شرفني الصديق الشاعرنصار الصادق الحاج بحوار حول الواقع الثقافي والبيئة الإلكتورنية وغير ذلك من المحاور ... ... وشرفني الصديق الروائي أحمد الملك بنشر هذا الحوار في المنبر الشقيق بموقع سودانيات الوليد ورأيت أن أرفق نص الحوار هنا ... لمزيد من النقاش
08-19-2004, 09:26 AM
فتحي البحيري
فتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109
فتحي البحيري بحق من أهم الأصوات الشعرية والإبداعية الراهنة في السودان، ظل حاضراً وبقوة في المشهد الثقافي منذ بداية التسعينات وحتى الآن ضمن مجموعة من الشعراء والكتاب الذين أنجزوا تجارب إبداعية مهمة وحالة من الحراك الثقافي الملحوظ والمتطور رغم الالكثير من الظروف السياسية والإجتماعية والإقتصادية الضاغطة التي ظلت لسنوات طويلة تصادر حرية المثقف والمبدع السوداني . للبحيري عدة مساهمات جريئة ومتقدمة ضمن العمل الثقافي العام من أجل عودة مؤسسات المجتمع المدني والحرية والديمقراطية حيث ظل فاعلاً جداً عبر كل المنابر الممكنة والمتحة وأدواته التي يمتلكها ووسائل العمل الجماعي التي تسعى لتحقيق إنجازات وتطور في هذه المحاور بوصفها مفاتيح أساسية لتطور الإنسان والمجتمع والدولة وتوفير بيئة وظروف إنسانية صالحة لينجز المبدع مساهمته الكلية في جو معافى وظروف مناسبة للكتابة والحياة والإبداع . ولد فتحي البحيري بمدينة أمدرمان في العام 1969 وتخرج من جامعة الخرطوم، كلية العلوم الرياضية في منتصف التسعينات وهو من المؤسسين لجماعة شرفات الثقافية التي تكونت في العام 1998، نشر العديد من الاعمال الإبداعية في الصحف والمجلات السودانية والعربية وعدد من المواقع بالانترنت وله عدة مخطوطات شعرية وقصصية وروائية وكتابات سردية أخرى متنوعة، كلها ما زالت حبيسةً تنتظر لحظة خلاص ما . وجاء هذا الحوار محاولة للتحرك معه في عدة محاور لاضاءة العديد من الأسئلة التي تلامس التجربة الشعرية والكتابة والهموم اليومية والحياتية بتقاطعاتها المختلفة والمشهد الثقافي الراهن في السودان وغير ذلك مما سيرد في نص الحوار الكامل . وربما ما زال الكثير عالقاً دون ان نلمسه . لماذا لم تنشر أعمالك الشعرية حتى الآن؟ لأمر متعلق بظروف عامة يمر بها جيل كامل . ولكن عدم النشر ربما رجع لظروف خاصة بي أيضا . حدث أكثر من مرة أن جمعت نصوصا وقلت هذه مجموعتي الأولى واسمها كذا لكن أيا من هذه المشاريع لم يتم . لا أجد الأمر مزعجاً من جهة أن (أحدا) لم يفرغني لهذا الأمر (وهذه هي خلاصة الظرفين العام والخاص) ولكنه مزعج من جهة أن ثمة تجربة ما أيا كان تأثيرها تتعرض لضياع لا يليق بها وبمن ظنوا بها الخير في مختلف مراحلها. كيف ترى معادلات وشروط النشر في السودان وهل بمقدور المبدع وفق ظروف الوطن الراهنة، التعاطي معها بسهولة وهل آليات ومعايير النشر تعتمد على جودة النص فقط أم يحتاج الأمر إلى تزكيات شخصية ومعادلات أخرى لا تقترب من أحقية العمل الإبداعي في الخروج للناس وإنجاز مساهمته في الحركة الثقافية لكم أتمنى – سدى فيما يبدو - أن أتمكن من تناول هذا الأمر من خارج الذات . وعلى كل دعني أحاول ذلك : لقد ظلت أجهزة الدولة ومؤسساتها في هذا البلد وطيلة عقد ونصف محتكرة لفئة قليلة وفقيرة إبداعياً وثقافياً من جهة ، ومحجوبة عن المبدع الأصيل أيا كان طالما اختار أن يكون ضداً للقبح الذي ظل سائدا من جهة ثانية ومفتوحة بالتالي لكثير من الدخلاء وشحيحي المواهب والرؤيا والعطاء طالما منح هؤلاء السلطة غير الشرعية صمتهم عنها أو مباركتهم أو انحناءهم لها والنتيجة الطبيعية لكل ذلك أن يكون المنشور من إنتاج إبداعي هو تقريبا غير الصالح للنشر والصالح للنشر غير منشور. وإذا أضفت إلى هذا البعد إشكالات مزمنة يعاني منها الواقع الثقافي السوداني من حيث تأسيس التعاطي مع الكتابة كصناعة ويعاني منها المبدع نفسه من حيث الحرص الذاتي على توثيق ما يفعل وينتج وأضفت إلى ذلك انصراف الناس عن القراء ة وشراء الكتب في الفترة الأخيرة نتيجة لظروف معلومة . يتبين لك جليا (المعادلات) التي تتحدث عنها . . إطلاق هذا الكلام مجازفة ولكن (التغليب) مضمون الصحة في تقديري بمعنى أغلب ما نشر من إنتاج إبداعي كان جديراً بغير النشر والعكس بالعكس لذلك لابد من الإشارة إلى (الاستثناء الجميل) الذي تمثل في مبدعين أصلاء قاوموا كل ذلك ، وفي دور نشر محلية ساهموا (معاً) بهذا القدر أو ذاك في أن تكون ثمة كتب جيدة ممكنة . استطاع السودانيون المبدعون الموجودون خارج السودان من الافلات من هذا الواقع وأنتجوا كتبا جيدة أيضا. وزارة الثقافة السودانية، إلى أي مدى مهتمة بالثقافة السودانية ومستوعبة لهذا المفهوم وهل هي مؤهلة لأداء مهمة ثقافية بحجم ما هو مطلوب من هذه الوزارة بحكم الشرط الثقافي وليس الشرط الرسمي، وأيضا ما هو الشاغل الحقيقي البارز لها على السطح حتى الآن منذ إنشاءها، إلى آخر ما يجدر السؤال عنه في ما يتعلق بهذه الوزارة وتناقضات المؤسسة الرسمية التي أنشأتها أمام العديد من القضايا والتفاصيل الثقافية؟ السؤال يفترض أن الدولة قامت في 56 حاملة رؤيا كلية للثقافة السودانية وهذا لم يحدث . السؤال يفترض أيضا أن من يجلس على كرسي الوزارة لا يتعامل مع الحقيقيين من أهل الثقافة باعتبارهم أعداء وخصوم وهذا لم يحدث أيضا باعتبار أن سبعة وثلاثين من الخمسين عاما (احتلتها) الأنظمة العسكرية . وما تبقى لم يكن كافيا لبلورة علاقة حميمة بين الدولة شبه الديمقراطية والثقافة . السؤال يا عزيزي نصار إذن غير قائم فلا تقوم له أية إجابة عندي قصارى ما نحلم به الآن وغدا أن تصبح الدولة بما في ذلك ما تسميه من أجهزة ومؤسسات ثقافية محايدة تجاهنا الحالة الراهنة للصحف المحلية وملاحقها الثقافية ومدى استفادة البيئة الثقافية منها المشهد فيما يتعلق بالصحف المحلية اليومية يمعن في الأسى ، ذلك أنه أولا: لاتزال هذه الصحف تعمل تحت توجيهات وتعاميم مباشرة من الأجهزة الأمنية وظل طيلة الفترة الماضية ترد توجيهات مباشرة من جهات أمنية تحظر الخوض في أمر دارفور ، مثلا ، لا بخبر ولا بمقال ولا بتعليق حتى ثانيا: لا تزال تصدر من تحت قانون متخلف من حيث اتاحة حرية التعبير من جهة وتكافؤ الفرص لأهل المهنة وأهل الشأن من جهة أخرى تجعل القوانين تجار البصل مثلا أصحاب حق أصيل في إصدارصحف وتشغيل الصحافيين والكتاب بأجور وشروط خدمة مهينة ومع تقديرنا العظيم لكل التجار والرأسمالية الوطنية ، وغير الوطنية ، فان نفاذ شروط مالية لاجل اصدار وامتلاك صحيفة أكثر من الشروط المتعلقة بالمهنة والأهلية الثقافية وما إلى ذلك غير مقبول جملة وتفصيلا واذا كان الغرض من هذا الشرط المالي القاسي هو توفير ضمانات الوفاء بالالتزامات المالية المختلفة للصحيفة فانه لعمري لا يقف الطريقة الوحيدة ولا المثلى ولا حتى المعمول بها في المجالات الأخرى. ومع ذلك لا زال الصحافيون والكتاب يشكون من قلة التزام هذه الصحف تجاه كفافهم االمادي ثالثا: على الرغم من (استواء)هذه الصحف في الالتزام بالسقف الحديدي لحريات النشر فان النظام (لا يسوي)بينها فيما يتعلق بالدعم المباشر وغير المباشر ، ذلك ان صح ما تتناقله المجالس ان واحدة من طرق اجهزة النظام لمعاقبة الصحف التي تحاول ملامسة هذا السقف او الاقتراب منه او تجاوزه هي حرمانها من الاعلانات الرسمية واذا صح ما تتناقله المجالس ايضا ان 40% من رأس مال صحيفة يومية نشأت عن اندماج عدة صحف ، وتصدرها شركة أصبحت مملوكة بكاملها لافراد في تنظيم المؤتمر الوطني (حزب الانقاذيين الحاكم)،ان 40% من رأس مال هذه الصحيفة الان مدفوع من جهات يفترض انها رسمية ومحايدة تجاه المنافسة بين الصحف. المحصلة النهائية لكل ذلك يا عزيزي وجود صحافة (مطيعة)إلى حد كبير للنظام .لأهله ومحاسيبه فيها اليد الطولى والقدرة المهنية والمالية الأعلى وللصحف التي تحاول ان تكون مستقلة ونزيهة ومهنية المراتب الأخيرة من كل ذلك هذا عن الوضع الصحفي بشكل عام ولكن اذا ولجنا إلى (غرفة)الحديث عن الملاحق الثقافية في الصحف اليومية فربما كان الحق أننا نملك على الأقل خمس ملاحق أسبوعية جيدة : هي (الخرطوم الثقافية)بالخررطوم ، و(ثقافة الأضواء)بالاضواء و(ثقافة الأيام)بالايام و (الملحق الثقافي)بالصحافة و (الصفحة الثقافية بالرأي العام) لا شك أن نجاح هذه الملاحق وراءه قدرات ومجهودات الأحبة القائمين عليها ولا شك انها أثّرت وأثرت وملأت فراغ المجلة المتخصصة وغيرها من المنابر على قدر المستطاع وان كان هناك عدم مطابقة لما أنجز بما كان مرجوا ومتوقعا فانه قطعا تتحمله نظرة الصحافة إلى الثقافة المتفشية في تفكير من يهمهم الأمر والتي تنعكس بهذا القدر أو ذاك على أوضاع المحررين ،فضلا عن الكتاب ، لمثل تلك الملفات. بالنظر إلى وقائع مثل الليلة الشعرية التي منعت للشاعر حميد ومنع رواية " وطن خلف القضبان " الصادرة من دار الساقي للروائي خالد عويس من التوزيع داخل السودان وإصرار السلطة حتى الآن على تغييب اتحاد الكتاب السودانيين وبالتأكيد الكثير من الفعاليات الثقافية التي لاحقتها آلة المصادرة والمنع والعقاب .. كيف تقيم هذا؟ حسناً ، يغيب عنا أحيانا إلى هذه الدرجة أو تلك ، أننا في مواجهة سلطة تستضدنا بطبيعتها ، هم يعتقدون أن تدابيرهم طيلة هذه الفترة كانت كفيلة بأن تجعلنا غير موجودين كأفراد وغير موجودين أيضا كحركة خارج ما رتبوا ، وكصوت يخالف ما رتلوا . لذلك هم منزعجون الآن عندما يفد رغم أنف خمسة عشر عامهم عشرات الآلاف من الشباب للاستماع إلى حميد وهو (يجلد) بصوته (كل ما أتوا وكل مايأتون من قول وفعل) . حسناً ، إذا استطاعوا في أزماتهم السياسية المتقطعة مناورة السياسيين واستغفالهم فإن (ادواتنا) الثقافية تستعصي على الاستغفال وتكبر عن الاستجابة لأية مناورات . لهذا يتوجب عليهم أن يبشروا بأزمة ثقافية دائمة ما ظلت هذه هي رائحتهم وظل هذا هو طعمهم .يستطيع الإنقاذيون أن يغالطوا الآن ، وبعد قليل ، بأنه ثمة مشاركة سياسية ما ، وثمة انفتاح أو سلام مع قوى كانت تعارضها عسكريا أو سياسيا ، وكما ترى فإن هذه المغالطات يمكن أن تكون متاحة لهم دون توفير المتطلبات الأساسية : تفكيك الأجهزة القمعية ، تغيير الخطاب ، التحول الديمقراطي الحقيقي ، فك احتكار الخدمة المدنية ... الخ . ولكن لا تستطيع الانقاذ أن تعقد (جيبوتي) ولا (نيفاشا) ولا (جدة) مع شعراء الوطن وفنانيه وكتابه دون أن تفي بالشروط الحقيقية المذكورة عاليه وبعد ذلك أيضا ستظل الانقاذ خارج (الحب) حتى وان لم تعد داخل (الكراهية). لهذا كان طبيعيا أن تصادر رواية الحبيب خالد عويس وان تمنع من التداول داخل الوطن وان يحاولوا منع المناضل حميد من لقاء جماهيره بالخرطوم (لولا الضغوط) وان يحاولوا وان يحاولوا في وقت ترفع فيه أرتال من الحرج السياسي عن الانقاذ ببباطل كثير وحق دون ذلك. بوصفك من المؤسسين لجماعة شرفات الثقافية، يسأل الكثيرون عن جماعة شرفات الثقافية أين هي ؟ هل تحولت إلى تاريخ كغيرها من التكوينات والجماعات وهل هي كانت مرحلة مواجهة ثقافية تسعى لفضح الداخل المخرب والمشوه عبر المنابر الخارجية فقط لأنها الأكثر حرية واستيعابا وجرأة في التعاطي مع القضايا الإنسانية ..؟ أم الداخل هو البيئة الأكثر خصوبة لنمو جماعات كهذه، لكن المنابر المتاحة لا تسع عمل مثل هذا لذلك بدت وكأنها غائبة بغياب المنابر التي يمكن أن توصل صوتها ومساهمتها، بينما أعضائها وفق الشروط والالتزامات العامة التي توافقوا عليها مازالوا يؤدون دورهم لخدمة القضايا التي تبنتها شرفات بذات الانتماء والعضوية بها وفق المنابر التي يتحركون فيها، أذن، قل لنا عن جماعة شرفات الثقافية وفق هذه المؤشرات وغيرها ؟ أولا : علينا أن نتذكر أن (شرفات) وجدت كتنظيم أو قل كتجميع لمجهودات عدد قليل من الناشطين لتحقيق أهداف محددة وتوفر لتلك المجهودات ولذلك (التجميع لها) منبر مناسب تمثل في القسم الثقافي بجريدة الخرطوم في زمنها القاهري (والفضل في اتاحة هذا المنبر لشرفات يعود قطعا للاستاذ أحمد عبد المكرم)، وتحديدا كان ذلك الزخم في أوجه في الأعوام الثلاثة 98-2000م . الأهداف هي توثيق ونشر ابداعات الكتاب الموجودين بالداخل وايضا ثمة هدف كان مقروءا من بيانها التأسيسي ومن جملة ما كتب ونوقش ألا وهو : ردم الهوة بين الفعل الثقافي والفعل السياسي المباشر . كان لابد من أن تنشأ شرفات خارج الوطن ، ليس بسبب القمع وحده ، ولكن لأن (الوقت الثقافي) في الداخل متسمم ، وقت الفرد الثقافي .. ووقت الجماعة الثقافي ، لشرح ما أعنيه بتسمم الوقت هذا أحتاج للدخول في تفاصيل كثيرة ولكنني لن أفعل وأترك الاستنتاج (للقاريء، ولك )من جملة إجاباتي هنا. الصيغة التي نشأت عليها شرفات كانت في حدها تجاوز يلبي ظروف هذه (الجماعة) . نعم لا اجتماعات ولا دستور ولا لجنة تنفيذية و... غاية الفعل والانسجام مع ذلك . توقفت شرفات أو هكذا بدا للناس . كل ما حدث أن الوسط الذي كانت تلتقي الناس عبره وهو القسم الثقافي بجريدة الخرطوم قد تم ضربه (بهذا المعنى) بقرار عودة الصحيفة للداخل. وعلى الرغم من أن الأستاذ أحمد عبدالمكرم الآن موجود بالخرطوم الصحيفة ولازلت الصحيفة توزع خارج السودان إلا أنه لا يغيب على فطنةأحد أنها لم تعد تمثل ما كانت تمثله آنذاك . ضُربت صحيفة الخرطوم بقرار العودة إذن ، وضُربت معها إلى حين ، شرفات. ثانيا : منطقيا يجب أن نصير إلى التساؤل : لم لم تبحثوا عن منبر بديل ؟؟؟ ، وهل لا يتم تحقيق الأهداف إلى بوجود منبر ؟؟؟؟ولماذا لم يتم تسجيل شرفات بالداخل؟؟الخ الاجابة تكون - لعمري - بمزيد من الأسئلة الممعنة في الألم : وهل يوجد بديل يحل محل صحيفة الخرطوم عندما كانت في القاهرة؟؟؟ للأسف الشديد لقد كانت صحيفة الخرطوم تعبر عن شعب بأكمله موزع نصفه في المنافي وقابع نصفه الآخر في قعر سجن مظلم ، وكانت تعبر أيضا عن جسم قيل لنا بأنه هو الممثل الشرعي لهذا الشعب وكان أضعف من أن يمثله جدا : عجز التجمع الوطني ، المكون من عدة أحزاب ، ليس عن أن يكون بمقدرة وطاقة حزب واحد ، ولكن حتى أن يكون بمقدرة وطاقة عدة أفراد ، وأدت جريدة الخرطوم وظيفة الصحيفة الرسمية للتجمع وأكثر ، وعندما قرر صاحبها لأمر يخصه في النهاية العودة إلى الداخل ، كان الفراغ عريضا عريضا . وفي الواقع ليس أهداف شرفات ، وإنما شرفات نفسها ، لا وجود لها بدون وسيط يشبه (ثقافة الخرطوم) المكرمية .ولم نجد ذلك . الوسائط الإنترنيتية التي من الله علينا بها بعد ذلك مثل سودانيزاونلاين وسودانيات (وكما ارى فان الحديث عنها آت) يمكن أن تحل كثيرا من هذا المحل ولكن ثمة مشكلة تواجهنا وهي أنه لا زال كثير من المشتغلين بالثقافة والإبداع بعيدين عن التعامل مع هذه البيئة وهذه إلى حل وهذا هو أحد طريقين لأن تستأنف شرفات كونها ووجودها والطريق الثاني لا يكون إلا بدفع تيار انتزاع حريات النشر والتعبير بالداخل والطريقان يتكاملان ولا يتعارضان . مسألة تسجيل شرفات بالداخل تعني الوقوف في صف (المتنازلين) وهذا ما لم نرده . ثالثا : وهو الأهم في تقديري فإن أعضاء شرفات ، إلى حد كبير ، لم يتوقفوا ، فالمجهودات التي اطلع ويطلع بها كل من الدكتور هاشم ميرغني والاستاذ نصار الصادق الحاج لا تزال مشهودة . الأول في الدأب على كتابة المقالات والدراسات والتواجد المضني على صفحات الملفات الثقافية وإثراء نداوت الداخل ومنتدياته ومنابره . والثاني بالتواجد الدءووب في كل ما تيسر له من منافذ ومنابر تعرف بالكتابة السودانية الجديدة على المستوى العربي . نعم هما كذلك ، بشرفات أو بدونها ، ولكن نعتقد أن شرفات في البال ، والنقطة التي تأخذ القمة ، والقيمة ،الأعلى في الأهمية هي أن هؤلاء وغيرهم من الشرفاتيين قد مشوا (بين الناس) على هدي من (البيان التأسيي) الواضح تجاه النظام الظلامي في الخرطوم والواضح تجاه الموقف من الديمقراطية والواضح تجاه الكتابة بمعناها الإبداعي والواضح تجاه الموقف من التنظيمات السياسية ... الخ . هنا يكمن في تقديري لب (التقييم) لهذه التجربة . ولب اختبار ما إذا كانت (تعمل) أم لا ؟؟؟ . حسنا . نحتاج فعلا أن نحدد ما إذا كان بعضنا البعض يعارض الانقاذ مثلا منطلقا من وعي ديمقراطي حقيقي ام لا ، بين كل فينة وأخرى ، في البيان التأسيسي لشرفات آثرنا قول ذلك مرة واحدة ، وإلى الأبد . الطفولة، البراءة، السلام النزيه في ذلك العمر الطري / لا أقصد ابنتيك الرائعتين / إلى أي مدى ساهمت تلك المرحلة في المشروع الشعري والثقافي ككل بالنسبة لك، بمعنى المشاهدات، الأحداث، القراءات، المؤثرات، الأصدقاء، المفاتيح الأولية نحو عالم القراءة والكتابة وغيرها من تراكم حتما له دور في التالي من المسيرة الواعية والمدركة بما يفعل فتحي بحيري ؟ تدخل في لحظتين مختلفتين من طفولتك عالمين : في الثانية عالم الوعي بالأشياء والقدرة على مخاطبتها .وفي السابعة (إن كنت محظوظا ضمن أطفال هذا العالم) عالم القراءة والكتابة بلغة ما (تكون محظوظا أكثر لوأنها كانت لغتك الأم أو قريبة منها). من كلا العالمين تستقي قيما ومناهجا وأسئلة ومحبات وأسى . وتضيف حتما لكليهما ما عن لك ، تضيف في كل عالم من جنس مادته . أخشى أننا ، بدخولنا إلى أي منهما ، ندني على أذهاننا من حجاب المعرفة أكثر وأكثر . بمعنى الدخول في حالة الوعي بالأشياء يحجب عنا معظم المعرفة والدخول إلى عالم القراءة والكتابة يحجب عنا معظم ما تبقى .بالنسبة لي . حدث ذلك في الحي الشعبي الملحق بمدينة أمدرمان في حقبة سبعينات القرن . لقد شهدت بأم عيني وقبل دخولي المدرسة .عسكر النظام المايوي يجوسون ديار أسرتي بحثا عن ما يمكن أن نكون قد خبأناه من أسلحة وثوار (في انتفاضة 76) . حصة الإنشاء في الصف الثالث الابتدائي تشكل استفزازا لي أكثر مما تشكله الأيام الأولى لتعلم الهجاء وفك الحرف . أصدر مجلة خاصة بي وصحفا مع الأصدقاء في الفصل وجمعيات أدبية وشاركت في تمثيليات فيها . ثم كانت المتوسطة والمشاركة في الدورة المدرسية بالقاء شعري .... إلخ قل معي إذن أن الطفولة ، طفولتي ، عندي ليست محض مرحلة عمرية أمر بها بقدر ما هو موقف أجد نفسي أتخذه تجاه هذا العالم (تحت- الطفولي) بتعقيداته الساذجة الفجة وبهمومه ومشكلاته وصراعاته (الصغيرة) والتافهة آخر الأمر .هذه الطفولة الموقف تتخذ أشكالا وتمثلات تقفز أحيانا في الاستمساك حتى الموت بالحرية . النظر للعالم من فوق هضبة مبدأ الأنسانية وترجمةكل القيم والأفعال على أساس هذا المبدأ الذي تتوسل إليه الآن كل الثقافات والأديان وتجارب الشعوب والجماعات . وأيضا يا صديقي قد تطفر هذه الطفولة الموقف في الانحياز إلى القفشة والنكتة في حديث جاد . الميل إلى (التسامح) الفعال . ذلك الذي لا يلوي عنق العدل ولا يقفز فوق الجدوى .اكتمل تشكيل هذا الموقف ، ربما ، باكتمال الطفولة في أبريل 85 . وها أنذا لعشرين سنة بعدها أتأتيء (مطابقة) لما أنجزت في داخلي أبريلذاك وأنت الفاعل جدا في الكثير من المنتديات الحرة على الإنترنت في العديد من المواقع السودانية، خاصة ( المنتدى الحر بسودانيز اون لاين ) و ( ومنتدى الحوار بسودانيات) كيف ترى مساهمتها في تطوير القدرة على الحوار المفتوح والمستوعب لتنوع الآراء والمعارف والقدرات وتناقل المعلومة وهل بالإمكان النهوض بهذه المنتديات أكثر حتى تتلاشى أو تقل الكثير من السلبيات التي تسود بها؟ كان يمكن أن يكون الحديث طبيعيا في هذا السياق ، مثلما كان يمكن أن يكون السياق نفسه طبيعيا لولا أن هذه البيئة الإعلامية السودانية الجديدة تواجه في هذه اللحظات معركة شرسة ضد النظام ، ولعمري فان المعركة قد اتضح تماما أنها معركة وجود ؛ حياة أو موت ، بين الفريقين : أما أن يقضي النظام على هذه البيئة أو تقضي البيئة على هذا النظام . بهذا المنظور يمكننا مناقشة كثير جدا مما أسميته سلبيات هذه المنابر الإلكترونية . جل المشهد ، بسوءه وبحسنه ، يقوم من جراء هذا الصراع : المتسللون إلى هذه المنابر بنية سرية في تفريغها من محتواها خدمة للنظام الظلامي المتضرر منها .أو المتلصصون على خصوصيات الناشطين أو الخ . يبقى ، في السياق الطبيعي المفقود ، أننا مواجهون أولا بنشر (ألفة) و(حتمية) التعامل مع هذه البيئة بين الفاعلين الافتراضيين لها ، لاسيما الناشطين الثقافيين والسياسيين بالداخل فضلا عن مجموع المستهدفين بها . نعتقد أننا في سودانيات تحديدا نشرع في عمل يمتلك ما يكفي من وضوح الرؤيا والهدف والإلمام بطبيعة وحجم الصراع والاستفادة من تجارب كثيرة رائدة في هذا المجال . بالنسبة لي فان اهتبال أي ساعتين فارغتين أو ثلاث (حيث أن الفراغ هنا لا يعني سوى عدم وجود ماتعمله لتكسب من وراءه دراهم ما ) انزلق فيهما لأقرب مقهى للكون (online) أضحى(هذا الاهتبال) مساويا عندي انزلاق الطير (والبشر أيضا) صباحا للحياة ومساء للنوم . أنا (online) يعني جملة أشياء في لحظة واحدة : على هذه المنابر أدعو على الانقاذ بالسقوط . اتواصل ثقافيا واجتماعيا مع من تيسر من أحباب ومعارف . وربما أنجز بعض العمل المتعلق بأكل العيش . هذه المنابر قادرة ليس فقط على إدارة الحوار بين المختلفين وانما على نسج (مجتمع سوداني)يحل محل هذا الذي مزقوه . فقط السياق الان استثنائي نظرا لحالة الحرب المعلنة التي ذكرتها . حسب علمي لديك مشروع عمل روائي " حياة السر مديح " كنت تعمل عليه، إلى أين وصل ؟ وما هو الهاجس المركزي الذي تسعى الرواية لمعالجته؟ في حالة تسمم الوقت التي ذكرتها آنفا تكون المشكلة بالنسبة لكتابة الشعر والقصة (خارج نصها) تقريبا ؛ بمعنى أن الفعل الإبداعي الأساسي ممكن الإنجاز في الغالب ، قد تنجم مشكلة بعد ذلك في تحضيره للنشر عبر الصحف ، أو إخراجه للناس بأي شكل . ولكن المشكلة ، في ظل هذا الوقت المتسمم ، بالنسبة لعمل روائي هو الأول والأخير .. تكون داخل النص . شرعت في كتابة الرواية فعلا أثناء تواجدي بالخليج ولكن لاأكتمك حديثا في أنني فشلت طيلة السنوات التي أعقبت عودتي للوطن ، ربما لغير السبب (المصاغ ) عاليه وربما له . في اتمام ما بدأت. ربما لو قدر الله لـ(حياة السر مديح) أن تخرج ذات يوم . ربما كان مناسبا ان نتحدث ، أو تتحدث هي ، عما فيها . ولا أستطيع سوى شكرك ومحبتك يا صديقي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة