|
Re: آخرأخبار سلام الإنقاذ (Re: فتحي البحيري)
|
مناظير الإنقاذ والعنصرية
زهير السراج
* قلت أمس إن أول عقبة تواجه اتفاق السلام هي «عقدة الانقاذ» التي تسيطر عقلياً ونفسياً على أهل الانقاذ، وتهيئ لهم ان «الانقاذ» هي الوحيدة المؤهلة لقيادة الوطن وانقاذه، برغم رحلة الفشل الطويلة التي مشتها، واثبتت خلالها إنها مثقلة بكل عيوب ونقائص السياسة السودانية، بل ازيد من ذلك... إذ انها ساهمت في اضافة لغة جديدة للخطاب الحزبي السياسي السوداني المعجب بنفسه والكاره للآخرين، هي اللغة العرقية العنصرية، التي تعلي شأن الجنس والقبيلة على الفكر والتنظيم السياسي والوطن.. وأبلغ دليل على ذلك.. ما نسمعه ونقرأه في أحاديث وكتابات المثقفين في هذا الطرف او ذاك، وما نراه في الصراعات المسلحة التي تدور هنا وهناك، وتتخذ من الجنس والقبيلة والعرق.. الاساس الذي يذكي الصراع ويلهمه.. بينما تراجع الفكر إلى ركن قصي.. وصار أحد المهمشين الكثيرين في وطننا.. وعندما يتم تهميش الفكر، تكون الفرصة مواتية تماماً لصعود نجم العنصر والعرق والقبيلة.. وهو ما يحدث في بلادنا الآن!! * اذا لم يتخلص أهل الانقاذ من عقدتهم الانقاذية ويروا السودان من الجانب الآخر.. فلن يكون في الامكان تحويل اتفاق السلام إلى واقع يعيشه الناس، وينطلقون منه إلى تحقيق الأهداف المنشودة في التنمية والتقدم، بل على العكس تماماً، فإن الاتفاق سيكون معرضاً للانهيار في اية لحظة، وبما ان الأيادي ستكون ممسكة بالبنادق خلال سنوات الفترة الانتقالية، فما أسهل ان تمتد الأصابع الى الزناد.. وتشعل نيران حرب، لن تنطفيء إلا بعد ان تحرق كل شيء، وأي شيء! * وما ينطبق على الانقاذ، ينطبق على الحركة الشعبية لتحرير السودان، وبقية القوى السياسية في البلاد.. التي يجب ان تنظر إلى الأمور من الجانب الآخر.. وتحترم وجهة نظر الآخرين، وتتعامل معها بموضوعية واتزان. * إذن.. فان أول الضمانات لتثبيت السلام والمحافظة عليه.. وتطويره.. هو «التعايش السياسي».. وليس الترتيبات الأمنية، أو وجود قوات دولية.. فكم من حروب وقعت، وكم من اتفاقيات انهارت تحت ظل وجود هذه الترتيبات الأمنية، والقوات الدولية.. وعلينا ان نتعظ بما حدث لغيرنا في اماكن متفرقة من العالم.. وعلى سبيل المثال، منطقة وسط افريقيا في العشر سنوات الماضية، ومنطقة البلقان في اوروبا. * العقبة الثانية والخطيرة جداً التي تعترض طريق السلام، هي الأفكار والتيارات العنصرية، وارتفاع نبرة الخطاب العنصري في الخطاب السياسي، وبروز تنظيمات وتكوينات سياسية قائمة على أساس عنصري، مثل «منبر السلام العادل»، والتنظيمات المماثلة في الجنوب والغرب والشرق.. ولم يقتصر هذا التيار، أو الخطاب العنصري على التكوينات السياسية فقط، بل تجاوزها لينتشر في اوساط كثيرة جداً، خاصة بين المثقفين، الذين يفترض ان يكونوا مركز الاستنارة والاشعاع الفكري لا العكس، وقد أسفت غاية الأسف عندما قرأت في صحيفة يومية سياسية قبل بضعة أيام وهي صحيفة «الحياة» الغراء حديثاً عن «سيادة الابداع الشايقي» في مهرجان الطفل الذي اقامته شركة سودانيز ساوند، ولم يكن الحديث موضوعاً في الاطار الفني، للأسف الشديد، وانما في الاطار العنصري القبلي، قصد ذلك ام لم يقصده ناقل الحدث!! كما حضرت قبل يومين حديثاً دار في جلسة خاصة بين طبيب ومهندس، ولم يكن عن الطب والهندسة والمجتمع، انما كان تفاخراً بالقبيلة والعنصر. وبرغم ان ظاهر الحديث كان يبدو مرحاً، ويحمل روح الدعابة، إلا أنه كان يشي «بباطن» يحمل الكثير!! والأمثلة كثيرة ومتنوعة، غير ان اخطرها تلك التي ترعرعت.. وظهرت في شكل تكوينات سياسية، واستقطبت اليها عدداً كبيراً من الناس.. مثل التي ذكرتها في أول الحديث، وبدأت تأخذ أبعاداً خطيرة في الفترة الاخيرة. ولابد ان تتعامل الحكومة والحركة الشعبية مع مثل هذه التكوينات بحزم وجدية قبل ان تبدأ الفترة الانتقالية، وأن تتفقا على قانون يمنع التعنصر، وتكوين التنظيمات القائمة على اساس عنصري، وتعملا على تفعيل قانون الأحزاب الحالي، وتقويته في ما يتعلق بهذه النقطة.. وذلك اذا كانتا جادتين بما يكفي لمنع اشتعال حريق عنصري يحرق البلاد والعباد.. وحريصتين على تحقيق السلام والمحافظة عليه!! وغداًَ أواصل باذن الله.
|
|
|
|
|
|
|
|
|