دأبت القوات المُسلحة السودانية، طوال السنوات الماضية، على صب حمم قنابلها وقذائفها بشكل عشوائي على السكان المدنيين في منطقتي جبال النوبة/ جنوب كردفان، والنيل الأزرق، مُدمرةً في طريقها حياة الناس ومصادر رزقهم ومتسببة بحدوث أزمة إنسانية ضخمة. وما زال النظام الحاكم في الخرطوم، عبر قواته الرسمية ومليشياته يمارس فظائعه، باستخدام الأسلحة العادية والمُحرمة دولياً ما أدَّى إلى أزمة إنسانية بالغة التعقيد. ويقول أرنو نقوتلو لودي، وهو المتحدث الرسمي باسم الجيش الشعبي "شمال" في تعميم صحفي صادر بتاريخ 17/2/ 2016، إن اعتداءات نظام المؤتمر الوطني، على المدنيين طالت قرى ومناطق في جبال النوبة بعدد (46) قنبلة، عبر قارات جوية بطائرات "الأنتنوف"، ما أحدث خسائر في الأرواح ورعب وسط المدنيين العُزل. وأوضح لودين أن الاعتداءات على قرى "سبات، توجر، ولمبري" في مقاطعة دلامي، في 13/2/ 2016، أسفرت عن إسقاط (7) من القنابل، وفي 14/2/ 2016 (9) قنابل، وفي 16/2/ 2016 (18) قنبلة، ما تسبب في جرح التلميذات: 1/ النايا عبدالله التاج -12 سنة. 2/ عائشة عبد الله التاج -14 سنة. 3/ المواطن/ سمير سعيد -46 سنة. وكشف المتحدث الرسمي أيضاً عن إسقاط (12) قنبلة بتاريخ 15/ 2/ 2016 في منقطة "اللبو" بمقاطعة أم دورين أدَّت إلى مقتل المواطن جبريل تية. وإصابة كل من 1/ الرضيع/ زكريا رياض- حيث بتر القصف رجله. 2/ المواطنة/ رسالة كافى تية- 30 سنة. 3/ المواطنة/ سمية مدنى كوكو-30 سنة. 4/ المواطن/ بشير عثمان- 18 سنة.
أوضاع كارثية:
منذ تجدد اندلاع الأزمة في جنوب كردفان، فإن الأوضاع ما زالت كارثية، إذ يرفض نظام الرئيس البشير، فتح المسارات الإنسانية، لتوصيل الإغاثة إلى المُتضررين، ولا يعبأ بالتقارير الدولية بشأن الانتهاكات المُستمرة، خاصة وأن منظمة "هيومان رايتس ووتش" سبق وأن طالبت بإجراء تحقيق حول استخدام سلاح الجو السوداني لقنابل عنقودية في حربها ضد الحركة الشعبية في جنوب كردفان بعد عثور مُحققين على قنابل عنقودية في منطقة "أنقولو" التي نُشرت صورها صحيفة "الإندبندت" البريطانية. وقال السُكان للمُحققين – حينها- بحسب التقرير إن القنابل أُسقطت من طائرة حكومية. وقالت المنظمة إن القنابل سوفيتية الصنع (RBK-500) تحتوي على عدد من القنابل بداخلها وتعتبر هذة القنابل من الأسلحة المُحرمة دولياً. ويقول ستيف غوس وهو مدير قسم الأسلحة في هيومان رايتس "السودان يدعي أنه لا يملك قنابل عنقودية، لكنه لم يفسر إلى الآن لماذا وجدت هذه القنابل في أراضيه)، لافتاً إلى القنابل العنقودية تسبب مخاطر غير مبررة، وتلحق الأذى بالمدنيين، وينبغى ألا يتم استخدامها من قبل القوات المسلحة في أي مكان وفي أي وقت". وفي وقت سابق، كشف مرصد جبال النوبة لحقوق الإنسان، أن حجم الانتهاكات في حق المدنيين في جبال النوبة منذ اندلاع الحرب في ولاية جنوب كردفان بلغ (2) ألف و(103) حالة، وأن عدد حالات الاعتقال خارج إطار القانون والتوقيف دون وثيقة نيابة بلغ ألف و(523) حالة، إلى جانب اعتقال مالا يقل عن (428) شخصاً مدنياً. وذكر المرصد، أن فترات الاعتقال تراوحت ما بين (7) أيام إلى (15) شهر، وأكد المرصد أن مجموعة المُعتقلين تعرضت إلى الإساءة والتعذيب ومُصادرة المُمتلكات والفصل من العمل. واعتبر المرصد، أن إطلاق السلطات سراح عدد من المعتقلين مؤخراً خطوة جيدة، لكنه دعا إلى إتباع خطوات أخرى بوقف جميع مظاهر انتهاك القانون الدولي الإنساني من تعذيب، وقصف جوي واعتقالات خارج نطاق القانون، بالإضافة إلى كشف ظروف الاعتقال لجميع المعتقلين والضحايا والسماح لذويهم بالتحري عنهم وتحديد الجُناة وتقديمهم إلى العدالة.
قصف عشوائي:
في تقرير نشرته منظمة العفو الدولية مؤخراً، أشارت بموجبه إلى أن قوات الحكومة في السودان قد ارتكبت جرائم حرب بحق السكان المدنيين في ولاية جنوب كردفان. ويسرد التقرير المعنون "ما من أحد يعبأ بنا" أربع سنوات من الهجمات بلا هوادة على ولاية جنوب كردفان، وقائع التسلسل الزمني للتكلفة البشرية للنزاع الذي أزهق أرواح المئات من المدنيين وتسبب بحدوث أزمة إنسانية خانقة. ويخلص التقرير إلى أن عمليات القصف الجوي العشوائية والهجمات البرية والاستهداف المتعمد للمدارس والمستشفيات تشكل جرائم حرب. كما أن الدعوة إلى وقف الانتهاكات لم تتوقف مطلقاً، إذ طالبت منظمات وطنية مدافعة عن حقوق الإنسان، بوقف الانتهاكات، وقتل المدنيين في منطقة جبال النوبة. وكشفت منظمة "آري" ) المعنية برصد الانتهاكات لحقوق الإنسان في جبال النوبة في العام 2013، عن مقتل أكثر من (50) مدنياً في شهر واحد، معظمهم من الأطفال والنساء والمسنين، وأشارت المنظمة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان، إلى أن القصف الجوي الحكومي اليومي على جبال النوبة أصاب العشرات، وأجبر الآلاف على الفرار من منازلهم، لا سيمَّا في محليات "هيبان، رشاد، وقرى الدلنج"، بالإضافة إلى نفوق المواشي وإحراق مساحات واسعة من المزارع والمراعي. وقالت المُنظمة إن المدنيين ليست لديهم وسيلة للفرار إلى مُخيمات اللاجئين في جنوب السودان، كما أن إغلاق السُلطات طريق الدلنج الأبيض جعل من المُستحيل على المدنيين الفرار إلى مناطق آمنة داخل السودان.
جرائم الحرب:
تقول ميشيل كاغاري، وهي نائبة المدير الإقليمي لمنظمة العفو الدولية، إن عمليات استهداف البنية التحتية والمناطق المدنية التي لا تضم أهدافاً عسكرية مشروعة واستخدام أسلحة محظورة وغير ذلك من أنواع الأسلحة بطريقة عشوائية تشكل جرائم حرب. ولقد حان الوقت كي يتوقف المجتمع الدولي عن إشاحة بصره جانباً عما يحدث في ولاية جنوب كردفان ويقوم بتحرك عاجل يكفل إنهاء النزاع." وأضافت كاغاري قائلةً: "إن عمليات استهداف البنية التحتية والمناطق المدنية التي لا تضم أهدافاً عسكرية مشروعة واستخدام أسلحة محظورة وغير ذلك من أنواع الأسلحة بطريقة عشوائية تشكل جرائم حرب. ولقد حان الوقت كي يتوقف المجتمع الدولي عن إشاحة بصره جانباً عما يحدث في ولاية جنوب كردفان ويقوم بتحرك عاجل يكفل إنهاء النزاع." وبناءاً على نتائج بعثة بحثية زار أفرادها البلاد، اتضح لمنظمة العفو الدولية، أن القوات المسلحة السودانية استهدفت مناطق مدنية والبنية التحتية على الرغم من أنها لا تؤوي أهدافاً عسكرية مشروعة. ولقد أدَّى استخدام أسلحة محظورة من قبيل القنابل العنقودية التي تسقطها طائرات تحلق على ارتفاعات عالية إلى وقوع خسائر في الأرواح في صفوف المدنيين. وعثرت منظمة العفو الدولية على ذخائر عنقودية في أربعة مواقع في مكانين مختلفين بقضائي دالامي وأم درعين واستمعت لإفاداتٍ تتحدث عن مقتل أطفال جراء لعبهم بالذخائر غير المنفجرة. وخلال الفترة ما بين يناير/ وأبريل/ 2015، قام سلاج الجو السوداني بإسقاط ما يربو على (374) قنبلة على (60) موقعاً في مختلف أنحاء جنوب كردفان تقع تحت سيطرة جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان "شمال". وأدت عمليات القصف الجوي والمدفعي خلال الفترة نفسها إلى مقتل ما لا يقل عن (35) مدنياً وجرح (70) آخرين، وألحقت أضراراً بمبانٍ مختلفة لا سيما المدارس. ومنذ اندلاع النزاع في عام 2011، تعرضت (26) منشأة صحية (من مستشفيات وعيادات ووحدات صحية) في مناطق الحركة الشعبية للقصف على الرغم من أنها تحمل ما يدل على هويتها كمنشآت صحية من أعلام أو صلبان وُضعت على أسطحها. ولم يتبق من بين المُستشفيات الأربع المتوفرة في المناطق تحت سيطرة الحركة الشعبية سوى مستشفيان يعملان هناك.
أزمة إنسانية:
لطالما رفضت الحكومة السماح بدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى المناطق الخاضعة لسيطرة جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان، "شمال"، الأمر الذي فاقم من أزمة إنسانية طال أمدها وحرمت سكان تلك المناطق من الحصول على الطعام والأدوية الضرورية. إذ تم استبعاد أطفال المناطق التي يسيطر عليها جيش الحركة الشعبية من حملة تطعيم ضد مرض الحصبة انطلقت في السودان مؤخراً بإشراف صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) ومنظمة الصحة العالمية. وأدى تفشي الحصبة خلال الفترة ما بين مايو/ 2014 ويناير/ 2015 إلى حصد أرواح (30) طفلاً على الأقل بعد إدخالهم إلى المستشفى. ولقد أدَّت حركة النزوح الجماعي إلى انضمام ثلث سكان ولاية جنوب كردفان، أي نحو (1.4) مليون نسمة، إلى قافلة النازحين داخلياً الذين يعيشون في ظل ظروف خطيرة ينعدم الأمن فيها. ووفق الأرقام الصادرة عن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، فلقد فر نحو مائة ألف شخصٍ إلى مخيمات اللاجئين المقامة في دولة جنوب السودان المجاورة التي يمزقها النزاع الداخلي أصلاً. وعلى الرغم من استمرار النزاع ودخوله عامه الخامس وتصعيد الهجمات في الشهور الأخيرة، ظلت طبيعة الاستجابة الإقليمية والدولية جامدة على حالها. فلم نشهد صدور أي قرار عن مجلس الأمن بشأن ولاية جنوب كردفان منذ العام 2012. كما أغفلت القرارات والبيانات الصادرة عن مجلس الأمن مؤخراً الإشارة إلى بواعث القلق في جنوب كردفان. وتوقفت في ديسمبر/ 2014 الجهود التي بذلها الاتحاد الأفريقي عبر فريق الخبراء رفيع المستوى المعني بالتنفيذ للوساطة في النزاع بين الحكومة السودانية وجيش الحركة الشعبية. وأخبر الفضل خليفة محمد منظمة العفو الدولية بما يلي: "لطالما حرصنا خلال السنوات الأربع الماضية على إطلاع العالم على ما يحصل لنا. فالحقائق معروفة جيداً ولكن شيئاً لم يتغير". وأهابت منظمة العفو الدولية بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي الضغط على حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان "شمال" كي تسمحا بدخول المنظمات والمساعدات الإنسانية دون عوائق إلى ولاية جنوب كردفان. وقالت ميشيل كاغاري: "لقد وصل هذا النزاع إلى مرحلة الجمود العبثي ويتعين على الجهات الدولية أن تعاود على وجه السرعة التدخل بما يكفل وضع حد لتلك الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب، ومحاسبة مرتكبيها بجلبهم للمثول أمام القضاء". واختتمت كاغاري تعليقها قائلةً: "لا يمكن التهاون مع مسألة الإفلات من العقاب على ارتكاب جرائم الحرب، ولم يعد بالإمكان أن يستمر العالم في تجاهل أزمة إنسانية طال أمدها". جدير بالذكر أن تقرير المنظمة صدر نتاجاً لبحوث بعثة ميدانية قام بها مندوبو منظمة العفو الدولية في مايو 2015. وينص القانون الإنسان الدولي على أن التقاعس عن التمييز بين المدنيين والمقاتلين يشكل خرقاً "لمبدأ التمييز" الأساسي. كما إن تعمّد توجيه الهجمات نحو المدنيين أو الأعيان المدنية مباشرة يشكل جريمة حرب.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة