يخلفون وعدهم ، و كالعهد بهم عند كل رمضان ، شرعوا يطبعون كروتهم الفاخرة ، ليدعون بها السلاطين و الأثرياء ووجهاء المدينة لموائدهم الرمضانية العامرة ، و يا لها من موائد لو تعلمون دسمة ، فيها من الملذات ما لم تخطر على قلوب الفقراء ، و فيها من الطيبات ما لم ترها عيون المساكين ، و تحيطها موسيقى الساورا أو ضحكات الهيلاهوب من كل الجوانب ..!! * يسمونها بموائد الرحمن ، دائما يكون ضيف شرفها الوزير زيد أو المدير عبيد ، تتباهى بها المؤسسات الحكومية فيما بينها خصما من بند الأولويات ، و تفاخر به البنوك بعضها خصما من بند الضروريات ، وتتنافس في إعدادها و احاطتها بشرفاء المرحلة الشركات و الأمناء على المال العام ، مظهرا يتقربون بها إلى الله ، ولكن جوهرا في لحوم المائدة و عصائرها لليتامى حق معلوم وكذلك للسائل و المحروم ..!! * موائد الرحمن التي يدعون إليها ذوي السلطة و الجاه والوجاهة الاجتماعية ويبعد عنها ذوى الحاجة والفاقة وأهل التعفف لم تكن من سنن مكة في صدر الإسلام ، ولا من مظاهر المدينة بعد الهجرة ، هناك سادتي كان الناس سواسية في طيبات الشهر الفضيل أو سواسية في اقتسام الأسودين مع حبيبهم المصطفى سيد الأولين و الآخرين و اشرف خلق الله أجمعين ، ولهذا كان أهل الإيمان مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، فالقلوب كانت لبعضها عونا وسندا ورحمة ...!! * أما موائد التفاخر الفاخرة بالشواء والحساء والفاكهة ولحم الطير والممتدة بالأمتار طولا مفتوحا في بهو الفنادق و ساحات الأندية و المحروسة أبوابها بحرس غلاظ يحرم المشردين من الاقتراب و استنشاق الرائحة و ملأ العين بألوانها وأنواعها ، تلك موائد ليست لعباد الرحمن الذين لو اقسم بعضهم عليه لأبرهم بطيبات الجنة وهم أحياء على الأرض ، ولكنهم يعاهدون ربهم صباحا و عشية ألا يذهبوا طيباتهم في الحياة الدنيا هياما في نصيب الآخرة والفوز برؤية وجه ربهم ذي الجلال والإكرام ..!! * طوبى لهم بعيدا عن التهافت على ملذات الدنيا و التسلق إلى جدار نعيم زائل ، طوبى لهم في مدن الكرتون وبيوت الطين يستظلون في نهار الشهر بالشمس و الغبار والصبر الجميل، ويفطرون لحظة الخيط الأسود بالأسودين حلالا طيبا و يبلون جوفهم بما جاد به عرق جبينهم و الكف الحلال ثم يلتحفون فى أماسي الشهر بالأمطار والبرد والتهجد ودعاء ليس بينه وبين المستجيب حجاب ...!! * هناك في معسكرات دارفور بعض إخوتنا استبدلوا الحرمان بالصيام ، كان يجب على سادة موائد الفنادق أن يضعهم في قائمة الدعوة و يحيل ميزانية مائدته إليهم هناك تمرا و سكرا ولبنا ، أولئك البؤساء في معسكرات النزوح منذ سنوات هم الأولى بمائدة الرحمن التي تستمد طعامها وشرابها من أحزان حياتهم التي تفتقر لأبسط مقومات الحياة الكريمة ...!! * و هناك في القرى البعيدة و الأرياف النائية تصوم خلق الله و تفطر على مياه آبار لا تزال تشاركهم فيها الأنعام ، و هم الأولى بالمعروف و الدعوة لموائد الخاصة العامرة بأموال العامة ، و هنا في أطراف العاصمة وهي قاب قوسين أو أدنى من مواقع الموائد تكتظ الأحياء الفقيرة بالأسر التي تحسب أفرادها أغنياء من التعفف ، كان على ملوك موائد الفنادق و مقاولي ( البوفيهات المفتوحة ) أن يتنازلوا عن بذخهم لصالح أولئك الذين لهم في تلك الموائد مثل ما لغيرهم .. ولكنهم يرجون من ربهم ثواباً...!!
العنوان
الكاتب
Date
الطاهر ساتي ينضم إلى الحزب الشيوعي السوداني ويقود كتائب مجد بدارفور!!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة