كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-04-2024, 04:17 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة فتحي علي حامد علي البحيري(فتحي البحيري)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-09-2003, 04:19 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم (Re: فتحي البحيري)



    (6)

    (6/1) إن شيئاً من ذلك قد قرَّ ، ولا بُد ، فى وعى المعارضة السياسية فى السودان ، بالثقل المستعرب المسلم داخلها ، فتمثلته وطوَّرته إلى حدٍّ مرموق، حتى الآن على الأقل ، عبر مسالك صراعها ضد مشروع (الدولة الدينية) الذى تهيَّأ للدفع باتجاه نهاياته القصوى ، منذ أواخر ثمانينات القرن الماضى ومطالع تسعيناته ، وحتى (إعلان القاهرة) أواخر مايو ، ثم (إعلان الخرطوم) مطالع يوليو الماضيين. فأول ما تلتقطه العين المنتبهة فى وثائق هذه المعارضة ، طوال الفترة المذكورة ، وسواء على مستوى نشاطها التحالفى أم أدائها الحزبى المنفرد ، هو عدم استخدامها لمصطلح (العلمانية) ، ولو مرَّة واحدة ، حتى بعد انضمام حركة قرنق إليها. أما معالجتها لمفهوم (فصل الدين عن السياسة) فقد خلت تماماً مِمَّا يمكن اعتباره احتجاجاً (علمانياً) على طابع التديُّن فى الحياة العامة ، أو (شطباً) للدين من حقول نشاط الأسرة أو المجتمع أو الدولة أو حركة الفكر أو الثقافة أو التربية أو التعليم أو ما إلى ذلك من مقوِّمات (العلمانية) فى أصل المصطلح الغربى ، علماً بأن الحديث لا يدور ، هنا ، عن محض (التمييز) بين ما هو (دينى) وما هو (دنيوى) ، مما أضحت هذه القوى تبدى ، منذ حين، انعطافاً باتجاهه يهئ لمقاربة إشكالية (الدين الدولة) من موقف أكثر استنارة ووثوقاً فى الانتماء إلى (عقلانية) الاسلام ، ومنابع الحركة والتجدد فى ثقافته. فليس هذا (التمييز) من (العلمانية) فى شئ ، وإنما هو (أصل) مؤسس جيداً ، كما قد رأينا ، على قاعدة منهج المصلحة فى الحديث الشريف: (أنتم أدرى بشئون دنياكم).

    (6/2) ولعلنا نجد معنى كبيراً هنا للنقد المفصح الذى سدَّده د. غازى صلاح الدين ، أحد أبرز مفكرى النخبة الاسلاموية الحاكمة نفسها ومستشار شئون السلام لدى رئاسة الجمهورية ، لشعار (الاسلام هو الحل) باعتباره مجرد (شعار فضفاض) ، على حدِّ تعبيره ، ودعوته للحركة الاسلاموية للصمود أمام تحديات (الحداثة) وأوضاع المرأة والأقليات والحريات ، دون أن تكون (الشعارات) منافذ للهروب الأمامى من مواجهة أزمات الماضى والحاضر والمستقبل، وذلك من خلال التأكيد على التعددية الحزبية والثقافات المغايرة والتيارات الحديثة، وضبط مفهوم الأمة فى سياق الظرف الدولى القائم. فبدون ذلك لن تحصد الحركة ، برأيه، سوى الفشل ، حيث لن يذهب الدين وإنما ستذهب هى (الرأى العام ، 23/11/2001م).

    (6/3) وبذات القدر والمنطق لا يستطيع التحليل المنتبه أن يغفل إفادة أخرى كالتى أدلى بها السيد مكي على بلايل ، القيادى الاسلاموى السابق فى الحزب الحاكم ، وسلف د. غازى صلاح الدين فى موقع المستشارية الرئاسية لشئون السلام ، حيث أحال هجوم الحكومة وحزبها على (إعلان القاهرة) إلى دوافع (سياسية) وليست (دينية) ، ووصف (الشعارات) التى استخدمتها لهذا الغرض العديد من واجهات النظام ، مثل هيئة علماء السودان والحركة الاسلامية وهيئة الدفاع عن العقيدة والوطن وغيرها ، بأنها محض تهريج واستغلال (بشع) للدين لتحقيق مصالح ضيقة حتى لو أدى ذلك الى فتنة عمياء بين الناس عامة والمسلمين خاصة. وقال إن مفهوم (العاصمة القومية) مشمول بمواثيق سبق أن أصدرتها أو وقعت عليها الحكومة ، وأورد مشابهات لهذا النص في اتفاقية الخرطوم للسلام من الداخل ، والدستور الحالي ، وبروتوكول ماشاكوس. واتهم النظام بأنه لا يطبق شرع الله بالفعل ، وأنه نحر المشروع الإسلامي وتنكر لجوهر الشرع ومقاصده ، حيث ظل يتعامل بالربا لتمويل خزان مروى من غير ضرورة ملحة ، ويهدر قيمة العدالة وهي من جوهر التشريع الاسلامي. وحمَّل بلايل نفسه ، كمنتسب للانقاذ يوماً ، قدراً من المسئولية ، ولكنه ألقى بالمسئولية الأساسية على عاتق من أسماهم "بالثلة المتنفذة" (صحيفة "الحرية" نقلاً عن موقع "الشعبى" على الشبكة العالمية ، 14 /6/ 2003).

    (6/4) مهما يكن من أمر ، وأيَّاً كانت التقديرات بشأن إفادات د. غازى والسيد بلايل ، فإن ما وقع فعلاً هو أنه ، وعلى حين انغلق النظام الاسلاموى فى إسار التوتر (الشعارى) لمطلبه المعلن (بتطبيق الشريعة) و(وصل الدين بالدولة) ، جاعلاً منه ترياقاً مضاداً للحداثة والديموقراطية وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية ، فإن البيان الختامى لمؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية (23/6/1995م) ، والذى يعتبر أقوى وأشمل التعبيرات التواثقية التى صدرت حتى الآن عن تجمع المعارضة بثقله المستعرب المسلم ، لم يستخدم ، البتة ، صيغة (فصل الدين عن الدولة) ، رغم أنه صدر بعد انضمام حركة قرنق إليه ، بل استخدم منهج المصلحة ، بذهن منفتح ، ليخلص إلى حظر تأسيس الأحزاب السياسية على أسس دينية ، واعتماد المواطنة أساساً للحقوق والواجبات ، وإلزام الدولة باحترام تعدد الأديان والمعتقدات ، وعدم رؤية أى تناقض بين الاسلام وبين المبادئ العصرية لحقوق الانسان المضمنة فى المواثيق والعهود الاقليمية والدولية.

    (6/5) لقد جاءت تلك المقررات كتلخيص شامل لحزمة تعبيرات تواثقية سابقة عليها ، وأهمها، على سبيل المثال:

    أ/ نص المادة (10) من (مشروع الدستور الانتقالى) المجاز فى الدورة الثانية لانعقاد هيئة قيادة التجمع بلندن (26 يناير ـ 3 فبراير 1992م) على وجوب أن "تعامل الدولة معتنقى الأديان السماوية وأصحاب كريم المعتقدات الروحية دون تمييز بينهم فيما يخص حقوقهم وحرياتهم المكفولة لهم فى هذا الدستور كمواطنين ، ولا يحق فرض أى قيود على المواطنين أو على مجموعات منهم على أساس العقيدة أو الدين ـ (و) يهتدى المسلمون بالاسلام ويسعون للتعبير عنه ـ (و) يهتدى المسيحيون بالمسيحية ويسعون للتعبير عنها ـ (و) يحظر الاستخدام المسئ للأديان وكريم المعتقدات الروحية بقصد الاستغلال السياسى".

    ب/ ونص (إعلان نيروبى) حول علاقة الدين بالسياسة (17 أبريل 1993م) ، على اعتبار مواثيق حقوق الانسان الدولية جزءاً من القوانين السودانية ، وبطلان ما يخالفها ، وكفالة القانون للمساواة بين المواطنين على أساس حق المواطنة ، واحترام معتقداتهم ، وعدم التمييز بينهم بسبب الدين أو العرق أو الجنس ، وبطلان ما يخالف ذلك فى القوانين ، وعدم جواز تأسيس أى حزب سياسى على أساس دينى ، ووجوب اعتراف الدولة واحترامها لتعدد الأديان وكريم المعتقدات ، وتحقيقها للتعايش والتفاعل والمساواة والتسامح بين الأديان وكريم المعتقدات ، وسماحها بحرية الدعوة السلمية للأديان ، ومنعها للاكراه أو التحريض على إثارة المعتقدات والكراهية العنصرية ، والتزام التجمع بصيانة كرامة المرأة ، والاعتراف لها بالحقوق والواجبات المضمنة فى المواثيق والعهود الدولية بما لا يتعارض مع الأديان ، وتأسيس البرامج الاعلامية والتعليمية والثقافية القومية على الالتزام بمواثيق وعهود حقوق الانسان الاقليمية والدولية.

    (6/6) ولا يمكن ، بالطبع ، إلا من باب المكابرة الفجة والمغالطة الغليظة ، إطلاق صفة (العلمانية) ، كما استقرت فى حرفية المصطلح الغربى ، على أىٍّ من كل هذا الذى توصلت إليه المعارضة ، فى مستوى نشاطها التحالفى.



    (7)

    (7/1) أما فى مستوى الأداء الحزبى المنفرد:

    أ/ فقد أعلن حزب الأمة ، غير ما مرة ، تمسكه بمقررات أسمرا ، رغم مغادرته (التجمع) ، بل اقترح أن توقع الحكومة عليها "إختصاراً للوقت .. بحيث تكتمل الصورة وينغلق باب المماحكة والجدل العقيم" (الصحافى الدولى ، 10/9/2000م).

    ب/ وما زال الحزب ناشطاً فى تعميق رؤيته لإشكالية (الدين والدولة) من منظور (العقلانية الاسلامية) ، مما انعكس ، مثلاً ، فى ورقة العمل التى أجازها مكتبه القيادى بتاريخ 9/7/2001م ، لتحمل موقفه التفاوضى النهائى فى المؤتمر التحضيرى من أجل الحل السياسى الشامل الذى كان مزمعاً عقده ، فى سياق المبادرة المصرية الليبية المشتركة أوان ذاك ، حيث طالب الحكومة بإجلاء (مسألة الدين والدولة) بما ".. يؤكد أن المواطنة هى أساس الحقوق والواجبات .. (وأنه) لا يحق لأى مجموعة .. أن تنال امتيازات بسبب انتمائها الدينى ، (وأن) الأحزاب .. تقوم على أساس مفتوح لكل المواطنين .. ولا تفرق بين الناس على أساس دينى ، (وأن) القوانين السارية على كل المواطنين مصادرها تكون مقبولة لهم جميعاً ، (وأن) القوانين ذات المصادر غير المقبولة للجميع يكون تطبيقها مخصصاً". كما حدد أن تكون ".. مصادر التشريع هى إرادة الأمة على ألا تخالف الشريعة ، الأديان السماوية ، الثقافات الوطنية والمواثيق الدولية".

    ج/ وفى محاضرته بكادونا فى 30/6/2001م ، حذر المهدى المسلمين النيجيريين من مغبة التطبيق الانفعالى للشريعة على حساب وحدتهم الوطنية ، وتجربتهم الديموقراطية ، والحكمة المتاحة لهم فى التعلم من تجارب الآخرين ، ضارباً المثل بتجربة نميرى الفاشلة فى 1983م (الصحافى الدولى ، 22/7/2001م).

    د/ كما حذر مسلمى السودان من ".. أن إكساب الدولة أية صبغة دينية من شأنه زيادة حدة الاستقطاب والفعل المضاد" (الرأى العام ، 20/8/2001م).

    ولا يخفى ، بالطبع ، فى هذه التعبيرات ، إتفق الناس أم اختلفوا حولها ، النزوع نحو الاتساق مع (العقلانية الاسلامية) ، والنأى عن الالتباس الذى يخلفه استخدام مصطلح (العلمانية) كمظهر (لعقلانية) الثقافة الغربية.

    (7/2) أما تمثل الحزب الاتحادى (للعقلانية الاسلامية) فى قضية (الدين والدولة) فقد تعمَّق عبر جملة مواقف سياسية عملية سابقة على (إعلان القاهرة) بوقت طويل:

    أ/ ففى (مبادرة السلام السودانية) التى أطلقها الميرغنى وقرنق بأديس أبابا فى 16/11/1988 تمهيداً لعقد المؤتمر القومى الدستورى ، نص البند (أ/1) على "تجميد مواد الحدود وكافة المواد ذات الصلة فى قوانين سبتمبر 1983م ، وألا تصدر أية قوانين تحتوى على مثل تلك المواد .. إلى حين قيام المؤتمر". فلئن كانت حركة قرنق تشترط ، فيما مضى ، الإلغاء التام لتلك القوانين ، فإن الحزب الاتحادى ، بنجاحه فى إقناعها بذلك الاتفاق ، قد أبدى مستوى مرموقاً من الاستعداد لمنازلة (الشعارات الفضفاضة) وإعلاء (منهج المصلحة) من خلال الحوار الديموقراطى ، مما استحق الترحيب الداوى فى الشارع السودانى ، المسلم وغير المسلم ، كونه فتح باباً واسعاً للأمل فى تجاوز الاختناق الوطنى إلى رحاب الوحدة والسلام والمساواة والديموقراطية ، عبر المؤتمر الدستورى الذى قطع الانقلاب الاسلاموى فى يونيو 1989م الطريق ، للأسف ، أمام عقده فى سبتمبر من نفس العام.

    ب/ وفى خطابه إلى بابنجيدا فى 21/9/1991م ، حول المبادرة النيجيرية لسلام السودان ، شدَّد الميرغنى على أن (اتفاق أديس) لم يهدف لمعالجة (قضية الجنوب) فقط ، بل كل قضايا السودان ، وأنه حظى بقبول كل القوى ما عدا الجبهة الاسلامية ، وأن الحكومة كانت قد حددت يوم 14/7/1989م موعداً لإبلاغ الحركة الشعبية بذلك لولا وقوع الانقلاب ، وأن هذه الآلية ما تزال محل إجماع قوى التجمع "لإيقاف الحرب .. (و) تأسيس السودان الحديث .. فى إطار الوحدة والسلام الدائم والديموقراطية و .. حقوق الانسان".

    ج/ وفى (نداء السودان) الصادر فى القاهرة بتاريخ 1/3/2001م أكد المهدى والميرغنى أن السلام العادل والتحول الديموقراطى يعنيان كفالة "الحرية ، والمساواة على أساس المواطنة ، و .. التعايش بين الأديان والثقافات .. وحقوق الانسان .. (و) التبادل السلمى للسلطة عبر انتخابات عامة .. (و) نبذ العنف ، ورفض القهر والتسلط .. وتحديد المسئوليات فى ظل دستور ديموقراطى يكفل الحقوق للجميع".

    د/ وفى رسالته من القاهرة إلى جماهير حزبه طالب الميرغنى ".. بالالتفاف حول مبادئ الحزب وثوابته المتمثلة فى الديموقراطية وحقوق الانسان وبناء السودان الجديد القائم على المساواة وحقوق المواطنة" (الأيام ، 24/7/2001م).

    هـ / ولعلها من المفارقات ذات الدلالة الخاصة فى ما نحن بصدده هنا أن النظام الذى (يتهم) المعارضة الآن (بالعلمانية) ، رغم أنها لم ترد فى (إعلان القاهرة) ، بل لم ترد ولو مرة واحدة فى كل أدبياتها كما قد رأينا ، هو نفسه الذى كان قد وافق على (إعلان المبادئ) الصادر عن (الإيقاد) فى 20/5/1994م ، والذى نصَّ صراحة على (الدولة العلمانية)! وتكتمل المفارقة تماماً حين نعلم أن الميرغنى ، رئيس التجمع والحزب الاتحادى ، هو الذى لفت نظر سكرتارية (الإيقاد) ، وقتها ، إلى "أهمية إعطاء الأولوية لوحدة السودان ، وتجنب المصطلحات التى تقود إلى البلبلة وسوء الفهم مثل مصطلح (العلمانية) فى الصياغة النهائية" (مذكرة حول السلام والوحدة والديموقراطية ، 27/12/1994م)!!

    (7/3) الشاهد أنه لا يصعب ، يقيناً ، أن نلمس فى مجمل هذا الطرح أيضاً مقاربة لذات اجتهاد حزب الأمة القائل بأن النظم الديموقراطية الحديثة تماثل المبادئ التى أتى بها الاسلام قبل خمسة عشر قرناً ، فيطابق تطور الفكر الانسانى فيها حقائق الوحى ، علاوة على الفقه الذى يعقد السيادة للشعب ، والمرجعية لهيئاته المنتخبة ، حيث العصمة للأمة ، فى مجملها ، لا لإمام فرد. فهل تجوز ، هنا أيضاً ، نسبة شئ من هذا إلى (العلمانية) ، كما فى الأبجدية الفكرية الغربية ، اللهمَّ إلا بغير القليل من (الحَوَل السياسى)؟!

    (7/4) وأما الحزب الشيوعى ، فإن انتباهته الباكرة لضرورة إعادة صياغة الاشكالية حول (الدين والدولة) من المنظور (العقلانى) إنما تكشف بجلاء عن كون اتهامه بـ (الالحاد) ، ناهيك عن (العلمانية) ، هو محض (مزايدة) مفضوحة فى إطار التشويه المتعمد لحقائق الصراع السياسى فى بلادنا (أنظر ، للمزيد من التفصيل ، مقالتنا: "مثار النقع" ، الصحافة ، 2/1/2001م).

    أ/ فقد جاء فى وثيقة مؤتمره الخامس (أكتوبر 1967م) أن القوى (الرجعية) ظلت تعمل "فى إطار الحركة السياسية (العقلانية) .. ولكن تصاعد نشاط الجماهير .. دفع بها إلى ترك الحياة السياسية (العلمانية) .. ونشر جو من الدجل اليمينى .. يهدف .. إلى قيام سلطة رجعية باسم الدين". ولذلك ألزم الحزب نفسه بالعمل "كقوة فكرية تتصدى لهذا الخطر ، وتواجهه بخط يضع الدين فى مكانه بين حركة الشعوب" (أقواس التشديد من عندنا ـ الماركسية وقضايا الثورة السودانية ، دار الوسيلة 1986م ، ص 169 ـ 170).

    ولا يعجز حتى النظر العابر عن التقاط الاستخدام المنتبه ، هنا ، لمصطلح (العلمانية) ، لا بمدلولاته التى استقرت فى الفكر الغربى منذ حقبة التنوير ، وإنما كمرادف لمفهوم (العقلانية) فى الفكر الاسلامى.

    ب/ ويسخر الحزب فى برنامجه ممن يحاولون تصوير الاسلام وكأنه يدفع شعوبه إلى قبول العيش تحت ظل الاستعمار (المؤمن) ضد الاشتراكية (الملحدة) ، ويفصح عن موقفه الرافض لهذا (التزييف) للاسلام الذى يرى فيه "قوة للجماهير المناضلة فى سبيل الكرامة والحرية" ، معتبراً من واجبه أن "يجاهد بحزم وبصبر لتحرير الدين .. بوضعه فى مجرى تطوره الحقيقى .. ضد التمييز الطبقى وحكم الطاغوت ، ومن أجل السير بالحضارة الاسلامية إلى عالم القرن العشرين".

    ج/ وفى مذكرته إلى المجلس العسكرى عام 1985م طالب الحزب بأن يضمن الدستور الانتقالى أعلى درجة من احترام الأديان ، وأكد أنه "يستمد .. من أصول الشريعة الاسلامية ما يلائم العصر من أحكام ، ويحترم كل الأديان وكريم المعتقدات ، ويعارض كل دعوة فوضوية للمساس بمعتقدات وبمقدسات الشعب ، ويعارض بنفس المستوى المتاجرة باسم الدين فى السياسة وشئون الحكم" (المذكرة ، أغسطس 1985م).

    د/ وخلال المشاورات التى أجراها مجلس رأس الدولة عام 1988م مع الكتل البرلمانية ، وضح جليَّاً المستوى العالى الذى ارتقى إليه فكر الحزب فى تدقيق التعاطى مع المفاهيم والمصطلحات ، فقد سعى إلى فض الالتباس الذى يخلفه استخدام مصطلحات (دولة علمانية/دستور علمانى/دستور إسلامى .. الخ) ، وتقديم البديل الاصطلاحى والمفهومى المناسب ، حيث أكد أنه ليس معنياً بحرفية المصطلحات ، أو بما إذا كان مصطلح (العلمانية) بكسر العين أو فتحها، وإنما يولى كل اهتمامه لـ (الديموقراطية) ، كحريات عامة وحقوق أساسية ونظام حكم ومؤسسات ، وأنه يعارض (الدولة العلمانية) عندما تصادر (الديموقراطية)، كما فعل مع ديكتاتورية عبود (العلمانية) ، ومع نظام مايو الذى بدأ يسارياً و(علمانياً) ، ثم أعلن قوانين سبتمبر 1983م ونصب نميرى إماماً. ومنذ ذلك الحين ظل الحزب يدعو إلى تجاوز استقطاب (دولة دينية/دولة علمانية) ، مقترحاً مفهوم ومصطلح (الدولة المدنية) ، دون أن يغفل التنبيه إلى أن (الدولة المدنية) لا تسمح بأن يتحول المجتمع الى خمارة أو ماخور ، كما قد يسارع البعض (لاتهامها). لكن ضمانها لذلك ، وفق محمد ابراهيم نقد السكرتير العام للحزب ، لا يبدأ بأدوات القمع ، بل بواعز التربية السياسية والثقافية ، واعز الدين والاخلاق ومثال القدوة الحسنة في الأسرة والمجتمع.



    (

    أخيراً ، وبإصدار غالبية القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدنى فى 2/7/2003م (لإعلان الخرطوم) الداعم (لإعلان القاهرة) ، والمتضمن "الالتزام بالدولة المدنية الديموقراطية القائمة على المواطنة التى يتساوى فيها الجميع فى الحقوق والواجبات" ، لم يعد التركيز على مفهوم ومصطلح (الدولة المدنية) محض اقتراح من الحزب الشيوعى ، بل محل إجماع وطنى عام ، وقد رأينا كيف لامسته من قبل وثيقة مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية (1995م) ، بما يؤسس لأشراط مقايسات مفهومية مغايرة عمّا كان سائداً فى السابق وسط الجماعة المسلمة فى بلادنا ، على صعيد وعيها بذاتها وباستحقاقات السلام والوحدة والديموقراطية ، بما يفرض على الاسلامويين إعادة قراءة متأنية لمجمل تلك الوقائع والتحوُّلات ، وتحديد مواقعها من إعراب بعضها البعض ، توسُّلاً موفقاً لمراجعة أبنيتهم الفكرية ، وخطوطهم السياسية .. ويقيناً إن فيهم لأذكياء كثر!



                  

العنوان الكاتب Date
كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم فتحي البحيري08-09-03, 03:05 PM
  Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم فتحي البحيري08-09-03, 03:37 PM
    Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم فتحي البحيري08-09-03, 04:03 PM
      Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم فتحي البحيري08-11-03, 09:26 PM
    Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم فتحي البحيري08-09-03, 04:13 PM
    Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم فتحي البحيري08-09-03, 04:19 PM
      Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم فتحي البحيري08-09-03, 04:23 PM
        Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم فتحي البحيري08-09-03, 09:36 PM
        Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم فتحي البحيري08-09-03, 09:47 PM
          Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم فتحي البحيري08-11-03, 03:00 PM
  Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم SAMIR IBRAHIM08-11-03, 11:45 PM
    Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم فتحي البحيري08-12-03, 03:04 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de