|
Re: أكثر رحمة من تسول المبيت لدى أشقاء السلاح (Re: عبد الحميد البرنس)
|
قامت نواعم بفتح باب الشقة بينما ظلّ القواد في الخارج ينتظر ريثما ننهي معاينتنا. كانت من الداخل أشبه بمغارة مهجورة لقرون طوال. دولاب خشبي متداع. صور ممثلات وعارضات أزياء ملصقة على أحد الحوائط الرمادية الكالحة. ديمي مور. كلوديا شيفر. ناعومي كامبل. جوليا روبرتس. صوفيا لورين في شبابها. مارلين مورنو. سعاد حسني. الأميرة ديانا. وحتى غادة السمّان في صورتها العابرة للأجيال والعصور. وثمة عتبة منخفضة تفصل الغرفة عن الحمّام الصغير وأخرى مثلها تفصل الأخير عن حيِّز ضيق يقع إلى الداخل أشارت إليه نواعم بنوع من الرصانة الملكيّة قائلة إنه "المطبخ، يا هذا"، وثمة مرآة جانبية كبيرة علاها غبار كثيف. كانت رائحة الرطوبة المحبوسة في الداخل لا تُحتمل. كما لو أنها رائحة ذكرى مشينة. الإضاءة الكابية لم تفلح كثيرا في إخفاء ذلك النشاط المحموم لتلك العناكب المنتشرة بكثرة.
"الأستاذ حامد عثمان، أعرفه يا حاج من زمان". غني عن القول هنا إن السيدة نواعم كانت تكذب ببراعة. "هو بتاع ربنا والحق يقال". قسما بالله العظيم ثلاثا، لم ألتقِ هذه السيدة من قبل. "أصله زبون عندي من زمان". ها، ستكتب عند الله كذابة، ولا ريب. "من السودان الشقيق طبعا". فجأة، أصابني حديثها في مقتل. كما لو أنها كانت تؤكد على غربتي المقيمة. "من السودان الشقيق طبعا"!. أثناء ذلك، ظلّ الحاج صامتا صمتا جليديا قاسيا لا يعلق على حديث نواعم بكلمة واحدة. وبدأت أقلق بالفعل.
هكذا، وجدتني في هذا العالم غريبا بين يدي غرباء رهنا بمشيئة الآخرين وعرضة في أية لحظة لغدر الرفاق. كنت أغالب رغبة ماسة في البكاء، حين قال الحاج إبراهيم العربي أخيرا وهو يمسح على لحيته الشهباء في شرود "اعتبر نفسك المستأجر الجديد، يا ولدي، ولكن بشرط". قلت "ما هو، يا حاج"؟. قال كالمتفلسف الغر "أولا، حضرتك منين في السودان؟، الخرطوم، ولا أم درمان"؟. قلت بحيرة "أنا من شرق النيل، يا حاج". قال "ما علينا، المهم، في سنة 67، جرى إيه في الخرطوم"؟. قلت "لا أذكر، يا حاج". قال "أقول لك، مؤتمر اللاءات الثلاث بين الزعماء العرب". وبدا أن قليلا من نفاق لا يضر "طبعا، يا حاج، دي حقيقة تاريخية هامة، لا تُنسى". عندئذ، قالت نواعم مقاطعة تسلسل الحوار "بسم الله ما شاء الله، الحاج إبراهيم العربي فاهم كل حاجة". قال وهو يشدد على كلماته حرفا حرفا كما لو أن قطعا معدنية صلبة يتم طحنها داخل فمه "أنا عندي كمان تلات لاءات، وهي شروطي لكل ساكن جديد". كدت أن أسأله "ما هي، يا حاج". في اللحظة الأخيرة أمسكت لساني مفسحا المجال لصديقي الصمت. وقد شرعت أصغي إليه بذهولِ مَن لا حيلة له "لا نسوان، لا خمر، ولا ازعاج للجيران".
كانت نواعم تنصت إليه هذه المرة بمبالاة مصاغة على يد المهنة بعناية شديدة. كان الحاج إبراهيم العربي قد أخذ يتطلع إلى صفحة وجهي بنظرة خبير تحاول سبر مكنوناتي الخفية بلا جدوى. كنت لا أزال أقف راسما على وجهي ملامح الحمل الوديع صامتا أزن الأمور في نفسي بعناية تامة:
"هذا المأفون، ماذا أبقى لي إذن من متع الحياة القليلة"؟.
خارج الحكاية:
لقد أخذت الآن من هنا ما أردته.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
أكثر رحمة من تسول المبيت لدى أشقاء السلاح | عبد الحميد البرنس | 11-22-10, 10:02 PM |
Re: أكثر رحمة من تسول المبيت لدى أشقاء السلاح | عبد الحميد البرنس | 11-22-10, 10:36 PM |
Re: أكثر رحمة من تسول المبيت لدى أشقاء السلاح | عبد الحميد البرنس | 11-23-10, 11:02 AM |
Re: أكثر رحمة من تسول المبيت لدى أشقاء السلاح | عبد الحميد البرنس | 11-23-10, 11:14 AM |
Re: أكثر رحمة من تسول المبيت لدى أشقاء السلاح | عبد الحميد البرنس | 11-23-10, 06:36 PM |
Re: أكثر رحمة من تسول المبيت لدى أشقاء السلاح | عبد الحميد البرنس | 11-24-10, 09:43 PM |
Re: أكثر رحمة من تسول المبيت لدى أشقاء السلاح | عبد الحميد البرنس | 11-24-10, 11:36 PM |
Re: أكثر رحمة من تسول المبيت لدى أشقاء السلاح | حذيفه ابراهيم الكباشي | 11-24-10, 11:58 PM |
Re: أكثر رحمة من تسول المبيت لدى أشقاء السلاح | معتصم ود الجمام | 11-25-10, 01:45 AM |
Re: أكثر رحمة من تسول المبيت لدى أشقاء السلاح | عبد الحميد البرنس | 11-26-10, 00:40 AM |
|
|
|