الواسطة ليها دور ...الغلابة والمساكين من يرد لهم حقوقهم

Quote: «كان سيدهشني إن لم يطرح المؤتمر الوطني على أخي عبد الرحمن المشاركة في الحكومة المقبلة لأن عبد الرحمن من الداعمين لخط المشاركة مع المؤتمر الوطني قديماً، ويسبح ضد تيار الحزب الحالي». بهذه الصراحة المطلقة كان رد الأستاذة رباح الصادق المهدي حينما طلبت منها التعليق على ما رشح من أنباء سبقت تكوين الحكومة الجديدة مفادها أن هنالك مشاورات يقودها نافذون بالمؤتمر الوطني لإشراك العقيد عبد الرحمن الصادق المهدي في الحكومة، وتبارت الأنباء بين أن يكون عبد الرحمن مستشاراً للرئيس أو وزيراً للدولة بوزارة لم تسمى. .... وما بين عدم دهشة رباح وقرار إعادة عبد الرحمن الى الخدمة العسكرية برتبة عقيد، ثمة اتهامات وكثير من الترحيب ومؤشرات لخطوة قادمة. أما الاتهامات فقد أعقبت لقاء جمع السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي مع الرئيس عمر البشير الثلاثاء الماضي بعد أن ظن مراقبون كل الظن « أن لا تلاقيا» خاصة حينما قاطع الصادق الانتخابات بكافة مستوياتها قادحاً في حريتها ونزاهتها. لقاء البشير والصادق تزامن مع قرار إعادة نجله عبد الرحمن الى الخدمة العسكرية، وقيل إن هذا القرار جاء ضمن صفقة تحققت خلال اللقاء ، إلا أن هذا الاتهام قد لا يكون دقيقاً وفق معادلة العلاقة التي تجمع المهدي وابنه بالوطني، ملخص هذه العلاقة تقول « من يعقد الصفقة لمن!!»، هل يعقدها الصادق لابنه عبدالرحمن مع الوطني، ام يعقدها الولد لوالده؟، خاصة وان عبدالرحمن يتمتع بعلاقة طيبة مع الوطني. ويقول مراقبون إن هذا القرار جاء بعد تشاور مكثف ومباشر بين المؤتمر الوطني ونجل المهدي، سبق تكوين الحكومة الجديدة، وأشاروا الى أن المؤتمر الوطني كان يريد لعبد الرحمن منصبا دستوريا إلا أن ذلك إصطدم مع ما يشغله من مناصب داخل حزب الأمة المنتقد بشدة لنتائج الانتخابات، وحتى لا يفسر الأمر بأن حزب الأمة مشارك في الحكومة عبر مساعد رئيسه عبد الرحمن، أراد الوطني أن يغير منصة المشاركة من المنصة الحزبية الى المنصة العسكرية التي يمكن لعبد الرحمن أن ينطلق منها الى داخل أجهزة الحكومة التنفيذية دون أن يحدث ذلك حرجاً لحزب الأمة. السيد الصادق المهدي ظل ومنذ تصدع اتفاق التراضي الوطني، في حالة تحاشي لأي تقارب مع المؤتمر الوطني، بينما عمق علاقاته مع جهات دولية ديمقراطية ظل يصدر لها القول بعدم شرعية الانتخابات السابقة. خلاصة الأمر ان الإرتباك في الثقة بين المؤتمر الوطني وحزب الأمة فيما يتعلق بأية صفقات سياسية كفيل لمثل المهدي أن ينأى بنفسه عن أية مساومات جديدة. ولعل هذا ما جعل عبد الرحمن الذي حضر اللقاء الأخير بين البشير وأبيه، حينما جاء المصورون للتوثيق الإعلامي لهذا اللقاء، أن يغير موضع مجلسه الذي كان على يمين المهدي مباشرة بالقرب من البشير، الى مكان خارج دائرة التصوير حتى لا يعمق فكرة الصفقة التي قد تتبادر الى أذهان البعض، ويقال حينها إن البشير قال موجهاً حديثه لعبد الرحمن « خليك قريب».. هذا واقع حال علاقة المهدي بالمؤتمر الوطني « يغني عن السؤال» أما بالنسبة لعبد الرحمن فقد « شهد شاهد من أهله» -الأستاذة رباح- أن له علاقة طيبة بالمؤتمر الوطني وعلاقة أطيب على مستوى قياداته ولكنها فسرت هذه العلاقة حينما قالت : « لعلها من باب المودة التي يكنّها العسكريون لبعضهم البعض»، وأشارت الى أن لعبد الرحمن دوراً كبيراً في أن يسترد حزبها بعض الحقوق المالية وبعض المطالب السياسية، واضافت: هذه تم إستردادها بعد وساطة من قبل عبد الرحمن. بين عدم اندهاش رباح وقرار إعادة عبد الرحمن الى الخدمة العسكرية، كرر المهدي ذات سيناريو تعامله مع قرار تعيين نجله بشرى في جهاز الأمن، وجاء المهدي بذات الترحيب الذي أضفى به على القوات المسلحة صفة القومية، وقال المهدي إن هذا القرار جاء متماشياً مع السعى لإعادة كافة المفصولين تعسفياً من الخدمة العسكرية وكذلك الخدمة المدنية، بل وزاد بأن هنالك مجموعات داخل حزبه من المفصولين تتطلع لأن يسري فيها ذات القرار، وقال المهدي فيما يتعلق بعبد الرحمن العسكري إبان فترة الديمقراطية الثالثة: « حينما التحق عبد الرحمن بالقوات المسلحة قلت له لا تسألني عن أي شأن سياسي بعد الآن». وبعد تصريحات الصادق جاءت الأستاذة سارة نقد الله رئيسة المكتب السياسي لحزب الأمة لتتلو خطاب استقالة عبد الرحمن من أجهزة الحزب التي كان يحتل فيها « مساعد رئيس الحزب وعضو المكتب السياسي» ليصبح بعد هذا الخطاب خالي الوفاض او الطرف من أية مسوؤلية حزبية، وتبقى علاقته بحزب الأمة منحصرة فقط في « أن والده المهدي رئيساً للحزب».ورغم ان عبدالرحمن كرر في خطاب استقالته كلمة «حزبنا» إلاّ أن التحاقه بالجيش سيحرمه حتى من العضوية العادية للحزب، فمن المعروف ان المؤسسة العسكرية تحظر على أفرادها الانتماء الحزبي. ويقول عبد الرحمن المهدي لـ «الرأي العام» إنه إستقال من عضوية الحزب نفسها بجانب عشرة مناصب دستورية وقال: إن والدى قال لي الآن تتفرغ لخدمة الوطن من واقع رتبتك العسكرية فقط ولا علاقة لك بالحزب». يقول عبد الرحمن عن موقعه الجديد إنه في سابق خدمته العسكرية كان يعمل في الفرقة التاسعة المحمولة جواً « مظلات» وقال: الآن مازلت في شئون الضباط وربما أعود لنفس الوحدة التي كنت أعمل بها في السابق. بالنسبة لفترة الإنقطاع الكبيرة بين ملازم أول وعقيد قال: أنا لم أتأثر بهذا الإنقطاع لأنني خضت كافة الدورات التأهيلية خارج السودان وقدت تشكيلة أكثر من «5» آلاف شخص وتجاوزت التفكير بعقلية الملازم أول منذ فترة بعيدة. عند البعض فإن الخطوة القادمة هي أكثر أهمية من مجرد اعادة تعيين عبدالرحمن، بعد أن وُصف قرار إعادته للخدمة العسكرية بأنه فترة إنتقالية لقرار جديد، او منصب جديد سيتبوأه ابن الصادق، ويمكن تفسير القرب الذي عناه البشير بحديث عبدالرحمن الصادق حينما قال ان قرار اعادته من شأنه ان يجسر العلاقة بين الوطني والأمة في المستقبل، دون ان يحدد شيئاً ملموساً الآن. ويعتبر عبد الرحمن قرار إعادته للخدمة العسكرية منصفاً له، غير أنه أشار الى أن المؤسسة العسكرية أصبحت وحدها هي المتحكمة في الموقع الذي يمكن أن أمثلها من خلاله بحسب تعليماتها.