|
Re: من الحجاب الي النقاب \ نصر حامد ابوزيد (Re: Sabri Elshareef)
|
الإسلام الخليجي، هو بشكل أو بآخر، إسلام الجزيرة العربية، وهو أشدّ صيغ الإسلام تشدّدا وتزمّتا. إذا كان الإسلام الأوّل هو إسلام الحجاز، فالإسلام السعودي/الخليجي هو إسلام نجد القرن الثامن عشر. وشتّان بين إسلام الثقافة العالية، في القرن السابع – ثقافة التجّار والمدن – وإسلام بداوة "نجد"، المتمثل في "الوهابية"، التي لم تتطوّر في مقولاتها الأساسية خطوة واحدة منذ مؤسّسها "محمد بن عبد الوهاب". بل إنّ المعارضة السياسية/الدينية للنظام السعودي تكفَّر حكام السعودية، لانحرافهم عن الدين الحقّ، الذي أسّسه ابن عبد الوهاب. هذا هو الإسلام الذي غزا، بقوة المال، وعي أبناء المجتمعات الأخرى، وعلى رأسها مغتربي المجتمع المصري.
بالإضافة إلى هذا العامل، ثمّة عاملان جوهريّان مكّنا هذا العامل من أن يلاقي أرضا خصبة: أحدهما التحوّل السياسي الاجتماعي، الذي أحدثه الرئيس السادات في بنية الدولة، منذ تولّيه سلطة الحكم في أكتوبر 1970، أعني الانتقال من نظام "رأسمالية الدولة" إلى نظام "الاقتصاد الحرّ"، بشكل عشوائيّ. هذا الانتقال العشوائيّ – الذي أطلق عليه أحد الإعلاميين النابهين، الراحل "أحمد بهاء الدين" : الانفتاح السداح المداح – كان له، وما يزال، تأثيره الفادح على الطبقات العاملة المصرية؛ فاختفت الطبقة الوسطى تدريجيا لحساب انقسام طبقيّ حادّ بين أغنياء سفهاء وفقراء معدمين. صار المجتمع المصري، الذي كان مجتمع التكافل الاجتماعي، تحت مظلة الدولة الاشتراكية، مجتمعَ الصدقة والبرّ والإحسان، تحت رحمة رجال الأعمال. من المهمّ هنا أن نؤكّد أنّ هذا الوضع أدّى إلى تحالف بين طبقة رجال الأعمال من جهة، وبين رجال الحكم وفصيل من المثقفين والأدباء والفنانين من جهة أخري. فضيحة "شركات توظيف الأموال" في الثمانينات كشفت انضمام المؤسسة الدينية الرسمية إلى هذا التحالف، الذي ضمّ أيضا "الإخوان المسلمين"، أكبر المدافعين عن رأسمالية السوق الحرّة. هذا التحوّل في الخطاب الديني المصريّ تعاملت معه تحليلا ونقدا في "نقد الخطاب الديني". انتهي هذا التحالف إلى أن أصبح زواجا كاثوليكيا بين المال والسياسة والفكر فصار رجال الحكم هم أنفسهم رجال الأعمال.
أما العامل الثاني – الذي أثّر على وضع المرأة في المجتمع المصري بشكل فادح – وهو الأثر الأكبر للعامل الأول، فيتعلّق بأزمة سوق العمل، وتزايد معدلات البطالة في مصر، خاصة بعد أن تزايد اعتماد سوق العمل في الخليج على العمالة الآسيوية الأرخص. غنيّ عن البيان أنّ هذا الانفتاح الاقتصادي - الانفتاح الاستهلاكي بامتياز – عمّق من مأساة أزمة البطالة، بكلّ ما صاحبه من مظاهر الترف المبالغ فيه. لعلّ مثال حفل زفاف إحدى بنات الرئيس السادات لأحد أنجال أكبر رجل أعمال في مصر يكفي للتدليل على هذه الظاهرة، حيث تمّ بثّ الحفل من خلال قناة التليفزيون الحكومية ورأى المصريون جنيهات الذهب ترشّ على العروسين بدلا من حبوب الأرزّ أو القمح – أو الورود – التي تعود المصريون رشها رمزا لأمنيات الزواج الخصب السعيد.
في نقاشات في مجلس الشعب المصري حول البطالة كان الاقتراح هو إعطاء النساء العاملات إجازة بنصف أجر للتفرّغ لتربية الأطفال ورعاية الأسرة، أهم الأدوار المنوطة بالمرأة، حسب الخطاب الديني. بعبارة أخرى، لم تناقش الأزمة بوصفها أزمة اقتصاد استهلاكيّ يحتاج إلى ترشيد وإعادة هيكلة ليتحوّل إلى اقتصاد إنتاجيّ، بل صارت الأزمة هي عمل المرأة الذي يقلّل من فرص عمل الرجال. هكذا بدأ تحويل كلّ المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلى قضايا تحلّها العودة إلى قيم الدين وعلى رأسها عودة المرأة إلى البيت. من هنا بدأ الانحدار وتدريجيا تطوّر الخطاب، المعادي للمرأة، من الدعوة إلى عودتها إلى البيت – الذي يعني استبعادها من الوجود في الفضاء العامّ – إلى الدعوة إلى تغطية شعرها، ثمّ تغطية جسدها كله، إذا كان ولا بدّ من وجودها في الفضاء العامّ للضرورة. كان هذا البعد هو موضوع التحليل في كتاب "المرأة في خطاب الأزمة"، الذي نشر في بداية التسعينات في مصر، ثم صدرت منه طبعة مزيدة منقّحة بعنوان "دوائر الخوف: قراءة في خطاب الأزمة" عن المركز الثقافي العربي (بيروت والدار البيضاء). وخطاب الأزمة موضوع التحليل يتضمّن الخطاب الدينيّ وغيره من الخطابات السياسية والاجتماعية والثقافية التي تعزف نفس نغمته ولكن بآلات أخرى.
http://www.kwtanweer.com/articles/readarticle.php?articleID=2461
|
|
|
|
|
|
|
|
|