"تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-24-2024, 08:47 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-07-2010, 05:53 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة (Re: عبد الحميد البرنس)

    ما إن عادت أمّي إلى رشدها قليلا، حتى أخذت تفكر في كلمة "موسيقار"، ككلمة لغرابتها بدت لها للوهلة الأولى عصّية على النطق تماما، لكنَّ صوت الجارة هوى بغتة من شاهق، مزعزعاً بقسوة هذه المرة يقين الإجابات السابقة، كاشفاً في الوقت نفسه عن سعة إطلاعها "الدقيق" على ما يستجد من أحداث داخل ما كان يحلو لها أن تدعوه في كثير من الأحيان و قليل من الرأفة: "عاصمة دولة جمهورية السودان الديمقراطية"، قائلاً:

    "أحبه لأنه مطرب طلاب جامعة الخرطوم المفضل".

    كان الناس في تلك المدينة ينظرون إلى هؤلاء بوصفهم "ملائكة علوم الدنيا"، على حد تعبير ناظر المدرسة الأميرية، الذي تغيرت معاملته تجاه أمينة الفرَّاشة بعد أن التحق ابن شقيقتها بكلية التربية من نفس الجامعة، متناسياً بذلك وصمة العار التي أدركت ابنه "بسبب حمارتها" بالذات، وإن لم يتزحزح قيد أنملة "نكاية في الحاج محمود" كما يروج البعض عن اعتقاده الجازم في أن ما حدث "كان وراءه قرن الشيطان السابع ولابد".

    الحق، كان لوجود أسماء غريبة، مثل "هارفارد" و "السوربون" و "موسكو" و "أكسفورد"، على "يافطات" معلقة أعلى مداخل عيادات الأطباء الخارجية، سبب كاف لزعزعة ثقة المريض و إثارة مخاوفه الأبدية، لقدا بدا الأمر في أحيان كثيرة كما لو أن الناس يرون خلف تلك الأسماء الغريبة حانوتيا لا بد و أنه سيعمل عاجلا أو آجلاً على توصيلهم إلى دار الفناء في أقرب فرصة تلوح لناظريه. لقد كان حدث دخول طالب في تلك الأيام إلى "جامعة الخرطوم" أمر يعد بمثابة "الضمان العقاري" لأن يبدأ أهله في الاستدانة من أقرب بنك طوال سنوات دراسته الجامعية.

    تكهرب الجو داخل الحجرة تماماً. لا نأمة هناك. لقد كان من العسير على أمّي أن تمضي إلى نهاية الشوط وهي تخفي استياءها من اختيار أختيَّ لمطربين "شعبيين" على الرغم من كونهما في "مقام" ابنة فاطمة الوحيدة "أمل".

    لكأن ذلك حدث في الأمس القريب.

    تثاءبت "وكالة رويتر المحلية". وبدأت فاطمة تتابع قراءة شيء ما من كتاب "ألف طريقة وطريقة لصناعة الحلوى". وكأنها لم تدرك قوة الزلزال التي أحدثتها كلماتها تلك في نفوس "إناث الأسرة" اللائى أخذن ينظرن في اتجاهات الصمت المختلفة كطائر ذبيح ذي ست أعين و ثلاث رؤوس و هم واحد. ثم ما لبث صوت "الوكالة" و فاطمة أن تناهى في وقت واحد إلى آذان أمّي التي وضعت رأسها منذ دقيقة بين كفيها وراحت تنظر في شرود إلى ما فوق طبلية الخشب القصيرة طالبا الإذن بالانصراف. هنا رمقتْ أمّي أختيَّ بنظرة معاتبة. ثم نهضت بتلك الابتسامة الشائخة لامرأة في منتصف الثلاثين. وشيعتهما وهي تودعهما إلى باب الحوش ومن هناك عادت بخطى أثقلها الصمت و "نذر الكارثة الدانية". و قد بدا ذهنها في تلك اللحظة منصرفا إلى مكان بعيد لا يعلم إلا الله متى تعود منه؟.

    ولم تظفر أختاي و لو بكلمة واحدة منها طوال اليومين اللذين أعقبا ذلك المجلس. لقد بدا الأمر برمته خارج حدود الاحتمال أو التصور. أجل، ثمة شيء حزين يلوح في "الأفق القريب".

    قبل مغادرتها المجلس بوجه طافح فيما بدا لعيني أمّي بالغنائم و "الأسرار والأخبار الطازجة المثيرة"، أثنت "وكالة رويتر المحلية" بدهاء "ناقلة أخبار عملاقة" على ما أسمته "ذكاء فاطمة جارتكم الرهيب"، مؤكدة "في الحقيقة" أن "مطربها المفضل قد خطف بالحق قلوب بنات العاصمة الراقيات"، والجارة فاطمة لم تصدق وقتها خبراً. وضعتْ رِجلاً على رِجل، ورويداً رويداً، شرعت في الانتفاخ مثل قاموس خال تماما من كلمة "تواضع"، زارعة بذلك البذور الأولى لما سيقلب هدوء المدينة الصغيرة الوادعة رأسا على عقب. و قد كان.


    كانت الأسرة قد استقرت في بيت جَديّ لأمّي المغلق منذ ثلاث سنوات على وجه التقريب. آنذاك قرر والداي هذه الخطوة، بعد أن تقدمت أختاي في مدارج التعليم قليلا وصار لزاماً عليهما أن يُلحقا شقيقتيَّ بالمدارس "الثانوية العامة" في المدينة، على أن يبتعث أبي كما ظلت أمي تردد في بعض الأمسيات أمام عدد من الجارات ضاحكة "حياة عزوبيته" كمفتش زراعي من "طبقة الدرجة الثالثة الوظيفية" كما درجت على القول كذلك "تضحية لمستقبل الأنجال المشرق".

    على أية حال، خلال إجازاته السنوية، وحتى عبر زياراته القصيرة المتباعدة لنا، لم يكن أبي يهتم في كثير أو قليل بالمدينة و "مغرياتها المحدودة"، اللهم إلا اهتمامه ذاك المتزايد بشيء واحد مثير تماما للحيرة و الدهشة و التأمّل:

    "التلفزيون العجيب".

    كان يجلس قبالته منصبا عليه بكلياته، و قد أخذ عليه مجامع نفسه، منذ بدء الإرسال في تمام السادسة مساء، و حتى موعد نهاية "بثه" قبل منتصف الليل بساعة، و إن لم يتوصل إلا بعد مرور وقت طويل و على نحو ضبابي إلى وجود ذلك المنطق الذي اتخذ بواسطته هيئة "الصندوق السحري". كان يقول "للأسف، لا يوجد لدينا في المدينة سوى تلفزيونات بعدد أصابع الإنسان الواحد، و لو علم الناس ما في التلفزيون من متعة، لقاتل بعضهم البعض عليه بالفوءوس والحراب، هؤلاء الأوغاد الجهلة لا متنفس لهم غير أفخاذ النساء، مُتع الحياة كثيرة في هذا العالم". و لحظة أن يستبد به الحماس أكثر، كان يلجأ إلى نوع من "الهرطقة الدينية"، على حد تعبير الحاج محمود، قائلا "لا بد أن الله سيُدخل مخترع التلفزيون هذا إلى جنة عرضها السماوات و الأرض". ما كان يدهشه حقا، ليس فقط زرع بعض الناس داخله، بل "حتى أنهم قاموا بحشر مدائن هائلة و مسيرات مليونية و معارك تمت في بلاد ما وراء البحار في حدود شاشته الفضية الصغيرة، و يا للعجب"!.

    كان ذلك كله يثير غيظ أمّي المنفتحة بطبعها على العالم المحسوس. و كثيرة هي تلك الألقاب و الأسماء التي منحتها له "وكالة رويتر المحلية" في هذا الخصوص. و هي ذات الألقاب و الأسماء التي تم محوها لاحقا بلقب آخر ظل ملتصقا به حتى الممات:

    "أبو العطور الحضارية الراقية بلا رحمة سماويّة"!.

    ما أحزن أمي، ما أقضَّ مضجعها، ما أحال نهارها إلى ليل حالك وجعلها تختض من الغيظ، بل ودفعها إلى التفكير عميقاً طوال تلك الأيام الثلاثة التي أعقبت ذلك المجلس في وسيلة مثلى للانتقام من جارتها "المُدعية.. فاطمة.. زوجة صلاح بتاع الدكان الرجعي.. صاحب العينين الضيقتين اللتين تشبهان فرج السحلية"؛ أن ما اعتبرته "فضيحة حضارية" لا تليق أبداً بسمعة "عائلة كريمة" يُعتبر أحد مؤسسيها أول من بنى بيتاً من "الطوب الأحمر" في المدينة قد وقع تحت سمع وبصر "وكالة رويتر المحلية"، وهذا أمر "لا يُبشّر بخير على الإطلاق بالنسبة لمستقبل زواج البنات في مدينة بها عدد لا يستهان به من طلاب جامعة الخرطوم الأذكياء".

    أملَتْ أمّي ذلك في رسالة عاجلة بعثت بها إلى أبي، معربة خلالها عن "عميق أسفي الشديد جداً لهبوط الذوق الحضاري لأفراد أسرتنا نتيجة النزوح معك يا سيادة المفتش الزراعي الثالث بين النجوع والكفور والقرى النائية طبعاً"، كاشفة بعبارات غامضة وكأنها تخشى من وقوع الرسالة في يد "عدو لدود" عن "خططي السرية الدائمة لتدارك ما يمكن إدراكه"، لابد أن في أعماقها نزعة شكسبيرية ظلت حبيسة لعقود خلت فأفرج عنها مسار "تلك الفضيحة الحضارية الكبرى" حين ختمت رسالتها بكلمات جدُّ حاسمة وقاطعة مازالت أحرفها المضغوطة على الورق بحرص و عناية كبيرين تتراقص أمام عينيّ حتى الآن: "لقد أصبحت الحكاية الآن، في هذه المدينة، يا سيادة المفتش الزراعي الثالث، مسألة حياة أو موت".

    يتبع:
                  

العنوان الكاتب Date
"تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة عبد الحميد البرنس12-05-10, 04:58 PM
  Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة عبد الحميد البرنس12-05-10, 05:11 PM
    Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة عبد الحميد البرنس12-05-10, 06:15 PM
      Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة ابو جهينة12-05-10, 06:37 PM
        Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة عبد الحميد البرنس12-06-10, 00:34 AM
          Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة عبد الحميد البرنس12-06-10, 07:43 AM
            Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة عبد الحميد البرنس12-06-10, 07:03 PM
              Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة بله محمد الفاضل12-06-10, 07:11 PM
                Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة عبد الحميد البرنس12-07-10, 02:37 AM
                  Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة بله محمد الفاضل12-07-10, 08:00 AM
                    Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة بله محمد الفاضل12-07-10, 08:15 AM
                      Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة عبد الحميد البرنس12-07-10, 10:58 AM
                        Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة عبد الحميد البرنس12-07-10, 05:53 PM
                          Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة عبد الحميد البرنس12-07-10, 11:47 PM
                            Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة عبد الحميد البرنس12-08-10, 01:36 AM
                              Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة عبد الحميد البرنس12-08-10, 09:57 AM
                                Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة عبد الحميد البرنس12-08-10, 12:13 PM
                                  Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة عبد الحميد البرنس12-10-10, 00:08 AM
                                    Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة عبد الحميد البرنس12-10-10, 07:30 AM
                                      Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة عبد الحميد البرنس12-10-10, 02:20 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de