|
|
 الصراع في جنوب السودان .. اسباب وتداعيات
|
بانتهاء الانتخابات السودانية تأتي اللحظة المناسبة للتركيز على التحديات التي ستواجه جنوب السودان خلال الأشهر القليلة المقبلة، إن الجهد الكبير الذي بذل في تنظيم الانتخابات كما نصت على ذلك اتفاقية السلام الشامل قد ركز على الجوانب الفنية والاخفاقات أثناء تلك العملية ومن المحتمل أن يتم التركيز في الأشهر المقبلة على جوانب فنية مماثلة تتعلق بالاستفتاء على استقلال جنوب السودان المزمع إجراؤه في مطلع العام المقبل. وعلى عكس ذلك فإن هذا التقرير يركز على قضايا ومفاهيم أشمل وأوسع مع الهدف الأساسي المتمثل في التوصل إلى معلومات توضح الأسباب الكامنة وراء أحداث العنف المتزايدة داخل جنوب السودان عن طريق الكشف عن الطريقة التي يعيش ويعمل بها الناس في الجنوب والأحداث التي وقعت منذ توقيع الاتفاقية فإن التقرير ينظر إلى الطرق والوسائل التي ساهمت بها المؤسسات والهياكل في الجنوب والمقاربات الدولية في خلق أزمات السلام الحالية واستمرار تأجج الصراع. كما يشكك التقرير في الروايات حول النفوذ الذي تمارسه حكومة الخرطوم وفي دور القبلية باعتبارهما سبباً أساسياً لمشاكل المنطقة وقد وجد التقرير أن قضايا أخرى تم تجاهل بعضها أو عدم التركيز عليها مثل عدم وجود ترسيم للحدود الداخلية لما لها من تأثير مباشر على اندلاع العنف في المنطقة. كما يشير التقرير إلى مشاكل تتعلق بمدخل التنمية /إعادة الاعمار/ بناء السلام الذي زاد من التوتر في المنطقة، وعلى وجه الخصوص فإن المحاولات الحالية لإنشاء المؤسسات في الدولة على المستوى المحلي تجعل من تصاعد أعمال العنف أمراً محتملاً وفوق كل ذلك فإن التقرير يوضح أهمية الابتعاد عن التصنيفات البسيطة لأجل الوصول إلى تحليل متعدد الأوجه وشامل من النوع الذي يأخذ في الاعتبار التعقيدات على أرض الواقع. السنوات الخمس الماضية شهدت تقدماً كبيراً في جنوب السودان إذ ساد السلام بشكل كبير بين الشمال والجنوب كما أن بناء حكومة من الصفر يعد إنجازاً مؤثراً ولكن المؤسسات الحكومية الجديدة لا تصل إلى الغالبية من الشعب كما يظهر في العينات التي تم رصدها في هذا التقرير كما أن العنف لا يزال يشكل جزءاً من الحياة اليومية للعديد من ابناء الجنوب. إن المكتسبات التي تم تحقيقها لازالت هشة وسيتم وضعها تحت الاختبار خلال الأشهر القادمة فيما يستعد جنوب السودان لتنفيذ آخر بند من بنود اتفاقية السلام الشامل. هذه المرحلة الصعبة تعطي أيضاً الفرصة للعمل على بذل جهد منسق وضروري لإحداث تغييرات هيكلية. الهدف والمنهجية إن الهدف من هذا التقرير هو إيجاد الدليل الذي يوفر المعلومة للاعبين الأساسيين في جنوب السودان لمساعدتهم في عملية استشارة مواطني جنوب السودان وفي صياغة وتنفيذ وترتيب الأولويات السياسية والنشاطات التي تدعم السلام والاستقرار. قامت ثلاثة فرق بحث بالتعاون مع مفوضية سلام جنوب السودان وكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية ومعهد دراسات التنمية ومركز دراسات السلام والتنمية التابع لجامعة جوبا بقضاء شهر في جمع المعلومات في شرق الاستوائية وأعالي النيل وبحر الغزال من اكتوبر وحتى نوفبمر 2009 وقام الفريق بإجراء حوالي ثلاثمائة مقابلة مهمة وذات نوعية مع المسؤولين الحكوميين المحليين ومسؤولي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والقادة المحليين والمواطنين وقد تم استخدام استبيانات بلغ عددها 354 استبياناً لعينات عشوائية من المواطنين بالإضافة إلى تنظيم مسابقات للرسوم لطلبة المدارس. كما تم إجراء بحث متابعة لاحقاً خلال فترة الانتخابات في أبريل 2010م نتائج واقعية تم التوصل إليها رغم الإنجازات الكبيرة لم تحقق حكومة جنوب السودان ولا الوكالات الدولية العاملة في الجنوب ما أملوا في تحقيقه خلال الفترة الانتقالية وتظل أهداف مثل المحاسبة للجهات الحكومية على كل المستويات وتقديم خدمات يعتمد عليها والتعليم المدني والأمن والجهد المنسق بين وكالات التنمية بعيدة عن التحقيق كما ظهرت العديد من الاخفاقات الأخرى التي تحتاج إلى معالجة المواضيع الأساسية إلقاء المسؤولية على الخرطوم أحد المبررات الخاطئة لأحداث العنف يتمثل في الادعاء بتدخل حكومة السودان فقد عبر العديد من أفراد العينات المستهدفة من مسؤولين حكوميين وعسكريين ومدنيين عن نظريات تتراوح بين إلقاء اللوم على الخرطوم لجلبها قوات جيش الرب اليوغندي إلى منطقة غرب بحر الغزال وبين افتراضات بأن الازدياد الأخير لعمليات الإغارة على قطعان الماشية هو جزء من استراتيجية شمالية لإحداث القلاقل وزعزعة الاستقرار. إن مشاعراً كتلك تزيد من تنامي الآراء المعادية للشمال وتساهم في خلق حالة من التوتر في الطريق إلى التوصل لقرارات سياسية مهمة. مهما يكن فإن الشهادات التي أدلت بها السلطات المحلية وعدد من المدنيين التي تلقي باللوم على الخرطوم بدت أقرب إلى الروايات المبنية على الشائعات ولا تسندها الوقائع الفعلية على الأرض، وكمثال على ذلك الادعاء بأن الأمبررو الفلاتة الرحل يعملون كمليشيا لصالح حكومة الخرطوم ولكن لم يتم تسجيل أي حوادث عنف ولم يعمل بها المدنيين المحليين ولا الحكومة نفسها التي تتهم الأمبررو بالعمالة لدى الخرطوم. خلق صراعات قبلية التفسير الشائع الآخر هو أن «الكراهية القبلية» تحرض على العنف المحلي. إن القبلية شماعة يعلق عليها كل شيء بما في ذلك الخلافات الأسرية والمناوشات بين أفخاذ القبيلة الواحدة وهجوم العصابات والنهب المسلح الذي يقوم به جنود سابقون، إذن فإن المصطلح يعتبر غير ذا معنى كتفسير لظاهرة العنف خاصة أن العنف غالباً ما يحدث نتيجة لصراع بين القبائل أو داخل القبيلة ذاتها وبذلك يعتبر تفسيراً كسولاً ومضللاً لمحاولة تفسير أسباب العنف. كل ذلك لا يعني أن كثيراً من الناس لا يولون اعتباراً كبيراً لانتمائهم القبلي أو أن العرقية لا يمكن التلاعب بها بواسطة السياسيين الراغبين في الحصول على قاعدة سلطة محلية، ولكن لضمان نجاح برمجة لبناء السلام فان الصدامات بين الجماعات يجب التحقيق فيها بصورة شاملة للوصول إلى أسبابها الحقيقية كما يجب الأخذ بعين الاعتبار المنافسة على الموارد الطبيعية بالإضافة إلى الدوافع الخفية للقادة والزعماء المحليين ومجموعات الصفوة الأخرى. إنشاء مؤسسات الدولة يدعم الصراع القضايا الأساسية التي ظهر أنها من أسباب تصاعد العنف المحلي إما أسباب هيكلية أو أخرى يمكن أن تجدها في العلاقة المضطربة وأحياناً المتناقضة بين الحكومة والمواطنين، إن مدخل الحكومة الحالي في بناء مؤسسات قوية بالإضافة إلى التركيز على اللامركزية ناتج عن إرث السودان من عملية التهميش، وفي نفس الوقت فان ذلك المدخل يمكن أن يعود بنتائج عكسية فإن نفس تلك المؤسسات تفتقد المحاسبة والمسؤولية خاصة على المستوى المحلي حيث تنشأ أحداث العنف، وبالإضافة إلى التلاعب السياسي بمفهوم القبلية فإن تلك المؤسسات بدأت تصبح في الواقع أشبه بالاقطاعيات العرقية. ويبدو أن تضخيم أمر تأثير الخرطوم على أحداث العنف بالإضافة إلى عمومية مصطلح «الصراع القبلي» التي لا تتيح أي نظرة عميقة أو مفيدة تقود إلى فهم واضح بأن المسؤولية تقع على هيكلية ومؤسسية الدولة الناشئة وإن ذلك يقود أيضاً إلى نتيجة لا مفر منها وهي أن جنوب السودان يعيش نزاعاً مع نفسه . أسباب خلف الصراع.. أوجنوب السودان في نزاع داخلي؟ تميزت الفترة التي عقبت عقد اتفاقية السلام الشامل بالحماس لأجل إحداث التغيير في جنوب السودان وبعد مرور خمس سنوات على الاتفاقية وعدم تحقق الكثير من الآمال، برز اتجاه تغلب عليه لهجة الحرب بالإضافة إلى ظاهرة الانتهازية، وقد شملت العوامل التي ساهمت في ازدياد التوتر وأعمال العنف الفشل في توصيل الخدمات للشعب فيما يعرف «بأرباح السلام» بالإضافة إلى التنافس السياسي الحاد حتى على المستوى المحلي، بالإضافة إلى غياب المؤسسات التي لها القدرة على ضبط أحداث العنف. إن عملية إنشاء المؤسسات بغرض وقف العنف المحلي، أتاحت الفرصة للعديدين لكسب مواقع السلطة والهيمنة
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
عمر قسم السيد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست