|
د. الطيب زين العابدين يكتب عن ظاهرة الفساد : تلقـوها عنـــــد الغـافل!
|
تلقـوها عنـــــد الغـافل
بعض الصحافيين الحاسدين من أمثال زهير السراج وعثمان ميرغنى فى (السودانى) وكمال الصادق ومرتضى الغالى فى (الأيام) انتهزوا فرصة ما حدث فى حكومة جنوب السودان من هجوم عنيف على الفساد والمفسدين فى مؤتمر الحركة الشعبية بمدينة ياى وما تبع ذلك من اجراءات جادة مثل انشاء لجنة فى البرلمان لمحاربة الفساد، وتكوين لجنة تحقيق مع بعض الشخصيات القيادية فى الحركة الشعبية بخصوص مبلغ الـ 60 مليون دولار التى قال الرئيس البشير إنها سلمت للحركة الشعبية لتأتى بقياداتها الموزعة فى أنحاء العالم، ورفع الحصانة عن وزير مالية الجنوب حتى يتم التحقيق معه دون حساسية، وفصل ثلاثة من كبار موظفى وزارة المالية والقبض على وكيل وزارة المالية، وإعفاء وزراء ومعتمدين ومستشارين بثلاث ولايات جنوبية، والتوصية بتكليف وزارة الشؤون القانونية بحكومة الجنوب باتخاذ الاجراءات القانونية ضد أى من يثبت تلاعبه بالمال العام واستغلال المنصب، والترحيب بدور الصحافة فى كشف الفساد والمفسدين. انتهز هؤلاء الصحافيون الحاسدون، لشئ فى نفس يعقوب، هذه الاجراءات القاسية وتمنوا لو حدثت اجراءات مماثلة فى حكومة الرئيس البشير التى تحكم الشمال فقط. وكان ينبغى لهم أن يدركوا أن ليس هناك صلة تربط حكومة الجنوب بحكومة الشمال ولا علاقة بين الحركة الشعبية المسيطرة فى الجنوب والمؤتمر الوطنى القابض على الشمال، فهذه كيانات مختلفة فى طبيعتها وأهدافها وآيديولوجياتها وبرامجها السياسية وعليه لا يجوز لأحد أن يتوقع أن تفعل حكومة الخرطوم ما فعلته حكومة جوبا. فحكومة الجنوب هذه حكومة جديدة، عمرها أقل من سنتين، لم تنشئ بعد مؤسسات قوية راسخة تعرف كيف تسيطر على ادارة الجنوب، وليست لديها خبرة فى فنون التلاعب بالاجراءات القانونية والمالية والمحاسبية، وأجهزة الخدمة المدنية هناك لا تتبع بكاملها للحزب الحاكم فى الجنوب حتى يستر بعضها عيب بعض، ولأنهم جدد فى "الصنعة" لا يجيدون اخفاء أموالهم المصرفية وعقاراتهم وممتلكاتهم. أما الحركة الشعبية فتختلف تماما عن المؤتمر الوطنى، فقد نشأت بحجة تحرير أبناء الجنوب الأفارقة من هيمنة العرب الشماليين ورفع الظلم والتهميش والتخلف عن مناطق الجنوب وحاربت من أجل ذلك لأكثر من عشرين عاما. اذن فهى حركة ذات آيديولوجية مادية (وكانت فى يوم مضى شيوعية الهوى) وتبحث عن تحقيق مكاسب مادية لأهل الجنوب، فلا عجب ان شغلت نفسها بهذه الأمور المادية (الهايفة) وجعلت من الحبة قبة. وماذا تعنى 60 مليون دولار فى عالم اليوم وفى بلد يسبح فوق بحيرة من النفط؟ ثم ان قيادة الحركة الشعبية تؤمن فقط بالحساب الدنيوى وتنسى الحساب الآخروى، ومن الأفضل أحيانا أن يترك الحساب الى يوم الحساب كما تقول المرجئة! أما المؤتمر الوطنى الذى يمثل الحركة الاسلامية الحديثة (فى أبشع صورها) فقد جاء لتحقيق مثل عليا لا صلة لها بالمكاسب المادية (الحقيرة)، ولديه مشروع حضارى متكامل لكل جوانب الحياة سينهض بالأمة السودانية وبكل الشعوب الاسلامية حتى تقوم دولة الخلافة الكبرى فى مشارق الأرض ومغاربها، ويستعيد المسلمون مجدهم السابق فى قيادة العالم. مثل هذه الأهداف العظيمة يضحى فى سبيلها بكل غال ورخيص من اللعاعات المادية، وتحتاج الى (تمكين) طويل الأمد فى السلطة حتى يتحقق ذلك الهدف الكبير أو يأتى المهدى المنتظر فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً. والتمكين يتطلب بالطبع حماية من أهل الشوكة ضد أولئك الذين يريدون تداول السلطة واجهاض المشروع الحضارى، ولا بأس على هؤلاء ان ارتكبوا بعض الموبقات المحدودة فى سبيل أداء ذلك الدور العظيم والذى قد يموتون من أجله. وعلى كل هم يكفرون عن تلك الموبقات بكثرة الحج والعمرة وان كانت على حساب الحكومة، أليس من واجب الحكومة أن تعين الناس على أداء الطاعات؟ وكثير منهم يصومون الإثنين والخميس ويفطرون معا بما لذ وطاب، ويتزوجون مثنى وثلاث بقصد اعفاف النساء وتكثير ذرارى المسلمين. ألا يكفر كل ذلك عن بعض الموبقات؟ وتحتاج قيادة المشروع الحضارى الى شخصيات ذات مقدرات عالية وطموحات كبيرة، واذا ما وجد هؤلاء الرجال فيجب عليهم أن يمسكوا بدفة المشروع الى أن يتحقق كاملاً أو يفطس أو يموتوا دونه! فهم غير قابلين للتغيير والتبديل فى منتصف المعركة الحضارية، واذا وقع من بعضهم شئ من نهب المال العام أو انتهاك حقوق الانسان أو جرائم الحرب أو غير ذلك مما تقول به المعارضة (المرتهنة للقوى الدولية) فسبحان من لا يخطئ، وبما أنهم من البدريين القدامى والجدد فسيغفر الله لهم ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر. والمؤتمر الوطنى، بحراسة وتوفيق من عند الله، وصل الى السلطة دون جهاد كبير فلم يفقد فى انقلابه الأبيض المحبوك على سلطة الأحزاب الغافلة سوى عنصر واحد نسى كلمة السر داخل حوش السلاح الطبى. وهذه الجرائم التى يتحدثون عنها تعتبر عادية وتقع فى كل أنحاء العالم بما فى ذلك الدول الديمقراطية المتقدمة مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا، ولكن لا يكثر الحديث عنها هناك ولا تصدر فيها قرارات من مجلس الأمن ولا يطالب مرتكبوها بالوقوف أمام المحكمة الجنائية الدولية. انهم يفعلون ذلك حرباً للاسلام وانتهاكا للسيادة الوطنية وكراهية لحكومته الاسلامية الرشيدة، وقد أقسم السودان ثلاثاً بأنه لن يمكنهم من تحقيق مآربهم الاستعمارية! وقد أوضحت قيادة المؤتمر الوطنى موقفها بجلاء تام حول أقاويل الفساد والمفسدين ضد أى فرد من حكومة الشمال، على كل من لديه وثائق ثبوتية أصلية (ليست مصورة)، أو أشرطة فيديو ليست مدملجة، أو أربعة شهود رأوا عملية الفساد كاملة من أولها الى اخرها أن يتقدم بتلك الوثائق الثبوتية القاطعة الى القضاء السودانى المستقل حتى يقول كلمته، وتعد الحكومة بأنها لن تتدخل فى اجراءات القضاء ولكنها فى نفس الوقت غير مستعدة لرفع الحصانة عن أى مسئول فى الدولة أثناء التحقيق لأن تلك الحصانة جزء من مخصصاته القانونية، وقد يفسر رفع الحصانة بأنه تجريم للشخص قبل المثول أمام المحكمة، وذاك أمر محرم شرعاً. أما ما يقول به الشيخ الترابى بأن نسبة الفساد قد أصبحت 90% بدلاً من 9% التى كانت فى عهده الميمون، فهذا من باب التخريف والغبينة والحسادة لتلامذته الذين تفوقوا عليه فى اللف والدوران والتكتيك السياسى! وما هو الفرق بين التسعة والتسعين سوى صفر واحد! وخلاصة القول إن على كل من يطالب بمحاربة الفساد عن طريق التحقيق والايقاف ورفع الحصانة عن المسئولين فى حكومة الشمال أن ينتظر حتى الانتخابات القادمة، التى قد تأتى فى وقتها أو تتأخر سنة أو أكثر بموافقة الشريكين، ويصوت للفريق سلفا كير أو حتى للإمام الصادق المهدى.
نقلا عن الصحافة http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=32455
|
|
|
|
|
|