الفاتح جبرا .. في ذمة الله
نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب د. الفاتح يوسف جبرا فى رحمه الله
|
إلي ( أبوسليم ) في ذكرى رحيله الثالثة ...
|
بقلم : أماني أبوسليم صحيفة السوداني العدد(445) ... 7 فبراير 2007
افتقدتك كثيراً يا أبي أيام عرسي وانتقالي إلى بيتي الجديد. صورتك أول ما جهزت من متاعي للانتقال بها إلى بيتي الجديد.
طوال حياتي وأنا اعرف ان لنا أختاً كبرى أثيرة لديك لا ينافسها من أبنائك أحد، دار الوثائق هي ابنتك الكبرى التي استحوذت على اهتمامك وجل عمرك حتى كبرت وصارت كما يعلمها الجميع على يديك.
في ذكرى رحيلك الثالثة افتقدتك وأنا انتقل إلى بيتي الجديد وفي ذكرى رحيلك الثالثة افتقدتك دار الوثائق وهي تنتقل إلى بيتها الجديد، وحيث كنت قد جهزت صورتك في أولى متاع رحيلي متشبثة باسمك، لم أجد في بيت دار الوثائق الجديد اثراً لاسمك أو صورتك.
ذهبت لحضور عرسها وافتتاح مبانيها الجديدة، توالت الكلمات والترحيب والشكر لمن ساهموا في الصرح العظيم وجاء اسمك على عجالة، كأنهم تذكروك فجأة أو كأنهم تعمدوا ان يذكروك على حين فجأة وسط ذلك الترتيب الذي لم ينس حتى مناديل الورق.
وتجولت في المعرض المصاحب للافتتاح، اسقطت منه صورتك في تعمد للسهو، فالسهو سهواً في عقر التاريخ والتوثيق لا مكان له، صورتك هناك كانت صغيرة على لوح مع مجموعة ممن كانوا على رأس الإدارة وكأنك كنت في إدارتها فقط لا غير، وقد عرضوا صوراً يا أبي تحكي عن حدث وضع حجر الأساس لنفس هذه المباني الذي كانت منذ حوالي أربع سنوات وكان آخر مناسبة تحضرها قبل وفاتك، في يوم وضع حجر الأساس ذاك كنت النجم الذي لا يضاهى. هل تصدق انهم عرضوا صوراً لآخرين ولم تستحق في نظرهم ان تكون ضمن من تعرض صورتهم في توثيق لحضور ذاك اليوم.
هذه المباني التي كبرت الآن ولفتت الأضواء هي التي رعيتها انت منذ ان كانت حلماً نطفة، علقة مضغة، عظماً فمولوداً حملته على يديك وأكتافك وبذرة التحديث، وحدة الكمبيوتر، كانت بجهدك الخاص انت دون اللجوء إلى دولة أو حكومة، هذه المباني التي لم تستسلم للمرض إلا بعد ان رأيتها قد قامت واستطالت أمام عينيك، هذه المباني استكثروا ان يضعوا صورتك في معرض افتتاحها هل تصدق!.
وقد بحثت عن اسمك مسمى به إحدى الصالات أو المستودعات فلم أجد، في تأكيد لتعمد السهو، وذاك تقليد تعرفه حتى المدارس الإبتدائية ان تخلد اسماء مؤسسيها على الاقل بإطلاق اسمائهم على بعض الصالات أو القاعات.
هناك يا أبي من البشر من يظن ان كفه قادرة على حجب الشمس، هناك يا أبي من يظن ان كف السلطة قادرة على محو التاريخ في دار التاريخ والتسجيل لصالحها على حساب الغير في دار التسجيل والتوثيق. أنا أعلم يا أبي وانت تعلم ان هيهات ان يستطيعوا، دعهم يا أبي، فهم لازالوا صغاراً، يفرحون بأولى ألوانهم على الدفاتر كطفل يسعى بحروفه الأولى لمعلمه ليحوز الاعجاب والتصفيق، ولا يعلمون ان الانجاز يبدأ بالوفاء للأولين، ومن يكتب على صفحات الانجاز بقلم رصاص يكابد ألا تنكسر سنته لن يستطيع ان يمحو انجاز من نحتوا على الصخر بأعمالهم، كان الموقف مثيراً للحزن وباعثاً على الشفقة، عليهم هم بالتأكيد، لا عليك انت.
في عمق افتقادي لك أيام عرسي ومناي ان تكون معنا في تلك الأيام، بث التلفزيون لقاءً معك عن الساقية، فسقى بعض ظمئي إليك، فقد كنت وسطنا بالبيت تتحدث ويملأ صوتك المكان، قبلت وجهك في ذاك المساء ورويت بعضاً من شوقي إليك، في عرسها دار الوثائق، مارووا شوقها إليك لا صوتاً ولا صورة.
اعلمتني يا أبي ان السياسة هي سعى للمصلحة الخاصة وبلوغ حكم الناس والاستفادة من السلطان والنفوذ، وعلمتني ان الوطنية وحب البلد هي السعي للمصلحة العامة ومد اليد بالخير لما يفيد كل الناس.
الفرق يا أبي أنهم عندما كانوا يعملون كانوا ينتظرون التصفيق وتسليط الأضواء وانت ما كنت تنتظر غير ان يعم الخير ويرفد الجميع، وهو الفرق يا أبي بين العمل للمصلحة السياسية والعمل للمصلحة الوطنية وهو الفرق بين المظهر والجوهر في العمل.
دعنا يا أبي نحسن الظن، فهم يعلمون أنهم لن يستطيعوا ان يتجاهلوك، دعنا نقول أنهم لم يتعمدوا ألا يذكروك، دعنا نقول ان كل الأمر أنهم خافوا ان جاء اسمك هناك ان يتحول عنهم الضوء إليك وهم الساعون إلى الضوء.
دعنا نقول انه ما كان لهم من خيار آخر للحفاظ على البقاء في دائرة الضوء لأن من يحمل شمعة صغيرة يخشى على ضوئها الضعيف، ان يضيع وينطفئ عندما تبهر الشمس عيون الناس، دعهم يا أبي فهم لا يعلمون ان الشمس التي كانت تشرق في ذلك الصباح كانت شمسك انت فهل تستطيع أكفهم ان تحجبها.
دعنا يا أبي الآن من حديث الشمس والأكف الصغيرة، ولنترك أيضاً كل انجازاتك في ريع دار الوثائق جانباً وننظر إلى انجاز واحد اعتبره أكبر وأهم انجازاتك وهو دليل الإدارة الناجحة والنظرة الشاملة للأمور، منذ سودنة الوظيفة وحتى منتصف التسعينيات كنت الدرع الحامي لقومية هذه الدار اسماً وعملاً من التغولات السياسية ولربما ظلت الدار هي المرفق الحكومي الوحيد طوال عشرات السنين البعيدة عن تغول الحزبية ويد السلطات الشمولية، فكنت لها الأب الراعي بالموضوعية والمهنية ومحل الثقة ان تحافظ على هذه الصفة القومية لمصلحة الجميع والبلد من قبل، وهذا الانجاز الصادر من معدن الوطنية والقومية والمهنية المحترفة هو الذي جعلك تعطي دار الوثائق صيتها ووضعها المتميز في الداخل والخارج وهي تسكن ذلك المبنى المتهالك.
ما بالي أخشى على دار الوثائق بعد الدار الجديدة ان تخلع ثوب القومية، ما باله اللون السياسي يطلي جدران المباني الجديدة في هذه المرحلة التي نسعى فيها للسلام ونرتب للديمقراطية ونحاول ان نجد مكاناً في التجمعات الدولية، ما بالهم يصنعون الشقوق في الجدران لتتسرب منها المهنية والقومية، ما بال أحد أعضاء إدارتها يتلجلج في تعريف المخطوطة في لقاء على الملأ.
كيف لا تتسرب المهنية والقومية من دار أسست بهما وذاك الإداري لا يفرق بين المخطوطة والوثيقة دون أي حرج مهني.
ليس كل الظن اثماً، فصورتك التي غيبوها ومعها صور أخرى والاسماء التي ذكروها بتلك العجالة لبعض المؤسسين والرواد، ذكروها بتلك الطريقة ليقولوا لنا انسوهم سريعاً وتذكرونا نحن فقط.
اسمع يا أبي أحاديثهم في الإذاعات والتلفزيون والصحف، من ذكروا غير أنفسهم وهم يذكرون دار الوثائق؟ من يمجدون غير لونهم السياسي وهم يذكرون دار الوثائق القومية؟ وما علموا يا أبي أنهم عندما يذكرونها فإنهم دون ان يدروا قد ذكروك.
دعنا فقط نهمس في أذنهم يا أبي، ان لا بناء معلق في الهواء، فمهما علا فلابد له من أساس، ومن تناسى الأساس مهما علا شأنه لابد ان يهوي ويضيع ذكره في هواء الهاوية، لأن الجزاء من جنس العمل من نواميس الحكمة الإلهية في الكون، دعنا نقول لهم ان الشموس لا تموت مهما غابت تبقى الطاقة مستمدة منها وعسى الله ان يهديهم وينزل من غرورهم بعضاً ويفتح عيونهم ليقرأوا التاريخ جيداً في مكان التاريخ وهم يسجلون حدثاً للتاريخ.
أماني أبوسليم
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
إلي ( أبوسليم ) في ذكرى رحيله الثالثة ... | محمد صالح علي | 02-07-07, 11:02 AM |
Re: إلي ( أبوسليم ) في ذكرى رحيله الثالثة ... | محمد صالح علي | 02-08-07, 11:41 AM |
Re: إلي ( أبوسليم ) في ذكرى رحيله الثالثة ... | محمد زمراوي عبدالعزيز | 02-08-07, 11:58 AM |
Re: إلي ( أبوسليم ) في ذكرى رحيله الثالثة ... | محمد صالح علي | 02-09-07, 01:46 PM |
Re: إلي ( أبوسليم ) في ذكرى رحيله الثالثة ... | Ahmed Abushouk | 02-10-07, 01:07 AM |
Re: إلي ( أبوسليم ) في ذكرى رحيله الثالثة ... | sharnobi | 02-10-07, 04:30 AM |
Re: إلي ( أبوسليم ) في ذكرى رحيله الثالثة ... | محمد عبدالرحمن | 02-10-07, 07:07 AM |
Re: إلي ( أبوسليم ) في ذكرى رحيله الثالثة ... | sharnobi | 02-10-07, 07:24 AM |
Re: إلي ( أبوسليم ) في ذكرى رحيله الثالثة ... | abubakr | 02-10-07, 07:46 AM |
Re: إلي ( أبوسليم ) في ذكرى رحيله الثالثة ... | محمد عبدالرحمن | 02-10-07, 08:12 AM |
Re: إلي ( أبوسليم ) في ذكرى رحيله الثالثة ... | sharnobi | 02-10-07, 08:28 AM |
Re: إلي ( أبوسليم ) في ذكرى رحيله الثالثة ... | محمد صالح علي | 02-10-07, 02:37 PM |
Re: إلي ( أبوسليم ) في ذكرى رحيله الثالثة ... | محمد صالح علي | 02-21-07, 08:25 PM |
Re: إلي ( أبوسليم ) في ذكرى رحيله الثالثة ... | kabbashi | 02-21-07, 08:36 PM |
Re: إلي ( أبوسليم ) في ذكرى رحيله الثالثة ... | Ahmed Abushouk | 02-22-07, 02:18 AM |
Re: إلي ( أبوسليم ) في ذكرى رحيله الثالثة ... | محمد صالح علي | 02-21-07, 08:39 PM |
|
|
|