|
الجنوب والخلع السياسي
|
الجنوب والخلع السياسي
بشهود أميركيون عدول وبين أروقة مجلس الحل والعقد الدولي في نيويورك قرر الجنوبيون خلع أنفسهم من الوطن الأم ومع تصاعد اصوات الانفصاليين وكبرائهم المتنفذون في مفاصل آليات صنع القرار الدولي استيئست دعوات الوحدويون بحيث لم تبقى إلا مجرد عبارات رسمية متطايرة توجبها المسؤولية المباشرة.
ولعل في حديث وزير الخارجية على كرتي في حوار مع عدد من السودانيين في واشنطن ما يفيد بأن الحكومة وحزبها الحاكم قد قطعوا الشك بالقين بمالديهم من معلومات في السر والعلن أن سيرة الجنوب قد اصبحت من سير الماضي حتى قبل حلول التاسع من يناير القادم .
فقد اجتمعت الأمم المتحدة بغضها وغضيضها في نيويورك لا لتجادل في إمكانية الوحدة وجمع من فرقتهم السياسة والأطماع وأسال لعابهم ما ظهر من نفط ، بل في ضمان أن يمر الانفصال الواقع لامحالة دون أثمان باهظة أو حروب أو انفجارات .
إلا أن الرياح ستأتي بما لاتشتهى سفن الدبلوماسية فالواقع يقول إن الانفصال الذي سيتم حتما لن يكون انفصالا سهلا بلا تبعات وتكاليف حيث لاتزال القضايا معلقة عبر الحدود وأبيي وقانون الجنسية ، والتصريحات النارية من هنا وهناك تفلت كالعيارات الطائشة ، ولعل هذا ماحمل الرئيس اوباما إلى التعبير عن قلقه إزاء ماسيواجهه السودان في الشهور القادمة .
ولكن هناك من يقول لو أن الحزب الحاكم احترم دور ورأي وحضور القوى السياسية والاجتماعية في السودان واجتمع معها على كلمة سواء وسعى لارضائها بقدر مايسعى لإرضاء الولايات المتحدة والغرب ومجلس الأمن لما وصل السودان إلى ماوصل إليه الآن من حالة تدعو للقلق والخوف من مقبل السنوات ليس من الانفصال فحسب بل من تداعيات الانفصال. والقوى السياسية بدورها مطالبة بمراجعة مواقفها من الحركة الشعبية منذ مؤتمر أسمرا 1995 وحتى مؤتمر جوبا وقد قدمت دعما واسعا وكبيرا للحركة الشعبية قبل وبعد نيفاشا ولم تحصد منها إلا الهشيم ، بل أن كل ماقدمته لها الحركة الشعبية أنها أدارات لها ظهرها مرتين ،مرة عندما شاركت المؤتمر الوطني منفردة ، وعزلت حلفائها ومرة أخرى عندما تنصلت عن التزاماتها لها تجاه وحدة السودان وأن يبقى السودان موحدا وفق مواثيق أسمرة عام 95 .
أما الآن "فقد سبق السيف العزل" ولعل المطلوب الان هو إيجاد صيغة موحدة وإجماع وطني للحفاظ على ماسيتبقى من الوطن ، ولضمان رتق النسيج الوطني وإعادة صياغة الكيان الوطني السوداني على أسس من العدل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي يطفيء بؤر التوتر في دارفور وفي كل أطراف الوطن ويفتح الباب لمستقبل وآعد ومشرق للأجيال القادمة .
ولعل الحزب الحاكم الممسك بمقاليد السلطة الفعلية في البلاد مطالب أكثر من غيره بإعادة تقبييم جميع سياساته الداخلية والخارجية وإيجاد معادلة جديدة تحقق تطلعات جميع السودانيين في بناء ديمقراطية حقيقية ليست على طريقة ديمقراطية الأحزاب الحاكمة التي توظف السلطة والمال العام ومؤسسات الدولة لترسيخ هيمنتها بل ديمقراطية حقيقية تحقق الاستقرار وتبادل السلطة مع كل قادر على المنافسة السياسية بعيدا عن لغة الاقصاء والتحرش السياسي وعبارات المكايدة التي لاتلغي حقائق التاريخ والواقع .
لقد اختار الجنوبيون مصيرهم قبل التاسع من يناير برعاية أميركية ودولية ومانرجوه الآن أن تتم جميع إجراءات هذا الخلع السياسي في هدوء ودون تنازلات إضافية مع تأكيد الحرص على علاقات جوار أخوى تفرضه الجغرافيا والتاريخ ولعل الثمن الذي دفع حتى الآن كافيا جدا، و مايتطلع له الشماليون كتعويض معنوي عن فقدان جزء عزيز من الوطن حتم فقدانه التعاطي مع الواقع السياسي، أن تتجسد في بلادهم قيم الديمقراطية والعدل والحرية والمشاركة الحقيقية ، وهي القيم والدوافع الموضوعية التي تحفز على التنمية والبناء والرضاء السياسي ، بها فقط ومن خلالها فقط لن يتفتت الوطن .
الصحافة /30 سبتمبر 2010
|
|
|
|
|
|