|
كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم
|
يبدو أن (إعلان القاهرة) الذى أصدره المهدى والميرغنى وقرنق فى الرابع والعشرين من مايو المنصرم ، بما تضمَّنه من اتفاق على أن "قومية العاصمة التى تساوى بين الأديان والمعتقدات كافة .. ضرورة لازمة للحفاظ على وحدة بلادنا على أسس جديدة" ، سوف يظل يشكل ، لوقت طويل ، عنواناً رئيساً تنتسب إليه جملة عناوين فرعية ما انفكت تحتدم فى إثره احتدام نثارة الحديد فى بؤرة المجال المغناطيسى ، من أوَّل حراك (التحالفات) وحتى بيانات (التكفير وإهدار الدماء)! وقد اندرج (الاعلان) ، كما يُستفاد منه ، فى سياق استبشار الموقعين عليه بمفاوضات السلام الجارية بين الحكومة والحركة الشعبية تحت مظلة الإيقاد ، وما تمخض عنها ، حتى تاريخه ، من (اتفاق إطارىٍّ) تعهُّدوا بضمان الاجماع الوطنى على رؤاه الأساسية ، وتطويرها من خلال مشاركة القوى السياسية كافة فى أى اتفاق سلام نهائى.
ولئن كان ترحيب الأوساط الشعبية بهذا (الإعلان) متوقعاً ، رغم اقتصاره ، فى ما يتصل بالتشريعات ، على وضعية (العاصمة) فحسب ، فإن اللافت أن ردُّ الفعل الأوَّلى للنظام جاء ، هو الآخر ، إيجابياً ، حيث أطلق الفريق البشير ، قبله بأقل من أربع وعشرين ساعة ، ما يمكن اعتباره ترحيباً استباقياً بلقاء الزعماء المعارضين الثلاثة فى القاهرة بهدف الترتيب "للدخول للسودان للمنافسة الانتخابية" ، على حدِّ خطابه فى الجلسة الختامية لاجتماعات هيئة شورى الحزب الحاكم التى أوصت بدورها بنبذ "العنف والتعصب" ، ورحبت "بكل" القوى السياسية "للعمل الحر" ، و"المشاركة" فى بناء الوطن ، وتوحيد "الجبهة الداخلية" لتحقيق السلام والوفاق (الرأى العام ، 24/5/03). وبعد صدور الاعلان رحب به أيضاً أمين الحزب الحاكم د. أبراهيم أحمد عمر ، ومن جهته وصفه المستشار السياسى لرئيس الجمهورية د. قطبى المهدى بأنه "سار جداً للحكومة" ، بل وتمنى أن لو قد "دعيت" الحكومة "للانضمام" إليه (الأيام، 26/5/03) ، كما امتدحه مستشار رئيس الجمهورية للسلام د. غازى العتبانى بأنه يصب فى اتجاه توحيد رؤى القوى السياسية ".. وهو ذات التوجه الذى تعمل من أجله الحكومة" ، على حدِّ قوله. ضف إلى ذلك فيض من تعبيرات البشاشة صدرت عن كثير من الرسميين والكتاب والصحفيين الداعمين للنظام.
على أن الأمر لم يدُم غير يوم أو بعض يوم ، إذ ما لبثت اللهجة العدائية أن حلت محل الترحيب ، مما خلف انطباعاً بأن النظام قد بوغت وأخذ ، لأوَّل وهلة ، على حين غرة ، ولذلك ارتبك موقفه ارتباكاً شديداً ، واضطرب بين أكثر من لسان ، مما اضطره ، فى سبيل تنسيق صفوفه وتوحيد كلمته ، إلى اللواذ ، كالعادة ، بنظام "القيم" بدلاً عن نظام "المفاهيم" ، المرض القديم الملازم لحركات الاسلام السياسى فى المنطقة بأسرها ، والذى ظلَّ موضع الشكوى الدائمة لعدد من مفكريها الذين يصدرون عن عقل نقدى ، بدرجة أو بأخرى من الاستنارة ، كالمرحوم الشيخ محمد الغزالى والسيد الصادق المهدى والدكتور عبد الله فهد النفيسى والدكتور محمد سليم العوا والشيخ راشد الغنوشى وغيرهم.
هكذا ، ولما لم يكن ميسوراً رفض الجزئية المتصلة بالوضع الدستورى (للعاصمة) خلال الفترة الانتقالية ، بإزاء دقة استخدام الاعلان لمفهوم "القومية" ، فقد كان لا بد لخطاب النظام من إجراء عملية "كشط" و"تعديل" فى الاعلان نفسه ، بحيث تبدو (علمانية العاصمة) هى مطلبه بدلاً من (قوميتها) ، كون الهجوم (دينياً) على الأولى أيسر ، بل أضمن مردوداً ، وفق العلاقة غير الصحيَّة التى نسجتها الحركة الاسلامية تاريخياً بين خطابها الدعائى وبين مستوى الوعى الاجتماعى السائد وسط غالب المستعربين المسلمين فى السودان ، بما فيهم فئة الانتلجينسيا ، وهو ما وصفه السيد الصادق المهدى "بالخطاب التهريجى" (بى بى سى ، 4/6/03) ، ووصفه البيان التوضيحى الصادر عن مكتبه "بالمزايدة والمناورة وتضليل الرأي العام" (سودانايل ، 1/6/03) ، كما وصفه السيد الميرغنى ، من جانبه ، "بالمزايدة الخطيرة" التى ستتحول إلى "مأزق كبير" إن لم يكف النظام عنها (الأضواء ، 1/6/03).
ثم ما لبث أن وقع حدث آخر ، لا يقل أهمية ، ليصب المزيد من الزيت على لهب هذه المعركة الجديدة ، وذلك بتوقيع الحركة الشعبية (ورقة عمل) بتاريخ 3/6/03 فى العاصمة البريطانية مع المؤتمر الشعبى ، التيار المنشق عن السلطة بقيادة د. الترابى ، حيث اتفقا على أن تعتمد الفترة الانتقالية ، بعد توقيع اتفاق السلام فى مشاكوس وتكوين الحكومة الانتقالية ، على الاجماع الوطنى قاعدة للتشريع كما هو قاعدة للسياسات ".. بما يسهم فى درء مفسدة الحرب ، وبما يقدم مثالاً لعاصمة قومية واحدة تجعل وحدة السودان خياراً جاذباً عند الاستفتاء على تقرير المصير" (الرأى العام ، 4/6/03).
ولأن من أغراض مقالتنا هذه ، تقصِّى حقيقة مواقف الأطراف كافة من هذه القضية الخلافية ، بعد إعادة ترتيبها فى سياقها المنطقى ، وتمييز خيوطها البيضاء من السوداء وسط غبار التعانف الكثيف الذى ما فتئ يتضخم حولها متخذاً هيئة "كرة الثلج" ، فإننا نفضل تحرير النزاع هنا بردِّه إلى أسئلته المباشرة ، القاطعة والصارمة ، على النحو الآتى: هل كان هذا الجانب من الاعلان مباغتاً ، حقاً ، للسلطة فى الخرطوم؟! بعبارة أخرى: هل كانت خافية عليها ، أصلاً ، رؤية حزبى الأمة والاتحادى الديموقراطى لهذه المسألة قبل ورودها فى الاعلان؟! ثم هل هى ، فى الأصل ، قضية دينية أم سياسية؟! وإن كانت قضية دينية ، كما يزعم الخط الدعائى للاسلامويين ، فكيف يمكن تفسير موقف تيار د. الترابى ، القائد التاريخى للحركة ومهندس انقلابها عام 1989م ، من مسألة "العاصمة الجاذبة" للوحدة فى "وثيقة لندن"، والتى لا يمكن قراءتها إلا كرديف لمسألة "العاصمة القومية" فى "وثيقة القاهرة" ، بالنظر إلى كون "الجاذبية" مقصوداً بها أهل الجنوب الذين سوف يصوتون فى استفتاء تقرير المصير عند نهاية الفترة الانتقالية؟! وفى سياق متصل ، هل يمكن ، إجمالاً ، اعتبار موقف الاسلامويين من هذه المسألة متسقاً بثبات فى كل الأحول كما ينبغى؟!
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | فتحي البحيري | 08-09-03, 03:05 PM |
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | فتحي البحيري | 08-09-03, 03:37 PM |
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | فتحي البحيري | 08-09-03, 04:03 PM |
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | فتحي البحيري | 08-11-03, 09:26 PM |
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | فتحي البحيري | 08-09-03, 04:13 PM |
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | فتحي البحيري | 08-09-03, 04:19 PM |
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | فتحي البحيري | 08-09-03, 04:23 PM |
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | فتحي البحيري | 08-09-03, 09:36 PM |
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | فتحي البحيري | 08-09-03, 09:47 PM |
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | فتحي البحيري | 08-11-03, 03:00 PM |
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | SAMIR IBRAHIM | 08-11-03, 11:45 PM |
Re: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم | فتحي البحيري | 08-12-03, 03:04 PM |
|
|
|