|
جيش وشعب ووطن لن يقهر- حديث الخط الأحمر الحرب والانفصال من يهدد من؟ - محمد سعيد محمد حسن(منقول)
|
الأستاذ الكبير والصحفى المخضرم محمد سعيد محمد الحسن ، كاتب وطنى قومى ، عاصر مختلف النظم السياسية فى السودان منذ عشرات السنوات ، وتتمثل كتاباته بالرصانة والعمق ، من واقع تجاربه الطويلة وأنعماسه فى العمل الصحفى السياسى، أعجبنى هذا المقال ورأيت أن تشاركونى بالاستماع الى ماجاء فيه ، للفائدة والنقاش الجاد، ونشر المقال ضمن سلسلة مقالات فى عموده اليومى فى جريدة الرأى العام .
من باب التذكير لقيادات الحركة الشعبية التي ثابرت على اطلاق التهديد والتحذير والانفصال والخط الأحمر والعودة الى الحرب كأنما تقصد التخويف أو اثارة الخوف أو الفزع لدى الشماليين السودانيين فإنها بذلك تفتقر تماما لمعرفة قوة معدنهم وصلابتهم ووعيهم وصبرهم وتسامحهم والعديد منهم يعلم وبوجه خاص الفريق سلفاكير ان اخماد التمرد الدموي الذي حدث في اغسطس 1955م في الجنوب واغتيل فيه اكثر من ثلاثمائة شمالي، يمثلون كوادر مؤهلة وخبرات في مجالات التعليم والبيطرة والزراعة والغابات والصحة والادارة تم بواسطة بضعة عشرات من ضباط وجنود الجيش السوداني رغم ان الحكومة الوطنية قدمت طلبا للحاكم العام البريطاني السير روبرت هاو لاستدعاء قوات بريطانية من الدول المجاورة، وتم تطويقه واخماده من جانب الجيش السوداني بشكل منضبط وحضاري واعمال القانون واقامة المحاكمات العادلة بحضور وشهادة الصحافيين البريطانيين. اما اهل الشمال فقد طووا أحزانهم من أجل الوطن. وقيادات الحركة العسكرية تعرف أكثر من غيرها قدرات الجيش السوداني وخبرته وحنكته وشجاعته بدليل انها فشلت تماما طوال حرب العشرين سنة ورغم ما توافر لديها من أجهزة ومعدات وآليات واتتها واعترضت عليها جهات متعددة وعجزت عن اقتحام أو دخول أو الاستيلاء على أي من العواصم الثلاث، جوبا وواو، وملكال، ولم تدخلها إلاَّ بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل في يناير 2005م وبقرار سياسي من الخرطوم. ويجوز الالتفات ايضاً الى هزيمة ثلاثة جيوش من دول الجوار اثيوبيا ويوغندا واريتريا وبدعم قوي من الولايات المتحدة في منتصف التسعينيات حيث تصدت لهم القوات المسلحة واجبرتهم على التراجع والانسحاب تاركين مصفحات ومدرعات محترقة وأجهزة ومعدات حالت الهرولة دون حملها أو استخدامها، هذا الجانب المحدود من المعلومات أو الحقائق أو الاشارات يعرفها جيدا العسكريون في الحركة الشعبية وبوجه خاص رئيس الحركة الشعبية ورئيس حكومة الجنوب الفريق سلفاكير لأنه كان المسؤول الأمني والاستخباراتي عن إدارة الحرب مع القوات المسلحة. وتفيد أيضا الاشارة الى الدراسة البحثية والعسكرية والسياسية حول السودان وجيشه والتي اعدتها مجموعة مستشارين وخبراء للحكومة البريطانية عام 2009م حيث اعتبرت الدراسة ان الجيش السوداني اثبت حنكة وانضباطاً ونظاماً وكفاءة عسكرية رغم خوضه لمعارك وحروب كثيرة بوجه خاص في الجنوب وأنه ظل ملتزماً بقوانين الضبط والربط وظل حضوره العسكري قويا بينما انهارت كافة الجيوش الأخرى في الدول الافريقية. واعتبرت الدراسة في توصيتها للحكومة البريطانية ان المصالح والعلاقات التاريخية بالسودان غير علاقات ومصالح الولايات المتحدة ويتوجب التعاون والتقارب، ولذلك رفضت الحكومة البريطانية الاعتراف بمكتب للحركة الشعبية لدى بريطانيا باعتبار ان السفارة السودانية هي الجسر الرسمي للتعامل مع الخرطوم. وقررت الحكومة البريطانية اتاحة فرص تدريب متقدم لضباط من القوات المسلحة ومن البوليس في معاهدها العسكرية المتقدمة، ومضت الحكومة البريطانية الى أبعد من ذلك في لقاءات مع قيادات الحركة الشعبية بتقديم النصيحة اليهم بأن لا يقدموا على الانفصال لأن الجنوب يفتقر تماما لمقومات الدولة ويفتقد الخبرات والكفاءات، واذا قامت الدولة فستكون بلا منفذ على البحر، وان النفط قد يكون مصدرا لعائدات نقدية ولكنه لا يصنع دولة، وان ارتباطهم بالشمال هو الأخير لهم. كما ان قيادات الجنوب بوجه عام، وقيادات الحركة الشعبية تعلم تماما انه لولا الشمال وحركته الوطنية التي ناضلت ضد الاستعمار على مدى خمسين سنة لكانت قبائل الجنوب موزعة على دول الجوار بوجه خاص يوغندا واثيوبيا حسبما خططت لذلك الادارة البريطانية ووثائقها ومذكراتها متاحة، وتثبت هذه الحقيقة ان الشمال ابان الاستعمار وفي الحكم الوطني ظل يستقطع مبالغ كبيرة من ميزانيته المتواضعة منذ العام 1889الى العام 2005م للصرف على الخدمات والمرتبات للمرافق ولمؤسسات الجنوب، وللمفارقة ان الادارة البريطانية كانت تخصص من موارد الشمال ما يغطي نفقات الارساليات التبشيرية واحتياجات مدارسها وكنائسها ولاثارة الشكوك والكراهية في نفوس الجنوبيين ضد الشماليين وذلك من مال وعائدات الشمال المحدودة. ان الشمال عرف نظام الدولة والادارة وخوض الحروب قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة، وعرف أهله بالتسامح والصبر، وقد تحمل عبئاً كبيراً يتجاوز موارده وقدراته ليظل الوطن موحداً ومتطوراً وقوياً، بل وتحمل أعباء وتجاوزات أملتها اتفاقية السلام الشامل، وقبل بها لوقف الحرب واحلال السلام، ولكن من الصعوبة بمكان أن يكون حصاد كل هذه التضحيات الجسام القبول بانفصال مبكر وباعلان من جانب الحركة الشعبية رغم ان الاتفاقية نصت على الوحدة والعمل من أجلها، وربما تكون الصعوبة الأكبر القبول بانفصال اذا اقترن بحرب فهذا سيكون اسوأ السيناريوهات التي لن يقبل بها أحد لا داخلياً ولا إقليمياً ولا دولياً. إن خبرة الحركة الشعبية السياسية لا تتجاوز العقدين كذلك خبرتها العسكرية، بينما خبرة أهل وجيش الشمال تمتد الى حقب بعيدة وليس من الحكمة لقيادات الحركة التمادي أو المثابرة على دق الدفوف والطبول باطلاق التهديدات والتحذيرات والانفصال واعلان الحرب والخط الاحمر، لابد من التعقل والتريث بقدر ما هو متاح، فبعد الذي عاشه أهل الشمال وعرفوه وعركوه على مدى حقب فقد اكتسبوا مناعة كثيفة يصعب اختراقها بالتخويف والتهديد أو الحرب.
|
|
|
|
|
|