|
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم (Re: فتحي البحيري)
|
(3/1) إنفجر الصراع ، ابتداءً ، داخل مجلس الوزراء الذى أبدى رئيسه السيد الصادق المهدى العديد من التحفظات الفقهية والسياسية على المشروع ، سواء من حيث عدم قطعية ورود ودلالة بعض ما اشتمل عليه من حدود ، كحدِّ الردة ، مثلاً ، أم من حيث وضعية (العاصمة القومية) التى كان الجنوبيون قد رفعوا مطلب استثنائها من التطبيق على أقل تقدير. هكذا ، ولما صار من المتعذر إجازة مجلس الوزراء للمشروع كنص متكامل ، فقد تقرر تقديمه إلى الجمعية التأسيسية مصحوباً بمذكرة التحفظات التى كان أهمها:
أ/ أن المسائل المختلف عليها بشأن الحدود تترك للنقاش والتصويت المفتوحين فى الجمعية.
ب/ أما بالنسبة لوضعية العاصمة القومية فقد كلف المجلس رئيس الوزراء بالاجتماع مع رؤساء القوى المكوِّنة للائتلاف الحكومى بغرض الوصول (لاتفاق سياسى) بشأنها ، مع الأخذ بمطالب الجنوبيين فى الحسبان (الأيام ، 12/9/8.
نتوقف هنا لنلاحظ من الناحية المبدئية أنه إذا كانت (الاتفاقات السياسية) هى نتاج (التفاوض) الذى يرتهن نجاحه إلى المدى الذى تكون فيه أطرافه مستعدة للمساومة وتقديم التنازلات bargaining ، فإن الصيغة الوفاقية الوحيدة التى أمكن لمجلس الوزراء ، بما فيه الاسلاميون ، الخروج بها لجهة وضعية التشريع فى العاصمة القومية ، هى تكليف رئيسه بإدارة (مفاوضات) بين مختلف الأطراف (السياسية) ، بغية التوصل لاتفاق (سياسى) حولها ، بكل ما يلزم ذلك من استعداد مبدئى للمساومة وتقديم التنازلات ، على حين بقى (الثابت) الوحيد الذى ينبغى استصحابه هو مطالب الجنوبيين ، أى المطالب التى سرعان ما سنعلم أنها تصبُّ بقوة فى اتجاه (استثناء العاصمة) من تطبيق أى قوانين دينية.
(3/2) وفى الحقيقة لم يكتف غير ما واحد من أعضاء مجلس الوزراء أنفسهم ، شماليين وجنوبيين ، علاوة على قيادات بارزة فى حزبى الأمة والاتحادى ، بتأكيد عدم إجازة المجلس للمشروع ، وخروجه فقط بهذه الصيغة ، بل زادوا على ذلك تعبيرهم صراحة عن رفضهم لذلك المشروع ، وتفضيلهم للمشروعات الأخرى المار ذكرها ، علاوة على كيلهم الاتهامات للاسلامويين بإساءة استغلال الظروف والاجراءات.
أ/ فلقد شنَّ ، مثلاً ، د. أحمد بلال ، عضو الهيئة البرلمانية عن الحزب الاتحادى ، ووزير الدولة للصحة آنذاك (يشغل الآن منصب وزير الصحة الاتحادى ، منسلخاً عن حزبه ، ومتحالفاً مع حزب الاسلامويين أنفسهم ، بل وداعياً للاندماج فيه ، فتأمَّل!) شنَّ هجوماً عنيفاً على الاسلامويين ، متهماً إياهم بالسعى لإعادة تجربة قوانين سبتمبر وتجربة السفاح نميرى فى تشويه صورة الاسلام والبطش بالشعب (الأيام ، 13/9/8.
ب/ كما أكد د. عبد الملك الجعلى ، وزير الشئون الدينية والأوقاف عن الحزب الاتحادى أيضاً، بأن الجمعية ستنظر فى جميع المشاريع وصولاً لصيغة موحدة ، ووصف ادعاءات الاسلامويين بأنها محض "مزايدات سياسية" (الأيام ، 16/9/8.
ج/ أما السيد نقد الله ، عضو المكتب السياسى لحزب الأمة ، فقد صرح ، من جهته ، بأن لديهم تحفظات واضحة حول الأحكام الحدِّية فى المشروع ، وأن قطاعاً من نوابهم يرى الأخذ بمشروع لجنة الوفاق وإرجاء البت فى مشروع د. الترابى لحين انعقاد المؤتمر الدستورى (المصدر نفسه). ودعا السيد سيد احمد الحسين ، نائب الأمين العام للحزب الاتحادى ، إلى تقديم كل المشروعات إلى الجمعية التأسيسية (الأيام ، 19/9/8.
د/ وأما من جهة الوزراء الجنوبيين فقد أكد السيد جوشوا دى لوال ، وزير الشباب والرياضة وعضو الجمعية ، أن مجلس الوزراء لم يصدر أمراً بإجازة المشروع ، بسبب الخلاف الذى نشب حوله ، بل اكتفى بإحالته إلى الجمعية مع بقية المشروعات. ووصف المشروع بأنه سيعوق مساعى إنهاء الحرب فى الجنوب ، كما أنه سيصادر حقوق غير المسلمين ، خاصة فى العاصمة القومية إذا ما رفض اقتراح الأحزاب الجنوبية باستثنائها من التطبيق (الأيام ، 13/9/8.
(3/3) ولكن د. الترابى أصرَّ ، رغم ذلك كله ، على تفسير قرار مجلس الوزراء بأنه إجازة لمشروعه ، ووصف تلك الاجازة المزعومة ، فى نمط معهود من المكابرة السياسية ، بأنها "انتصار للارادة الاسلامية"، و"تجاوز لمقاومة حادة ذات ضغوط داخلية وخارجية" ، بل واستبق أعمال الجمعية التأسيسية ، قاطعاً بأنها ، هى الأخرى ، "ستسير بذات الاتجاه فتتجاوز تلك المقاومة بإجازة المشروع" (الأيام ، 12/9/8.
(3/4) مهما يكن من أمر ، فلا مناص من مضاهاة ذلك الموقف القديم ، المتحمِّس لإخضاع التشريع (للارادة الاسلامية) ، على حدِّ تعبير د. الترابى فى معركة القانون الجنائى عام 1988م ، بالموقف الجديد الذى يخضع ذات التشريع (للاجماع الوطنى) ، حسب النص المتضمن فى (إعلان لندن) عام 2003م ، وذلك بطرح السؤال الملح عمَّا إذا كان المطلوب ، فى كلا الحالين ، نصرة الدين لوجه الله تعالى أم مجرَّد الكسب الحزبى فى معمعة الصراع الدنيوىِّ على السلطة؟!
ولعلنا نستطيع ، من هذه الزاوية وحدها ، وبصرف النظر عن موضع (إعلان لندن) من إعراب (إعلان القاهرة) ، أن نلمح (الأيديولوجية السياسية) الكامنة خلف ما يراد تصويره (كعرفان دينى) ، بحيث لا يعود ثمة شك فى أن ما يصفه المهدى (بالتهريج والتضليل) والميرغنى (بالمزايدة والمأزق) ليس هو ، بالقطع ، (الشريعة) المُعرَّفة بالألف واللام ، بل (تصوُّر) الحركة الاسلاموية للشريعة كأداة سياسية لإلجام المعارضين ، وقمع الخصوم ، وفتح الطريق، من ثمَّ ، لحصد النقاط الحزبية.
(3/5) الشاهد أنه ، ولما كان تباين المواقف قد حال دون إجازة المسودة فى مجلس الوزراء ، فقد تقرر إيداعها طاولة الجمعية التأسيسية مع مذكرة بالمسائل الخلافية ، وأهمها ترك مسألة الحدود للنقاش والتصويت المفتوحين فى الجمعية ، وترك وضعية العاصمة القومية (للتفاوض) بغية الوصول لاتفاق (سياسى) بشأنها ، مع الأخذ فى الحسبان بمطالبة الجنوبيين (باستثنائها) من تطبيق القوانين الدينية. هذا هو ما يسميه د. الترابى (إجازة) من مجلس الوزراء لمشروعه انتصاراً (للارادة الاسلامية)!
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | فتحي البحيري | 08-09-03, 03:05 PM |
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | فتحي البحيري | 08-09-03, 03:37 PM |
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | فتحي البحيري | 08-09-03, 04:03 PM |
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | فتحي البحيري | 08-11-03, 09:26 PM |
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | فتحي البحيري | 08-09-03, 04:13 PM |
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | فتحي البحيري | 08-09-03, 04:19 PM |
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | فتحي البحيري | 08-09-03, 04:23 PM |
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | فتحي البحيري | 08-09-03, 09:36 PM |
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | فتحي البحيري | 08-09-03, 09:47 PM |
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | فتحي البحيري | 08-11-03, 03:00 PM |
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | SAMIR IBRAHIM | 08-11-03, 11:45 PM |
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | فتحي البحيري | 08-12-03, 03:04 PM |
|
|
|