العزيز الغالي الإحترام والسلام وكل سنة وإنت والسودان وكل افريقيا والعالم العربي وجميع الأمم بخير وصحة وعافية
ملابسات السياسة والعنف في مصر وفي السودان فيها كثير من التواصل منذ (هيجة) عرابي ضد تجبر الخلافة الإسلامية العثمانية ثم الثورة المهدية في السودان ضد نفس الخلافة الإسلامية فالإحتلال الإنجليزي لمصر ثم السودان وبعده إغتيال حاكم عموم السودان السير لي ستاك في القاهرة ثم ثورة 1924 المدنية-العسكرية في السودان التي تخلف فيها أفرادالجيش المصري عن الإلتحام برفاقهم السودانيين مع ملابسات دفن الخلافة الإسلامية في إسطنبول وإفتقاد المصريين لإستراتجية(وطنية) خاصة مع إختلاف وتزعزع طبيعة الحكم في مصر حينهابتهلهل ثم إسقاط وزارة سعد زغلول، ثم جاء إتفاق السودان سنة 1936 بين الحكومة المصرية والإمبراطورية البريطانية وإسقاط حكومة الوفد والحرب العالمية الثانية وتصفية عميل الإستعمار البريطاني أمين(باشا)عثمان بإيعاز أمريكي ثم إلقاء تهمة إغتياله على عملاء ألمانيا النازية فقيام الإخوان المسلمين من بعد بإغتيال القاضي الفقيه الخازندار ثم إغتيال النقراشي باشا رئيس الوزراء المصري فإغتيال الحرس الحديد(الأمن الملكي الخاص) لزعيم الإخوان حسن البنا سنة 1948 ثم قيام مصطفى النحاس سنة 1950 بإلغاء إتفاقيته مع بريطانيا بشأن السودان فنشوب حريق القاهرة في سنة 1951 وحل الحكومة المصرية وإعلان الطوارئي حتى جاءت ثورة 23 يوليو 1952 بقيادة تنظيم الضباط الأحرار وزعيمه جمال عبد الناصر.
أحاطت ملابسات عددا بهذه الثورة بداية من إتجاه التنظيم الشيوعي المؤسس لها وهو تنظيم الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو)إلى قوة الجيش لإحداث تغيير في طبيعة الحكم يمكن الشعب من الإنتقال من الحالة الضنك المزريةالتي كان يعيشهانتيجة توالي القمع والإستفلال إلى حال يتمكن فيه الناس من توفير المقومات الضرورية لحياة حرة كريمة خالية من الإقطاع والإستغلال والإستعمار. وإن كان هذا إتجاهاً منطقياً إلا إن منطقه الطبقي الواضح إختلط بسياسة بناء التنظيم العسكري بشكل ليبرالي مفتوح العضوية فكان اعضاءه من مختلف التيارات والأحزاب لا يجمعهم سوى هدف إزالة النظام الملكي وشي من الإستعمار البريطاني.
في ذلك التنظيم العسكري (الضباط الاحرار) كان دخول عبدالحكيم عامر محلاً لملابسات عددا لأنه لم يكن من أهل السياسة ولم يجمعه بها إلا صداقته وزمالته واخوته لبلدياته الصعيدي جمال عبدالناصر ولكن أكبر الملابسات كانت مع دخول أنورالسادات وحسن التهامي نتيجة علاقاتهم المشبوهة بالنظام الملكي والولايات المتحدة الأمريكية فالسادات كان ضابطاً في قوات الإتصالات (الإشارة) بتأهيل وتدريب تقني أمريكي كأكثر ضباط الإتصالات في العالم العربي القديم
وبينما كان عبد الحكيم ذي شخصية بسيطة خالية من التكلف ودوغري صعيدي كان السادات بشخصية أقرب إلى شخصية عمرو بن العاص في الدهاء والمكر والومض بين القبول والرفض تماماً كلغة إشارات مورس وزادت فيها خلائط عنصرية وطبقية في وسط تحكمه الإرستقراطية شبه الأوربية بقوة القمع والإستعمار وكان المجتمع العسكري لذلك الوسط المصري الإسم كمصر نفسها خليطاً من أعراق وشخصيات وثقافات مختلفة بعقيدة عسكرية مضطربة لا تعرف صليحها الطبقي الوطني من عدوهاالقومي وفي ذلك المجتمع المتناقض لم يك صعباً على شخص كالسادات أن يصل إلى درجةأن يكون نائباًمؤقتاً لعبد الناصر.
على عكس خفة عامر ودهاء السادات، كان جمال عبد الناصر جامعاً من التقاليد العربية الصعيدية والحداثة الإنجليزية والتربية اليهودية الصارمة التي تلقاها من جاراته بعد وفاة والدته مبكراً، ومن روح التعلمجية السودانيين الذين وجهوه إلى الافكار السياسية الأولى في الكلية الحربية المصرية في الثلاثينيات، كما كان عبدالناصر لماحاً وقاد الذهن وصاحب عزيمة ونفوذ ولسان طلق ومظهر جميل وقدرة كبيرة للتأثير في محدثيه مما أهله وهو اليتيم إبن الفقراء للزواج من أحد بنات "العجمي" أكبر تجار الأزبكية وهي السيدة الفضلى تحية كاظم وأصولها من عربستان وأهلها بمذهب الإمامة إلى آل بيت النبوة(ع)، كما بذات الشخصية الفذة تمكن عبدالناصر من تنفيذ موجهات حدتو بتأسيس تنظيم الضباط الأحرار وتكوين مجلس قيادة الثورة ثم قيادة سفينتها في محيطات العواصف الدولية والإقليمية ناقلاً حياة المصريين من الضنك والبؤس إلى عصر الكهرباء والماء النظيف، والزراعة الحرة من الإستغلال، والتعليم الواسع المجاني، والعلاج المجاني، والمواصلات شبه المجانية، والمساكن الشعبيةشبه المجانية، والمرافق الكبرى، الصناعات الكبرى، والجيش الحديث، والعزة الوطنية والقومية كأول حاكم (مصري) لمصر بعد آلاف السنوات من الحكم الأجنبي إنحدرت فيها مصر من تعاونية سودانية مستقلة في شمال وادي النيل إلى فرعنة ثم إلى مستعمرة لليونان والرومان والعرب والمماليك والفرنجة والأتراك توطنوها بملايين الأنفس حتى أبيض أهلهاوتغيرت ثقافتهم عن أصولها الأفريقية، وكان ذلك تغييراً هائلاً حيث كان المصريين يعيشون في بلادهم شبه العبودية وكامل الضنك بينما ترفل طبقة الملاك الأجنبية الأصول في خيرات ما ينتجه المصريون تسلبه منهم بإسم الملكية الخاصة والنظام الملكي والتعاون الدولي وكلها مغطاة بشعارات دينية وليبرالية ما أنزل الله بها من سلطان.
من الملابسات التي إرتبطت بثورة يوليو وعبدالناصر إن إقرار السلطة المصرية بحق السودانيين في تقرير مصيرهم في فبراير 1953 تم بفضل تكتل عبدالناصر والقوى اليسارية في مجلس قيادة الثورة ضد القوى اليمينيةالتي فتح لها ناصر أبواب ذلك التنظيم العسكري فكان أول سعي أهل اليمين أولئك هو محاولة إغلاق حق تقرير المصير للسودان،فأفشلهم اليسار ولكن بعد ذلك النجاح تحالف نجيب والإنجليز والإخوان معاً لإخراج عبدالناصر من مجلس قيادة الثورة وفشلوا في ذلك ثلاثة مرات بين 1953 و1954 وإنتهى الأمر بمحاولة الإخوان المسلمين إغتيال عبدالناصر في ميدان المنشية في الإسكندرية سنة 1954 وبعد ذلك دخل الصراع اليساري اليميني طور العنف المتبادل مما إنتقل إلى السودان بواسطة الإخوان المسلمين ومواليهم.
حين بلغت مصر بجهد عبد الناصر طور الجمهورية العربية المتحدة في إتحاد كونفيدرالي مع سوريا كان عبد الحكيم هو ممثل رئيس الجمهورية هناك وفي سورية الجميلة تحول عبد الحكيم من ضابط بسيط إلى شخصية حاكم مطلق له مزاجه وسهراته والسيارات تترى له من لبنان محملة بملذات إنفتاح الإستيراد والأخلاق فيها وفشل عبدالحكيم بحماقات عددا في إبقاء الوحدة حيوية بين البلدين ومن ذلك الفشل حصل ضده وضدها إنقلاب الإنفصال فعاد إلى مصر وتولى قيادة الجيش المصري وبدأ من تلك القيادة في النفوذ إلى ملاهي الحياة ومباهج السلطان، فلما كانت هزيمة الجيش المصري 1967 بفعل ضرب مطاراته المكشوفة، وإستقالة عبدالناصر ثم التظاهرات التي طالبت بعودته وتحمله مسؤلية إعادة البناء والتحرير، لم يأبه عبد الحكيم كثيراً لأمور الجيش الكبرى بل غرق في تفاصيل أصدقاءه الضباط وتفاصيل أموره الخاصة وتزوج راقصة على زوجته أم أولاده وتطاول بنفوذه على مؤسسة الرئاسة وصار يعين ويرفد ويصرح كدولة داخل الدولة ولما جاءت (الساعة) قام بعملية إنتحار مزيفة فأخذ للمستشفى وكشف عن سلامته وأخرج ولكنه لما أخذ من جديدإلى محل التحفظ عليه لم يكن امامه سوى خيار القائد العسكري العظيم حين تنكشف خيانته.
أما السادات بشخصيته الثعبانية الذي تمت تصفيته بواسطة ربائبه ومواليه من أهل الإسلام السياسي فقد يكون من الذين ضاعفوا مرض إرتفاع ضغط الدم على عبدالناصر بقهوة مظبوطة معروف أثرهافي ذلك الوضع، ولكن عبد الناصر قبل ذلك تعرض إلى إغتيال بالتسميم بواسطة دهان مدلكه د. العطيفي الذي واصل هذه المهمة (التسميم البطئي) لسنوات حتى وفاة عبدالناصر، وكانت المخابرات المصرية بعد سنتين من موت عبدالناصر قد أودعته السجن وقدأطلق السادات سراحه بطلب من رئيس الوزراء الإسرائلي مناحيم بيجن وسافر العطيفي مع مناحيم بيجن في الطائرة الإسرائلية نفسهاإلى إسرائيل وهوالآن مقيم في جنيف في سويسرا .
حديث المؤآمرات السياسية والإغتيالات ممتد لكن العنف المنظوم الفردي والجماعي البدني والمعنوي جزء من طبيعة الصراعات السياسية وهو لا يعني في حد ذاته إدانة لأحد بقدر ما تكون الإدانة على إتجاه تخديم هذا العنف ولمصلحة أي طبقة أو فئة فالقيم الحاكمة هي التي تعطي هذا الدم أو ذاك قيمته الإجتماعية الثقافية لأن الدماء التي سالت في تأسيس الأديان وفي تأسيس العلمانية وتأسيس الليبرالية وثوراتها العنفية البريطانية والأمريكية والفرنسية والإغتيالات والتصفيات التي لاحقت قادتها والسياسات المواشجة لها من القرن السادس عشر وحتى العراق اليوم هي جزء أصيل من طبيعة الصراع بين مشروعات حياة الملاك ويادة تملكاتهم ومشروعات تحررالبروليتارياوإنعتاقهم من ربقة الإستغلال المحلي والعالمي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست