الجذور التاريخية لبذور العلمانية في السودان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-25-2024, 06:19 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-25-2010, 01:21 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الجذور التاريخية لبذور العلمانية في السودان

    أولا: العلمانية: المفهوم والمصطلح:
    عند الحديث عن العلمانية يقفز الي الذهن ذلك التعبير عن الوضع الحضاري الذي ظهر في اوربا منذ عصر النهضة، ومازال هو الذي يميز موقف الغرب من شئون الدين والدنيا حتي يومنا هذا. وكما هو معلوم العلمانية هي اجتهاد في ميدان التنظيم السياسي للمجتمع والابقاء علي هذا الميدان بشريا تتصارع فيه برامج البشر ومصالحهم الاجتماعية والاقتصادية، وهذا الاجتهاد ضروري ومطلوب في الفكر الديني والانساني لمواجهة المعضلات والمشاكل الجديدة التي تطرحها الحياة المتغيرة والمتبدلة دوما.
    من هذه الزاوية، العلمانية مكسب حققته البشرية في صراعها الطويل من اجل حرية البحث والابداع، واستخلاص التشريع من المصادر الدينية والعرفية والفكر الانساني، دون الانطلاق من حالة ذهنية تتسم بالجمود والتحجر، بدلا عن الواقع المتجدد والمتغير. من هذه الزاوية لاترتبط العلمانية بالغرب، بل اصبحت ملكا للبشرية مثل المنجزات الأخري في ميادين العلوم والاكتشافات التقنية الاخري.
    ومعلوم أن اصل لفظ العلمانية في اللغة الانجليزية(Secular)، مشتق من كلمة لاتينية تعني القرن(Saeculum)، بمعني الزمانية. العلمانية، اذن ترتبط في اللغات الاجنبية بالامور الزمنية، اي بما يحدث في هذا العالم، وعلي هذه الارض(د. فؤاد زكريا: العلمانية ضرورة حضارية، قضايا فكرية العدد 8 ).
    كما أن العلمانية لاتعني استبعاد الدين عن ميدان قيم الناس الروحية والاخلاقية، ولكنها تعني التمييز بين الدين والممارسات السياسية المتقلبة، باعتبار أن الممارسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية اجتهادات وممارسات بشر قابلة للتعديل والتطور.
    ثانيا: ماذا عن التطور التاريخي للسودان؟
    عندما قامت السلطنة الزرقاء أو دولة الفونج في سودان وادي النيل في الفترة(1504 – 1821م)، كانت اوربا قد قطعت شوطا منذ بداية عصر النهضة، واستطاعت أن تنفتح علي حضارات العالم وبعثت مكتسبات الحضارة اليونانية والرومانية وتمثل منجزات الحضارات الاسلامية والآسيوية، واستطاعت أن تكتشف وتطور وسائل تقنية جديدة مثل صناعة الطباعة(جوتنبرج)، وصناعة الورق، واكتشاف السلاح الناري، اختراع البوصلة، هذا اضافة لاتجاهها للخارج لنهب شعوب المستعمرات في الاراضي الجديدة والقديمة. هكذا بدأت الثورة التجارية والتراكم البدائي لرأس المال، الذي ادي الي تحسين الزراعة وتحقيق فائض من الانتاج الزراعي في انجلترا وفرنسا، مهد للثورة الصناعية وانتصار نمط الانتاج الرأسمالي، وقامت الثورة الفرنسية التي دكت حصون الاقطاع والجمود، وحل النظام العلماني محل الدولة الدينية والحكم بالحق الآلهي، وتم اعلان ميثاق حقوق الانسان.
    عندما تم ذلك، كان التطور التاريخي فيما يختص بعلاقة الدين بالدولة يشق طريقه في سودان وادي النيل علي النحو التالي:
    1- عرفت مملكة نبتة ومروي حكم الملوك الآلهة أو حكم الكهنة الذين ثار عليهم في مروي الملك اركماني عندما طالبه الكهنة بالقتل الطقسي حسب مشيئة الرب، ورفض ذلك وقتل الكهنة جميعهم في الهيكل المقدس، وغير في قوانين مملكة مروي. كان الكهنة يعينون ويعزلون الملوك ، أى ان الحكم كان دينيا مطلقا.
    2- في ممالك النوبة المسيحية(550 – 1500م): نوباتيا، المقرة، علوة، حدث تطور في علاقة الدين بالدولة، حيث جمع ملوك النوبة بين وظيفة رجال الدين والسلطة الزمنية، فقد كان ملوك النوبة قساوسة وحكام في الوقت نفسه، أى جمعوا بين السلطة الدينية والزمنية.
    3- في دولة الفونج أو السلطنة الزرقاء، حدث تطور جديد في علاقة الدين بالدولة بحكم طبيعة دولة الفونج، فلم يكن الملوك في سنار أو ماينوب عنهم في قري والحلفايا، رجال دين أو شيوخ. فقد كان الشيوخ مستقلين عن الملوك، أي حدث فصل بين السلطة الدينية والزمنية، فوظيفة التأثير الديني اصبح يمارسها الشيوخ، وتحررت الجماهير من عبادة الملوك الآلهة، بل كان لها الحق في عزلهم والانتفاضات والثورات ضدهم في بعض الاحيان، اضافة الي أن سلاطين الفونج ابتدعوا نظاما تشريعيا اعتمد علي الشريعة الاسلامية والاعراف المحلية. ولم تتبلور طبقة من رجال الدين مرتبطة نهائيا بجهاز الدولة، وتمارس تأثيرها الروحي الذي يخدم مصالح الحكام والدولة، هذا الدور كان يمارسه الحكام بشكل محدود عبر الفقهاء والاولياء، وكسب ودهم عن طريق اقطاع الاراضي لهم وغير ذلك، وعن طريقهم يمارسون تأثيرهم علي الجماهير ، ومن الجانب الآخر كانت الجماهير تؤثر علي السلاطين والملوك بواسطة العلماء والمتصوفة، باشكال مختلفة ومتفاوتة لدرء أو رفع الظلم عنها(الشفاعة) ، وكان هذا منطلقا من أن السلاطين كانوا يعتقدون في الاولياء، كما يعتقد الناس العاديون. علي أن الامور لم تسر في خط مستقيم في الفصل بين الدين والدولة في سلطنة الفونج ، فنجد بعض الحالات التي كان يجمع فيها شيوخ الطرق الدينية بين السلطتين الدينية والزمنية في مناطقهم في حالات ضعف قبضة السلطة المركزية مثل: حالة المجاذيب في الدامر، وحالة حسن ودحسونة، وهذه حالات خاصة من الحالة العامة التي كانت سائدة في السلطنة الزرقاء، وهي أن الدولة لم تكن دينية مطلقة يحكم فيها الملوك بالحق الآلهي.
    وهذا هو التطور التاريخي لعلاقة الدين بالدولة، كما حدث في سودان وادي النيل ، والذي يمثل البذور الجنينية للحكم للحكم العلماني أو المدني والتي تم غرسها في فترة الفونج.
    حدث هذا في اللحظة نفسها التي تحررت فيها أوربا من ظلام العصور الوسطي، ودخلت عصر النهضة والثورة الفرنسية والثورة الصناعية، التي ادت الي قيام حكم علماني، تم فيه فصل الدين عن الدولة، ولكن في كل بلد اخذت العلمانية شكلها الخاص المستمد من تعاليم المسيحية والتقاليد الوطنية لكل بلد ، كما أن العلمانية في اوربا لم تكن تعني استبعاد الدين، بل كانت تعني أن كل شئون الحكم بشرية يستنبطها الناس من واقعهم وظروفهم، ومن معتقداتهم الدينية والفكرية والاخلاقية، وهذا يتعارض مع الدولة الدينية (الثيوقراطية) التي تدعي أنها تحكم نيابة عن الله في الارض.
    واذا جاز استخدام المصطلح المعاصرالعلمانية بهذا المعني، يمكن القول: ان فترة الفونج شهدت غرس بذور العلمانية أو الحكم المدني ، او شهدت المرحلة الانتقالية أو المخاض العسير الي الحكم المدني المستند الي اعراف ومعتقدات الناس.
    ثم اتسعت دائرة المدنية أو العلمانية بعد ذلك في فترة الحكم التركي وفترة الحكم الانجليزي، والفترات اللاحقة رغم الانتكاسات المؤقتة، كما حدث في دولة المهدية والتي كانت دولة دينية، وتجربة تطبيق قوانين سبتمبر 1983م، وتجربة انقلاب الجبهة الاسلامية بعد انقلاب يونيو 1989م، رغم تلك الانتكاسات المؤقته الا أن تيار العلمانية أو الدولة المدنية الديمقراطية الكاسح سوف يشق طريقه، باعتبار هو الضمان لوحدة السودان من خلال تنوعه.



    http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=145145
                  

10-25-2010, 04:44 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجذور التاريخية لبذور العلمانية في السودان (Re: Sabri Elshareef)

    شكرا السر بابو لهذا المقال الرائع
                  

10-26-2010, 00:41 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجذور التاريخية لبذور العلمانية في السودان (Re: Sabri Elshareef)

    &&&&
                  

10-26-2010, 01:58 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجذور التاريخية لبذور العلمانية في السودان (Re: Sabri Elshareef)

    ان فترة الفونج شهدت غرس بذور العلمانية أو الحكم المدني ، او شهدت المرحلة الانتقالية أو المخاض العسير الي الحكم المدني المستند الي اعراف ومعتقدات الناس.
                  

10-26-2010, 02:09 AM

باسط المكي
<aباسط المكي
تاريخ التسجيل: 01-14-2009
مجموع المشاركات: 5475

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجذور التاريخية لبذور العلمانية في السودان (Re: Sabri Elshareef)

    متابعةوحضرر
    واصل
                  

10-26-2010, 02:28 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجذور التاريخية لبذور العلمانية في السودان (Re: باسط المكي)

    شكرا علي الحضور يا ود المكي

    باسط يدك وفاتح ذهنك للخير دائما

    ولا سبيل سواء انتصار العلم علي الجهل
    والمعرفة نورها يستطع ان ينور كل ظلامات الدنيا
                  

10-26-2010, 07:50 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجذور التاريخية لبذور العلمانية في السودان (Re: Sabri Elshareef)

    ***
                  

10-27-2010, 11:10 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجذور التاريخية لبذور العلمانية في السودان (Re: Sabri Elshareef)

    ***
                  

12-27-2010, 02:01 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجذور التاريخية لبذور العلمانية في السودان (Re: Sabri Elshareef)

    up up
                  

12-23-2010, 03:44 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجذور التاريخية لبذور العلمانية في السودان (Re: Sabri Elshareef)

    **
                  

12-27-2010, 02:23 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجذور التاريخية لبذور العلمانية في السودان (Re: Sabri Elshareef)

    ثم اتسعت دائرة المدنية أو العلمانية بعد ذلك في فترة الحكم التركي وفترة الحكم الانجليزي، والفترات اللاحقة رغم الانتكاسات المؤقتة، كما حدث في دولة المهدية والتي كانت دولة دينية، وتجربة تطبيق قوانين سبتمبر 1983م، وتجربة انقلاب الجبهة الاسلامية بعد انقلاب يونيو 1989م، رغم تلك الانتكاسات المؤقته الا أن تيار العلمانية أو الدولة المدنية الديمقراطية الكاسح سوف يشق طريقه، باعتبار هو الضمان لوحدة السودان من خلال تنوعه.


    صدقت يا استاذ السر بابو
    ولابد من الشجاعة ومواجهة قوي الضلام

    العلمانية ليست هي مرادف لكلمة الكفر
                  

12-27-2010, 05:19 AM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجذور التاريخية لبذور العلمانية في السودان (Re: Sabri Elshareef)

    الأخ صبرى الشريف

    تحية طيبة

    سلسلة مقالات الاستاذ تاج السر عثمان بشكل متكامل حتى يسهل لك النقاش

    Quote:
    الدولة المدنية الديمقراطية ضمان لوحدة السودان
    تاج السر عثمان
    الحوار المتمدن - العدد: 3110 - 2010 / 8 / 30

    أشار بيان المكتب السياسي للحركة الشعبية الصادر عن اجتماعه رقم(8) ، جوبا: 13- 16/8/2010م، الي أن الخيار المفضل الذي ظلت الحركة الشعبية تدعو له خلال ربع قرن من الزمان، وأكدته في مانفستو الحركة في عام 2008م، هو قيام سودان ديمقراطي وعلماني موحد طوعا في ظل التنوع، ولكن رؤية المؤتمر الوطني اصبحت حائلا دون ذلك. وبالتالي اصبحت الدولة العلمانية أو المدنية الديمقراطية مطروحة كضمان لوحدة السودان، ولابديل سواها.
    وهذا يقودنا الي أن نطرح علي طاولة البحث العلمانية كمفهوم ومصطلح، وسمات وخصوصية التجربة السودانية في علاقة الدين بالدولة:
    أولا: العلمانية المفهوم والمصطلح:
    كما هو معروف أن عصر النهضة في اوربا كان نقطة تحول من ظلمات العصور الوسطي التي اتسمت بالجمود ومصادرة حرية الفكر والابداع باسم الدين، علي سبيل المثال: محاكمة جاليليو لأنه اكتشف دوران الأرض حول الشمس ، عكس ماكانت تعتقد الكنيسة التي كانت تتدخل في كل العلوم السياسية والاجتماعية والطبيعية وتحتكر تفسيرها ، وتصادر حرية الفكر والابداع، وتعطي صكوك الغفران وغير ذلك من استغلال الدين لخدمة مصالح طبقية ودنيوية.
    في عصر النهضة استطاعت اوربا أن تنفتح علي حضارات العالم ، وبعثت وتمثلت منجزات الحضارات الاسلامية والآسيوية، واستطاعت أن تكتشف وسائل تقنية جديدة مثل: صناعة الطباعة(جوتنبرج)، وصناعة الورق ، واكتشاف السلاح الناري ، واختراع البوصلة، والاتجاه للخارج( الكشوفات الجغرافية) لتهب شعوب المستعمرات في الاراضي الجديدة والقديمة.
    وبدأت الثورة التجارية والتراكم البدائي لرأس المال الذي ادي الي تحسين الزراعة وتحقيق فائض من الانتاج الزراعي في انجلترا وفرتسا مهد للثورة الصناعية وانتصار نمط الانتاج الرأسمالي(ثورة في قوي الانتاج)، وتبع تلك الثورة في قوي الانتاج ثورات سياسية مثل: الثورة الفرنسية التي دكت حصون الاقطاع والجمود وحل النظام العلماني محل الدولة الدينية والحكم بالحق الالهي، وتم اعلان ميثاق حقوق الانسان.
    ولكن ماهو مفهوم العلمانية؟
    تعرض مفهوم العلمانية الي تشويه وتزييف من جماعات الاسلام السياسي السلفية، وصورته بمعني الكفر والالحاد والانحلال، ومؤامرة صهيونية تستهدف الاسلام ..الخ.
    ولكن هذا غير صحيح، فالعلمانية هي اجتهاد في ميدان التنظيم السياسي للمجتمع والابقاء علي هذا الميدان بشريا تتصارع فيه برامج البشر ومصالحهم الاجتماعية والاقتصادية.
    ومعلوم أن أصل لفظ علمانية في اللغة الانجليزية( Secular ) مشتق من كلمة لاتينية تعني القرن( Saeculum ) بمعني الزمانية. العلمانية اذن ترتبط في اللغات الأجنبية بالامور الزمنية، اي بما يحدث علي هذه الأرض.
    كما أن العلمانية لاتعني استبعاد الدين عن ميدان قيم الناس الروحية والأخلاقية، ولكنها تعني التمييز بين الدين والممارسات السياسية المتقلبة، باعتبار أن الممارسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية اجتهادات وممارسات بشر قابلة للتعديل والتطوير.
    وبالتالي ترتبط العلمانية بحرية العقيدة والضمير وحرية العبادة والشعائر ، وبصورة عامة ضد فرض ايديولوجية دينية أو نتاج فكر انساني كنظرية للدولة، كما لا تتعارض العلمانية مع قيام احزاب دينية تؤمن بالتعددية السياسية والفكرية، علي سبيل المثال النظام السياسي في المانيا نظام علماني وبه الحزب الديمقراطي المسيحي، اي ضد سلطة رجال الدين ولكنها لاتصادر حقهم في النشاط السياسي.
    وبهذا المعني ليس هناك فرق بين مصطلحي الدولة العلمانية الديمقراطية والدولة المدنية الديمقراطية، طالما لكل معتقده الديني والسياسي والفكري والفلسفي والدولة للجميع تعترف بسيادة حكم القانون واستقلال القضاء والمساواة بين المواطنين غض النظر عن المعتقد أو العرق او اللغة أو الثقافة، واتساع مصادر التشريع لتمزج بين عطاء الفكر الانساني والمصادر الدينية والعرفية وسوابق القضاء، واحترام التعددية السياسية الفكرية والدينية.
    ثانيا: التجربة السودانية في علاقة الدين بالدولة:
    ولكن من المهم في تناولنا للعلمانية أن لانكتفي بنسخ التجربة الاوربية واسقاطها علي الواقع السوداني دون دراسة باطنية لتطور علاقة الدين بالدولة السودانية.فالدولة السودانية عمرها حوالي 3000 ستة ق.م ، عندما قامت أول دولة سودانية(مملكة كرمة) والتي كان فيها الكهنة يشكلون عنصرا حاسما فيها، حيث كانوا يمتلكون الأراضي الزراعية والمعابد الواسعة، كما اوضحت آثار تلك الحقبة. كما عرفت ممالك (نبتة ومروي) حكم الملوك الآلهة، حيث كان الكهنة يتحكمون في الدولة والملوك من خلال انتخاب الملوك وعزلهم، اي كان حكما بالحق الالهي. علي سبيل المثال: صراع الملك (اركماني) ضد الكهنة الذي رفض أمر الكهنة بقتله طقسيا وثار عليهم واحرقهم وبدل في الديانة المروية القديمة.
    وفي ممالك النوبة المسيحية(نوباطيا، المقرة، علوة)، حدث تطور في علاقة الدين بالدولة، حيث جمع ملوك النوبة بين وظيفة رجال الدين والملك(كانوا حكام وقساوسة في الوقت نفسه).
    وفي سلطنة الفونج(السلطنة الزرقاء) كان شيوخ الطرق الصوفية مستقلين عن الملوك في سنار والحلفايا(عاصمتي الفونج والعبدلاب علي الترتيب)، وان كانت لهم روابطهم مع الحكام التي كانوا يعيدون بها انتاج النظام الاقطاعي الذي كان سائدا بها. ويمكن القول أن سلطنة الفونج شهدت البذور الأولي للدولة المدنية.
    ثم جاءت فترة الحكم التركي التي اتسعت فيها دائرة المدنية حيث شهد السودان بذور التعليم المدني والقضاء المدني والتوسع في الدولة المدنية رغم أنها كانت استبدادية تقوم علي قهر المواطنين وجباية اكبر قدر من الضرائب منهم، ولكن الحكم التركي لم يستبعد الدين، بل وظفه لخدمة جهاز الدولة بانشاء القضاء الشرعي وفئة العلماء الذين كانوا يباركون ويدعمون سياسة النظام، كما شهد السودان غرس بذور الثقافة الحديثة( الطباعة، المسرح، الصحافة..الخ)، كما ارتبط السودان بالسوق الرأسمالي العالمي من خلال تصدير سلعتي (الصمغ والعاج) الي اوربا ، كما تم غرس بذور نمط الانتاج الرأسمالي من خلال التوسع في اقتصاد السلعة- النقد والعمل المأجور، وشهد السودان ايضا بدايات دخول منجزات الثورة الصناعية الاولي مثل: النقل النهري والتلغراف، والسكة حديد (جزئيا)...الخ، اضافة لحملات التبشير المسيحي في الجنوب وجنوب كردفان لنشر الدين المسيحي والتعليم والخدمات الصحية، اضافة لحملات اكتشاف منابع النيل.
    ثم جاءت دولة المهدية والتي كانت دولة دينية استمدت تعاليمها من ايديولوجية الامام المهدي، والتي الغت التعليم المدني والقضاء المدني ورفعت المذاهب الاربعة وحرقت الكتب(عدا القرآن وكتب السنة)، واصبحت ايديولوجية المهدية هي التفسير الوحيد والصحيح للاسلام وماعداها كفر، كما اتخذت قرارات اجتماعية مثل حجر وجلد النساء في حالة خروجهن ومنعت الغتاء والتدخين والتنباك..الخ، وكانت دولة المهدية انتكاسة مؤقته في التطور الموضوعي للدولة المدنية في السودان.
    وجاءت دولة الحكم الثنائي(الانجليزي- المصري) التي اتسعت فيها دائرة المدنية وقامت المؤسسات الاقتصادية الحديثة مثل السكك الحديدية ومشروع الجزيرة وبقية المشاريع المروية وخزان سنار وميناء بورتسودان وكلية غردون والمستشفيات والنقل النهري ، وقامت الأسواق وتوسعت المدن وتطورت الحياة الاجتماعية والمدنية، كما تطور التعليم المدني والقضاء المدني والدولة المدنية وأن كانت تقوم علي قمع الحركة الوطنية ونهب خيرات البلاد ومواردها الاقتصادية لمصلحة الشركات والبنوك الأجنبية، كما تطورت وتوسعت منظمات المجتمع المدني السياسية والنقابية والخيرية والفنية والرياضية ، كما تطورت حركة تعليم ونهضة المرأة السودانية.
    وبعد الاستقلال حدثت تقلبات في انظمة الحكم، بدأت بفترة الديمقراطية الأولي(1956- 1958م)، والتي كانت فيها الدولة مدنية ديمقراطية تحكم بدستور 1956 الانتقالي الذي كفل الحقوق والحريات الأساسية والتعددية السياسية والفكرية، جاء بعدها نظام عبود(1958- 1964م) والذي كان مدنيا أو علمانيا ديكتاتوريا صادر كل الحقوق والحريات الديمقراطية.
    ثم جاءت ثورة اكتوبر 1964م والتي كان نتاجها دستور السودان الانتقالي المعدل الذي كفل الحقوق والحريات الديمقراطية واستقلال الجامعة والقضاء وحرية تكوين الأحزاب الانتقالية. وبعد اكتوبر برز الصراع حول: الدستورهل يكون مدنيا ديمقراطيا ام اسلاميا؟، الجمهورية الرئاسية ام البرلمانية؟ وكان خرق الدستور بمؤامرة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان، ومحكمة الردة للاستاذ محمود محمد طه، ومحاولات من ( الأخوان المسلمين والأمة والوطني الاتحادي) لاقامة دولة دينية تحكم بالشريعة الاسلامية، وحدثت أزمة، وتعمقت حرب الجنوب حتي قام انقلاب 25 مايو 1969م.
    استمر نظام مايو شموليا ومدنيا او علمانيا حتي اعلان قوانين سبتمبر 1983م لتقوم علي أساسها دولة دينية تستمد شرعيتها من قدسية السماء وبيعة الامام، وكانت النتيجة قطع الايادي في ظروف مجاعات وفقر ومعيشة ضنكا ومصادرة الحريات الشخصية واعدام الاستاذ محمود محمد طه الذي عارضها، وتعمقت حرب الجنوب بعد اعلان حركة تحرير السودان بقيادة العقيد جون قرنق. حتي قامت انتفاضة مارس – ابريل 1985م، وتمت استعادة الحقوق والحريات الديمقراطية والتعددية السياسية والفكرية التي كفلها الدستور الانتقالي لعام 1985م.
    وبعد الانتفاضة استمر الصراع: هل تبقي الدولة مدنية ديمقراطية ام دينية؟ ودافعت قوي الانتفاضة عن مدنية وعقلانية الحياة السياسية والدولة ضد اتجاه الجبهة الاسلامية لفرض قانون الترابي الذي يفضي للدولة الدينية، وتمت هزيمة قانون الترابي، واصلت قوي الانتفاضة مطالبتها بالغاء قوانين سبتمبر 1983م، حتي تم الوصول لاتفاقية الميرغني قرنق والتي علي اساسها تم تجميد قوانين سبتمبر وتم الاتفاق علي حل سلمي في اطار وحدة السودان بين الشمال والجنوب وتقرر عقد المؤتمر الدستوري في سبتمبر 1989م.
    ولكن جاء انقلاب 30 يونيو 1989م ليقطع الطريق امام الحل السلمي الديمقراطي، واضاف لحرب الجنوب بعدا دينيا عمق المشكلة وترك جروحا غائرة لن تندمل بسهولة، وفرض دولة فاشية باسم الدين، الغت المجتمع المدني وصادرت الحقوق والحريات الأساسية وتم تشريد واعتقال وتعذيب وقتل الالاف من المواطنين، وامتدت الحرب لتشمل دارفور والشرق. وعمق النظام الفوارق الطبقية ، من خلال اعتماد الخصخصة وتصفية القطاع العام واراضي الدولة والبيع باثمان بخسة للطفيلية الرأسمالية الاسلاموية، وتوقفت عجلة الانتاج الصناعي والزراعي، ورغم استخراج البترول وتصديره الا انه لم يتم تخصيص جزء من عائداته للتعليم والصحة والخدمات والزراعة والصناعة، وتعمق الفقر حتي اصبح 95% من شعب السودان يعيش تحت خط الفقر، اضافة للديون الخارجية التي بلغت 35 مليار دولار. وتوفرت فرصة تاريخية بعد توقيع اتفاقية نيفاشا لضمان وحدة السودان من خلال التنفيذ الجاد للاتفاقية وتحقيق التحول الديمقراطي وتحسين الاوضاع المعيشية والتنمية المتوازنة والحل الشامل لقضية دارفور وبقية الاقاليم الأخري من خلال التوزيع العادل للسلطة والثروة، ولكن نظام الانقاذ استمر في نقض العهود والمواثيق، مما كرس دعاوي الانفصال.
    ولابديل لدولة المواطنة الدولة المدنية الديمقراطية التي تحقق المساواة بين الناس غض النظر عن ادياتهم ولغاتهم واعراقهم، وهي مقدمة ضرورية لضمان وحدة السودان من خلال تنوعه.

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de