المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-08-2024, 05:36 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-13-2010, 12:07 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 37141

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد (Re: adil amin)

    أموت وأعرف السبب

    خرجتُ من كوبر, في لحظة توقف فيها الزمن.. وحينما وجدتُ نفسي خارجه, وفي الشارع, في الهواء الطلق, أمنتُ بحقيقة البعث من مرقدنا.. فسبحان الذي يحي العظام وهي رميم..
    تذكرتُ الفتى مساعد, ولحظاته الأخيرة.. عندما لفظ أنفاسه التي تبقت في جوفه, كان في حجري وبين ذراعييَّ..فرت من عينه دمعة فيها الغُلب كله.. ولخصت العجز حيال ضعف الإنسان, وسوء قدره.. ضغط على كفي بشده, كأنما يشعرني بأخر إرادة لقوة الاحتمال.. أخر إرادة لاستمرار الحياة.. ترك فيَّ شعوراً كأنه يوصيني بذلك..
    دفع الله صديقي القديم, هو أول من خطر ببالي.. لعله خاطر متفائل, ليؤكد لي أنني مازلتُ على قيد الحياة.. فالموت في كوبر وملحقه من بيت الجن كان بالجملة.. ربما لأُنَّفذ وصية الفتى مساعد الصامتة, بأن إرادة الحياة باقية فينا..
    شعوري بأنني مثل أهل الكهف, كان طاغياً.. فاعتراني خوف ورغب من بطش الناس.. فأنا بالنسبة لهم قادم من كوكب أخر.. الدنيا أمامي خارج كوبر, فعلاً تغيرت.. فالشوارع لم تعد هي الشوارع.. والناس لم يعد هم الناس.. والمرأة لم تكن تلك التي ألفتها قبل كوبر.. أين جمال الشارع السوداني, والهيئة السودانية, والثوب السوداني, الذي كان يوحي بالجمال والجلال..
    شعرتُ كأنني غير أنا!! وأن هناك شخصاً غيري يحكي عني ويقول:
    ذهب فوراً إلى منزله في الحلة الجديدة, على مقربة من صك العملة.. وجد أغراباً لا يعرفهم.. سأل عن دفع الله, قالوا هنا, يسكن معنا في هذا المنزل, ولكنه الآن غير موجود.. ولا نعرف مكانه. يجيء بعد غيبته ويبقى لفترة قصيرة ثم يختفي فجأة لأيام وشهور.. يظهر عرضاً ثم يغيب.. قد يحضر الآن, في هذا الوقت.. وقد لا يحضر.. أنت وحظك يا أبن العم..
    غريب أمري كأني خارج نفسي!! ثم عادت لي!! توهان ماحق!!
    قطع احدهم حيرتي سائلاً:
    - لكن الأستاذ من أين, يبدو أنك قادم من مكان بعيد؟!
    سؤال أعاد توازني, وأخرجني من حالتي المتناثرة.. قلت:
    - نعم.. جئت من مكان بعيد..
    - هل كنت في سفر؟!
    وهل هناك سفر طويل وشاق أكثر من كوبر!! قلت:
    - نعم كنت في غربة طويلة ومرهقة!!
    قال آخر:
    - الأخ قادم من أي بلد؟!
    ابتسمت في أسى.. قلت:
    - أنا قادم من هذا البلد!! فيه إغتربت, ومنه عدت!!
    أندهش الأخر من إجابتي التي بدت له غريبة وغامضة.. نظر إلىَّ في استغراب, وحول بصره إلى زميليه, بطريقة أشعرتني كأنه يتهمني في سلامة عقلي..
    قال:
    - لا أفهم.. من أنت؟
    قلتُ وأنا أستجدي وميض الذكريات, الذي يأتيني شحيحاً, من مكان سحيق:
    - أنا صديق دفع الله.. وجئت من مكان بعيد أقصده..
    قال الثالث:
    - هل لك أهل هنا؟
    ضحكتُ في مرارة.. قلت:
    - في يوم من الأيام كان لي.. وكانوا يسدون عين الشمس.. تغيرت الدنيا.. ولا أدري هل هم موجودون أم رحلوا!!
    قال الأول:
    - هل دفع الله يعرف أهلك؟ ولو حضر الآن هل يمكن أن يدلك عليهم؟!
    تمهلتُ في ردي عليه برهة, ثم قلت:
    - قطعاً كان يعرفهم.. لكن الآن, فأنا غير متأكد من حقيقة إمكانية الاهتداء إليهم!! فقد طال عهدي بهم جميعاً.. وتغيرت الأحوال..
    قال الآخر:
    - يا أخي أمرك غريب!! لماذا هذا الغموض؟!
    هو أكثرهم حدة معي.. لعله يشك في أمري.. فمظهري أقرب إلى شخص متسوَّل منه إلى شخص محترم.. ابتسمت!! صمتُ وأنا أنظر إليه..
    قال:
    - هل كنت تعمل عملاً ما هنا, فدفع الله لم يفارق الخرطوم؟!
    قلتُ وابتسامتي لا تزال في مكانها:
    - نعم.. كنتُ معلماً للتاريخ في إحدى المدارس الثانوية..
    - وأين رحلت واغتربت؟؟
    ــ رحلتُ واغتربتُ في كوبر منذ عشرين عاماً.. دخلتُه في سن الرسالة وخرجتُ منه كهلاً كما ترى..
    بهت ثلاثتهم من كلامي.. كوبر يعني السجن والجريمة.. تجمد الحديث في الأفواه.. أيقنتُ أنني بعد الذي قلت, تحولتُ إلى شخص غير مرغوب فيه.. ومن يقبل مرتاد كوبر؟! في داخلي حسمت أمري, استعدادا للرحيل.. إلى أية جهة لا أدري.. ومن الغرائب أن تغيب عني ساعتئذٍ حلفاية الملوك!!
    قال الآخر في نبرة ودودة لا يخطئها الإحساس:
    - كيف نشأت صداقتك بدفع الله, وأنتم أصحاب مهنة مختلفة؟؟ نحن أهله!!
    زغردت دواخلي, وتمدد في َّ فرح الأزمنة الجميلة, التي تركتها وراء ظهري, منذ أمد بعيد.. قلتُ ضاحكاً, كأني أدخل من أبواب عدة, فتحت لي أقفالها:
    - وهل الصداقات لا تتم إلا لدى أصحاب المهنة الواحدة؟!
    عقب ضاحكاً بقليل من الحرج:
    - لا طبعاً.. لكن لا أدري لماذا سيطر عليَّ أنكم أصدقاء وزملاء مهنة؟؟
    قلت:
    - لا عليك.. لكن الحياة بمختلف روافدها وهذا المنزل, وحب الناس, كلها أشياء جمعت بيننا..
    قالوا ثلاثتهم وبعبارات مختلفة:
    - هل سكنت هنا؟
    قلتُ بسعادة:
    - نعم.. قبل كوبر سكنتُ هنا,,وتلك الغرفة الجنوبية غرفتي..
    ضحكوا ثلاثتهم, فقال الأول:
    - هي مغلقة حتى الآن, ولم يدخلها أحد منا غير دفع الله.. في أيام وجوده معنا, يقضي أغلب وقته داخلها.. وعندما يخرج منها يحرص على إغلاقها.. ولم يسأله أحد منا..
    ما كنتُ أظن أن الأيام ستجمعني بشيء قديم حميم..شيء تركته قهراً, في لحظة نحس عقور.. وها أنا أعود ثانية لهذه الغرفة الأثرية:
    (وقد يجمع الله الشتيتين, بعدما

    يظنا كل الظن ألاَّ تلاقيا)

    قال ثلاثتهم بعبارات مختلفة تحمل هذا المضمون:
    - إذن هنا مكانك الطبيعي.. فهذا بيتك..
    عدتُ إليك ثانية, بعد هذا الزمن الطويل, الذي ضاع فيه كل منا عن الأخر.. سأعود إليك يا حِلتي الجديدة, ولكن هذه المرة بخلاف دفع الله.. ربنا أعلم كيف ستكون أيامي في هذا المنزل, من بعده.. فقد تركتُهُ إلى غيبتي التي أزمنت واستطالت, وكان جزءاً من راحتي في البيت.. الآن كيف سيصبح حالي من بعده؟! يقولون أنه سيأتي, وقد لا يأتي.. كلام غامض ومربك. والحنين إليه سيستفحل ويتضخم.. لعل أيام كوبر لا تزال قائمة.. فهذه حرية وهمية خالية من الحياة, إن جاء دور غيبته..
    قطع شرودي أحدهم قائلاً:
    - إذا كان وجودنا معك يضايقك, فإننا سنرحل, وبلا حرج..
    اندهشتُ لهذا التحول الغريب والسريع, الذي أصبحتُ فيه صاحب حق, في الوقت الذي كنتُ فيه قبل فترة وجيزة, أنا المتطفل الذي يجب أن يغادر.. قلت:
    - معاذ الله.. أنتم أهل الدار وليس أنا.. وقد حمَّلكم دفع الله أمانة الحفاظ عليه.. أنا الذي يجب أن يشكركم على كرمكم.. على الأقل وجدتُ المأوى بعد كوبر..
    زادت مكانتي في نظرهم.. فأسبغوا عليَّ مودة أزالت الحواجز بيننا.. ونمت مشاعر الألفة الودودة في هذا الزمن الوجيز.. وكان من الطبيعي أن يكون مركز الحديث, هو دفع الله..فلا يوجد في تلك اللحظات المتلاحقة, ما يكشف عن شيء مشترك بيننا بخلافه..
    قلت:
    - دفع الله كيف أحواله؟
    رد علىَّ ذلك الأخر, بعد تنهيدة عميقة قائلاً:
    - ماذا نقول لك؟
    بداية لا تُطمئن.. لعلها تعلن عن مصائب تكاثرت.. قلت:
    - يا ساتر.. فاتحة مخيفة!!
    وأخذ بصري يتنقل فيما بينهم الثلاثة, يستجدي خبراً مريحاً.. ومع صمت الاثنين, وزرع بصرهما في الأرض,أستمر الأخر في حديثه كمن يناجي نفسه.. بل جاءني إحساس, كأنه مريض ملاريا, طارت شدة حمتها في رأسه, فأصبح يهذي, وهو فاقد للوعي.. وجاء صوته عميقاً بعيداً, كأنما يأتي من عمق بئر سحيق.. أخذ يحدثني:
    (بقى في مكانه وبلده, ولكنه هاجر بعيداً في نفسه.. فقد الإحساس بالزمان والمكان.. أصبحت لديه عبارة واحدة يرددها.. ظن الناس أنه جُنَّ.. هو في نظر نفسه, أنه الأكثر عقلاً واتزانا.. كل ما يطلب, هو التسبيب للحالة التي وجد نفسه فيها, دون مبرر معقول.. فهل في مثل هذا الطلب البسيط غرابة أو جنون؟!!
    (كان في بداية محنته التي حصدته كالصاخة, قوياً قادراً على إمتصاصها.. لكن مع الزمن, وبقاء آثارها حية تتفاقم, وهنت مُكناته واضمحلت.. وتركز الأمر برمته في تلك العبارة, التي حلت محل أشياء كثيرة.. أموت وأعرف السبب!!
    (دفع الله, اسم تحوَّل نتيجة حب أصدقائه وزملائه, وكل من ارتبط به, إلى (أبو الدفاع) تكريماً وتعظيماً وحباً له.. فلم يعد يُعرف باسم دفع الله إلا في الأوراق الرسمية.. للدرجة التي اختفى فيها.. فصار القوم لا يعرفون إلا اسم (أبو الدفاع).. هذا الإنسان تحول في نظرهم إلى ذكرى بعيدة. رغم إنه يطالعهم صباحاً ومساءً بشحمه ولحمه..
    (بدأت الحكاية, عندما جاءه شاب لم يكمل الأربعين بعد, وطلب منه مغادرة المكتب فوراً وفي صمت!! وعندما سأله لماذا؟! رد عليه بكل عجرفة الدنيا, وصلف من ظنَّ أنه ملك هذه العاجلة, قائلاً: لا تسأل!! سلم عملك في صمت!! مُرتبك سيصلك كاملاً, وآنت جالس في بيتكم!! هل هناك أفضل من هذا؟؟ أي رد على هذا التكَّبر, أو هذه الإهانة, لن تحمد عقباه.. نظر إليه مبهوتاً وصامتاً.. ومن مفاجآت هذا الزمن المبكيات أن مرتبه لم يصل إليه إطلاقاً..
    (في الآونة الأخيرة بدأت أشياء غريبة, لا علاقة لها بما تواضع عليه الناس من قوانين وقواعد ومُثل وتقاليد.. أشياء تحدث هكذا, بقوة متخفية غير ظاهرة.. تجعل الإنسان كالمسحور.. لا يملك لها مرداً..
    (نظر (أبو الدفاع) إلى محدثه كالغريق.. فقد صادرت المفاجأة منه كل قدرة على التفكير والاتزان.. ماذا حدث في هذه الدنيا؟!.. بعد هذا الزمن, وهذه التجربة العمرية, ينتهي به الحال إلى ما يشبه الطرد, بهذا الأسلوب الذي يفتقد السلوك الإنساني, ناهيك عن عدم مراعاة الإجراءات الملزمة..
    (أبو الدفاع, فني المختبرات, كان قد تخرج ذات يوم, في كلية علوم الصحة بالخرطوم, التي سماها الإنجليز (SCHOOL OF HYGIENE).. إنه أحد تلك الدفعات التي تخرجت فيها, حينما كان التعليم في السودان تعليماً نوعياً, يلقى الاحترام من كل دول العالم, وبالذات من بلد كبريطانيا, لأنها هي التي أسست له, ووضعت قواعده.. فليس كل ما جاء به الاستعمار شراً!!
    (بُعث (أبو الدفاع) إلى جامعة ليدز ببريطانيا, وتخصص في مهنته, وعاد من هناك, كأفضل ما يكون عاِلم المختبرات.. فأحب عمله وبرز فيه, ليكون فريداً ومحبوباً.. يرجع ذلك لطبيعته ونشأته.. فقد جُبل على حب الناس, ومساعدتهم, وتآخيهم..
    (عمل في كل مناطق السودان شماله وجنوبه.. شرقه وغربه.. ثم استقر أخيراً في الخرطوم.. سكن في هذا البيت. مع صديق له يعمل معلماً للتاريخ.. قيل لنا أن علاقتهما نشأت وتوطدت في ليدز بالمملكة المتحدة..
    (وقيل لنا أيضا, أن صديقه أستاذ التاريخ اختفى ذات يوم, فجأة في ظروف غامضة.. بحث عنه (أبو الدفاع), ولم يترك حجراً في العاصمة المثلثة, إلا حاول قلبه, والبحث تحته, ولكن بلا طائل.. ومع إلحاحه وسعيه المضني, ضاقت به السلطات الأمنية, وضاق هو ذرعاً بها, وتمرد عليها, وتطاول في حديثه, واعتراضه.. فَحَّذروه, وتوعَّدوا!!
    (عندما جاءه النذير, الذي لم يكمل الأربعين, أصبح ذلك اليوم محفوراً في الذاكرة, كمنعطف تاريخي في حياته..آثر أن يجعل منه مناسبة حزينة, يحيى ذكراها كل عام.. فالواقعة قلبت دنياه الهادئة المستقرة, إلى فاقة, ما خطرت له على بال.. وبسبب هذا الوضع الجديد, قرر ألاَّ يدركها النسيان.. هكذا كان يقول لنا.. لا يريد لعذابه أن يُنسى.. أنه يبحث عن ذاكرة النسيان!!
    (من العبارات الكثيرة, التي قيلت له, وهي تتراوح بين الشدة والنعومة, عبارة أخيرة حاسمة: (هذا الكرسي الدوَّار لم يعد لك بعد اليوم).
    (ماذا حدث لك يا دنيا؟! هي النوازل التي ألمت بكل شيء: الحجر والشجر والإنسان!! لا يهمه الكرسي الدوار, ولم يحفل به يوماً.. ما كان من طموحاته.. الصدمة, المفاجأة الماحقة.. أخذ يتصرف كالأعمى, يتخبط هنا وهناك.. لملم أشياءه البسيطة, وغادر كالمغشي عليه..
    (جاء للمرفق سادته الجدد.. وأدركه العطب بعد حين.. وتسيَّدت الملاريا.. لا يهم, يموت من يموت, ويعيش من يعيش. إستخف السادة الجدد الناس, فأطاعوهم!! ما هكذا كنا..
    (نشأت في بادئ الأمر حالات إرباك وتوتر.. وغابت الحقيقة.. أو بالأحرى لم يجاهر أحد بقولها.. بعض البسطاء الذين افتقدوا (أبو الدفاع) فسر الظاهرة, بأنها حالة انتقام من السماء, لأن (أبو الدفاع) مرفوع عنه الحجاب.. كيف لا, وهو مركز هذا الحب من بسطاء الناس؟! ثم لماذا لا يكون كذلك, وقد ظهر هذا الغضب الإلهي بعد طرده مباشرة؟! البعض الأخر من الناس, أرجع الحالة إلى رغبة السادة الجدد في تنفيذ مخطط, لم تظهر معالمه الحقيقية بعد..
    (كانت أخبار (أبو الدفاع) تأتي إلينا متقطعة.. وكلها كانت لا تسُّر.. بعضهم قال لنا, أنه أصبح كالصوفي الزاهد.. وبعضهم رأى تحولاً في سلوكه, لم يألفه فيه من قبل, واتهمه بعلاقة مع جماعة سرية, تخطط لقلب النظام.. والبعض الأخر, خالف الجميع, ليرميه بالجنون..
    (كل هذا الذي قيل, كان مدعاة لحضورنا من المناطق التي كنا فيها.. كل واحد منا, جاء من وجهته.. من الشرق ومن الغرب, ومن الجنوب.. لم نتفق ولم نرتب هذا الحضور.. وإنما جاء صدفة, والتقينا ها هنا.. في هذا البيت..
    (وجدنا (أبو الدفاع) شخصاً أخر, دائم الصمت, وغير ميال لأي حديث.. أجرى الزمن خطوطه الأزلية على صفحة وجهه, وهيكل قامته.. إن تحدث, لا يريد أن يخوض فيه, إلا عن صديقه أستاذ التاريخ الذي اختفى وغاب, وتركه وحده لعوادي الزمن.. وحتى في هذا لا يطيل الوقوف عنده, وإنما يعبره سريعاً في إشارات تلغرافية موحية, ثم يثب إلى جملة استفهامية, لا يمَّل من ترديدها, أموت وأعرف السبب؟! وغالباًَ ما ينتهي به الحال بعدها, ليفتح غرفة صديقه المختفي والغائب, ويجلس فيها الساعات الطوال..
    (كنا في أيامنا الأولى نعرض عليه أن يذهب مع أي منا, والرزق على الله.. بل إنني عرضت عليه عرضاً مجزياً, للعمل في تنزانيا مع منظمة دولية, في العاصمة دار السلام, ولكنه رفض كل العروض التي قُدمت إليه.. وقال (لمن اترك هذا البلد).. استفزتني عبارته, فثرت فيه.. هل أنت أحسن من سودانيي الشتات, في مشارق الأرض ومغاربها؟.. رد عليَّ ببرود وقال (لا) بكل بساطة.. ولكني أعرف أن القضية لا تعالج هكذا!! ولم يزد..
    (صبرنا عليه, وآثرنا البقاء, لأننا كالآخرين لم نره طبيعياً.. لا يمكن ان تقول عنه, أنه جُنَّ, ولكن غير مقبول أن تقول أنه من العقلاء!! ولا يجوز أن تصفه بالتصَّوف والزهد, لأنه في المرات القليلة التي يحدثك فيها, تلمس أن له قضية دنيوية عميقة!! هل يعمل في منظمة سرية؟! هذا ما لا نقطع به, لأننا لم نلمس من الشواهد الأخرى, ما يعزز هذا الظن..
    (كنا في حيرة من أمرنا, ماذا نفعل؟؟ هو بلا شك أحس بحيرتنا, فأخذ يتغيب عن البيت.. في البداية كانت الغيبة لفترات قصيرة, ثم أخذت تطول شيئاً فشيئاً, كأنما كان يقول لنا, بطريق غير مباشر, عودوا من حيث أتيتم.. بل قالها لنا يوماً صراحة!! وفي الآونة الأخيرة إمتد الزمن بغيبته, بما يجعله غياباً غير مألوف, ويصعب السكوت عليه.. لكن ما العمل.. لايزال الأمل يحدونا, بأن يظهر فجأة, وقد حدث من قبل.. بعد عودتك, أشعر أن الأمل في مجيئه قد تضاعف.. فإن عرف أنك ظهرت, فهذا سيحدث فيه تحولاً كبيراً.. وقد يعود إلى سيرته الأولى.. من يدري؟ ربما!!)
    وصمت محدثي, كأنما تيار كلامه قد انقطع.. نظر إلىَّ مستجدياً.. ما العمل؟! لم يقلها, وإنما قرأتها في عينيه.. أدرت بصري بينهم, ثم قلت:
    - هذا زمن الضياع!! سنصبح يوماً, ولن نجد السودان على خارطة الدنيا!!

    .............................

                  

العنوان الكاتب Date
المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-07-10, 10:51 AM
  Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-07-10, 10:55 AM
    Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-07-10, 10:58 AM
      Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-07-10, 10:59 AM
        Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-07-10, 11:01 AM
          Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-07-10, 11:04 AM
            Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-08-10, 05:57 PM
              Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-09-10, 12:30 PM
                Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-10-10, 12:03 PM
                  Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-13-10, 12:07 PM
                    Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-14-10, 09:45 AM
                      Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-16-10, 02:56 PM
                        Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-17-10, 12:04 PM
                          Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-19-10, 10:53 AM
                            Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-20-10, 11:17 AM
                              Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-21-10, 08:37 AM
                                Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-21-10, 08:40 AM
                                  Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-21-10, 08:54 AM
                                    Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin10-21-10, 09:03 AM
                                    Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin11-04-10, 07:43 AM
                                      Re: المكتبة السودانية:رواية....ثلوج على شمس الخرطوم...الحسن محمد سعيد adil amin11-24-10, 09:48 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de