هل فات عليك سيدي أن هذه البنت هي إحدى بناتك وأنت المسئول عن تربيتها وتعليمها وعلاجها ورعايتها في الخير وفي الشر ..؟
هل فات عليك قبل أن تتلو صحيفتها التي أرادوها لك أو أردتها أنت لنا لتصفها بأنها عاهرة ومترددة سجون ... وأنها مارست الأفعال الفاضحة مع خمسة وجلدت ثمانين جلدة ... ومع أربعة وجلدت سبعين جلدة ... ومع خمسة أخري وجلدت أربعين ... وعوقبت بالسجن ثلاثة أشهر ثم خرجت من السجن لترتكب نفس الجريمة في نفس اليوم وتجلد أربعين جلدة أخرى ..... بالله عليك أهذه يمكن أن تكون إنسانة أم كـــلبــــة ؟
قلت إن المشكلة فقط كانت أن هناك تجاوزاً في تطبيق العقوبة .. ولم تتجرأ أن تقول بأنها جريمة توازي جريمة الأفعال الفاضحة .... بل جريمة يمكن أن تسقط بسببها أمة بحالها وليس نظاماً فحسب ....
قلت إن التجاوز تمت معالجته بتصفية المحكمة كما تمت معاقبة القاضي والشرطة بنقلهم إلى مواقع أخرى .....
بالله عليك أهذه عقوبة؟
وإذا كنت بكل هذا الحرص على تطبيق عدالة السماء وتطبيق شرع الله ....لماذا لم ترد لهذه المسكينة حقوقها السليبة وكرامتها المنتهكة؟ لماذا طبقت عليها العدالة ولم تطبقها لها؟ لماذا انتصرت عليها ولم تنتصر لها؟ ....
كيف يمكن أن نصدقك سيدي وأنت تقول بأن المسألة تم علاجها في حينها في الوقت الذي تقول فيه الهيئة القضائية بأنها شكلت لجنة للتحقيق في الأمر ؟
كيف يمكن أن نصدقك يا سيدي وأنت تعلم أن القانون يضاعف العقوبة في حالة تكرارها ..؟
كيف يمكن أن نصدقك سيدي ولم يتردد على لسان زبانيتك المنتشين ما يفيد بأنها ارتكبت الفاحشة؟ ولم ترد منهم إشارة إلى من كان معها؟
يا سيدي هذه البنت براءتها كانت في وجهها؟ وسوءات رجالك كانت في وجوههم؟
كيف نصدق أن هذه البنت التي تولول من عشرين سوط يمكن أن تكون قد احتملت ثمانين وسبعين وأربعين .... وأربعين سوط ؟
ألا تعلم يا سيدي أن علماء النفس يقولون إن المجرم المتمرس له قدرة كبيرة على احتمال العقاب ؟
وإذا كانت هذه البنت بكل هذا التاريخ من العناد والإصرار على الجريمة ما كانت لتجزع كل هذا الجزع !
إذا كانت هذه البنت بكل هذه القدرة على تحدى النظام والقانون والعقاب ما كانت لتستسلم للضرب بهذه السهولة...
إنها صحيفة الزور والبهتان ...
إنها صحيفة سوداء ستعرفونها يوم تسود الصحائف عند مليك مقتدر ....
إن الذين زورا لكم الدين والتاريخ والانتخابات وزورا ضمائر الناس لن يعجزوا عن تزوير ملف هذه البنت المكلومة!!
أما كان من الأجدر يا سيدي قبل أن تسلخوا هذه البنت "الكـــلبـــــة" أن تعتبروها معتوهة تحتاج لرعاية وعلاج نفسي وإعادة تأهيل لمجتمع معافى؟
أما كان من الأجدر مراجعة صحتها العقلية ومرجعيتها الاجتماعية وخلفيتها النفسية التي جعلت منها خطراً على بنات المجتمع ..... وصارت من عتاة المجرمين ... تتعاطى المخدرات وتروج حبوب منع الحمل ... وقوادة تقود البنات إلى الرذيلة والأعمال الفاضحة؟
إن الانحراف يا سيدي لا يعالج بالجلد .. بالقانون ... إنما القانون وسيلة لمعالجة معايب التربية .....والتربية من مسئولياتك وأنت المسئول عن هذا المجتمع ...
ما فتئت يا سيدي قناتك .... قناة النيل الأزرق تعيد اللقاء مرات متتالية لتؤذينا على ما نحن عليه من أذى .. ولم لا؟ فقد حققتم نصراً جديداً وجرمتم بريئاً لتثبتوا براءة المجرمين ..... وهكذا تحسبون؟ وتحسبون أنكم تحسنون صنعا ......
كل ما قمت به يا سيدي أنك بنفس النشوة وأنت تحت الأضواء أمام الكاميرات ترتشف العصير وتتبادل الضحكات قمت بتصوير هذه البنت على أنها عاهرة تستحق العقاب دون أن تتحقق ودون أن تكلف نفسك عناء التفكير والبحث والتحليل .. لتثبت براءة نظام سارت بجرائمه الركبان ....
كنت أتمنى يا سيدي أن تعتذر إلى شعبك الجريح وتمسح دمعه وتخفف وقع السياط عليه .. قبل أن تدافع عن نظامك العاري الذي يقف وراء كل هذه المآسي ..
كنت أتمنى أن تأسى للواقع المؤسف الذي وصلت إليه البلد من تدني الأخلاق وفساد الذمم وموت الضمائر ....
كنت أتمنى أن تأسف لحال هذه البنت التي عجزتم أن توفروا لها بيئة أسرية ومناخ اجتماعي وظروف اقتصادية تحميها من الانزلاق في مهاوي الهلاك ....
كنت أتمنى أن تعتذر وتقول إننا نتحمل مسئولية ضياع هذه البنت .... ولكنك بذلت كل ما في وسعك لتدين نفسك وتدين نظامك وتلطخ سمعتك وتاريخك ....
إن الوالي يا سيدي هو الوالد وليس الجلاد .. هو الهادي لا من يكون بالمرصاد .... هو الرحمة وليس العذاب ..
إننا نشكو إلى الله ضعفنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس ..
إننا نشكو إلى الله أننا في بلد إذا سرق فيه القوي تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ....
إننا في بلد ما أراد ولاته العدالة .... إنما أرادوا السلطان والجاه ..
واعلم سيدي أن جلد هذه البنت ما هو إلا قمة جبل الجليد .. وأن نظامك مثقل بجرائره ولكنكم لا تنظرون ....
إن جلد هذه البنت يا سيدي .. هو جلد لكل امرأة في تاريخ السودان الطويل ..
هو جلد لمهيرة وتاجوج وعزة وكل حرائر هذا البلد البائس ....
لقد قمتم بجلد أربعين ألف امرأة في خلال سنتين ..... وما يزال الجلد مستمراً ...
ألم يراودك التساؤل أين يكمن الخطأ إذا فشل المنهج؟
إن أمة تجلد نساءها يا سيدي .. أمة لا تستحق الحياة .....
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة