاً وغريباً، بل ومستهجناً من قبل ما أطلق عليهم المحافظ في إحدى خطب عيد الاستقلال اسم "( بُقع ) الرجعية في ثوب المدينة الحضاري الأبيض الناصع"، سرعان ما تحول إلى حمَّى اجتاحت على فترات متقاربة "شبيبة المستقبل المشرق على مدارج التقدم"، وهي عبارة ذكرت "وكالة رويتر المحلية" أن أمّي قد تقالتها لأول مرة عند بدء سلسلة حفلات "الديسكو"، التي ظلت تقيمها في نهايات الأسبوع عادة، غير عابئة بتحذيرات أولئك "البُقع" المتكررة من عواقب الاستمرار في "أعمال الفجور جالبة البلايا والأهوال". لقد كانت مشغولة وقتها عن "مكائد أعداء النجاح النكرة" بجهود "الصفوة" الحثيثة لإشاعة لُعبتي "الكريكت" و "الغولف" في مدينة لا تعرف "للأسف الشديد" على حد قولها سوى مباريات "كرة القدم وسباق الحمير".
حين بدأ جمع التبرعات لبناء "مسرح يليق بسمعة المدينة الحضارية"، على حد تعبير أمين حزب التقدم النشط، قالت أمّي وهي ترجع بظهرها إلى مسند الكرسي وقد ظهرت عليها إمارات التعب جلياً إنها بدأت تشعر كمن يحلق في الفضاء بجناح قوي وحيد. أدرك أبي مغزى الرسالة على الفور، فتقمَّصت روحه الرغبة الصادقة لتقوية الجناح الآخر طواعية مثل "رجل حضاري بالغ التفهم إلى درجة"، قائلا كمن يهب للقيام بإحدى المهام التي تتطلب استعدادا خاصّا: "لابد و أن تحتفظ الأسرة بموقع الصدارة الحضاري في المدينة بأية وسيلة". هكذا اندفع بحماس ثوري "منقطع النظير" إلى المشاركة في "الأعمال المنزلية"، كأن يقوم بتنظيف الحمامات والمراحيض ليلاً، كان يفعل ذلك "إسهاماً شخصياً من جانبي" كما كان يحلو له أن يقول لحظة الانتهاء من تقطيع حزم البصل إلى حلقات صغيرة في "دعم مجهود مامتكم الحضاري".
"وكالة رويتر المحلية" التي تكاد أن تشرف حتى على "تلاقح الضفادع في الخريف" وفق ما جاء على لسان ناظر المدرسة الأميرية "الذي غدا عصبياً على نحو واضح بعد كبيرة مُسيلمة الكذاب" أشاعت أن أبي كان يفعل ذلك "في واقع الأمر" مخافة أن يُدرج اسمه ذات يوم في "القائمة السوداء الكابية"، التي ظلت تنشرها من وقت لآخر مجلة "نهضة المرأة " بدعم شخصي من المحافظ نفسه كما يُردد في الخفاء عادة، وهي قائمة تضم "أسماء الأزواج الذين ظلوا يمارسون التمييز ضد المرأة داخل المنازل سراً"، على الرغم من مظهرهم "الحضاري الج بان المُخادع"، حسبما ورد في إحدى افتتاحيات رئيسة التحرير، فيما هي تقدم لأولئك "السيدات القارئات/السادة القراء" باباً جديداً حمل عنوان: "نحو تعليم الرجال فنون المطبخ العصري"، وترد في الوقت نفسه على رسالة مطولة "موقعة بالأحرف الأولى فقط"، كانت قد بعثت بها "إحدى السيدات الثائرات"، تمنّت خلالها أن تتحرر المرأة في "القريب العاجل" وأن تشهد "إن شاء الله" بنفسها "ذلك اليوم الذي تُفرغ فيه المرأة مثانتها على قارعة الطريق مثل أي رجل عادي".
يتبع:
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
"تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-05-10, 04:58 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-05-10, 05:11 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-05-10, 06:15 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | ابو جهينة | 12-05-10, 06:37 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-06-10, 00:34 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-06-10, 07:43 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-06-10, 07:03 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | بله محمد الفاضل | 12-06-10, 07:11 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-07-10, 02:37 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | بله محمد الفاضل | 12-07-10, 08:00 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | بله محمد الفاضل | 12-07-10, 08:15 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-07-10, 10:58 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-07-10, 05:53 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-07-10, 11:47 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-08-10, 01:36 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-08-10, 09:57 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-08-10, 12:13 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-10-10, 00:08 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-10-10, 07:30 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-10-10, 02:20 PM |
|
|
|