أداء الأمــــــــــــــــانة بين : (الواقع) و(المأمول) ...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-30-2024, 04:43 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-12-2010, 03:49 PM

عارف الركابي

تاريخ التسجيل: 06-14-2010
مجموع المشاركات: 2037

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أداء الأمــــــــــــــــانة بين : (الواقع) و(المأمول) ...

    بمناسبة حلول شهر التوبة والأوبة ،،

    والاستغفار ،،

    ومحاسبة النفس ،، والسعي والاجتهاد في تصحيح المسار ،،،

    أضع بين يديكم هذه الحلقات التي نشرتها في بعض الصحف السودانية قبل عدة أشهر

    في موضوع من الأهمية بمكان ،، أرجو أن ينفع الله به ،، وأن يوفقنا جميعاً إلى ما يحبه ويرضاه
                  

08-12-2010, 04:08 PM

عارف الركابي

تاريخ التسجيل: 06-14-2010
مجموع المشاركات: 2037

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أداء الأمــــــــــــــــانة بين : (الواقع) و(المأمول) ... (Re: عارف الركابي)

    لا يخفى على أحد أن الحديث عن الأمانة من الأهمية بمكان ، وإن تناول هذا الموضوع مما يحتاجه الناس ، بل بحاجة فيه إلى وقفات طويلة وسرد وتفصيل ،لا سيما وأن مجالات الأمانة (متعددة) ، والإخلال بها له صور كثيرة ، وسأحاول من خلال هذه الحلقات ، إلقاء الضوء على أهم جوانبه ، لأبين :
    (المأمول) القيام به فيما يتعلق بالأمانة ،
    مع النظر والتحليل لــ(واقـــع) الحال ، ومدى التفريط فيه لدى كثير من الناس.

    وفي البداية لا بد من بيان وتعريف للأمانة ، وهي ضد الخيانة ،
    وَقِيلَ: هِيَ خُلُقٌ ثَابِتٌ فِي النَّفْسِ يَعِفُّ بِهِ الإِنْسَانُ عَمَّا لَيْسَ لَهُ بِهِ حَقٌّ، وإِنْ تَهَيَّأَتْ لَهُ ظُرُوفُ الْعُدْوَانِ عَلَيْهِ دُونَ أَنْ يَكُونَ عُرْضَةً لِلإِدَانَةِ عِنْدَ النَّاسِ، ويُؤَدِّي بِهِ مَا عَلَيْهِ أَوْ لَدَيْهِ مِنْ حَقٍّ لِغَيْرِهِ، وَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَهْضِمَهُ دُونَ أَنْ يَكُونَ عُرْضَةً لِلإِدَانَةِ عِنْدَ النَّاسِ.
    فالأمين هو من اتصف بهذا الخلق الــ (ثابت) الذي يعف به عما ليس له به حق.

    ويتضح من تعريف الأمانة أنها تشمل ثلاثة عناصر :
    الأَوَّلُ: عِفَّةُ الأَمِينِ عَمَّا لَيْسَ لَهُ بِهِ حَقٌّ .
    الثَّانِي: تَأْدِيَةُ الأَمِينِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حَقٍّ لِغَيْرِهِ.
    الثَّالِثُ: اهْتِمَامُ الأَمِينِ بِحِفْظِ مَا اسْتُؤْمِنَ عَلَيْهِ، وَعَدَمُ التَّفْرِيطِ بِهَا وَالتَّهَاوُنِ بِشَأْنِهَ.

    وقد ورد في القرآن الكريم الحث على الأمانة ، وقد بين العلماء أن الأمانة في القرآن الكريم على ثلاثة أوجه :
    1/ الْفَرَائِضُ ، وهي ما افترضه وشرعه الله تعالى لعباده وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: { يَأَيُّهَا الَّذِينَ أَمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أمانَاتِكُمْ}.
    2/ الْوَدِائع، ومنها الأموال وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{ إِنَّ اللهَ يأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}.
    3/ الْعِفَّةُ (وَالصِّيَانَةُ)، أي عن الأعراض ، والوظائف والأعمال ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}.

    ولذلك فإن مجالات الأمانة متعددة ،
    فلو قلنا : فلان أمين لأنه يقوم بأداء ما افترضه الله عليه لكان صواباً ، وأيضاً إذا قلنا إن فلاناً أمين لأنه يؤدي ما وجب عليه من حقوق الناس ، ويحافظ على ما يكون عنده من حقوقهم لكان قولنا صواباً أيضاً ، وهكذا إذا قلنا إن فلاناً أمين لأنه عفيف لا ينتهك الأعراض لكانا قولنا صحيحاً. وفي المقابل إذا وصفنا من لا يؤدي الأمانة في أي جانب من هذه الجوانب بأنه (خائن) لكان الوصف في محله.

    ولذلك فقد تعددت نصوص القرآن والسنة في موضوع (الأمانة) بناء على تعدد جوانبها.
    ولنبدأ حديثنا عن الجانب الثاني : جانب (الودائع والأموال).

    ومن ينظر في أحوال كثير من الناس يجد ـ للأسف ـ أن كثيرين قد فرطوا ########وا ، وسهل عندهم تضييع الأمانة ، ولا بد من ضرب أمثلة من الواقع كما سيأتي بيانه ، والجميع يعلم عناية الشرع بهذا الجانب حيث أوجب الله تعالى على عباده القيام بواجب الأمانة ، والآيات في ذلك كثيرة جداً منها :

    * قوله تعالى : (نَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا).
    فإن الله تعالى قد أمر عباده جميعاً بأداء الأمانات إلى أهلها ، والواجب التزام ما أمر الله تعالى به ، ومخالفة الأمر تعرض لسخط الله ومقته وغضبه وأليم عقابه.

    *وقال الله تعالى في وصف المؤمنين كما في سورة (المؤمنون) : (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) فالمؤمن حقاً هو من يؤدي الأمانة ، ويوفي بعهده . ومعلوم أن خيانة الأمانة ، والغدر للعهود وعدم الوفاء بها من صفات المنافقين والعياذ بالله تعالى . وقد تكرر هذا الوصف بنفس الآية في سورة الحاقة ، حيث عدد المولى تبارك وتعالى جملة من صفات عباده المؤمنين.

    وأما الأحاديث فقد ورد فيها ـ أيضاً ـ الحث على أداء الأمانة والقيام بها ، ومن أمثلة ونماذج ذلك :
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( أَدِّ الأَمَانَةَ إلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ) رواه أبو داود والترمذي.

    فإن النبي عليه الصلاة والسلام قد أوجب على كل أحد أداء الأمانة ، وأمر كذلك بأن لا يقع بعض الناس في الخيانة حتى وإن خانهم الناس ، وأساءوا إليهم ، فإن ذلك لا يحملهم على خيانتهم حيث إن الخيانة محرمة من كل وجه وهي من صفات المنافقين .

    وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عنْ أَبِي هُرَيْرَة َ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا وعَدَ أَخْلَفَ، وَإذَا ائْتُمِنَ خَانَ).

    إن أداء الأمانة هو من الواجبات العظيمة ، وإن المجتمعات في ظل قيام أفرادها بأداء أماناتهم تعيش الحياة الطيبة ، فالقيام بذلك هو سعادة وراحة للبال وطمأنينة للفرد والمجتمعات.

    وإن تضييع الأمانات وعدم أدائها لأهلها هو من أسباب المصائب والعقوبات الخاصة والعامة ، وكم من إنسان قد ابتلي بأنواع من الأمراض والأسقام والأوجاع بسبب تضييعه لما قد أؤتمن عليه من حقوق الناس .

    وجانب آخر أشد خطورة على من لا يقومون بأداء الأمانات إلى أهلها وهو ما جاء في تبيين النبي عليه الصلاة والسلام أن تحريم أموال الناس كحرمة اليوم الحرام في البلد الحرام في الشهر الحرام ، حيث بين عليه الصلاة والسلام ذلك بقوله ــ كما ورد في الصحيح ــ (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ...) الحديث.

    كما لا ينبغي أن يغفل أن أخذ أموال الناس والتلاعب بها وإضاعتها أو سرقتها هو من التعدي على حقوق المخلوقين ، والمقرر في كتب الفقهاء أن حقوق المخلوقين قائمة على (المشاحة) وليست على المسامحة ، فإن صاحبها إن لم يستوفها ممن أخذها منه في الدنيا ، فإنه سيقتص منه فيها يوم القيامة ، حيث إن يوم القيامة هو اليوم الذي وصف الله تبارك وتعالى بقوله : (لا ظلم اليوم). وقد وردت نصوص كثيرة في التحذير من هذا الأمر والتخويف منه ، وعليه :

    فهل يليق بمن يؤمن بالله تعالى ويؤمن بهذه النصوص أن تمتد يده إلى أموال الناس ليأكلها بالباطل؟!


    لماذا يوجد بيننا من يماطل في الدين ولا يرده لأصحابه وهو غني يستطيع رده ؟!

    لماذا يوجد في مجتمعنا من يعطي (الشيكات) التي ليس لها رصيد ، وهو يعلم أنه لا يستطيع تغطيتها حين أجلها؟!

    لماذا يوجد بيننا من يزورون المستندات للعقارات والسيارات وغيرها ويأخذون بها أموال أناس أبرياء ، وتبدأ سلسلة من المحاكم والقضايا لا ينتهي بعضها إلا بعد عدة سنوات؟!

    لماذا كثر الغش في السلع ؟ وقل الأمناء من التجار ؟ وفقدت الثقة إلا في القليل ممن رحم الله تعالى؟!

    لماذا كثر عدم تورع كثير من الناس من أكل الأموال المحرمة مما يكتسب من حقوق الناس بغير وجه حق؟!

    ولماذا امتلأت النيابات وساحات المحاكم بل والسجون بالحشود ، بل امتلأت صفحات الصحف اليومية بأخبار المضيعين للأمانات والواقعين في تضييع المال العام والخاص؟!

    ولماذا قلّ الخوف من عقوبة الله تعالى العاجلة بالأمراض والبلايا والمحن قبل عقوبة الآخرة ؟!
    وقد قال الله تعالى : (قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون).

    ولماذا أصبح أكل أموال الناس والغنى بالحرام وبناء المنازل وفتح المحلات وغير ذلك أمراً عادياً لدى كثير من الناس؟!

    بل إن من العجائب أن بعض من طمس الله على بصائرهم وماتت قلوبهم من المجرمين يحسب أنه بأكله المال المحرم وتضييع الأمانة قد حقق النجاح والدهاء وربما افتخر بذلك!

    ولماذا قلّ بيننا النهي عن المنكر؟!
    وقلّ التذكير والتخويف بالله تعالى وبعقوباته للمضيعين للأمانات؟!

    إننا نعيش واقعاً بحاجة إلى إصلاح ، وبصورة عاجلة جداً ، وهذا الإصلاح لن يتم ـ بعد توفيق الله تعالى ــ إلا إذا تضافرت الجهود وقام كل فرد وجهة بما يجب عليهم ، فإن الدعاة والخطباء والمعلمين والمدرسين والإعلام لهم دورعظيم في توعية المجتمع والسعي لإصلاحه ، كما أن الجهات المختصة عليها من الواجب الكبير تجاه هذا الشأن ، وحتى عامة الناس عليهم من الواجب الكثير بالنصيحة التي ينبغي أن تسود بين المسلمين فإن (الدين النصيحة) وهو واجب على المسلم تجاه أخيه المسلم.

    وأسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين ، ونواصل في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.
                  

08-12-2010, 04:17 PM

عارف الركابي

تاريخ التسجيل: 06-14-2010
مجموع المشاركات: 2037

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أداء الأمــــــــــــــــانة بين : (الواقع) و(المأمول) ... (Re: عارف الركابي)

    الحلقة الثانية :

    في الحلقة السابقة بينت معنى الأمانة ومجالاتها ، وسردت بعضاً من النصوص الواردة في الأمر بها والحث عليها ، ثم ألقيت الضوء على (بعض) المظاهر والصور المنتشرة بين (كثير) من الناس مما يبين ما بلغ به الحال من ضياع الأمانة !! والتكسب من المكاسب المحرمة وأكل الأموال بالباطل.

    ومن خلال حديثي مع كثيرين ممن يقلقهم حال وواقع كثير من الناس وتصرفاتهم وتفاقم الأمر بمرور الأيام فيما يتعلق بهذا الموضوع ، ، فقد تأكد لدي أن واقع الكثيرين يصدق عليهم الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه والإمام أحمد في المسند وغيرهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ، أَمِنَ الْحَلاَلِ أَمْ مِنَ حَرَامٍ).

    للأسف الشديد ، هذا في زماننا الآن ، كثيرون الذي يهمهم فقط هو :
    الحصول على المال ، بأي طريق أو بأي وسيلة ، سواء من حلال أم من حرام !!
    فإن ذلك ليس بمهم لديهم بكثير ولا قليل!! نسأل الله السلامة والعافية ،

    حتى إن بعضهم ذكر لي أنه يسود بين بعض الناس مثل هذه العبارة :
    (الحلال ما دخل جيبك ، والحرام ما حرمت منه)!!!
    هكذا واقع كثيرين!! للأسف الشديد . كما يحكى في كثير من المجالس أن أحداً تعقب من دعا فقال : (اللهم أغننا بحلالك عن حرامك) فقال : (لا تُميّز يا شيخ المهم أغننا ويكفي ، بدون تمييز)!!


    إن لسان حال الكثيرين ـ وأحياناً ـ لسان مقالهم : مساواة الحلال الذي أحله وأباحه الله ورسوله ، بالحرام الذي حرمه الله ورسوله ، وورد الوعيد بالسخط والغضب والعقوبات والعذاب الشديد لمن وقع فيه ، إنها حال من يتنصل عن أحكام الشرع ويجعل الدنيا همه الأول والأخير ، ومبلغ علمه ، وقد جهل أو غفل المسكين أنه بإقدامه على ذلك يكون أول المتضررين ، ويصير بكسبه المُحرّم من الخاسرين وقد فاته (إن الله لا يهدي كيد الخائنين).

    كيف يصبح رائجاً بين من كتابهم القرآن ورسولهم سيد ولد عدنان التساهل في المكاسب المحرمة من الغش والسرقة والرشوة وأكل أموال الناس بالباطل والحيل المحرمة وأكل أموال اليتامى والقُصّر والورثة وأكل الربا ، وأكل المال العام ، والتكسب بالخيانات ، وغير ذلك ؟!

    إن من المؤسف جداً أن نعيش في زمان أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم صحابته بقوله : (ليأتين على الناس زمان ...) الحديث ، ومن المؤكد أنه يوجد في الأمة كثيرون يقومون بأداء أماناتهم ، ويتعففون عما يحرم عليهم ، ويخافون من ربهم الذي يطلع عليهم ، ولا تخفى عليه منهم خافية ، وكثير منهم صابرون على الفقر ، والحرمان ، وقلة ذات اليد ، وقد آثروا ذلك على مكاسب محرمة يتأذون ويتضررون بها في الدنيا قبل الآخرة .

    لكن المؤسف أن الذين لا يمسكون أنفسهم من التكسب بالحرام يتزايدون بمرور الأيام.

    لنتأمل هذا الوعيد الوارد في قول الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) ، إنها جناية المتعدي والمجرم على نفسه أولاً وأخيراً!!
    جنايته على نفسه في : الحال والمآل!!

    ولنتأمل قوله تعالى : (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون).
    جاء في تفسير ابن كثير عن قتادة في تفسير هذه الآية : (اعْلَمْ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَّ قَضَاءَ القَاضِي لاَ يُحِلُّ لَكَ حَرَامًا ، وَلاَ يُحِقُّ لَكَ بَاطِلاً ، وَإِنَّمَا يَقْضِي القَاضِي بِنَحْوِ مَا يَرَى وَتَشْهَدُ بِهِ الشُّهُودُ ، وَالقَاضِي بَشَرٌ يُخْطِىءُ وَيُصِيبُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْ قُضِيَ لَهُ بِبَاطِلٍ أَنَّ خُصُومَتَهُ لَمْ تَنْقَضِ حَتَّى يَجْمَعَ اللهُ بَيْنَهُمَا يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقْضِي عَلَى المُبْطِلِ لِلْمُحِقِّ بَأَجْوَدَ مِمَّا قَضَى بِهِ لِلْمُبْطِلِ عَلَى المُحِقِّ فِي الدُّنْيَا).

    من منا لا يحتاج إلى ربه عز وجل ؟!

    من منا يستغني طرفة عين عن خالقه ومالكه وسيده والمتصرف فيه والمتصرف في هذا الكون؟!
    إننا محتاجون لربنا في استمرار نعمه علينا (وما بكم من نعمة فمن الله) ومحتاجون إليه لحفظنا ، ولرزقنا فإنه (لا معطي لما منع ولا مانع لما أعطى) ، ولهدايتنا (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) ولشفائنا (وإذا مرضت فهو يشفين) ، وغير ذلك ، فهل ترضى لنفسك أخي أن يُردَّ عليك دعاؤك ؟!
    ولماذا يستغرب من أكل الحرام من عدم استجابة الله تعالى لدعائه ؟!
    إن من الأمثال المشتهرة قولهم : (على نفسها جنت براقش)!!
    لنتدبر هذا الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه :
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (يَاأَيُّهَا النَّاسُ!إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ.فَقَالَ: " يَأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ"وَقَالَ: "يَأَيُّهَا الَّذِينَ أَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ" ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ. أَشْعَثَ أَغْبَرَ. يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَارَبِّ! يَارَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟).

    إذاً : لقد انكشف الأمر!!
    وعُرِف السبب لعدم استجابة الله تعالى لدعاء الكثيرين من المسلمين !!
    إنه الكسب الحرام ، وإضاعة الأمانة ، والوقوع في الخيانة بما أملى لهم به عدوهم الشيطان وأنفسهم الأمّارة بالسوء.

    إن النار تنتظر يوم القيامة من أخذوا المال بغير حق ،
    لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري في صحيحه. إنه وعيد شديد ترجف منه قلوب المؤمنين ، وتصلح به أعمال الخائفين ، وتطيب به مكاسب العالمين المتقين.

    ولا ينبغي أن يظن ظان أن قضاء القاضي وحكم المحكمة يجعل ما أخذه ظلماً من أخيه حلالاً طيباً ، فقد جاء في الصحيحين من حديث أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْهُ ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) ، إنها قطعة من النار والعياذ بالله ، فإن شاء أخذها وإن شاء تركها .

    أتساءل متعجباً :
    هل يليق بمن له عقل ، وله إدراك ، أن يقتطع قطعة من النار ليبيعها أو يسكن فيها ويُسْكِنَ فيها معه أحب الناس إليه وهم أولاده وزوجته وأهله؟!


    كيف يليق بمن درس وتعلم وعاش في عصور انتشار المعرفة !!
    والحضارة !!
    والمدنية!!
    أن يُطَوِّقَ أسرته بالنار من كل جهة وجانب ؟!
    بل يجعل النار في بطونهم ؟!
    ويؤكلهم "السحت"؟!
    ألا يخجل ويستحي من نفسه أن يؤكلهم أموال الناس أو مال الدولة ؟!
    ويخدع نفسه المريضة بأنه حقق لنفسه ولهم السعادة والمجد والتميز؟!!


    نعم إنه قد تميز!!

    ولكنه تميّز في الغي والضلال وأخذ المال المعصوم الحرام الذي شبهه النبي عليه الصلاة والسلام في تحريمه بحرمة اليوم الحرام في البلد الحرام في الشهر الحرام ، وتميز في الضحك على نفسه ومخادعتها ، وتميز في أن يكون أقرب الناس إليه من أهله يوم القيامة هم خصماؤه!!

    لقد توفي رجل يوم حنين فذكروه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : صلوا على صاحبكم ، فتغيرت وجوه الناس ، حيث لم يرد أن يصلي عليه النبي عليه الصلاة والسلام ، وقال : إن صاحبكم قد غلَّ في سبيل الله ، ففتح الصحابة متاعه فوجدوا فيه خرزات من خرز يهود لا تساوي درهمين!! رواه الإمام مالك في الموطأ وأحمد في المسند وغيرهما .

    انظروا ـ رعاكم الله ــ مع أنه خرج مقاتلاً في سبيل الله ، لكن ذلك لم يَعْفِهِ من عقوبة الغلول (والغلول هو الأخذ من الغنائم قبل أن يقسمها الإمام ) وقد قال الله تعالى : (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة). فسيأتي السارقون بما سرقوا من أموال وممتلكات وعقارات وغيرها يوم القيامة !! إنها الفضيحة الكبرى عليهم !! وإنه عدل رب العالمين .

    وشهدت الأعضاء والجوارح*****وبدت السوءات والفضائح

    من غلَّ بعيراً أو شاة أو بقرة أو طيارة أو عمارة جاء بها يوم القيامة !!
    إنه عدل الله رب العالمين ، الذي به تقتص الشاة الجماء (التي ليس لها قرون) من الشاة القرناء !!فتنطحها ، كما في مسند الإما م أحمد ومستدرك الحاكم وغيرهما ، فكيف بابن آدم صاحب العقل ؟!
    كيف بابن آدم الذي جاءه الرسول وأنزل إليه الكتاب ؟!
    كيف بالذي أعطاه الله السمع والبصر والفؤاد؟!.
    إن مسؤولية النصح توجب على كل من له أدنى بصيرة القيام بــ(كل) ما هو مستطاع لتعليم الجاهل وتذكير الناسي وتنبيه الغافل ، وحتى يتوقف ويهدأ موج فتنة المال التي لم يسلم من الانغماس فيها الكثيرون!!

    اللهم أغننا بحلالك عن حرامك ، وبفضلك عمن سواك ، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم .
    ونواصل في الحلقة القادمة بتوفيق الله ، مع أمانة الوظائف ، والله الموفق.
                  

08-13-2010, 08:24 AM

عارف الركابي

تاريخ التسجيل: 06-14-2010
مجموع المشاركات: 2037

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أداء الأمــــــــــــــــانة بين : (الواقع) و(المأمول) ... (Re: عارف الركابي)

    الحلقة الثالثة :
    في الحلقة الماضية بينت بعض الأمور المتعلقة بالأمانة في الأموال ، وقد استعرضت شيئاً من الواقع المؤسف ـ جداً ـ لدى كثيرين ممن يقعون في تضييع الأمانة ، وممن لا يهمهم من أين يجمعون المال! ووضحت المأمول الذي يجب التزامه والحرص عليه والاجتهاد على الثبات فيه.

    وهذه الحلقة حديثي فيها عن جانب آخر من جوانب أداء الأمانة وهو (أمانة الوظائف والأعمال).

    ومن المؤكد أن حلقة في أسطر لا تكفي للحديث عن هذا الأمر المهم جداً والذي هو بحاجة ماسة إلى المناقشة والتناول بشيء من التفصيل واستعراض واقعه والتذكير بالمأمول فيه ، ولذلك هي مجرد إشارات موجزات ، أسأل الله تعالى أن ينفع بها .

    إن واقع كثير من الناس في أداء الأمانة التي تحملوها في وظائفهم وأعمالهم واقع مؤسف ومحزن بل إنه واقع مزعج جداً !!
    فقد ضُيِّعَت الأمانة لدى كثيرين ،
    والأدهى والأمر أن بعضهم لا ينزعج من تضييعه لها!
    بل تراه فرحاً مسروراً ،وهو يحسب أن بذلك قد حقق شيئاً من التوفيق بدهائه ومكره ، فهو بذلك قد أعطى نفسه راحتها! وحقها ! وقد تكسب وأخذ الراتب أو الأجر بدون تعب أو جهد!!


    والأمر المؤسف حقاً أن بعض الذين يلتزمون أداء الأمانات ويحسنون أداء أعمالهم ويجتهدون لإبراء ذمتهم ينقلب حالهم بتقليدهم من يضيعون الأمانات!ويصبح للمضيعين أثر سيء آخر.

    وهل يحتاج هذا الأمر لضرب أمثلة وذكر نماذج وشواهد يتبين بها تضييع الأمانات المتعلقة بالوظائف والأعمال لدى كثير من الناس؟!
    أتوقع أن كل من يقرأ مقالي يجيبني بأن الأمر لا يحتاج!فقد انتشر البلاء! واتسع الخرق ! وإنا لله وإنا إليه راجعون.

    لكن لا بأس من ذكر بعض النماذج من (الواقع) ،
    ويتبعها ذكر شيء من ( المأمول).

    *موظفون كثيرون لا يلتزمون بالحضور والانصراف في الوقت المحدد لهم!!

    *وآخرون يتغيبون عن الأعمال بغير عذر مقبول وبعضهم قد يأتي بتقارير طبية (مزورة) أو تم شراؤها بمبلغ من المال! أو أعطاهم إياها ذو قرابة أو صداقة!وفي بلادنا يمكن أن يكون الغياب بسبب (مجاملة) كمناسبة زواج أو عزاء أو أي مناسبة أخرى! بغض النظر عن نوعها!

    وقد تحدثت عن هذه الجزئية في مقال بعنوان : واقع المجاملات السودانية وقاعدة الأولويات وأداء الحقوق.
    وهل يا ترى ستتوقف هذه المناسبات في يوم ما ؟!
    أم هل سيأتي اليوم الذي يقارن فيه كثيرون بين واجبهم في عملهم ، وأداء أمانتهم فيه ، وإنهاء معاملات المراجعين وبين ما يؤدونه في (بعض) تلك المجاملات والتي قد يسافر بعضهم لها مسيرة مئات الكليو مترات؟!!

    *آخرون لا يتغيبون إلا أنهم لا يؤدون ما يجب عليهم في أعمالهم ووظائفهم (وهذا بحر لا ساحل له)
    فتجد مدرساً لم يستعد ويحضِّر لدرسه ولم يتقن مهاراته ويحيط بجوانبه ،
    ويدخل على طلابه وهو أحوج منهم إلى تعلم هذا الدرس!(وفاقد الشيء لا يعطيه)،
    وبعض المدرسين لا يدرس المقرر الذي يجب عليه تدريسه بل ربما يكتفي بتدريس نصفه!أو ثلثه!

    والثمرة:الجهل والفشل لطلابه نتيجة لفشله وتضييعه أمانته ،
    وهكذا في سائر الوظائف والأعمال تجد مثالاً ونموذجاً لهذا المعلم الفاشل المضيع لأمانته ،

    ومن العجائب أن هذه العينات من الموظفين والعمال (الفاشلين) تجدهم من أكثر الناس حرصاً على استلام رواتبهم وأجورهم في أوقاتها ، ومن أكثرهم احتجاجاً إن تأخرت يوماً أو يومين ، وهم ـ بحق ـ من المطففين الذين قال الله تعالى عنهم : (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) .
    إن الشخص الذي لا يقوم بإتقان عمله ولا يؤديه كما يجب ، أو على الأقل لا يؤدي (الحد الأدنى) الذي تبرأ الذمة به ، قد ضيَّع الأمانة التي سيسأله الله تعالى عنها .

    إننا نعيش في زمان أصبح فيه كثيرون هذا هو حالهم وواقعهم ، لقد كثر ترديد مثل هذه العبارة (مشِّي حالك)! لتقديم عمل لا تبرأ الذمة بأدائه ، وبأداء عمل قد أُخِلّ فيه بشروط الوظيفة أو العقد أو المهنة.

    وللأسف فإن هذا الداء قد أصاب الكثيرين وإن ضربت مثالاً ببعض المدرسين ،

    فإني أضيف مثالاً لــ(بعض) (الأطباء) فإن الهَمَّ الأكبر لدى بعض الأطباء في عملهم هو : الدخل المادي (الفاحش) (فقط) وأما أخلاق الإسلام والمهنة وبراءة الذمة وحقوق المرضى فلتذهب أدراج الرياح أو ليُضرب بها عرض الحائط لدى هذا النوع من الأطباء.[/B]

    إن بعض الأطباء في بلادنا يطوف في سويعات أو دقائق على أكثر من (خمسة) مستوصفات أو نجوها للمرور على المرضى الذين ينتظرونه طوال اليوم في غرف تلك المستشفيات (الخاصة) ليحظوا ويحظى ذووهم معه بدقيقتين أو ثلاث قد لا يستطيعون الاستفسار أو الحديث معه فيها ، لأن لديه تدريس بالجامعة وله مرضى في مستشفيات كثيرة وله عيادة لا بد أن يكون عدد المرضى فيها أكثر من خمسين مريضاً ولديه ... الخ،
    ويضيع بذلك إتقانه لعمله وأداؤه له كما يجب !!!

    ومن العجائب أن بعض الأطباء رغم العدد الكثير للمراجعين بالعيادات إلا أنه لا يكون مع هذا الطبيب (ممرض) يقوم بوزن الضغط أو الكشف عن درجة الحرارة وما يشبهها من الإجراءات الأولية التي تؤدى في أفقر دول العالم !!
    وإنما الذي يقوم بذلك ـ إن كان هناك حاجة! ــ هو سعادة البروفيسور نفسه! يجلس بعضهم الساعات الطوال في ذلك ، وقد اكتظت غرف الطوارئ والإسعافات بالمستشفيات العامة بالمرضى الذين ليس لديهم (الملايين) التي يطلبها هؤلاء الأطباء ، فهؤلاء المرضى يبقون الساعات الطوال وبدون جدوى ، اللهم إلا أن يمر عليهم أطباء الامتياز ، أوالمتدربون من الطلاب!وقد يأتيهم بعض الأخصائيين لكنهم لا يكفون ، ومن المؤسف أن بعض هؤلاء الأطباء يقلد بعضاً في ذلك ، والهم لدى الكثيرين أصبح هو : بناء مركز تشخيصي مرموق أومستشفى خاص ضخم ورصيد بالمليارات ، ولا يتجه الكثيرون إلى التأسي بالنماذج المشرقة التي كانت ولا تزال للكثيرين من الأطباء الذين هم مثال للتفاني والعطاء بلا حدود ، والاحتساب والتحلي بآداب وأخلاق المهنة كأمثال البروفيسور (أبو الطب) داود مصطفى رحمه الله وأمثاله في الماضي والحاضر ممن ينبغي تدريس سيرتهم للأجيال.

    *إن الموظف الذي يتعمد عدم إنجاز أو تأخير الأعمال المتعلقة بالأشخاص أو الدولة قد ضيَّع الأمانة ، فإن بعض الموظفين يحبس بعض المعاملات عنده متعمداً، ولأسباب تدل على (خبثه) وضعف دينه ومرؤوته ، فقد يكون ذلك منه لمجرد أذية أصحاب هذه المعاملات!فهو ممن يجدون المتعة بذلك! وقد يكون ذلك لإثبات أنه شخصية مهمة ولها دور فعّال!! وقد يكون ذلك منه حتى يُدفعَ له شيءٌ من المال!مباشرة!أو عن طريق الوسطاء (السماسرة) الذين دُرِّبوا لذلك خصيصاً!أو حتى تتم المقايضة بمعاملة أخرى يكون صاحب المعاملة له دور في إتمامها! وأعجبُ ما سمعتُ في تلك الأسباب ـ خاصة في بعض المعاملات الكبيرة ــ أن يكون الموظف قد فعل ذلك حتى يُزَوِّجَه صاحبُ المعاملة ابنته أو أخته!!

    *إن المنظر اليومي لاصطفاف كثير من المراجعين في (طوابير) ولساعات لطوال ويأتي العشرات في نفس الوقت وبطرق أخرى لتنجز لهم أعمالهم في (دقائق) بلا حياء من أولئك الموظفين , أو المراجعين ، هو من تضييع الأمانة ، ومن إضاعة حقوق هؤلاء المنتظرين ومما سيسأل عنه يوم القيامة ويقتص فيه.

    *ومن أعظم صور تضييع الأمانة فيما يتعلق بالوظائف أن يوسد العمل إلى غير ذوي الكفاءة ، مع وجود من يقوم به خير قيام ، لمصالح شخصية أو غيرها فينتج عن ذلك ضياع عظيم وفساد عريض ، وقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة) قال : ما ضياعها يا رسول الله ؟ قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).
    .
    هذا شيء موجز من الواقع فيما يتعلق بتضييع أمانة الوظائف والأعمال فما هو المأمول ؟!

    المأمول ما دل عليه الكتاب العزيز وسنة الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم : (قالت يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين)

    إن القوة والأمانة هما من أعظم ما ينبغي تحققهما في الموظف أو العامل ، والقوة يراد بها قدرته على إنجاز وأداء ما يكلف به من أعمال ، والأمانة يراد بها أداؤه للأعمال كما يجب،وحفظه لها،والآية قد وردت في قصة نبي الله موسى عليه السلام عندما سقى للمرأتين وقد ظهرت قوته في رفعه للصخرة أو الحجر عن البئر ، وظهرت أمانته في تعامله مع المرأة عندما طلب منها أن تمشي وراءه وفيما ظهر لها في الموقف من حديثه وسمته وخلقه.

    ولا بد من اجتماع الأمرين : القوة والأمانة ، فقد يكلف بالعمل من هو أمين إلا أنه ضعيف الشخصية لا يستطيع الضبط وليس لديه حزم فتضيع الحقوق بضعفه أو قد يكون ضعيف الأداء ولا يعرف الإنتاج ولا البذل فتكون ثمرته (لا شيء) ، وقد يكلف القوي ذو الحزم إلا أنه لا يكون أميناً فيتلاعب بالمهام والصلاحيات أو الأموال أو الممتلكات وغيرها ومن عدم الأمانة أن يكون دينه رقيقاً لا يخاف من الله ولا يخشى من أكل المال بالباطل ، ويؤكد هذا المعنى ما ورد في قول نبي الله يوسف عليه السلام عندما قال للعزيز: (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) فقد ذكر الحفظ وهو من الأمانة ، فإن الأمين هو الذي يحفظ الحقوق ويؤديها ، وذكر العلم وهو المعرفة بالأمور وخبرتها وإدراك ما يجب حفظه ، وهذا من الأمانة لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، فإن أداء الأمانة يوجب معرفة كيف يكون أداؤها وحدود ذلك ، وأيضاً العلم يتضمن الإشارة للقوة على التنفيذ ، فهو يعلم أنه أهل لتحمل الأمانة ولحفظها وقادر على أداء ما يجب عليه فيها.

    إن الوظائف هي بمثابة عقود بين الموظف وصاحب العمل ، سواء كان صاحب العمل هو الدولة أو شركة ، أو شخص ، والإسلام قد أوجب الالتزام بالعقود قال الله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) وإن مما سيسأل عنه المرء يوم القيامة : (ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟) كما في الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه الألباني ، فإن كل من يأخذ أجراً على أي عمل يؤديه يجب عليه أن يؤدي العمل بما (يحل له) الأجر الذي يأخذه ، وذلك بأدائه كما تم الاتفاق عليه ، بل إن الإسلام يأمر بإتقان العمل وتجويده ،فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ " رواه البيهقي وحسنه الألباني.

    لتتكاتف الجهود ولنسعى جميعاً لنأخذ بأيدي بعضنا إلى ما فيه خير ديننا ودنيانا ، ولنؤدي ما يجب علينا من أمانات ، حتى تطيب مكاسبنا ونسلم مما لا يحل علينا ، والله الهادي سواء السبيل.
    والحلقة القادمة هي الأخيرة وستكون بإذن الله في (أمانة الدين).

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de