|
"تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة
|
تمت مناقشة الأمر بصورة جادة (لا تفاصيل الآن):
"كما يشاع لم يكن للكل ب غرة بيضاء على جبينه".
هكذا أخذت تستعيد ذات نهار قائظ بعيد تفاصيل "فضيحة أحمد حسن"، التي حدثت أيام مراهقته، ولم يتبق من حلاوة حكيها، على آذان معظم الناس و ألسنتهم، سوى ذلك "الإسم"، الذي لازمه كعلامة بعد مقاومة قصيرة ومحدودة من جانبه إلى يومنا هذا:
"مُسيلمة الكذاب".
كانت الشمس تشتعل في منتصف سماء جرداء. شجرتا النيم تقبعان على جانبي مدخل الدار. تطلان على الشارع المقفر في صمت. لكأنهما سقطتا على حين غرة من لوحة رسّام أراد في لحظة إلهام جنونية تصوير الحياة كبستان خال من الهواء. وثمة ديك ملتاع حزين يرتفع صوته بوهن و فتور من مكان ما في الجوار. أما أرض الفناء الترابية الكابية فقد كانت تلتمع بعشرات الشظايا الزجاجية الصغيرة المتناثرة هنا وهناك. "إنه الصيف"، علا صوت إحداهن لحظة صمت وهي تتأمّل العالم المحترق خلف النافذتين، وبينما الحوائط تختزن الصَّهد لتنفثه بعد ساعات رئة المساء المعتمة، ما كان بوسع أكثر الناس قدرة على التوقع أن يتنبأ بما آل إليه مجلسهن من حوادث تبدو لي الآن مثل نغمة حزينة من أنين القوافل البشرية السائرة عبر القرون بلا توقف أو عزاء.
آنذاك كن مجتمعات داخل إحدى غرف البيت الداخلية. أمّي التي ستُعرف لاحقا بإسم "مبعوثة العناية القدرية العليا لبعث حضارة المدينة في غمضة عين" وأختاي الكبريان وجارتنا فاطمة وعانس على مشارف الخمسين تُدعى "وكالة رويتر المحلية".
كن صامتات أغلب الوقت.
والحق أقول لكم، كانت هي من النوع الذي يشد إليه انتباه سامعيه بخيوط متينة و محكمة من المتعة والسكون وإثارة الأشواق الدفينة بل و حتى الأسى أحيانا. تعرف جيّداً متى تصمت؟، كيف تستعين بأصابعها النحيلة أو الرقيقة أثناء الكلام؟، كيف تبدأ الأنس وتنهيه؟، بل وأين تلقي بالمغزى الكامن بعيدا داخل الحكاية؟، وأية حكاية؟.
لكأني أراها الآن.
كسنابل القمح أواخر فصل الشتاء، ذاك لونها. ممشوقة القوام. ذات شعر ناعم فاحم ينسدل إلى أعلى ردفيها بقليل. خصرها ضامر. لها إبتسامة لا تدري إن كانت تثير في داخلك الذعر أوالمسرة؟. فمها يتخذ في مناسبات عديدة هيئات الوَدْع حين تُلقيه على الرمل يد العرَّافة. لا تكاد عيناها الواسعتان السوداوان تستقران طويلاً على حال واحدة. ولا أحد من الناس في تلك المدينة الواقعة عند ضفاف النيل الأبيض يعلم على وجه الدقة متى وأين وكيف محا ذلك الإسم إسمها القديم؟.
إنها "وكالة رويتر المحلية".
مازلت حتى الآن أتذكر توهج السعادة على وجهها حين يحدث في المدينة أمر ذو بال. أجل، أتذكر طريقتها الفريدة تلك في الكلام. كما لو أن صوتها فرشاة، تنهل بحذق من ألوان خفيّة، تضرب على لوح لا وجود له ببراعة و دِربة، راسمة كل تلك العوالم من المتعة و الشجون و العذابات مرة. أجل، أتذكر ذلك. أتذكره بشيء من حنين طاغ إلى أحداث تلك الأيام "الفاتنة". أتذكر حتى ما يُحكى عن موت أبويها الثريين في حادث غرق بعيد وقع قبل ولادتي بعام. كل ذلك وغيره، مازلت أتذكره بوضوح شديد. و لكنَّ أكثر ما ظل يشيع الأسى في قلبي من كل هذه الذكريات ولا أدري لماذا هو علمي أن "وكالة رويتر المحلية" قد ماتت في منتصف العقد السادس من عمرها من دون أن ينعم بستان جمالها الذابل لحظة بالماء المتدفق عبر قناة أحد أولئك الرجال؟.
يتبع:
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
"تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-05-10, 04:58 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-05-10, 05:11 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-05-10, 06:15 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | ابو جهينة | 12-05-10, 06:37 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-06-10, 00:34 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-06-10, 07:43 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-06-10, 07:03 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | بله محمد الفاضل | 12-06-10, 07:11 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-07-10, 02:37 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | بله محمد الفاضل | 12-07-10, 08:00 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | بله محمد الفاضل | 12-07-10, 08:15 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-07-10, 10:58 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-07-10, 05:53 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-07-10, 11:47 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-08-10, 01:36 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-08-10, 09:57 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-08-10, 12:13 PM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-10-10, 00:08 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-10-10, 07:30 AM |
Re: "تداعيات في بلاد بعيدة" على أبواب الترجمة | عبد الحميد البرنس | 12-10-10, 02:20 PM |
|
|
|