كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-04-2024, 02:52 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة فتحي علي حامد علي البحيري(فتحي البحيري)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-09-2003, 04:13 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم (Re: فتحي البحيري)




    (4)

    (4/1) وكما كان متوقعاً أيضاً ، انتقل الخلاف حول ذلك المشروع من مجلس الوزراء إلى الجمعية التأسيسية.

    أ/ فما أن اكتملت مناقشته فى مرحلة القراءة الأولى وأصبح جاهزاً للتصويت عليه فى مرحلة القراءة الثانية ، حتى فوجئ الاسلامويون بزعيم الجمعية عن حزب الأمة يقترح سبع مسائل للتصويت عليها بدلاً من التصويت على المشروع! أهم تلك المسائل ضرورة الاتفاق على ماهية الحدود و(استثناء العاصمة القومية) حال التطبيق!

    ب/ مُنيت كل الجهود التى بذلها الاسلامويون لتصحيح ذلك الخطأ اللائحىٍّ البيِّن بالفشل الذريع، حيث كان واضحاً أن نواب الأمة والاتحادى قد قطعوا أمرهم فى ما بينهم على ذلك خارج الجمعية ، بما لديهم من أغلبية داخلها!

    ج/ ثم تكرر الفشل حين حاول الاسلاميون تعديل الاقتراح ، بحيث تتم إجازة المشروع والمسائل السبع معاً! ولكن زعيم الجمعية تمسَّك باقتراحه دون أدنى تعديل.

    (4/2) ولما لاحت ، نهائياً ، نذر الأزمة التى كان من شأنها الاطاحة بالاسلامويين إلى خارج دائرة الائتلاف الحاكم ، نهض د. الترابي ليعلن أنه لا يرى فرقاً بين مشروعه وبين اقتراح زعيم الجمعية بنقاطه السبع!

    هكذا فاز الاقتراح المضاد ، بما فيه (استثناء العاصمة القومية) من تطبيق أى قوانين مستمدة من الشريعة ، بموافقة الاسلامويين الذين احتفظوا بمقاعدهم ، على هذا الأساس ، ضمن تركيبة الحكم ، لا يرون فرقاً بين هذا وذاك!

    (4/3) تداعت الأحداث بعد ذلك حتى وقع الانقلاب الاسلاموى فى الثلاثين من يونيو 1989م دافعاً ببقية القوى السياسية إلى مواقع المعارضة داخل وخارج البلاد. وبالمقابل فإن النظام لم يوفر وسيلة للقمع المادىِّ أو المعنوىِّ إلا واستخدمها ضد هذه المعارضة ، بما فى ذلك الترويج الدعائى القديم لجعل القطاع المسلم وسطها (متهوماً) فى الذهنية والوجدان الشعبيين بالسعى (لمحاربة) الدين وإقامة نظام (علمانى فاسق)! وهذا هو ، بالضبط ، ما فعله النظام أيضاً بمناسبة صدور (إعلان القاهرة) مؤخراً.



    (5)

    (5/1) يجدر بنا ، عند هذا الحد ، وقبل أن نعمد إلى تقصِّى حقيقة مواقف الأطراف المختلفة طوال الفترة الممتدَّة ما بين الانقلاب وصدور (الإعلان) ، أن نقف على حقيقة الدلالة الاصطلاحية التاريخية لمفهوم (العلمانية) نفسه ، ونشأته فى تاريخ الفكر الأوروبى فى مطلع عصر الحداثة بحقبه الثلاث (النهضة ـ الإصلاح الدينى ـ التنوير) ، من جهة ، واستخدامه المخل من جانب السلطة فى سياق صراعاتها مع المعارضة من الجهة الأخرى. نفعل ذلك بإيجاز ، كوننا قد أسهبنا فيه ، من قبل ، عبر عدة مقالات منشورة يمكن الرجوع إليها لمن أراد الاستفاضة.

    أ/ فالعلمانية secularism ، بالمصطلح الغربى العام ، أو اللائكية laicisme ، فى الطور الفرنسى الخاص ، هى مفهوم محدَّد أنتجه الفكر البرجوازى الأوروبى بدلالة تحرير (السلطة الزمنية) من قبضة (الاكليروس الكنسى) ، المؤسسة الإجتماعية ذات المصالح الدنيوية التى ارتبطت بكل المظالم التى أفرزتها التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية للاقطاع ، والحارسة الأيديولوجيَّة لعلاقات إنتاجها ، وصائغة تبريراتها الروحية فى التاريخ القروسطى الأوروبى ، قبل أن تهب البرجوازية ، رافعة مجموع الشعب الكادح على طريق ثوراتها التاريخية ، وأشهرها الثورة الفرنسية (1789م) ، لتقوِّض سلطة (الإكليروس) بمصادرة أملاكه ، وإلغاء الأتاوات التى كان يفرضها ، بل وبتصفية النظام الإقطاعى نفسه ، وإصدار (الإعلان الفرنسى لحقوق الإنسان والمواطن) ، تحت التأثير المباشر لفلسفة الأنوار ، وإلحاق شئون الأسرة ومسائل التربية والتعليم وما إلى ذلك باختصاصات السلطة (المدنية). لقد تلازم صعود المركانتلية مع عمليات التهميش الثورى المتسارع للاقتصاد الطبيعى الريفى الذى كان يشكل أساس نفوذ الإقطاع والكنيسة ، مما هيَّأ لصعود مناهج جديدة فى الفلسفة والميتافيزيقيا كتفكير فى الوجود خارج مفاهيم اللاهوت ، ورتب لواقع فكرى جديد ، أصبحت فيه الفلسفة عقلية ، على حين بقى اللاهوت نقلياً ، حسب د. برهان غليون.

    ب/ ورغم أن (العلمانية) لم تستهدف ، أول أمرها ، إنجاز مفاصلة ما مع (الدين) ، بقدر ما هدفت إلى إخضاع الكنيسة الكاثوليكية لسلطة الدولة باستقلال عن كنيسة روما ، إلا أن ثمة عوامل تاريخية محدَّدة دفعت (بالعلمانية) ، وبخاصة طبعتها الفرنسية (اللائكية) ، على طريق التحوُّل إلى أيديولوجيا مصادمة للدين ، حسب ديفيد مارتن ورضا هلال. من ذلك وقوف (الكهنة) فى أعقاب الثورة الفرنسية ضد إعلان الجمهورية (1793م) ، الأمر الذى ترتب عليه وضع جماهيرى عام اتخذت من خلاله المعركة بين (الجمهوريين) و(الملكيين) طابع العداء بين (العلمانية/اللائكية) وبين (الإكليروس) المتحوِّل ، فى الذهنية العامة ، إلى معادل موضوعى لمفهوم (الدين) نفسه. ثم ما لبث الأمر أن تطور ليفضى ، فى الجمهورية الثالثة ، إلى مواجهة شاملة ، بين (الدين) و(الدولة) ، باسم القيم (اللائكية الجمهورية) فى مواجهة القيم (المسيحية الملكية).

    ج/ إذن ، وبما أن لكل ثقافة وحضارة (عقلانيتها) الخاصة ، فإن (العلمانية) ليست سوى مظهر لـ (عقلانية أوروبا) الحداثية كمنجز حضارى تاريخى ، فى سياق وقائع محدَّدة لصراع المجتمع ـ الاكليروس ، كما قد رأينا ، بحيث أصبحت هذه (العقلانية ـ rationalism) أسلوباً فى التفكير والتفلسف ، فى الحياة اليومية وفى الممارسة المعرفية ، تتفق حوله أغلب الفلسفات السائدة في الغرب اليوم ، والتى تعود بجذورها ، كما هو معلوم ، إلى فلسفات تأسست ، أصلاً ، فى اليونان وروما القديمة.

    (العلمانية) ، بعبارة أخرى ، هى جنين (العقلانية) الأوروبية الوضعية ، الطالعة من رماد الحرب التى اندلعت ، فى التاريخ القروسطى الأوربى ، بين (إكليروس) حلَّ محلَّ السماء فى الأرض ، ومنح إرادته البشرية سلطاناً (مقدساً) على السلطة الزمنية ، وعلى حركة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والفلسفية والفكرية والثقافية ، وبين (مجتمع مدنى) صارع لتحرير سائر مقدراته من بين فكى تلك الهيمنة ، فكان محتوماً أن يقع الاصطدام (بالكهنوت) فى أفق ذلك الصراع ومآلاته التاريخية ، وأن يطبع ، من ثمَّ ، (عقلانية) أوروبا بطابعه الخاص ، إلى المدى الذى عمد فيه ذلك (الكهنوت) لترتيب التماهى ، فى الذهنية الغربية العامة ، بين ذاته والسماء ، وفق الأساليب والمناهج الثيوقراطية theocratic التى اتبعها.

    (5/2) أما (عقلانية) الثقافة الاسلامية فتتجذر فى صميم الدين نفسه ، فى عشرات الآيات والأحاديث التى توقر الكرامة الانسانية ، وتعلى من شأن العقل ، وتحض على حرية التفكير والاختيار حتى فى مسائل الإيمان نفسه. فليس فى الاسلام مؤسسة (إكليروس) تكفِّر أو تمنح صكوك غفران ، بل العكس هو الصحيح تماماً. فالاسلام ".. يعطى الانسان مجال التفهم بعقله .. حاثاً على استخدام العقل فى خمسين آية .. وعلى التفكير فى 18 آية" (الصادق المهدى ؛ أحاديث الغربة ، ط 1 ، دار القضايا ، بيروت 1976م ، ص 33). والمؤمنون مأمورون ، فى سبيل معرفتهم لله عزَّ وجل وإيمانهم نفسه ، بالتزام عمليات عقلية تستخدم فيها جميع الحواس من بصر وسمع وخلافه: "والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون" (78 ؛ النحل) ، أى "تؤمنون" (تفسير الجلالين). كما وأنهم مأمورون بالتمييز بين شئون (دينهم) وأمور (دنياهم): "ما أمرتكم بشئ من دينكم فخذوه، أما ما كان من أمر دنياكم فأنتم أدرى به" ، وفى رواية أخرى: "أنتم أعلم بأمر دنياكم" ـ رواه مسلم وابن ماجه وابن حنبل. وهكذا فإن الاسلام لا يعترف بطبيعة للدولة غير الطبيعة المدنية.

    (5/3) وليس مستغرباً أن القائلين بخلاف ذلك لا يستصحبون أهم وجوه النظر الفقهى لدى الصحابة الأجلاء والخلفاء الراشدين ، فيسقطون من حسابهم ، بالكلية ، على سبيل المثال الساطع ، مراكمات الفاروق عمر الاجتهادية فى أعقد المسائل وأكثرها خطراً ، وهو الذى قال فيه النبى (ص) عن ابن عمر: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه" ، وعن مجاهد قال: "كان عمر يرى الرأى فينزل به القرآن" ، وذلك لكون الوحى قد وافق فتاواه فى أغلب الأحيان، حتى سُمِّيَت تلك الفتاوى (موافقات عمر) أو (ما نزل من القرآن على لسان عمر) ، مما أفاضت كثير من المصادر فى تفصيله (راجع مثلاً: الاتقان فى علوم القرآن لجلال الدين السيوطى). وللدقة ، فإنك قد تصادف ، هنا أو هناك ، نماذج من تلك الفتاوى العُمَريَّة حول غيرة نساء النبى ، وحول احتجابهن ، وحول اتخاذ مقام إبراهيم مصلى ، وما إلى ذلك. ولكنك، بالكاد ، تصادف نماذج من فتاواه الأخرى ذات الطابع السياسى ، مثل فتواه بعدم توزيع أرض الشام وسواد العراق على المقاتلة ، والاستعاضة عن ذلك بالابقاء عليها فى أيدى أصحابها مع فرض خراجها عليهم ، وذلك برغم ما قد يُفهم من منطوق النص الكريم: "واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل .." إلى آخر الآية (41 ؛ الأنفال). لقد غلب الفاروق وجه المصلحة فى مقاربة الفهم الصحيح لجوهر هذا النص فى تلك الواقعة ، تحديداً ، من حيث حرصه على توخى العدل تجاه الذرية والأرامل ، وتجاه أجيال المسلمين الذين سوف يأتون فى الغد ليجدوا الأرض بعلوجها قد اقتسمت وحيزت وورثت ، علاوة على احتياج الثغور لما تسَدُّ به. وما زال يسوق حججه (العقلية) للصحابة حتى اقتنعوا ، ففرض الخراج (أنظر: كتاب الخراج لأبى يوسف ، ص 14). ومن ذلك ، أيضاً ، إلغاؤه سهم (المؤلفة قلوبهم) المنصوص عليه ضمن الآية الكريمة (60 ؛ التوبة) ، والذى سار عليه ، من قبله ، أبو بكر اقتداءً بعمل الرسول (ص) ، وفتواه بعدم جواز قطع يد السارق فى عام الرمادة ، وغير ذلك كثير. ويتحفظ بعض المفكرين على تسمية هذا المنهج بـ (التعطيل) ، فالأمر ، من زاوية نظرهم ".. لا يعنى (تعطيل) النص، بل يعنى فقط تأجيله بالتماس وجه آخر فى فهمه وتأويله" (د. محمد عابد الجابرى ؛ الدين والدولة وتطبيق الشريعة ، ط 1 ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت 1996م ، ص 45). وهذا ، على أية حال ، موقف أكثر استقامة من مجرد الاستكانة إلى الوجَل والجمود اللذين لا يورثان ، فى نهاية المطاف ، سوى أحد أمرين لا ثالث لهما: فإما أن يُمسى هذا المنهج منكوراً عياناً بياناً ، أو يصبح مسكوتاً عنه ، فى أفضل الأحوال ، مع كون كلا الأمرين وجهاً لعملة فكروفقهية واحدة! ومهما يكن من أمر فإن ما ينبغى أن يكون مناط اهتمامنا هو المنهج نفسه ، لا عنوانه.

    التعاطى العقلى ، إذن ، مع النص من باب توخى (مصلحة الأمة) ، أو (المصالح الكليَّة) بالمصطلح الشرعى ، هو أحد أهم عناصر المنهج العُمَرى أو (الشروط العُمَريَّة) ، فى فهم النصوص وتطبيقها. وقد تطوَّر هذا المنهج (العقلانى) المستنير ، خلال تلك الفترة ، من باب استيفائه لمقتضياته الشوريَّة ، فلم يفرضه الفاروق ، على الأمَّة أو الصحابة. بل إن الصحابة أنفسهم قد دأبوا على اعتماد منهج (النظر العقلى) هذا فى مقاربة النصوص بمعيار (المصالح الكليَّة) ، فما كان الفاروق شذوذاً عن قاعدة ما ، بقدر ما شكل تجاوزاً بقدراته الاستثنائية شديدة التميُّز والخصوصية.

    (5/4) ومن ثمَّ ، فقد حقَّ النظر بعين النقد المباشر والمستقيم ، إن لم يكن بعين الشك المبرّر ، لأىِّ مسعى لإسقاط هذا المنهج ، أو أية محاولة لإغفاله ، والاستعاضة عنه بالمناهج التلفيقية لتوليف منظومة فقه (الأحكام السلطانية) الانتقائية المستندة إلى اجتهادات فقهاء آخرين من عصور وأزمنة مختلفة ، بعد (تنزيههم) عن خصيصة (المحدودية) البشرية ، و(رفعهم) إلى مستوى (القداسة) المستعلية فى فضائها السرمدى ، وذلك ضمن أعمال المتأخرين من حكام ومفكرى ومثقفى المسلمين ، فى غياب ، أو ربما تغييب أى مداخل نقدية تيسِّر قراءة أولئك الفقهاء قراءة صحيحة.

    (5/5) والمسلمون ، اليوم ، ومسلمو السودان بخاصة ، وفى ظروف الانقسام المبهظ ، إلى حدِّ التشظى ، الذى يَسِمُ راهنهم ، والتطوَّرات الهائلة ، على المستويين الداخلى والعالمى ، التى طالت كافة حقول حياتهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية ، محتاجون ، أكثر من أى وقت مضى ، لـ ".. إعادة تأصيل الأصول على أساس اعتبار المصلحة الكلية ، كما كان يفعل الصحابة. وبعبارة أخرى ، فإن تطبيق الشريعة ، التطبيق الذى يناسب العصر وأحواله وتطوُّراته ، يتطلب إعادة بناء مرجعية للتطبيق. والمرجعية الوحيدة التى يجب أن تعلو على جميع المرجعيات الأخرى هى عمل الصحابة. إنها المرجعية الوحيدة التى يمكن أن تجمع المسلمين على رأى واحد ، لأنها سابقة على قيام المذاهب وظهور الخلاف ، وهى أيضاً الصالحة لكل زمان ومكان لأنها مبنية على اعتبار المصالح الكليَّة" (المصدر السابق ، ص 52 ـ 53). وفى قول الجوينى ، إمام الحرمين: "إن سُبرَ (أى اختبار) أحوال الصحابة رضى الله عنهم ، وهم القدوة والإسوة فى النظر ، لم يُرَ لواحد منهم فى مجالس الاستشوار (أى الاستشارة) تمهيد أصل واستثارة معنى ، ثم بناء الواقعة عليه (أى كما يفعل الفقهاء فى قياساتهم) ، ولكنهم يخوضون فى وجوه الرأى من غير التفات إلى الأصول ، كانت أو لم تكن"، ويقصد بذلك (الأصول) التى وضعها الفقهاء لمذاهبهم الفقهية (ضمن المصدر نفسه ، ص 51 ـ 52).

    (5/6) ولعل من أخطر ما انتهى إليه المسلمون اليوم هو هذا الوضع الفكروفقهى الذى يكاد يختلط فيه ما هو نصٌّ قطعىُّ الورود والدلالة فى القرآن الكريم أو السنة المطهرة بما هو محض اجتهاد فقهى بشرى مسيَّج بمشروطية أبستيمولوجية وتاريخية محدَّدة ، بصرف النظر عن مدى ثقل الشحنة التى يحملها من المصطلحات الإيمانية أو المعجم الثيولوجى. وإنه لمن المؤسف حقاً أن يحتاج المرء للتدليل على كون المشروعات الفقهية الضخمة نفسها فى التاريخ الاسلامى ، بما فيها أعمال وفهوم الصحابة الأجلاء ذاتهم ، وفيهم الخلفاء الراشدون ، دع عنك الحواشى والشروحات والتفاسير التى ترد على المتون المرجعية الأصلية فى القرآن والسنة ، إنما هى من قبيل هذا الاجتهاد الذى نهض بعبئه ، وراكمه ، بشر مسلمون كانوا بمثابة مفكرى ومثقفى عصورهم ، بالمصطلح الحديث ، وخلاصة مستوى الوعى الاجتماعى الاسلامى زماناً ومكاناً. فابن رشد ، على سبيل المثال ، جابه ، من موقعه كمفكر وفقيه وفيلسوف مسلم ، أسئلة عصره الكبرى ، خلال القرن الثانى عشر الميلادى ، فلم يقف متردِّداً ينظر إلى الخلف فى وجل ، بل مضى يقتحم بتجرُّؤ واقتدار كافة أسوار المعضلات الشائكة ، مستنهضاً فرضيته الأساسية القائمة فى عقلانية الاسلام الفلسفية والعلمية ، فخلص بالنتيجة إلى رفد الفكر العالمى بأسره بعناصر تنويره الأساسية. هكذا ، لم تكتف (الرشدية) بأن تتمأسس كمرجعية يستحيل تجاوزها على صعيد الفكر العربى الاسلامى ، فحسب ، بل وعلى صعيد الفكر اللاتينى المسيحى. والإمام الشافعى تصدى ، من جانبه أيضاً ، كعالم إسلامى ، لإشكاليات التشريع والقضاء فى عصره ، فوضع رسالته الشهيرة فى أصول الفقه ، مستهدفاً "أن يخلع على الفقه والتشريع نوعاً من التماسك والانضباط والوحدة لمواجهة قضايا العصر والمسلمين آنذاك .. كان يريد خلع نوع من التماسك والجدية على العمل العقلى للقاضى ، وعلى العمل العقلى للفقيه ، عندما يتنطحان للافتاء فى مسألة ما أو لحل مشكلة ما" (محمد أركون ؛ "الاسلام والحداثة" ، ترجمة وعرض هاشم صالح ضمن ندوة "مواقف" بنفس العنوان، ط1 ، دار الساقى ، لندن 1990م ، ص332 ـ 334).

    ومع ذلك كله فإن جلال ذلك الاجتهاد ، بالغاً ما بلغ من القِدَم أو سداد المقاربة للحقيقة الدينية ، لا ينفى عنه نسبيته المترتبة ، من جهة ، على محدوديته البشرية ، من حيث احتماله للخطأ والصواب ، كخاصية متأصلة وملازمة ، تقطع بينه وبين نصوص الوحى المطلق ، المنزَّه والمعصوم ، والمرتبطة ، من الجهة الأخرى ، بعامل تغيُّر الأزمان ، وهو عامل وثيق الصلة بخاصية المحدودية البشرية أيضاً. فمشروع ابن رشد ، على ضخامته وجرأته وعقلانيته ، لا يمكن إنجازه الآن ، مرة أخرى ، بذات المنهجيات التى اتبعها فى التاريخ القروسطى ، وكذلك مشروع الامام الشافعى فى عصره ".. لأن الطرائق والمنهجيات التى اتبعها الشافعى وابن رشد ، على الرغم من اختلافهما ، قد أصبحت الآن فى ذمة التاريخ (أى) .. مادة للتاريخ والمؤرخين ، وليست طريقاً ناجعاً يوصلنا إلى الشاطئ المرجو ويخرجنا من الورطة" (المصدر نفسه ، ص 334).

                  

العنوان الكاتب Date
كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم فتحي البحيري08-09-03, 03:05 PM
  Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم فتحي البحيري08-09-03, 03:37 PM
    Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم فتحي البحيري08-09-03, 04:03 PM
      Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم فتحي البحيري08-11-03, 09:26 PM
    Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم فتحي البحيري08-09-03, 04:13 PM
    Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم فتحي البحيري08-09-03, 04:19 PM
      Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم فتحي البحيري08-09-03, 04:23 PM
        Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم فتحي البحيري08-09-03, 09:36 PM
        Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم فتحي البحيري08-09-03, 09:47 PM
          Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم فتحي البحيري08-11-03, 03:00 PM
  Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم SAMIR IBRAHIM08-11-03, 11:45 PM
    Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم فتحي البحيري08-12-03, 03:04 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de