|
الخرطوم عام 2025 م
|
الخرطوم عام 2025
الخرطوم واحدة من العواصم الإفريقية الكبيرة من ناحية عدد السكان الذين يقطنون المدينة ذات الثلاثة أضلاع.
الزائر لهذه المدينة لابد أن تتملكه الدهشة بسبب المتناقضات التى تحويها.
ثروة السودان البترولية والتى بدأ إستثمارها فى أواخر القرن العشرين وأوائل هذا القرن أنعكست فى عمائر شاهقة إحتلت مقرن النيلين وتمددت لتحتل مناطق أخرى وسط المدينة. هذه العمائر تبدو و كأنها نبتت بصورة عشوائية و بغير تنظيم فهى مختلفة فى الطول و الشكل حتى الألوان التى تكسوها تبدو متنافرة بشكل غريب.
وسط هذه العمائر التى تحوى قلب العاصمة التجارى ترى جيوش من الشحاذين و الباعة المتجولين و النشالين ولا بد أن تأخذ حزرك فالتجول ليلا فى هذه المناطق خطر جدا لذلك تنصح بعدم الخروج ليلا من الفندق إلا بصحبة حرس من الشركات الأمنية المتعددة التى يمكن الإستفادة من خدماتها المكلفة فى حالة إضطرارك لذلك.
رغم الجهود التى تبذلها سلطات المدينة إلا ان اغلب شوارعها يعانى من إنتشار الأوساخ و الغبار. أما ليلا فإنك بالتأكيد تحتاج لشئ تحمى به جسمك من لدغات البعوض رغم إستعانة أغلب الفنادق بالعديد من المبيدات الحشرية الحديثة و أجهزة أصطياد الحشرات.
وسط الخرطوم يعانى من إزدحام مريع. فى ساعات الصباح الأولى الكل يتدفق لوسط المدينة بوسائل مواصلات مهترئة ولكنك أيضا تشاهد الكثير من السيارات الفخمة و خاصة تلك المظللة كليا والتى لا يفتح ركابها نوافذهم عندما يطرق عليها و بشدة بواسطة الشحاذين المنتشرين فى إشارات المرور.
الخرطوم عاصمة مترامية الأطراف يقطن أحيائها الفقيرة العديدة الملايين من البشر. كان لابد لى من مرافق وانا أزور هذه الأحياء الطرفية التى تسمى باسماء تدل على مكان ومكانة سكانها. البيوت هنا عبارة عن أكواخ طينية بائسة أمامها حيشان ضيقة مسورة باى مادة تنفع لحجب ما بالداخل : جوالات،كرتون، زنك، خشب صناديق وفى النهاية الحيشان بدون أبواب. هنا ينتشر الفقر بشكل مخيف. ترى الأطفال المصابين بسوء التغذية والأمراض فى كل مكان بجسدهم النحيف وكروشهم الكبيرة. هنا لا توجد مدارس نظامية و لا علاج نظامى وترى القليل من موظفى المنظمات الطوعية الذين يحاولون فعل المعجزات فى هذه البيئة المتردية. عندما تدخل هذه الأحياء يخامرك الإحساس بأن سلطة الدولة تختفى كليا وتحل مكانها سلطات أخرى متعددة لايمكنك أن تعرف آليات عملها ولكن أهل المنطقة يعرفون ويتعايشون مع متطلباتها و يخضعون لأوامرها. سألت مرافقى كيف يوجد هذا الفقر على بعد كيلومترات من قلب العاصمة ذات العمائر الشاهقة و أين تذهب ثروة السودان البترولية ضحك قائلا: لاتتحدث فى السياسة.
بعد نهاية الجولة أخذنى مرافقى لتناول الطعام فى نادى خاص. النادى لم يكن له لافتة تبين إسمه ولكنه كان محروسا حراسة جيدة. دهشت لمستوى الخدمات و جمال المكان. هنا يقوم بالخدمة عليك مجموعة منتقاة من المضيفين و المضيفات الأجانب ذوات الطلعة البهية. كان الطعام شهيا و النادى من الداخل كأنه قطعة من منتجع اوربى خلاب.
دفعت فاتورة ضخمة بعد تناول الطعام وسألت مرافقى عن إسم هذا النادى فقال دعك من إسمه هذا نادى متواضع بالمقارنة مع أندية أخرى لا يمكنك دخولها ولا رؤيتها من الداخل وتحكى عنها الأساطير.
لم اكن أن اتصور ان نصف ساعة بالعربة تحوى هذه المفارقات. قلت لنفسى كيف تحافظ الحكومة على السلم الإجتماعى بوجود هذه الفروقات الطبقية. نظرت من نافذة السيارة فرأيت الجنود المدججين بالسلاح يحرسون منشأة حكومية وتبدو سياراتهم و آلياتهم فى كل التقاطعات الرئيسية فى المدينة وتذكرت شركات الحراسة الأمنية المنتشرة فى كل مكان.
قلت لنفسى وانا فى طريقى للمطار ماذا ينفع البترول والمال إذا لم يستخدم لخدمة و رفاهية الشعوب؟
|
|
  
|
|
|
|